الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثورة الطويل ونكبته
كان طنبغا الطويل من موالي السلطان حسن وكانت وظيفته في الدولة أمير سلاح وهو مع ذلك رديف بيبقا في أمره وكان يؤمّل الاستبداد ثم حدثت له المنافسة والغيرة من بيبقا كما حدثت لسائر أهل الدولة عند ما استكمل أمره واستفحل سلطانه وداخلوا الطويل في الثورة وكان دوادار السلطان ارغون الأشقري وأستاذ دار المحمدي وبيناهم في ذلك خرج الطويل للسرحة بالعباسية في جمادى سنة سبع وستين وفشا الأمر بين أهل الدولة فنمي إلى بيبقا واعتزم على إخراج الطويل إلى الشام وأصدر له المرسوم السلطاني بنيابة دمشق وبعث به اليه وبالخلعة على العادة مع ارغون الأشقري الدوادار وروس المحمدي أستاذ دار من المداخلين له ومعه ارغون الأرقي وطنبغا العلائي من أصحاب بيبقا فردّهم الطويل وأساء عليهم وواعد بيبقا قبة النصر فهزمهم وقبض على الطويل والأشقري والمحمدي وحبسوا بالإسكندرية ثم شفع للسلطان في الطويل في شهر شعبان من السنة وبعثه إلى القدس ثم أطلق الأشقري والمحمدي وبعث بهما إلى الشام وولى مكان الطويل طيدمر الباسلي ومكان الأشقري في الدويدارية طنبغا الأبي بكري ثم عزله بيبقا العلائي وولى مكانه روس العادل المحمدي وكان جماعة من الأمراء أهل وظائف في الدولة قد خرجوا مع الطويل وحبسوا فولى في وظائفهم أمراء آخرين ممن لم تكن له وظيفة واستدعى منكلي بيبقا الشمسي نائب دمشق الى مصر يطلبه فقدم نائبا بحلب مكان سيف الدين برجي وأذن له في الاستكثار من العساكر وجعلت رتبته فوق نائب دمشق وولى مكانه بدمشق اقطمر عبد العزيز انتهى والله تعالى أعلم.
ثورة المماليك ببيبقا ومقتله واستبداد استدمر
كان طنبقا قد طال استبداده على السلطان وثقلت وطأته على الأمراء وأهل الدولة وخصوصا على مماليكه وكان قد استكثر من المماليك وأرهف حدّه لهم في التأديب وتجاوز الضرب فيهم بالعصا إلى جدع الأنوف واصطلام الآذان فكتموا الأمر في نفوسهم وضمائرهم لذلك وطووا على الغش وكان كبير خواصه استدمر واقتفان الاحمدي ووقع في بعض الأيام بمثل هذه العقوبة في أخي استدمر فاستوحش له وارتاب وداخل سائر الأمراء في الثورة يرون فيها نجاتهم منهم وخلصوا النجوى مع السلطان فيه واقتضوا منه الاذن وسرّح السلطان بيبقا إلى
البحيرة في عام ثمان وسبعين وانعقد هؤلاء المماليك المتفاوضون في الثورة بمنزل الطرّانة وبيتوا له ونمي اليه خبرهم ورأى العلامات التي قد أعطيها من أمرهم فركب مكرا في بعض خواصه وخاض النيل إلى القاهرة وتقدّم إلى نواتية البحر أن يرسوا سفنهم عند العدوة الشرقية ويمنعوا العبور كل من يرومه من العدوة الغريبة وخالفه استدمر واقتفان إلى السلطان في ليلتهم وبايعوه على مقاطعة بيبقا ونكبته ولما وصل بيبقا إلى القاهرة جمع من كان بها من الأمراء والحجاب من مماليكه وغيرهم وكان بها ايبك البدري أمير ماخورية فاجتمعوا عليه وكان يقتمر النظامي وارغون ططن بالعباسية سارحين فاجتمعوا اليه فخلع الأشرف ونصب أخاه أتوك ولقبه المنصور وأحضر الخليفة فولاه واستعدّ للحرب وضرب مخيمة بالجزيرة الوسطى على البحر ولحق به من كانت له معه طاغية من الأمراء الذين مع السلطان بصحابة أو أمر أو ولاية مثل بيبقا العلائي الدوادار ويونس الرمام وكمشيقا الحموي وخليل بن قوصون ويعقوب شاه وقرابقا البدري وابتغا الجوهري ووصل السلطان الأشرف من الطرّانة صبيحة ذلك اليوم على التعبية قاصدا دار ملكه وانتهى إلى عدوة البحر فوجدها مقفرة من السفن فخيم هنالك وأقام ثلاثا وبيبقا وأصحابه قبالتهم بالجزيرة الوسطى ينفحونهم بالنبل ويرسلون عليهم الحجارة من المجانيق وصواعق الأنفاط وعوالم النظارة في السفن الى أن تتوسط فيركبونها ويحركونها بالمجاذيف ناحية الى السلطان حتى كملت منها عدّة وأكثرها من القربان التي أنشأها بيبقا وأجاز فيها السلطان وأصحابه إلى جزيرة الفيل وسار على التعبية وقد ملأت عساكره وتابعه بسيط الأرض وتراكم القتام بالجوّ وغشيت سحابه موكب بيبقا وأصحابه فتقدّموا للدفاع وصدقتهم عساكر السلطان القتال فانفضوا عن بيبقا وتركوه أوحش من وتد في قلاع فولى منهزما ومرّ بالميدان فصلى ركعتين عند بابه واستمرّ إلى بيته والعوام ترجمه في طريقه وسار السلطان في تعبيته إلى القلعة ودخل قصره وبعث عن بيبقا فجيء به واعتقل بحبس القلعة سائر يومه فلما غشي الليل ارتاب المماليك بحياته وجاءوا إلى السلطان يطلبونه وقد أضمروا الفتك به وأحضره السلطان وبينما هو مقبل على التضرّع للسلطان ضربه بعضهم فأبان رأسه وارتاب من كان منهم خارج القصر في قتله فطلبوا معاينته ولم يزالوا يناولون رأسه من واحد إلى واحد حتى رماه آخرهم في مشعل كان بإزائه ثم دفن وفرغ من أمره وقام بأمر الدولة استدمر الناصري ورديفه بيبقا الاحمدي ومعهما بحماس الطازي وقرابقا الصرغتمشي وتغري بدمشق المتولون كبر هذه الفعلة وتقبضوا على الأمراء الذين عدلوا عنهم إلى بيبقا فحبسوهم بالإسكندرية وقد مرّ ذكرهم وعزل خليل بن قوصون وألزم بيته وولوا أمراء مكان المحبوسين