الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخبر عن دولة التتر من شعوب الترك وكيف تغلبوا على الممالك الإسلامية وانتزوا على كرسي الخلافة ببغداد وما كان لهم من الدول المفترقة وكيف أسلموا بعد ذلك ومبدإ أمورهم وتصاريف أحوالهم
قد تقدّم لنا ذكر التتر وأنهم من شعوب الترك وأنّ الترك كلهم ولد كومر بن يافث على الصحيح، وهو الّذي وقع في التوراة. وتقدم لنا ذكر أجناس الترك وشعوبهم وعددنا منهم الغزّ الذين منهم السلجوقية والهياطلة الذين منهم القلج، وبلاد الصغد قريبا من سمرقند ويسمون بها أيضا. وعددنا منهم الخطا والطغرغر وهم التتر، وكانت مساكن هاتين الأمتين بأرض طمغاج، ويقال أنها بلاد تركستان وكاشغر وما إليها من وراء النهر وهي بلاد ملوكهم في الإسلام، وعددنا منهم الخزلجية والغور والخزر والخفشاخ وهم القفجاق ويمك والعلان ويقال الآن وجركس واركش. وعدّ صاحب روجار في كتابه على الجغرافيا العسسه والتغزغزية والخرخيرية والكيماكية والخزلجية والخزر والخلج وبلغار ويمناك وبرطاس وسنجرت وخرجان وأنكز، وذكر مساكن أنكر في بلاد البنادقة من أرض الروم وجمهور هذه الأمم من الترك فيما وراء الهز شرقا إلى البحر المحيط بين الجنوب والشمال من الإقليم الأول إلى السابع، والصين في وسط بلادهم.
وكانت الصين أولا لبني صيني إخوانهم من بني يافث. ثم صار لهم واستولوا على معظمه إلا قليلا من أطرافه على ساحل البحر، وهم رجاله كما مرّ في ذكرهم أول الكتاب وفي دولة السلجوقية وأكثرهم من المفازة التي بين الصين وبلاد تركستان. وكان لهم قبل الإسلام دولة، ولهم مع الفرس حروب مذكورة وملكهم لذلك العهد في بني فراسيان. وكان بينهم وبين العرب لأول الفتح حروب طويلة قاتلوهم على الإسلام، فلم يجيبوا فأثخنوا فيهم، وغلبوهم على أطراف بلادهم وأسلم ملوكهم على بلادهم وذلك من بعد القرن الأول.
وكانت لهم في الإسلام دولة ببلاد تركستان وكاشغر، ولا أدري من أي شعوبهم كان هؤلاء الملوك.
وقد قيل فيهم أنهم من ولد قراسيان ولا يعرف شعب فراسيان فيهم، وكان هؤلاء الملوك يلقبون بالخاقان بالخاء والقاف سمة لكل من يملك منهم، مثل كسرى للفرس وقيصر
للروم. وأسلم ملوكهم بعد صدر من الملة على بلادهم وملكهم فأقاموا بها، وكان بينهم وبين بني سامان الملوك القائمين فيما وراء النهر بدولة بني العبّاس حرب وسلم اتصلت حالهم عليها إلى أن تلاشت دولتهم ودولة بني سامان جميعا. وقام محمود بن سبكتكين من موالي بني سامان بدولتهم وملكهم فيما وراء النهر وخراسان.
وقد ظهر لذلك العهد بنو سلجوق وغلبوا ملوك الترك على أمرهم وأصبحوا في عداد ولاتهم شأن الدول البادية الجديدة مع الدول القديمة الحاضرة، ثم قارعوا بني سبكتكين وغلبوهم على ملكهم فيما بعد المائة الرابعة واستولوا على ممالك الإسلام بأسرها، وملكوا ما بين الهند ونهاية المعمور في الشمال وما بين الصين وخليج القسطنطينية في الغرب، وعلى اليمن والحجاز والشام وفتحوا كثيرا من بلاد الروم واستفحلت دولتهم بما لم تنته إليه دولة بعد العرب والخلفاء في الملة. ثم تلاشت دولتهم وانقرضت بعد مائتين من السنين شأن الدول وسنة الله في العباد.
وكانوا بعد خروج السلجوقية إلى خراسان قد خلفتهم في بلاد بضواحي تركستان وحدود الصين. ولم يقدر ملوك الخانية بتركستان على دفاعهم لعجزهم عن ذلك فكان أرسلان خان ابن محمد بن سليمان ينزلهم مسالح على الدروب ما بينه وبين الصين، ويقطعهم على ذلك ويوقع بهم على الفساد والعيث ثم زحف من الصين ملك الترك الأعظم كوخان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة، ولحقت به أمم الخطا ولقيهم الخان محمود بن محمد بن سليمان بن داود بن بقراخان صاحب تركستان وما وراء النهر من الخانية، وهو ابن أخت السلطان سنجر بن ملك شاه صاحب خراسان من ملوك السلجوقية فهزموه. وبعث بالصريخ إلى خاله سنجر، فاستنفر ملوك خراسان وعساكر المسلمين وعبر جيحون للقائهم، وسارت إليه أمم التتر والخطا وتواقعوا في صفر سنة ست وثلاثين وخمسمائة، وانهزم سنجر وأسرت زوجته ثم أطلقها كوخان ملك الترك، واستولى على ما وراء النهر.
ثم مات كوخان سنة سبع وثلاثين وملكت بعده بنته، ثم ماتت فملكت بعدها أمها زوجة كوخان وابنه محمد، ثم انقرض ملكهم واستولى الخطا على ما وراء النهر. ثم غلب على خوارزم علاء الدين محمد بن تكش كما قدمناه، ويلقب هو وأبوه بخوارزم شاه. وكان ملوك الخانية ببلادهم فيما وراء النهر فاستصرخوا به على الخطا لما كثر من عيثهم وفسادهم، فأجاب صريخهم وعبر النهر سنة ست وستمائة، وملكهم يومئذ كبير السن بصير في الحرب فلقيهم فهزموه وأسر خوارزم شاه ملكهم طانيكوه وحبسه بخوارزم، وملك سائر بلاد الخطا