الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسلمين إليه واقتلعوه وارتجت الأرض بالتكبير والعويل ولما خلا القدس من العدوّ أمر صلاح الدين بردّ مشاعره إلى أوضاعها القديمة وكانوا قد غيروها فأعيدت إلى حالها الأوّل وأمر بتطهير المسجد والصخرة من الأقذار فطهرا ثم صلى المسلمون الجمعة الأخرى في قبة الصخرة وخطب محيي الدين بن زنكي قاضي دمشق بأمر صلاح الدين وأتى في خطبته بعجائب من البلاغة في وصف الحال وعظة الإسلام اقشعرت لها الجلود وتناقلها الرواة وتحدثت بها السمار أحوالا ثم أقام صلاح الدين بالمسجد للصلوات الخمس إماما وخطيبا وأمر بعمل المنبر له فتحدّثوا عنده بأنّ نور الدين محمودا اتخذ له منبرا منذ عشرين سنة وجمع الصناع بحلب فأحسنوا صنعته في عدد سنين فأمر بحمله ونصبه بالمسجد الأقصى ثم أمر بعمارة المسجد واقتلاع الرخام الّذي فوق الصخرة لأن القسيسين كانوا يبيعون الحجر من الصخرة ينحتونها نحتا ويبيعونها بالذهب وزنا بوزن فتنافس الإفرنج فيها التماس البركة منها ويدعونها في الكنائس فخشي ملوكهم أن تفنى الصخرة فعالوا عليها بفرش الرخام فأمر صلاح الدين بقلعه [1] ثم استكثر في المسجد من المصاحف ورتب فيه القرّاء ووفر لهم الجرايات وتقدّم ببناء الربط والمدارس فكانت من مكازمه رحمه الله تعالى وارتحل الإفرنج بعد أن باعوا جميع ما يملكونه من العقار بأرخص ثمن واشتراه أهل العسكر ونصارى القدس الأقدمون بعد أن ضربت عليهم الجزية كما كانوا والله تعالى أعلم.
حصار صور ثم صفد وكوكب والكرك
لما فتح صلاح الدين القدس أقام بظاهره إلى آخر شعبان من السنة حتى فرغ من جميع أشغاله ثم رحل إلى مدينة صور وقد اجتمع فيها من الإفرنج عوالم وقد نزل بها المركيش وضبطها ولما انتهى صلاح الدين إلى عكا أقام بها أياما فبالغ المركيش في الاستعداد وتعميق الخنادق وإصلاح الأسوار وكان البحر يحيط بها من ثلاث جهاتها فوصل جانب اليمين بالشمال وصارت كالجزيرة وسار إليها فنزل عليها لتسع بقين من رمضان على تل يشرف منه على مكان القتال وجعل القتال على أقيال عسكره نوبا بين ابنه الأفضل وابنه الظاهر وأخيه
[1] كذا بالأصل والعبارة مرتبكة، وفي الكامل ج 11 ص 552: وكان الفرنج فرشوا الرخام فوق الصخرة فغيّبوها فأمر بكشفها وكان سبب تغطيتها بالفرش أن القسيسين باعوا كثيرا منها للفرنج الواردين إليهم من داخل البحر للزيارة يشترونه بوزنه ذهبا رجاء بركتها، وكان أحدهم إذا دخل إلى بلاده باليسير منها بنى له الكنيسة. ويجعل في مذبحها. فخاف بعض ملوكهم أن تغني فأمر بها ففرش فوقها حفظا لها.
العادل وابن أخيه تقيّ الدين ونصب عليها المجانيق والعرادات وكان الإفرنج يركبون في الشواني والحراقات ويأتون المسلمين من ورائهم فيرمون عليهم من البحر ويقاتلونهم ويمنعونهم من الدنوّ إلى السور فبعث صلاح الدين عن أسطول مصر من مرسى عكا فجاء ودافع الإفرنج وتمكن المسلمون من قتال الأسوار وحاصروها برّا وبحرا ثم كبس أسطول الإفرنج خمسة من أساطيل المسلمين ففتكوا بهم وردّ صلاح الدين الباقي إلى بيروت لقلتها فاتبعها أساطيل الإفرنج فلما أرهقوهم في الطلب ألقوا بأنفسهم إلى الساحل وتركوها فحكمها صلاح الدين ونقضها وجد في حصار صور فلم يفد وامتنعت عليه لما كان فيها من كثرة الإفرنج الذين أمنهم بعكا وعسقلان والقدس فنزلوا إليها بأموالهم وأمدوا صاحبها واستدعوا الإفرنج وراء البحر فوعدوهم بالنصر وأقاموا في انتظارهم ولما رأى صلاح الدين امتناعها شاور أصحابه في الرحيل فتردّدوا وتخاذلوا في القتال فرحل آخر شوّال إلى عكا وأذن للعساكر في المشي إلى أوطانهم إلى فصل الربيع وعادت عساكر الشرق والشام ومصر وأقام بقلعة عكا في خواصه وردّ أحكام البلد إلى خرديك من أمراء نور الدين وكان صلاح الدين عند ما اشتغل بحصار عسقلان بعث عسكرا لحصار صور فشدّدوا حصارها وقطعوا عنها الميرة وبعثوا إلى صلاح الدين وهو يحاصر صور فاستأمنوا له ونزلوا عنها فملكها وكان أيضا صلاح الدين لما سار إلى عسقلان جهز عسكرا لحصار قلعة كوكب يحرسون السابلة في طريقها من الإفرنج الذين فيها وهي مطلة على الأردن وهي للإستبارية وجهز عسكرا لحصار صفد وهي للفداوية مطلة على طبرية ولجأ إلى هذين الحصنين من سلم من وقعة حطين وامتنعوا بهما فلما جهز العساكر إليهما صلحت الطريق وارتفع منها الفساد فلما كان آخر ليلة من شوّال غفل الموكلون بالحصار على قلعة كوكب وكانت ليلة شاتية باردة فكبسهم الإفرنج ونهبوا ما عندهم من طعام وسلاح وعادوا إلى قلعتهم وبلغ ذلك صلاح الدين وهو يعتزم على الرحيل عن صور فشحذ من عزيمته ثم جهز عسكرا على صور مع الأمير قايماز النجمي وارتحل إلى عكا فلما انصرم فصل الشتاء سار من عكا في محرّم سنة أربع وثمانين إلى قلعة كوكب فحاصرها وامتنعت عليه ولم يكن بقي في البلاد الساحلية من عكا إلى الجنوب غيرها وغير صفد والكرك فلما امتنعت عليه جهز العسكر لحصارها مع قايماز النجمي ورحل عنها في ربيع الأوّل إلى دمشق ووافته رسل أرسلان [1] وفرح الناس بقدومه والله تعالى وليّ التوفيق.
[1] كذا بياض بالأصل، وفي الكامل ج 12 ص 6: وأتاه رسل الملك قليج أرسلان ونزل ارسلان وغيرها يهنونه بالفتح والظفر، وسار من كوكب الى دمشق ففرح الناس بقدومه وكتب الى البلاد جميعا باجتماع العساكر بها.
وأقام بها الى أن سار الى الساحل بالبلاد الشامية.