الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعد ملكهم عسقلان ووضعوا عليها الجزية واشترطوا عليهم تخيير الأسرى الذين بأيديهم في الرجوع إلى وطنهم وكان بها يومئذ مجير الدين أنز بن محمد بن بوري بن طغركين الأتابك واهن القوى مستضعف القوّة فخشي نور الدين عليها من الإفرنج وربما ضايق مجير الدين بعض الملوك من جيرانه فيفزع إلى الإفرنج فيغلبون عليه وأمعن النظر في ذلك وبدأ أمره بمواصلة مجير الدين وملاطفته حتى استحكمت المودّة بينهما حتى صار يداخله في أهل دولته ويرميهم عنده أنهم كاتبوه فيوقع الآخر بهم حتى هدم أركان دولته ولم يبق من أمرائه إلا الخادم عطاء بن حفاظ وكان هو القائم بدولته فعصى به نور الدين وحال بينه وبين دمشق فأغرى به صاحبه مجير الدين حتى نكبه وقتله وخلت دمشق من الحامية فسار حينئذ نور الدين مجاهرا بعداوة مجير الدولة ومتجنيا عليه واستنجد بالإفرنج على أن يعطيهم الأموال ويسلم لهم بعلبكّ فجمعوا واحتشدوا وفي خلال ذلك عمد نور الدين إلى دمشق سنة سبع وأربعين وكاتب جماعة من أحداثها ووعدهم من أنفسهم فلما وصل ثاروا بمجير الدين ولجأ إلى القلعة وملك نور الدين المدينة وحاصره بالقلعة وبذل له إقطاعا منها مدينة حمص فسار إليها مجير الدين وملك نور الدين القلعة ثم عوضه عن حمص ببالس فلم يرضها ولحق ببغداد وابتنى بها دارا وأقام بها إلى أن توفي والله سبحانه وتعالى أعلم.
استيلاء نور الدين على تل باشر وحصاره قلعة حارم
ولما فرغ نور الدين من أمر دمشق بعث إليه الإفرنج الذين في تل باشر في شمالي حلب واستأمنوا إليه ومكنوه من حصنهم فتسلمه حسان المنبجي من كبراء أمراء نور الدين سنة تسع وأربعين ثم سار سنة إحدى وخمسين إلى قلعة بهرام بالقرب من أنطاكية وهي لسمند أمير أنطاكية من الإفرنج فحاصرها واجتمع الإفرنج لمدافعته ثم خاموا عن لقائه وصالحوه على نصف أعمال حارم فقبل صلحهم ورحل عنها والله سبحانه وتعالى وليّ التوفيق بمنه وكرمه.
استيلاء نور الدين على شيزر
شيزر هذه حصن قريب من حماة على نصف مرحلة منها على جبل منيع عال لا يسلك إليه إلّا من طريق واحدة وكانت لبني منقذ الكنانيين يتوارثون ذلك من أيام صالح بن مرداس صاحب حلب من أعوام عشرين وأربعمائة إلى أن انتهى ملكه إلى المرهف نصر بن علي بن
نصير بن منقذ بعد أبيه أبي الحسن علي فلما حضره الموت سنة تسعين وأربعمائة عهد لأخيه أبي سلمة بن مرشد وكان عالما بالقراءات والأدب وولي مرشد أخاه الأصغر سلطان بن علي وكان بينهما من الاتفاق والملاءمة ما لم يكن بين اثنين ونشأ لمرشد بنون كثيرون و [1] في السود منهم عز الدولة أبو الحسن علي ومؤيد الدولة أسامة وولده علي وتعدّد ولده ونافسوا بني عمهم وفشت بينهم السعايات فتماسكوا لمكان مرشد والتئامه بأخيه فلما مات مرشد سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة تنكر أخوه سلطان لولده وأخرجهم من شيزر فتفرّقوا وقصد بعضهم نور الدين فامتعض لهم وكان مشتغلا عنهم بالإفرنج ثم توفي سلطان وقام بأمر شيزر أولاده وراسلوا الإفرنج فحنق نور الدين عليهم لذلك ثم وقعت الزلازل بالشام وخرب أكثر مدنه مثل حماة وحمص وكفر طاب والمعرّة وأفامية وحصن الأكراد وعرقة ولاذقية وطرابلس وأنطاكية هذه سقطت جميعها وتهدّمت سنة اثنتين وخمسين وما سقط بعضه وتهدّمت أسواره فأكثر بلاد الشام وخشي نور الدين عليها من الإفرنج فوقف بعساكره في أطراف البلاد حتى رم ما تثلم من أسوارها وكان بنو منقذ أمراء شيزر قد اجتمعوا عند صاحبها منهم في دعوة فأصابتهم الزلزلة مجتمعين فسقطت عليهم القلعة ولم ينج منهم أحد وكان بالقرب منها بعض أمراء نور الدين فبادر وصعد إليها وملكها منه نور الدين ورم ما تثلم من أسوارها وجدّد بناءها فعادت كما كانت هكذا قال ابن الأثير وقال ابن خلكان وفي سنة أربع وسبعين وأربعمائة استولى بنو منقذ على شيزر من يد الروم والّذي تولى فتحها منهم علي بن منقذ بن نصر بن سعد وكتب إلى بغداد بشرح الحال ما نصه كتابي من حصن شيزر حماه الله وقد رزقني الله من الاستيلاء على هذا المعقل العظيم ما لم يتأت لمخلوق في هذا الزمان وإذا عرف الأمر على حقيقته علم أني هزبر هذه الأمّة وسليمان الجنّ والمردة وأنا أفرّق بين المرء وزوجه واستنزل القمر من محله أنا أبو النجم وشعري شعري نظرت إلى هذا الحصن فرأيت أمرا يذهل الألباب يسع ثلاثة آلاف رجل بالأهل والمال وتمسكه خمس نسوة فعمدت إلى تل بينه وبين حصن الروم يعرف بالحواص ويسمى هذا التل بالحصن فعمرته حصنا وجمعت فيه أهلي وعشيرتي ونفرت نفرة على حصن الحواص فأخذته بالسيف من الروم ومع ذلك فلما أخذت من به من الروم أحسنت إليهم وأكرمتهم ومزجتهم بأهلي وعشيرتي وخلطت خنازيرهم بغنمي ونواقيسهم بصوت الأذان ورأى أهل شيزر فعلي ذلك فأنسوا بي ووصل إليّ منهم قريب من نصفهم فبالغت في إكرامهم ووصل إليهم مسلم بن قريش العقيلي فقتل
[1] بياض بالأصل وفي الكامل ج 11 ص 219: فأولد مرشد عدة أولاد ذكور وكبروا وسادوا.