الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العرب بعد ذلك هذه الواو من الخط النبطى فألحقوها بعمرو فرقا بينه وبين عمر (1) وقارن مقارنات واسعة بين الأعلام فى العربية منذ الجاهلية وبين لهجاتها القديمة من صفوية ونبطية، وأدلى فى هذا الصدد بملاحظات جيدة.
وعلى هذا النحو لا يزال علماء الساميات يقارنون مقارنات طريفة بين العربية الجاهلية وما سبقها من لهجات كتبت فى نقوش قديمة، كما يقارنون بينها وبين العربية الجنوبية اليمنية وغيرها من أخواتها السامية محاولين استخلاص عناصرها وظواهرها المغرقة فى القدم، والتى جدّت على مر التاريخ. وقد لاحظوا أنها هى والحبشية واللهجات اليمنية القديمة تكثر من جموع التكسير كثرة مفرطة، كما لاحظوا أنها هى والعربية الجنوبية أو اليمنية تتميزان بوجود حرف الظاء فيهما، ومما يميزها أيضا حرف الضاد، ولهم كلام كثير فيه وفى مخرجه، وتبادله مع الظاء واللام فى بعض الكلمات.
2 - لهجات عربية قديمة
(2)
عثر علماء الساميات على نقوش أربع لهجات عربية قديمة، منها ثلاث كتبت بالخط المسند الجنوبى، وهى اللهجة الثمودية واللّحيانية والصّفوية، وواحدة كتبت بالخط الآرامى، وهى اللهجة النبطية. وقد جاء ذكر ثمود فى القرآن الكريم مرارا، وكانوا ينزلون فى مدائن صالح وما حولها، وتمتد عشائرهم غربا إلى البحر الأحمر وشرقا إلى جبلى أجأ وسلمى. وقد تردد ذكرهم عند الإغريق والرومان وفى كتابات أشورية ترجع إلى القرن الثامن قبل الميلاد. ونرجع نقوشهم التى عثر عليها إلى القرون الأخيرة قبل الميلاد والقرون الأولى بعده، وهى تنتشر فى كثير من البلاد، فهى فضلا عن وجودها فى أماكن إقامتهم وسكناهم نجدها مبثوثة فى الطائف وطور سيناء ومصر بوادى الحمامات، وربما كان فى ذلك ما يدل على أن أهلها
(1) مجلة كلية الآداب، المجلد العاشر، العدد الثانى ص 43.
(2)
انظر فى هذه اللهجات الجزء السابع من تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على ومقالة ليتمان فى العدد الثانى من الجزء العاشر بمجلة كلية الآداب، وكذلك مقالته:«لهجات عربية شمالية قبل الإسلام» فى الجزء الثالث من مجلة مجمع اللغة العربية.
أسماءهم للذكرى، وقليل منها أدعية لآلهتهم، وهى صعبة القراءة لأن خطهم مشتق من الخط المسند الجنوبى، مثلهم مثل اللحيانيين والصفويين، وهو خال من الشكل ومن علامات الإشباع والحركات والتشديد. ومما يزيد فى صعوبته أيضا، أو بعبارة أدق مما يزيد فى صعوبة الأحكام اللغوية عليه أن جميع نقوشه بضمير الغائب وأنهم كثيرا ما يحذفون منه بعض الحروف كالنون من ابن والضمير من «لى» وأيضا فإنه تختلط به آثار عبرية وآرامية.
وهذه النقوش مع أنها كتبت بالخط المسند الجنوبى نقوش للعرب الشماليين، فاللغة التى تعبّر عنها عربية شمالية، ويتضح ذلك فى تراكيبها الصرفية والنحوية وفى اشتقاقات أفعالها وأزمنتها. ونجد عندهم صيغة المثنى بجانب صيغة الجمع كما نجد نفس أسماء الإشارة والأسماء الموصولة والضمائر وحروف الجر من مثل اللام والباء وإلى وعلى وحرف العطف واو. غير أن أداة التعريف الشائعة عندهم هى الهاء لا أل، وكذلك الشأن عند اللحيانيين والصفويين، أما عند النبط فهى أل. ومن هنا يصح أن نطلق على الأولين اسم أصحاب لهجات الهاء، وهم فى ذلك يتطابقون مع العبريين، وأيضا فإنه يشيع عند الثموديين واللحيانيين تعدية الفعل الثلاثى بالهاء بدلا من الهمزة، مثلهم فى ذلك مثل العبريين والسبئيين، على نحو ما مر بنا فى غير هذا الموضع.
واللهجة القديمة الثانية هى اللهجة اللّحيانية نسبة إلى منازل أهلها من بنى لحيان الذين ذكروا فى نقوشها، وقد عثر عليها علماء الساميات منثورة فى شمالى الحجاز بمنطقة العلا الحالية، وكانت حاضرتهم تسمى دادان بالقرب من مدائن صالح، ويختلف الباحثون فى تاريخهم وهل كانوا قبل الميلاد أو بعده، بل منهم من يتأخر بهم حتى القرن الخامس للميلاد. وتلقانا فى نقوشهم نفس الصعوبات التى تلقانا فى نقوش الثموديين من نقص الشكل وحروف العلة والمد والتشديد. وهم يعرّفون بالهاء على شاكلة الثموديين، وقد يعرفون بأل أو باللام على شاكلة العربية الجاهلية، وقد يجمعون بينهما مثل هلحمى بمعنى الحمى. وهم يستبقون بين صيغ الفعل على صيغتى هفعل وسفعل ونراهم يلحقون بالماضى تاء التأنيث كما نراهم يشيرون بالذال
وذه وذات. ومن أسمائهم الموصولة من وما وذو المعروفة فى لهجة طيئ. ومن آلهتهم التى يرددون ذكرها بعل والعزّى ومناة وودّ وإلهة. ومن أسمائهم عبد ودّ وعبد شمس وعبد مناة وبعيث وعمر وطود. ومن ألفاظهم رب ويوم وبيت وحية وشيعة وحرة ورتاج وإيلاف وكبير وقديس وصانع ونحاس ووارث وعابد ومقدر ومنعم. وهم يكنون وينسبون على نحو ما نعرف فى الفصحى، وأيضا نجد عندهم التذكير والتأنيث والإفراد والتثنية والجمع السالم والمكسر وهم يجمعون الذكور بالواو والنون والياء والنون كما يجمعون الإناث بالألف والتاء. ومن أدوات الجر والإضافة عندهم الباء واللام وفى ومن ومع وقبل وبعد وتحت ولدى وخلف، ونراهم ينفون بلا.
أما اللهجة الصفوية فقد نسبت إلى جبل الصّفاة القائم فى شرقى حوران ببادية الشام، ولم توجد النقوش به، وإنما وجدت فى الحرّة الواقعة بينه وبين حوران، ولم ينسبها علماء الساميات إليها بحيث يقولون النقوش الحرية مخافة اللبس لأن الجزيرة العربية تمتلئ بحرات كثيرة، لذلك رأوا نسبتها إلى الجبل المذكور، واتخذوه علما عليها، وقد عثروا على نقوش منها فى مواضع أخرى كالحرة الواقعة فى جنوبى دمشق والصالحية على الفرات. وواضح أنها لا تنسب إلى قوم بأعيانهم أو إلى أمكنة بعينها، إنما هى تسمية اصطلاحية. وخطّها مشتق من الخط المسند الجنوبى كاللهجتين السابقتين ولذلك يصادف العلماء فيه نفس الصعوبات التى أشرنا إليها، ومما يزيدها صعوبة أن رسوم حروفها تتشابه فالباء تشبه الظاء والخاء تشبه التاء وكذلك تشبه اللام النون والهاء الصاد، وقد يبدأ الكاتب من اليمين إلى اليسار وقد يعكس الاتجاه فيبدأ من اليسار إلى اليمين.
ونقوشهم قصيرة وشخصية، وقد يضمنونها وثائق تمليك أو أدعية للآلهة، وقد يذكرون تاريخ نقشها فيؤرخونه بتاريخ بصرى أو ببعض حروب النبط والروم.
وهى تسبق الميلاد وتمتد بعده قرونا. ونرى أداة التعريف الشائعة عندهم الهاء، وقد وردت عندهم أسماء قليلة معرفة بالألف واللام مثل الأوس والعبد. وتشيع عندهم إضافة المنعوت إلى النعت على شاكلة الحبشية والعبرية المتأخرة وبعض اللهجات الجاهلية، فيقولون مثلا «جبل الأحمر» بدلا من الجبل الأحمر، ويتبع اسم الإشارة المشار إليه ولا يتقدمه فيقولون أو يكتبون «جو، ذ» أى هذا الوادى، بالضبط
كما نصنع فى عاميتنا المصرية فنقول «النهاردا» بدلا من هذا النهار. وتلقانا عندهم ذو الطائية التى تستخدم اسما موصولا فى مثالها المشهور «بئرى ذو حفرت وذو طويت» أى الذى حفرت والذى طويت.
وهذه اللهجة بصفة عامة أقرب إلى عربية الجاهليين من اللهجتين اللحيانية والثمودية سواء فى الضمائر واستخدام العدد أو فى أسماء الأعلام وصيغ الفعل، فنحن لا نجد عندهم هفعل، بينما نجد الفعل المبنى للمعلوم والمبنى للمجهول، وهى تتشابه مع العربية الفصحى فى تصريف الأفعال ومصادرها ففعّل مصدره تفعيل أو تفعلة وفاعل مصدره فعال أو مفاعلة وأفعل مصدره إفعال وانفعل مصدره انفعال وهلم جرّا. ونراها تدخل تاء التأنيث على الكلمة للفرق بين المذكر والمؤنث، وتشيع فيها أدوات الجر المعروفة فى العربية الفصيحة، وتعطف بالواو والفاء، وتنادى بها وبيا. والحروف جميعها هى نفس حروف عربيتنا عددا، ويشيع تسهيل الهمزة فيها، وخاصة فى أول الكلمة فعندهم ونس بدلا من أنس وودم بدلا من أدم. وكانت قبيلة هذيل تصنع نفس الصنيع فتقول وشاح بدلا من إشاح. ومن ذلك أنهم يقولون واكل بدلا من آكل على نحو ما نصنع فى لهجاتنا العربية المعاصرة، وهم لا يدغمون الحرف الثانى مع الثالث فى الأسماء المشتقة من الفعل المضاعف مثل ظن فيقولون أو يكتبون ظانن، بالضبط كما ننطق فى عاميتنا مادد بدلا من مادّ. ومن أفعالهم المنقوصة التى احتفظت بها العربية: شتى وبنى وأتى ونجا ورعى ودعى، ودائما لام الفعل الناقص عندهم ياء. ومن العبارات التى وردت فيها هذه الأفعال:«نجى من هسطان» أى نجى من السلطان و «رعى هضأن» أى رعى الضأن و «هأبل» أى الإبل و «همعز» أى المعز و «هبقر» أى البقر. وفى نقش من نقوشهم «ورعى هأبل سنة مرق نبط جوذ» أى رعى الإبل سنة مرق النبط بهذا الوادى. ومعنى كلمة مرق فى النقش مر، وهى تستخدم بنفس هذا المعنى فى لهجاتنا المصرية. ومن آلهتهم رضا واللات ومناة وبعل وشيع هقوم أى شيع القوم وهو إله مشهور عند النبط، قيل إنه لا يشرب الخمر وكذلك عابدوه.
ولو أنه جاءتنا نماذج طويلة من نقوش الصفويين وأبناء عمومتهم الثموديين
واللحيانيين لأمكن الحكم بدقة على لهجاتهم جميعا. فى صورة واضحة، ومن المؤكد أنها تصور ضروبا من نمو العربية وتطورها فى طريق اكتمالها. ومن المهم أن نعرف أن هذه النقوش جميعا تنتهى بالقرن الثالث الميلادى. وأقرب منها إلى فصحانا نقوش النبط الذين عاشوا فى شمالى الحجاز وكونوا لهم إمارة اتخذوا مدينة سلع (بطرا (Petra) - حاضرتها الكبرى، وموقعها الآن وادى موسى فى جنوبى فلسطين. وكان لهم فى الجنوب حاضرة صغرى هى الحجر وموضعها الآن يسمى مدائن صالح، وكان لهم فى الشمال حاضرة صغرى ثانية هى بصرى بحوران فى الشام. وظلت هذه الإمارة مزدهرة من القرون الأخيرة قبل الميلاد إلى سنة 106 م، كما قدمنا، إذ قوّضها الرومان، غير أن النبط عادوا إلى الظهور ثانية فى تدمر وكونوا بها إمارة ظلت إلى سنة 273 إذ خشى الرومان من اتساع سلطان أمرائها، فحاربوا ملكتها زنوبيا، وما زالوا بها حتى أسروها ودمروا حاضرتها تدميرا.
وبذلك ينتهى تاريخ النبط، ويظهر أنهم لعبوا دورا واسعا فى التجارة، فقد كانت قوافلهم تتسلم العروض من عرب الجنوب ومن الثموديين واللحيانيين وتحملها إلى العراق وحوض البحر المتوسط.
والنبط عرب شماليون كانوا يتكلمون العربية الشمالية فى أحاديثهم اليومية، غير أنهم اختلطوا بالآراميين، وكتبوا بأبجديتهم فظهرت فى نقوشهم آثار آرامية كثيرة، إذ نراهم يستعيرون منهم بعض كلماتهم وقد يبقون فى خطهم على بعض خصائص لغتهم. وهم كذلك خالطوا الروم والمصريين والعبريين، فظهرت فى نقوشهم أسماء قليلة أخذوها منهم، يمكن أن تكون هذه الأسماء لأشخاص روميين ومصريين وعبريين عاشوا فى إمارتهم.
وتمتد نقوش النبط فى الأنحاء التى سيطروا عليها، وقد كتبوها بالخط الآرامى المشتق من الخط الفينيقى، وهى منثورة فى الحجر ووادى موسى وتيماء وشرقى الأردن وسيناء وحوران بصرى ودمشق وصيدا وجبل الدروز، وتنتهى بالقرن الثالث الميلادى مثلها مثل النقوش السابقة. وكثير منها عثر عليه علماء الساميات فى القبور وعلى أبوابها وفوق الصخور، وهى تكتظ بذكر قرابينهم وما نذروه لآلهتهم، وقد يؤرخون لها بأسماء ملوكهم، وكثيرا ما يؤرخونها بالسنة التى انتهت فيها دولتهم الأولى وهى سنة 106.
وأصحاب هذه النقوش من النبط يختلفون اختلافا واضحا عن أصحاب المجموعة السابقة من اللحيانيين والثموديين والصفويين فى استخدامهم لأداة التعريف العربية، فبينما كان يشيع عند الأولين استخدام الهاء فى التعريف كما قدمنا كان يشيع عندهم استخدام أل المعروفة فى فصحانا، على أنهم قد يجارون الآراميين فى تعريفهم الكلمات بإلحاق ألف فى نهايتها فقد نجدهم يكتبون القبر «قبرا» والمسجد «مسجدا» ولكن الغالب عليهم استخدام أداة التعريف العربية «أل» . وربما صنعوا ذلك فى كتابتهم فحسب، مجاراة للآراميين الذين أخذوا منهم خطّهم وأبجديتهم، أما فى حياتهم اليومية ولغتهم الدارجة فكانوا يستخدمون أل كما يدل على ذلك شيوعها فى كتابتهم. وقد ميزوا فى نقوشهم كما قدمنا بين الأعلام الممنوعة من الصرف والمصروفة فكانوا يضيفون للأخيرة واوا دلالة على تنوينها، مما بقيت آثاره فى الخط العربى فى مثل عمرو وعمر.
وهاتان الظاهرتان: أى استخدام أل فى التعريف والواو فى آخر الأعلام المصروفة يقرّب بين هذه اللهجة والفصحى الجاهلية. ومما يلاحظ أنهم يكتفون أحيانا فى كتابة أل باللام وحدها فيقولون أو يكتبون عبد البعل هكذا عبد لبعلى بحذف الألف، وكأنهم سهلوها وجعلوها همزة وصل لا قطع. وإذا رجعنا إلى خصائص هذه اللهجة وجدناها حقّا شديدة الصلة باللغة الجاهلية، فهى لا تكاد تفترق عنها فى أبواب الضمير والفعل وأسماء الإشارة والأسماء الموصولة والنسبة والتصغير وحروف الجر والعطف وكذلك الشأن فى التذكير والتأنيث للاسم والفعل. ونجدهم يذكرون بين آلهتهم الله جلّ وعز.
وتدور فى نقوشهم كلمات عربية كثيرة مثل سلام ونذر ونذور وحب وخلد وحسن ولطف ورءوف وسعود ومرأة وأمة وعبد ورب وسعد، ويتقدم اسم القبيلة لفظ أل أو بنى مثل آل قصى وبنى سهم.
واستخرج ليتمان من نقوشهم ثلاثمائة اسم تتفق مع الأسماء العربية وهى مدونة فى كتابه (Nabataean Inscriptions): من مثل أمين، أمة، أمة الله، أوس، إياس، أوس الله، أوس البعل، بدر، بكر، تيم، تيم الله، تيم دوشرا (يعنى عبد ذى الشرا) جذيمة، جرم، جمل، حجر، حارث، حارثة، حنظل، حيان، رجب، زيد، سبع، سعد، سلم، مسلم، سكينة، سمية، أسود، صعب،