الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حصن كيفا فدفنه بها وكان أبو الغازي بن ارتق شحنة بغداد كما قدّمناه ولاه السلطان محمد أيام الفتنة بينه وبين أخيه بركيارق فلما اصطلح بركيارق وأخوه سنة تسع وتسعين على أن تكون بغداد له وممالك أخرى من الممالك الإسلامية ومن جملتها حلوان وهي أقطاع أبي الغازي فبادر وخطب لبركيارق ببغداد فنكر عليه ذلك صدقة بن مزيد وكان من شيعة السلطان محمد فجاء الى بغداد ليزعج [1] أبا الغازي عنها ففارقها الى يعقوب وبعث الى صدقة يعتذر بأنه صار في ولاية بركيارق ويحكم الصلح في اقطاعه وولايته فلم يمكنه غير ذلك ومات بركيارق على اثر ذلك فخطب أبو الغازي لابنه ملك شاه فنكر ذلك السلطان محمد منه فلما استولى على الأمر عز له عن شحنة بغداد فلحق بالشام وحمل رضوان بن تتش صاحب حلب على حصار نصيبين من بلاد جكرمس فحاصروها وبعث جكرمس الى رضوان وأغراه بأبي الغازي ففسد ما بينهما ورحلوا مفترقين على نصيبين وسار أبو الغازي الى ماردين وقد مات أخوه سقمان كما قلناه فاستولى عليها والله تعالى أعلم.
اضطراب أبي الغازي في طاعته وأسره ثم خلاصه
لما ولى السلطان محمد على الموصل والجزيرة وديار بكر سنة اثنتين وخمسمائة مودود بن افتكين مكان جاولي سكاوو الّذي ملكها من يد جكرمس كما مرّ في أخبارهم فوصل مودود الى الموصل وسار جاولي الى نصيبين وهي يومئذ لابي الغازي وراسله في المظاهرة والانجاد فوصل اليه بماردين على حين غفلة مستنجدا به فلم يسعه الا اسعافه وسار معه الى سنجار والرحبة وحاصرهما وشق عليهما فلما نزل الخابور هرب أبو الغازي راجعا الى نصيبين ثم الى بلده وبقي مضطربا ثم بعث السلطان محمد سنة خمس وخمسمائة الى الأمير مودود بالمسير الى قتال الافرنج وأن يسير الأمراء معه من كل جهة مثل سقمان القطبي صاحب ديار بكر وأحمد بك صاحب مراغة وأبي الهيجاء صاحب اربل وأبي الغازي صاحب ماردين فحضروا كلهم الا أبا الغازي فإنه بعث ولده أياز في عسكر فسارت العساكر الى الرها وحاصروها وامتنعت عليهم ثم ساروا سنة ست وخمسمائة الى سروج كذلك ثم ساروا سنة سبع الى بلاد الافرنج فهزموهم على طبرية ودوّخوا بلادهم وعاد مودود الى دمشق وافترقت العساكر ودخل دمشق ليشتي بها عند طغركين صاحبها فقتل غيلة بها واتهم طغركين في أمره وبعث السلطان مكانه
[1] زعجه وأزعجه: اقلعه وقلعه من مكانه، طرده. أزعجه الى المعصية.
على العساكر والموصل آقسنقر البرسقي وأمره بقصد الافرنج وقتالهم وكتب الى الأمراء بطاعته وبعث ابنه الملك مسعودا في عسكر كثيف ليكونوا معه فسار آقسنقر سنة ثمان وخمسمائة وفرّ أبو الغازي وحاصره بماردين حتى استقام وبعث معه ابنه أياز في عسكر فحاصروا الرها وعاثوا في نواحيها ثم سروج وشمشاط وأطاعه صاحب مرعش وكيسوم ورجع فقبض على أياز بن أبي الغازي ونهب سواد ماردين فسار أبو الغازي من وقته الى ركن الدولة داود ابن أخيه سقمان وهو بحصن كيفا مستنجدا به فأنجده وساروا الى البرسقي آخر ثمان وخمسمائة فهزموهم وخلصوا ابنه أياز من الأسر وأرسل السلطان الى أبي الغازي يتهدّده فلحق بطغركين صاحب دمشق صريخا وكان طغركين مستوحشا لاتهامه بأمر مودود فاتفقا على الاستنجاد وبعثا بذلك الى صاحب انطاكية فجاء اليهما قرب حمص وتحالفا وعاد الى انطاكية وسار أبو الغازي الى ديار بكر في خف من أصحابه فاعترضه قيرجان صاحب حمص فظفر به وأسره وبعث الى السلطان بخبره وأبطأ عليه وصول جوابه فيه وجاء طغركين الى حمص فدخل على قيرجان وألحّ عليه بقتل أبي الغازي ثم أطلقه قيرجان وأخذ عليه وسار أبو الغازي الى حلب وبعث السلطان العساكر مع يوسف بن برسق صاحب همذان وغيره من الأمراء لقتال أبي الغازي وقتال الافرنج بعده فساروا الى حلب وبها لؤلؤ الخادم مولى رضوان بن تتش كفل ابنه البارسلان بعد موته ومعه مقدم العساكر شمس الخواص فطالبوهما بتسليم حلب بكتاب السلطان اليهما في ذلك وبادر أبو الغازي وطغركين فدخلا اليهما فامتنعت عليهما فساروا الى حماة من أعمال طغركين وبها ذخائره ففتحوها عنوة ونهبوها وسلموها الى الأمير قيرجان صاحب حمص فأعطاهم أياز بن أبي الغازي وكان أبو الغازي وطغركين وشمس الخواص ساروا الى روجيل صاحب انطاكية يستنجدونه على حفظ حماة وجاءهم هنالك بقدوين صاحب القدس والقمص صاحب طرابلس وغيرهما واتفقوا على مطاولة العساكر ليتفرّقوا عند هجوم الشتاء واجتمعوا عند قلعة افامية فلم تبرح العساكر مكانها فافترقوا وعاد طغركين الى دمشق وأبو الغازي الى ماردين والافرنج الى بلادهم ثم كان اثر ذلك فتح كفرطاب على المسلمين واعتزموا على معاودة حلب فاعترضهم روجيل صاحب انطاكية وقد جاء في خمسمائة فارس مددا للافرنج في كفرطاب فانهزم المسلمون وكان تمحيصهم ورجع برسق أمير العساكر وأخوه منهزمين الى بلادهم وكان أياز بن أبي الغازي أسيرا عندهم فقتله الموكلون به يوم المعركة سنة تسع وخمسمائة والله تعالى أعلم.