الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجائي اليوسفي ودس إلى قرطاي كافل الأمير علي بن السلطان وكان صديقه بطلبنا من الجائي بخدمة ولىّ العهد وصانع الجهتين بذلك قال وصرنا إلى وليّ العهد فعرضنا على السلطان أبيه واختصنا عنده بتعليم الثقافة لمماليكه إلى أن دعانا السلطان يوم واقعة الجائي وهو جالس بالاصطبل فندبنا لحربه وذكرنا حقوقه وأزاح عللنا بالجياد والاسلحة فجلبنا في قتله إلى أن انهزم وما زال السلطان بعدها يرعى لنا ذلك ويقدّمنا انتهى خبر الجوباني وكان طشتمر الدوادار قد لطف محله عند الأشرف وخلاله وجهه وكان هواه في اجتماع مماليك بيبقا في الدولة يستكثر بهم فيما يؤمّله من الاستبداد على السلطان فكان يشير في كل وقت على الأشرف باستقدامهم من كل ناحية واجتماعهم عصابة للدولة يخادع بذلك عن قصده وكان محمد بن اسقلاص استاذ دار يساميه في الدولة ويزاحمه في مخالصة الأشرف ولطف المحل عنده ينهى السلطان عن ذلك ويحذره مغبة اجتماعهم فغص طشتمر بذلك وكان عند السلطان مماليك دونه من مماليكه الخاصكية شبابا قد اصطفاهم وهذبهم وخالصهم بالمحبة والصهر ورشحهم للمراتب وولى بعضهم وكان الأكابر من أهل الدولة يفضون اليهم بحاجاتهم ويتوسلون بمساعيهم فصرف طشتمر اليهم وجه السعاية وغشي مجالسهم وأغراهم بابن اسقلاص وانه يصدّ السلطان أكثر الأوقات عن أغراضهم منه ويبعد أبواب الانعام والصلات منه وصدّق ذلك عندهم كثرة حاجاتهم في وظيفته وتقرّر الكثير منها عليهم عنده فوغرت صدورهم منه وأغروا به السلطان باطباق إغراء طشتمر ظاهرا حتى تمت عليهم نكبته وجمعت الكلمة وقبض عليه منتصف جمادى سنة سبع وثمانين ونفاه إلى القدس فخلا لطشتمر وجه السلطان وانفرد بالتدبير واجتمع المماليك البيبقاوية من كل ناحية حتى كثروا أهل الدولة وعمروا مراتبها ووظائفها واحتازوها من جوانبها إلى أن كان ما نذكره إن شاء الله تعالى والله أعلم.
حج السلطان الأشرف وانتقاض المماليك عليه بالعقبة وما كان مع ذلك من ثورة قرطاي بالقاهرة وبيعة الأمير علي ولي العهد ومقتل السلطان اثر ذلك
لما استقرّ السلطان في دولته على أكمل حالات الاستبداد والظهور وإذعان الناس لطاعته في كلّ ناحية وأكمل الله له الامتاع بملكه ودنياه سمت نفسه إلى قضاء فرضه فأجمع الحج سنة
ثمان وسبعين وتجهز لذلك واستكثر من الرواحل المستجادة والزودة المثقلة من سائر الأصناف واستعدّ للسفر واحتفل في الابهة بما لم يعهد مثله واستخلف ابنه ولي العهد في ملكه وأوصى النائب اكتمر عبد النبي بمباكرة بابه والانتهاء إلى مراسمه وأخرج بني الملك الناصر المحجوبين بالقلعة مع سرد الشيخوني إلى الكرك يقيمون به إلى منصرفه وتجهز الخليفة العباسي محمد المتوكل بن المعتضد والقضاة للحج معه وجهز جماعة من الأمراء أهل دولته وأزاح عللهم وملأ بمعروفه حقائبهم وخرج ثاني عشر شوّال في المراكب والقطارات يروق الناظرين كثرة ومخافة وزينة والخليفة والقضاة والأمراء حفا فيه وبرز النظارة حتى العواتق من خدورهنّ وتجللت بمركبهم البسيطة وماجت الأرض بهم موجا وخيم بالبركة منزل الحاج وأقام بها أياما حتى فرغ الناس من حاجاتهم وارتحل فما زال ينتقل في المنازل إلى العقبة ثم أقام فيها على عادة الحاج وكان في نفوس المماليك وخصوصا البيبقاوية وهم الأكثر شجى يتشوّقون به إلى الاستبداد من الدولة فتنكروا واشتطوا في اقتضاء أرزاقهم والمباشرون يعللونهم وانتهى أمرهم إلى الفساد ثم طلبوا العلوفة المستقبلة إلى دار الازلم فاعتذر المباشرون بأنّ الأقوات حملت إلى أمام فلم يقبلوا وكشفوا القناع في الانتقاض وباتوا ليلتهم على تعبية واستدعى الأشرف طشتمر الدوادار وكان كبيرهم ففاوضه في الأمر ليفك من عزمهم فأجمل العذر عنهم وخرج اليهم فخرجوا ثم ركبوا من الغد واصطفوا واركبوا طشتمر معهم ومنعوه من معاودة السلطان وتولى كبر ذلك منهم مبارك الطازي وسراي تمر المحمدي وبطلقمر العلائي وركب السلطان في خاصته يظنّ أنهم يرعوون أو يحنح اليه بعضهم فأبوا الا الاحفاف على قتاله ونضحوا موكبه بالنبل لما عاينوه فرجع إلى خيامه منهزما ثم ركب البحر في لفيف من خواصه ومعه ارغون شاه الاتابك وبيبقا الناصري ومحمد بن عيسى صاحب الدرك من لفائف الاعراب أهل الضاحية وفي ركابه جماعة الشباب الذين أنشأهم في مخالصته ورشحهم للوظائف في دولته كما مرّ وخام الفل الى القاهرة وقد كان السلطان عند ما سافر عن القاهرة ترك بها جماعة من الأمراء والمماليك مقيمين في وظائفهم كان منهم قرطاي الطازي كافل أمير علي ولى العهد واقتمر الخليلي وقشتمر واستدمر السرغتمشي وايبك البدري وكان شيطان من التمردة قد أوحى إلى قرطاي بأنه يكون صاحب الدولة بمصر فكان يتشوّف لذلك ويترصد له وربما وقع بينه وبين وزير الدولة منازعة في جراية مماليك مكفوله وليّ
العهد وعلوفاتهم أغلظ له فيها الوزير فوجم وأخذ في أسباب الانتقاض وداخل في ذلك بعض أصحابه وواعدهم ثالث ذي القعدة وتقدّم إلى داية وليّ العهد ليلة ذلك اليوم بأن يصلح من شأنه ويفرغ عليه ملابس السلطان ويهيئه لجلوس التخت وركب هو صبيحة ذلك اليوم ووقف بالرميلة عند مصلى العيد وتناول قطعة من ثوب فنصبها لواء وكان صبيان المدينة قد شرعوا في اتخاذ الدبادب والطبيلات للعيد فأمر بتناول بعضها منهم وقرعت بين يديه وتسايل الناس اليه من كل أوب ونزل من كان بطباق القصر وغرفه وبالقاهرة من المماليك واجتمعوا اليه حتى كظ ذلك الفضاء وجاءوا تعادي بهم الخيل فاستغلظ لفيفهم ثم اقتحم القلعة في جمعه من باب الاصطبل إلى بيت مكفوله وليّ العهد أمير علي عند باب الستارة يطلبونه وقبضوا على زمام الذود وكانوا عدّة حتى أحضروا وليّ العهد وجاءوا به على الأكتاف إلى الإيوان فأجلسوه على التخت وأحضروا ايدمر نائب القلعة فبايع له ثم أنزلوه إلى باب الاصطبل وأجلسوه هناك على الكرسي واستدعى الأمراء القائمين بالقاهرة فبايعوه وحبس بعضهم بالقلعة وبعث اكتمر الحلي إلى الصعيد يستكشف أحواله واختص منهم ايبك فجعله رديفا في دولته وباتوا كذلك وأصبحوا يسائلون الركبان ويستكشفون خبر السلطان وكان السلطان لما انهزم من العقبة سار ليلتين وجاء إلى البركة آخر الثانية وجاءه الخبر بواقعة القاهرة وما فعله قرطاي وتشاوروا فأشار محمد بن عيسى بقصد الشام وأشار آخرون بالوصول إلى القاهرة وسار السلطان اليها واستمرّوا إلى قبة النصر وتهافتوا عن رواحلهم بالطلاح وقد أنهكهم التعب وأضناهم السير فما هو الا أن وقعوا لمناكبهم وجنوبهم وغشيهم النعاس وجاء الناصري إلى السلطان الأشرف من بينهم فتنصح له بأن يتسلل من أصحابه ويتسرب في بعض البيوت بالقاهرة حتى يتبين له وجه مذهبه وانطلق بين يديه فقصد بعض النساء ممن كان ينتاب قصده واختفى فظن النجاة في ذلك وفارقه الناصري يطلب نفقا في الأرض وقد كانوا بعثوا من قبة النصر بعض المماليك عنهم روائد يستوضحون الخبر فأصبحوا بالرميلة أمام القلعة وتعرف الناس أنه من الحاج فرفعوه إلى صاحب الدولة وعرض عليه العذاب حتى أخبره عن السلطان وأنه وأصحابه بقبة النصر مصر عين من غشي النوم فطار اليهم شراد العسكر مع استدمر السرغتمشي والجمهور في ساقتهم حتى وقفوا اليهم في مضاجعهم وافتقدوا السلطان من بينهم وقتلوهم جميعا وجاءوا برءوسهم ووجموا لافتقاد السلطان ونادوا بطلبه وعرضوا العذاب والقتل على محمد بن عيسى صاحب الدرك فتبرّأ وحبس رهينة من ثقاته ثم جاءت امرأة إلى ايبك فدلته عليه في بيت جارتها فاستخرجوه من