الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مترصدون الطرق للنهب فسلبوه وهموا بقتله. وشعر بعضهم أنه السلطان فمضى به إلى بيته ليخلصه إلى بعض النواحي، ودخل البيت في مغيبه بعض سفلتهم وهو يريد الثأر من الخوارزمية بأخ له قتل بخلاط فقتله، ولم يغن عنه أهل البيت. ثم انتشر التتر بعد هذه الواقعة في سواد آمد وأرزن وميافارقين وسائر ديار بكر فاكتسحوها وخربوها، وملكوا مدينة أسعرد عنوة فاستباحوها بعد حصار خمسة أيام، ومرّوا بميافارقين فامتنعت، ثم وصلوا إلى نصيبين فاكتسحوا نواحيها، ثم إلى سنجار وجبالها والخابور. ثم ساروا إلى أيدس فأحرقوها، ثم إلى أعمال خلاط فاستباحوا هاكري وأرجيش. وجاءت طائفة أخرى من أذربيجان إلى أعمال أربل ومرّوا في طريقهم بالتركمان الأيوبيّة والأكراد الجوزقان فنهبوا وقتلوا، وخرج إليهم والي أربل مستمدا أهلها وعساكر الموصل فلم يدركوهم فعادوا وبقيت البلاد قاعا صفصفا. والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
التعريف بجنكزخان وقسمة الأعمال بين ولده وانفراده بالكرسي في قراقوم [1] وبلاد الصين
هذا السلطان جنكزخان هو سلطان التتر لعهده ثم من المغل أحد شعوبهم، وفي كتاب لشهاب الدين بن فضل الله: أنه من قبيلة أشهر قبائل المغل وأكبرهم، (وزايه التي بين الكاف والخاء ليست صريحة وإنما مشتملة بالصاد فينطق بها بين الصاد والزاي) وكان اسمه تمرجين ثم أصاروه جنكزخان تمام الاسم وهو بمعنى الملك عندهم. وأما نسبته فهي هكذا: جنكز بن بيسوكي بن بهادر بن تومان برتيل خان بن تومينه بن باد سنقر بن تيدوان ديوم بن بقا بن مودنجة، أحد عشر اسما أعجميا صعبة الضبط وهذا منحاها. وفي كتاب ابن فضل الله فيما نقله عن شمس الدين الأصفهاني إمام المعقولات بالمشرق أخذها عن أصحاب نظير الدين الطوسي قال: أنّ مودنجة اسم امرأة وهي جدتهم من غير أب.
قالوا: وكانت متزوجة وولدت ولدين اسم أحدهما بكتوت والآخر بلكتوت، ويقال لولدها بنو الدلوكية. ثم مات زوجها وتأيمت وحملت وهي أيم فنكر عليها أقرباؤها فذكرت أنها رأت بعض الأيام نورا دخل في فرجها ثلاث مرات، وطرأ عليها الحمل
[1] قراقوم: بفتح القاف والراء المهملة وألف وقاف مضمومة وواو ساكنة وميم، معناه الرمل الأسود بالتركية. قال ابن سعيد: وقراقوم كانت قاعدة التتر، وفي جهاتها بلاد المغل، وهم خالصة التتر ومنها خاناتهم (تقويم البلدان لأبي الفداء) .
بعده. وقالت لهم: إن في حملها ثلاثة ذكور، فإن صدق ذلك عند الوضع وإلا فافعلوا ما بدا لكم. فوضعت ثلاثة توائم من ذلك الحمل فظهرت براءتها بزعمهم، اسم أحدهم: برقد والآخر قونا والثالث نجعو وهو جد جنكزخان الّذي في عمود نسبه كما مرّ، وكانوا يسمونهم النورانيين نسبة الى النور الّذي ادعته. ولذلك يقولون جنكزخان ابن الشمس.
وأما أوليته فقال يحيى بن أحمد بن علي النسابي كاتب جلال الدين خوارزم شاه في تاريخ دولته أنّ مملكة الصين متسعة ودورها مسيرة تسعة أشهر وهي منقسمة من قديم الزمان على تسعة أجزاء كلّ جزء منها مسيرة شهر ويتولى ملك كل جزء منها ملك يسمى بلغتهم خان ويكون نائبا عن الخان الأعظم قال وكان الأعظم الّذي عاصر خوارزم شاه علاء الدين محمد بن تكش يقال له طرخان توارثها عن آبائه وكان مقيما بطوغاج وهي وسط الصين وكان جنكزخان من أولئك الخانات الستة وكان من سكان البدو ومن أهل النجدة والشرف وكان مشتاه فارعون من بلاد الصين وكان من خاناتهم أيضا ملك آخر اسمه دوشي خان كان متزوّجا بزوجة جنكزخان واتفقت وفاته فحضر جنكزخان يوم وفاة زوجها دوشي خان فولته مكانه وحملت قومها على طاعته وبلغ الخبر إلى الخان الأعظم طرخان فنكر ذلك وزحف إليهم فقاتلوه وهزموه وغلبوه على أثر بلاده ثم صالحهم عليها وأقام متغلبا ثم مات بقية الخانات الستة وانفرد جنكزخان بأمرهم جميعا وأصبح ملكهم وكان بينه وبين خوارزم شاه من الحروب ما قدّمناه وفي كتاب ابن فضل الله محكيا عن الصاحب علاء الدين عطاء وحدّثه به قال كان ملك عظيم من التتر في قبيلة عظيمة من قبائلهم يدعى أزبك خان وكان مطاعا في قومه فاتصل به جنكزخان فقرّبه واستخلصه ونافسه قرابة السلطان وسعوا به عنده حتى استفسدوه عليه وطوى له وتربص به وسخط أزبك خان على مملوكين عنده فاستجارا بجنكزخان فأجارهما وضمن لهما أمانه وأطلعاه على رأي السلطان فيه فاستوحش وحذر وثبة السلطان فأجفل أمامه وأتبعه السلطان في عساكره فلما أدركه كرّ عليه جنكزخان فهزمه وغنم سواده وما معه ثم استمرّت العداوة وانتبذ عن السلطان واستألف العساكر والأتباع وأفاض فيهم الإحسان فاشتدّت شوكته ودخل في طاعته قبيلتان عظيمتان من المغل وهما أورات ومنفورات فعظمت جموعه وأحسن إلى المملوكين اللذين حذراه من أزبك خان ورفع رتبتهما وكتب لهما العهود بما اختاراه وكتب فيها أن يستمرّ ذلك لهما إلى تسعة بطون من أعقابهما ثم جهز العساكر لحرب أزبك خان فهزمه وقتله واستولى على مملكة التتر بأسرها ولما
توطأ أمره تسمى جنكزخان وكان اسمه تمرجين كما مرّ وكتب لهم كتابا في السياسة سماه السياسة الكبيرة ذكر فيه أحكام السياسة في الملك والحروب والأحكام العامّة شبه أحكام الشرائع وأمر أن يوضع في خزانته وأن تختص بقرابته ولم يكن يؤتى بمثله وإنما كان دينه ودين آبائه وقومه المجوسية حتى ملكوا الأرض واستفحلت دولتهم بالعراق والشمال وما وراء النهر وأسلم من ملوكهم من هداه الله للإسلام كما نذكره إن شاء الله تعالى فدخلوا في عدد ملوك الإسلام إلى أن انقرضت دولهم وانقضت أيامهم والبقاء للَّه وحده وأما ولده فكثير وهو الّذي يقتضيه حال بداوته وعصبيته إلا أنّ المشهور منهم أربعة أولهم دوشي خان ويقال جرجي وثانيهم جفطاي ويقال كداي وثالثهم أوكداي ويقال أوكتاي ورابعهم طولي بين التاء والطاء والثلاثة الأول لأمّ واحدة وهي أوبولى بنت تيكي من كبار المغل وعدّ شمس الدين الأصبهاني الأربعة فقال جرجي وكداي وطولي وأوكداي وقال نظام الدين يحيى بن الحليم نور الدين عبد الرحمن الصيادي كاتب السلطان أبي سعيد فيما نقله عنه شهاب الدين بن فضل الله أنّ كداي هو جفطاي وجرجي هو طوشي فلما ملك جنكزخان البلاد قسم الممالك فكان لولده طوشي بلاد فيلاق إلى بلغار وهي دست القفجاق وأضاف إليه أران وهمذان وتبريز ومراغة وعيرلان وكتاي حدود آمد وقوباق وما أدري تفسير هذه وجعله ولي عهده وعين لجفطاي من الأيقور إلى سمرقند وبخارى وما وراء النهر ولم يعين لطولي شيئا وعين لأخيه أوتكين نوى بلاد أبخت ولا أدري معنى هذا الاسم ولما استفحل ملكه واستولى على هذه الممالك جلس على التخت وانتقل إلى وطنه القديم بين الخطا وإلا يقور وهو تركستان وكاشغر وفي ذلك الوطن مدينة قراقوم وبها كان كرسيه ومكانه بين أعمال ولده مكان المركز من الدائرة وكان كبير ولده طوشي ويقال دوشي ومات في حياته وخلف من الولد ناخوا وبركة وداوردة وطوفل هكذا قال ابن الحكيم وقال شمس الدين ناظو وبركة فقط ومات طولي أيضا في حياته في حربه مع جلال الدين خوارزم شاه بنواحي غزنة وخلف من الولد منكو قبلاي وأزبيك وهلاكو والله تعالى أعلم بغيبه وأحكم
.