الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقبض على الأمراء الذين يرتاب منازعتهم كما نذكره في أخبارهم وأعاد ابن العديم إلى مرسلة صاحب دمشق بالإجابة والوعد بالمظاهرة والله تعالى ينصر من يشاء من عباده.
استيلاء التتر على الشام وانقراض ملك بني أيوب وهلاك من هلك منهم
ثم زحف التتر وسلطانهم هلاكو إلى بغداد واستولى على كرسي الخلافة وقتلوا المستعصم وطمسوا معالم الملة وكادت تكون من أشراط الساعة وقد شرحناها في أخبار الخلفاء ونذكرها في أخبار التتر فبادر الناصر صاحب دمشق بمصانعته وبعث ابنه العزيز محمدا إلى السلطان هلاكو بالهدايا والالطاف فلم يغن وردّه بالوعد ثم بعث هلاكو عساكره إلى ميافارقين وبها الكامل محمد بن المظفر شهاب الدين غازي بن العادل الكبير فحاصروها سنتين ثم ملكوها عنوة سنة ثمان وخمسين وقتلوه وبعث العساكر إلى إربل فحاصروها ستة أشهر وفتحوها وسار ملوك بلاد الروم كيكاوس وقليج أرسلان ابنا كنجسرو إلى هلاكو أثر ما ملك بغداد فدخلوا في طاعته ورجعوا إلى بلادهم وسار هلاكو إلى بلاد أذربيجان ووفد عليه هنالك لؤلؤ صاحب الموصل سنة سبع وخمسين ودخل في طاعته وردّه إلى بلده وهلك أثر ذلك وملك الموصل مكانه ابنه الصالح وسنجار ابنه علاء الدين ثم أوفد الناصر ابنه على هلاكو بالهدايا والتحف على سبيل المصانعة واعتذر عن لقائه بالتخوّف على سواحل الشام من الإفرنج فتلقى ولده بالقبول وعذره وأرجعه إلى بلده بالمهادنة والمواعدة الجميلة ثم سار هلاكو إلى حران وبعث ابنه في العساكر إلى حلب وبها المعظم توران شاه بن صلاح الدين نائبا عن الناصر يوسف فخرج لقتالهم في العساكر وأكمن له التتر واستجروهم ثم كرّوا عليهم فاثخنوا فيهم ورحلوا إلى إعزاز فملكوها صلحا وبلغ الخبر إلى الناصر وهو بدمشق معسكر من ثورة سنة ثمان وخمسين وجاء الناصر بن المظفر صاحب حماة فأقام معه ينتظر أمرهم ثم بلغه أن جماعة من مواليه اعتزموا على الثورة به فكرّ راجعا إلى دمشق ولحق أولئك الموالي بغزة ثم أطلع على خبثهم وأن قصدهم تمليك أخيه الظاهر فاستوحش منهم ولحق الظاهر بهم فنصبوه للأمر واعصوصبوا عليه وكان معهم بيبرس البندقداري وشعر بتلاشي أحوالهم فكاتب المظفر صاحب مصر واستأمن إليه فأمنه وسار إلى مصر فتلقى بالكرامة وأنزل بدار الوزارة وأقطعه السلطان قطز قليوب بأعماله ثم هرب هلاكو إلى الفرات فملك [1] وكان بها
[1] بياض بالأصل: وفي أخبار البشر ج 3 ص 200: إن هولاكو عبر الفرات بمجموعة ونازل حلب.
إسماعيل أخو الناصر معتقلا فأطلقه وسرحه إلى عمله بالصبينة وبانياس وولاه عليهما وقدم صاحب أرزن إلى توران شاه نائب حلب يدعوه إلى الطاعة فامتنع فسار إليها وملكها عنوة وأمنها واعتصم توران شاه والحامية بالقلعة وبعث أهل حماة بطاعتهم إلى هلاكو وأن يبعث عليهم نائبا من قبله ويسمى برطانتهم الشحنة فأرسل إليهم قائدا يسمى خسروشاه وينسب في العرب إلى خالد بن الوليد رضي الله عنه وبلغ الناصر أخذ حلب فأجفل عن دمشق واستخلف عليها وسار إلى غزة واجتمع عليه مواليه وأخوه وسار التتر إلى نابلس فملكوها وقتلوا من كان بها من العسكر وسار الناصر من غزة إلى العريش وقدم رسله إلى قطز تسأله النصر من عدوّهم واجتماع الأيدي على المدافعة ثم تقدّموا إلى [1] واستراب الناصر بأهل مصر فسار هو وأخوه الظاهر ومعهما الصالح بن الأشرف موسى بن شيركوه إلى التيه فدخلوا إليه وفارقهم المنصور صاحب حماة والعساكر إلى مصر فتلقاهم السلطان قطز بالصالحية وآنسهم ورجع بهم إلى مصر واستولى التتر على دمشق وسائر بلاد الشام إلى غزة وولوا على جميعها أمراءهم ثم افتتحت قلعة حلب وكان بها جماعة من البحرية معتقلين منهم سنقر الأشقر فدفعهم هلاكو إلى السلطان جق من أكابر أمرائه وولى على حلب عماد الدين القزويني ووفد عليه بحلب الأشرف موسى بن منصور بن إبراهيم بن شيركوه صاحب حمص وكان الناصر قد أخذها منه كما قدّمناه فأعادها عليه هلاكو وردّ جميع ولايته بالشام إلى رأيه وسار إلى قلعة حارم فملكها واستباحها وأمر بتخريب أسوار حلب وقلعتها وكذلك حماة وحمص وحاصروا قلعة دمشق طويلا ثم تسلموها بالأمان ثم ملكوا بعلبكّ وهدموا قلعتها وساروا إلى الصبينة وبها السعيد بن العزيز بن العادل فملكوها منه على الأمان وسار معهم ووفد على هلاكو فخر الدين بن الزكي من أهل دمشق فولاه القضاء بها ثم اعتزم هلاكو على الرجوع إلى العراق فعبروا الفرات وولى على الشام أجمع أميرا اسمه كتبغا من أكابر أمرائه واحتمل عماد الدين القزويني من حلب وولى مكانه آخر وأما الناصر فلما دخل في التيه هاله أمره وحسن له أصحابه قصد هلاكو فوصل إلى كتبغا نائب الشام يستأذنه ثم وصل فقبض عليه وسار به إلى [2] حتى سلمها إليه أهلها وبعث به إلى هلاكو فمرّ
[1] بياض بالأصل: وفي أخبار البشر ج 3 ص 202: ثم سار الملك الناصر والملك المنصور صاحب حماة والعسكر ووصلوا إلى قطينة فجرى بها فتنة بين التركماني والأكراد الشهرزورية.
[2]
بياض بالأصل ويذكر أبي الفداء ج 3 ص 204: وسار حسين الكردي إلى كتبغا نائب هولاكو وعرفه بموضع الملك الناصر فأرسل كتبغا إليه وقبض عليه وأحضره إلى عجلون وكانت بعد عاصية فأمرهم الملك الناصر بتسليمها فسلمت إليهم فهدموها.
بدمشق ثم بحماة وبها الأشرف صاحب حمص وخسروشاه نائبها فخرجها لتلقيه ثم مرّ بحلب ووصل إلى هلاكو فأقبل عليه ووعده برده إلى ملكه ثم ثار المسلمون بدمشق بالنصارى أهل الذمة وخربوا كنيسة مريم من كنائسهم وكانت من أعظم الكنائس في الجانب الّذي فتحه خالد بن الوليد رحمه الله وكانت لهم أخرى في الجانب الّذي فتحه أبو عبيدة بالأمان ولما ولي الوليد طالبهم في هذه الكنيسة ليدخلها في جامع البلد وأعلى لهم في السوم فامتنعوا فهدمها وزادها في الجامع لأنها كانت لصقه فلما ولي عمر بن عبد العزيز استعاضوه فعوضهم بالكنيسة التي ملكها المسلمون بالعنوة مع خالد بن الوليد رحمه الله وقد تقدّم ذكر هذه القصة فلما ثار المسلمون الآن بالنصارى أهل الذمة خربوا كنيسة مريم هذه ولم يبقوا لها أثرا ثم إنّ العساكر الإسلامية اجتمعت بمصر وساروا إلى الشام لقتال التتر صحبة السلطان قطز صاحب [1] ومعه المنصور صاحب حماة وأخوه الأفضل فسار إليه كتبغا نائب الشام ومعه الأشرف صاحب حمص والسعيد صاحب الصبينة ابن العزيز بن العادل والتقوا على عين جالوت بالغور فانهزم التتر وقتل أميرهم النائب كتبغا وأسر السعيد صاحب الصبينة فقتله قطر واستولى على الشام أجمع وأقر المنصور صاحب حماة على بلده ورجع إلى مصر فهلك في طريقه قتله بيبرس البندقداري وجلس على التخت مكانه وتلقب بالظاهر حسبما يذكر ذلك كله في دولة الترك ثم جاءت عساكر التتر إلى الشام وشغل هلاكو عنهم بالفتنة مع قومه وأسف على قتل كتبغا نائبة وهزيمة عساكره فأحضر الناصر ولامه على ما كان منه من تسهيله عليه أمر الشام وتجنى عليه أنه غره بذلك فاعتذر له الناصر فلم يقبل فرماه بسهم فأنفذه ثم أتبعه بأخيه الظاهر وبالصالح بن الأشرف موسى صاحب حمص وشفعت زوجة هلاكو في العزيز بن الناصر وكان مع ذلك يحبه فاستبقاه وانقرض ملك بني أيوب من الشام كما انقرض قبلها من مصر واجتمعت مصر والشام في مملكة الترك ولم يبق لبني أيوب بهما ملك إلّا للمنصور بن المظفر صاحب حماة فإن قطزا أقره عليها والظاهر بيبرس من بعده وبقي في إمارته هو وبنوه مدّة من دولة الترك وطاعتهم حتى أذن الله بانقراضهم وولي عليها غيرهم من أمرائهم كما نذكر في أخبار دولتهم والله وارث الأرض ومن عليها والعاقبة للمتقين.
[1] بياض بالأصل وفي أخبار البشر ج 3 ص 204: لما اجتمعت العساكر الإسلامية بمصر عزم الملك المظفر قطز مملوك المعز أيبك على الخروج إلى الشام لقتال التتر.