الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زويلة وهي على غلوة من المهدية فعمرها عبد المؤمن لوقتها وامتلأ فضاء المهدية بالعساكر وحاصرها أياما وضاق موضع القتال من البرّ لاستدارة البحر عليها لأنها صورة يد في البحر وذراعها في البرّ وآحاط الأسطول بها في البحر وركب عبد المؤمن البحر في الشواني [1] ومعه الحسن بن عليّ فرأى حصانتها في البحر وأخذ في المطاولة وجمع الأقوات حتى كانت في ساحة معسكره كالتلال وبعث إليه أهل صفاقس وطرابلس وجبال نفوسة بطاعتهم وبعث عسكر إلى قابس فملكها عنوة وبعث ابنه عبد الله ففتح كثيرا من البلاد ثم وفد عليه يحيى بن تميم بن المقر بن الرند صاحب قفصة [2] في جماعة من أعيانها فبذل طاعته ووصله عبد المؤمن بألف دينار ولما كان آخر شعبان وصل أسطول صقلّيّة في مائة وخمسين من الشواني غير الطرائد كان في جزيرة يابسة فاستباحها وبعث إليه صاحب صقلّيّة بقصد المهدية فلما أشرفوا على المرسي قذفت إليهم أساطيل عبد المؤمن ووقف عسكره على جانب البرّ وعبد المؤمن ساجد يعفر وجهه بالتراب ويجأر بالدعاء فانهزم أسطول الإفرنج وأقلعوا إلى بلادهم وعاد اسطول المسلمين ظافرا وأيس أهل المهدية من الأنجاد ثم صابروا إلى آخر السنة حتى جهدهم الحصار ثم استأمنوا إلى عبد المؤمن فعرض عليهم الإسلام فأبوا ولم يزالوا يخضعون له بالقول حتى أمنهم وأعطاهم السفن فركبوا فيها وكان فصل شتاء فمال عليهم البحر وغرقوا ولم يفلت منهم إلى الأقل ودخل عبد المؤمن المهدية في محرّم سنة خمس وخمسين لثنتي عشرة سنة من ملك الإفرنج وأقام بها عشرين يوما فأصلح أمورها وشحنها بالحامية والأقوات واستعمل عليها بعض أصحابه وأنزل معه الحسن بن علي وأقطعه بأرضها له ولأولاده وأمر الوالي أن يقتدي برأيه ورجع إلى المغرب والله أعلم.
حصار الإفرنج أسد الدين شيركوه في بلبيس
كان أسد الدين شيركوه بن شادي عم صلاح الدين قد بعثه نور الدين العادل سنة تسع وخمسمائة منجدا لشاور وزير العاضد صاحب مصر على قريعة الضرغام كما سيأتي في أخبارهم إن شاء الله تعالى وسار نور الدين من دمشق في عساكره إلى بلاد الإفرنج ليشغلهم عن أسد الدين شيركوه وخرج ناصر الدين أخو الضرغام في عساكر مصر فهزمه أسد الدين
[1] الشواني: جمع شونة وهو المركب المعد للقتال في البحر.
[2]
قفصة: اسم عجمي، وهو اسم بلدة صغيرة في طرف إفريقيا من ناحية المغرب، مختطة في أرض سبخة لا تنبت إلّا الأشنان والشيح (معجم البلدان) .
على تنيس [1] وأتبعه إلى القاهرة ونزلها منتصف السنة وأعاد شاور إلى الوزارة ونقض ما بينه وبين أسد الدين وتأخر إلى تنيس وخشي منه ودس إلى الإفرنج يغريهم به وبذل لهم المال فطمعوا بذلك في ملك الديار المصرية وسار ملك القدس في عساكر الإفرنج واجتمعت معه عساكر المسلمين وساروا إلى أسد الدين فحاصروه في بلبيس [2] ثلاثة ولم يظفروا منه بشيء ثم جاءهم الخبر بأنّ نور الدين العادل هزم أصحابهم على خارد وفتحها ثم سار إلى بانياس فسقط في أيديهم وطلبوا الصلح من أسد الدين ليعودوا إلى بلادهم لذلك وخرج من بلبيس سائرا إلى الشام ثم عاد إلى مصر سنة ثنتين وستين وعبر النيل من أطفج ونزل الجزيرة واستمدّ شاور الإفرنج فساروا إليه بجموعهم وكان أسد الدين قد سار إلى الصعيد وانتهى إلى [3] فسار الإفرنج والعساكر المصرية في أثره فأدركوه منتصف السنة واستشار أصحابه فاتفقوا على القتال وأدركته عساكر الإفرنج ومصر وهو على تعبيته وقد أقام مقامه في القلب راشد حذرا من حملة الإفرنج وانحاز فيمن يثق به من شجعان أصحابه إلى الميمنة فحمل الإفرنج على القلب فهزموهم وأتبعوهم وخالفهم أسد الدين إلى من تركوا وراءهم من العساكر فهزمهم وأثخن فيهم ورجع الإفرنج من أثناء القلب فانهزموا وانهزم أصحابهم ولحقوا بمصر ولحق أسد الدين بالإسكندرية فملكها صلحا وأنزل بها صلاح الدين ابن أخيه وحاصرته عساكر الإفرنج ومصر وزحف إليهم عمه أسد الدين من الصعيد فبعثوا إليه في الصلح فأجابهم على خمسين ألف دينار يعطونها إياه ولا يقيم في البلد أحد من الإفرنج ولا يملكون منها شيئا فقبلوا ذلك وعادوا إلى الشام وملك أهل مصر الإسكندرية واستقر بينهم وبين الإفرنج أن ينزلوا بالقاهرة شحنة وأن يكون أبوابها في غلقها وفتحها بأيديهم وأن لهم من خراج مصر مائة ألف دينار في كل سنة ولم [4] ذلك منه وعاد الإفرنج إلى بلادهم بالسواحل الشامية والله تعالى أعلم [5] .
[1] تنيس: جزيرة في بحر مصر قريبة من البرّ ما بين الفرما ودمياط والفرما في شرقيها (معجم البلدان) .
[2]
بلبيس: مدينة بينها وبين فسطاط مصر عشرة فراسخ على طريق الشام (معجم البلدان) .
[3]
كذا بياض بالأصل، وفي الكامل ج 11 ص 325: وكان أسد الدين وعساكره قد ساروا إلى الصعيد فبلغ مكانا يعرف بالبابين.
[4]
كذا بياض بالأصل، وفي الكامل: هذا كله استقر مع شاور، فإن العاضد لم يكن معه حكم، لأنه قد حجر عليه وحجبه عن الأمور كلها.
[5]
عبارات غير مرتبطة مع بعضها البعض وقد وردت هذه الحادثة في الكامل ج 11 ص 298 بعنوان: (ذكر مسير شيركوه وعساكر نور الدين إلى ديار مصر وعودهم عنها) في هذه السنة في جمادى الأول سير نور الدين محمود بن زنكي عسكرا كثيرا إلى مصر وجعل عليهم الأمير أسد الدين شيركوه بن شاذي وهو مقدم عسكره وأكبر