الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصول أحياء من التتر وسلطانهم إلى صاحب بغداد واستيلاؤه عليها ومسير السلطان بالعساكر إليه
كان هؤلاء التتر من شعوب الترك وقد ملكوا جوانب الشرق من تخوم الصين إلى ما وراء النهر ثم خوارزم وخراسان وجانبيها إلى سجستان وكرمان جنوبا وبلاد القفجاق وبلغار شمالا ثم عراق العجم وبلاد فارس وأذربيجان وعراق العرب والجزيرة وبلاد الروم إلى أن بلغوا حدود الفرات واستولوا على الشام مرة بعد أخرى كما تقدّم في أخبارهم ويأتي إن شاء الله تعالى وكان أوّل من خرج منهم ملكهم جنكزخان أعوام عشر وستمائة واستقلوا بهذه الممالك كلها ثم انقسمت دولته بين بنيهم فيها فكان لبني دوشي خان منهم بلاد القفجاق وجانب الشمال بأسره ولبني هلاكو بن طولي خان خراسان والعراق وفارس وأذربيجان والجزيرة وبلاد الروم ولبني جفطاي خوارزم وما إليها واستمرّت هذه الدول الثلاث إلى هذا العهد في مائة وثمانين سنة انقرض فيها ملك بني هلاكو في سنة أربعين من هذه المائة بوفاة أبي سعيد أخرهم ولم يعقب وافترق ملكه بين جماعة من أهل دولته في خراسان وأصبهان وفارس وعراق العرب وأذربيجان وتوريز وبلاد الروم فكانت خراسان للشيخ ولي وأصبهان وفارس وسجستان للمظفر الأزدي وبنيه وخوارزم وأعمالها إلى تركستان لبني جفطاي وبلاد الروم لبني أرشا مولى من موالي دمرداش بن جوبان وبغداد وأذربيجان والجزيرة للشيخ حسن بن حسين بن أيبغا بن أيكان وأيكان سبط أرغون بن أبغا بن هلاكو ولبنيه وهو من كبار المغل في نسبه ولم يزل ملكهم المفترق في هذه الدول متناقلا بين أعقابهم إلى أن تلاشى واضمحل واستقرّ ملك بغداد وأذربيجان والجزيرة لهذا العهد لأحمد بن أويس ابن الشيخ حسن سبط أرغون كما في أخبار يأتي شرحها في دول التتر بعد ولما كان في هذه العصور ظهر بتركستان وبخارى فيما وراء النهر أمير اسمه تمر في جموع من المغل والتتر ينسب هو وقومه إلى جفطاي لا أدري هو جفطاي بن جنكزخان أو جفطاي آخر من شعوب المغل والأوّل أقرب لما قدّمته من ولاية جفطاي بن جنكزخان على بلاد ما وراء النهر لعهد أبيه وان اعترض معترض بكثرة هذا الشعب الّذي مع تمر وقصر المدّة أنّ هذه المدّة من لدن جفطاي تقارب مائتي سنة لأنّ جفطاي كان لعهد أبيه جنكزخان يقارب الأربعين فهذه المدّة أزيد من خمسة من العصور لأنّ العصر أربعون سنة وأقل ما يتناسل من الرجل في العصر عشرة من الولد فإذا ضوعفت العشرة بالضرب خمس مراتب كانت مائة ألف وأن فرضنا أنّ المتناسلين تسعة لكل عصر بلغوا في
الخمسة عصور إلى نحو من سبعين ألفا وإن جعلناها ثمانية بلغوا فوق الاثنين وثلاثين وإن جعلناهم سبعة بلغوا ستة عشر ألفا والسبعة أقل ما يمكن من الرجل الواحد لا سيما مع البداوة المقتضية لكثرة النسل والستة عشر ألفا عصابة كافية في استتباع غيرها من العصائب حتى تنتهي إلى غاية العساكر ولما ظهر هذا فيما وراء النهر عبر إلى خراسان فملكها من يد الشيخ ولي صاحبها أعوام أربعة وثمانين بعد مراجفات وحروب وهرب الشيخ ولي إلى توريز فعمد إليه تمر في جموعه سنة سبع وثمانين وملك توريز وأذربيجان وخربها وقتل الشيخ ولي في حروبه ومر بأصبهان فأعطوه طاعة معروفة وأطلّ بعد توريز على نواحي بغداد فأرجفوا منه وواقعت عساكره بأذربيجان جموع الترك أهل الجزيرة والموصل وكانت الحروب بينهم سجالا ثم تأخر إلى ناحية أصبهان وجاءه الخبر بخارج خرج عليه من قومه يعرف بقمر الدين تطمش ملك الشمال من بني دوشي خان بن جنكزخان وهو صاحب كرسي صراي أمدّه بأمواله وعساكره فكرّ راجعا إلى بلده وعميت أنباؤه إلى سنة خمس وتسعين ثم جاءت الأخبار بأنه غلب قمر الدين الخارج عليه ومحا أثر فساده واستولى على كرسي صراي فكر تمر راجعا وملكها ثم خطى إلى أصبهان وعراق العجم وفارس وكرمان فملك جميعها من يد بني المظفر اليزدي بعد حروب هلك فيها ملوكهم وبدّدت جموعهم وراسله صاحب بغداد أحمد بن أويس وصانعه بالهدايا والتحف فلم يغن عنه وما زال يخادعه بالملاطفة والمراسلة إلى أن فتر عزم أحمد وافترقت عساكره فصمد إليه يغذ السير حتى انتهى إلى دجلة وسبق النذير إلى أحمد فأسرى من ليلة ومرّ بجسر الحلة فقطعه وصبح مشهد علي ووافى تمر وعساكره دجلة يوم الحادي والعشرين من شوّال سنة خمس وتسعين وأجازوا دجلة سبحا ودخلوا بغداد واستولوا عليها وبعث العساكر في إتباع أحمد فلحقوا بأعقابه وخاضوا إليه النهر عند الجسر المقطوع وأدركوه بالمشهد فكرّ عليهم في جموعه وقتل الأمير الّذي كان في إتباعه ورجعوا عنه بعد أن كانوا استولوا على جميع أثقاله ورواحله بما فيها من الأموال والذخيرة فرجعوا بها ونجا أحمد إلى الرحبة من تخوم الشام فأراح بها وطالع نائبها السلطان بأمره فأخرج إليه بعض خواصه بالنفقات والأزواد ليستقدمه فقدم به إلى حلب آخر ذي القعدة فأراح بها وطرقه مرض أبطأ به عن مصر وجاءت الأخبار بأنّ تمرعاث في مخلفه واستصفى ذخائره واستوعب موجود أهل بغداد بالمصادرات لأغنيائهم وفقرائهم حتى مستهم الحاجة وأقفرت جوانب بغداد من العيث ثم قدم أحمد بن أويس على السلطان بمصر في شهر ربيع سنة ست وتسعين مستصرخا به على طلب ملكه والانتقام من عدوّه فأجاب السلطان صريخه
ونادى في عساكره بالتجهز إلى الشام وقد كان تمر بعد ما استولى على بغداد زحف في عساكره إلى تكريت فأولى المخالفين وعثاء الحرابة ورصد السابلة وأتاح عليها بجموعه أربعين يوما فحاصرها حتى نزلوا على حكمه وقتل من قتل منهم ثم خربها وأسرها ثم انتشرت عساكره في ديار بكر إلى الرها ووقفوا عليها ساعة من نهار فملكوها واشفوا نعمتها وافترق أهلها وبلغ الخبر إلى السلطان فخيم بالريدانية أياما أزاح فيها علل عسكره وأفاض العطاء في مماليكه واستوعب الحشد من سائر أصناف الجند واستخلف على القاهرة النائب مودود وارتحل إلى الشام على التعبية ومعه أحمد بن أويس صاحب بغداد بعد أن كفاه مهمه وسرب النفقات في تابعه وجنده ودخل دمشق آخر جمادى الأولى وقد كان أوعز إلى جلبان نائب حلب بالخروج إلى الفرات واستيعاب العرب والتركمان للإقامة هنالك رصدا للعدوّ فلما وصل إلى دمشق وفد عليه جلبان وطالعة بمهماته وما عنده من أخبار القوم ورجع لإنفاذ أوامره والفصل فيما يطالعه فيه وبعث السلطان على أثره العساكر مددا له مع كميشقا الأتابك وتلكمش أمير سلاح وأحمد بن بيبقا وكان العدوّ قد شغل بحصار ماردين فأقام عليها أشهرا ثم ملكها وعاثت عساكره فيها وامتنعت عليه قلعتها فارتحل عنها إلى ناحية بلاد الروم ومرّ بقلاع الأكراد فأغارت عساكره عليها واكتسحت نواحيها والسلطان لهذا العهد وهو شعبان سنة ست وتسعين مقيم بدمشق مستجمع للوثبة به متى استقبل جهته والله ولي الأمور وهذا آخر ما انتهت إليه دولة الترك بانتهاء الأيام وما يعلم أحد ما في غد والله مقدّر الأمور وخالقها
.