الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لها شاعر مذكور فى الجاهلية (1) إذا قيس كثيرة الشعر والشعراء، وقد يكون ذلك بسبب بداوة قيس وكثرة الحروب التى عانتها، يقول ابن سلام:«وبالطائف شعر وليس بالكثير، وإنما كان يكثر الشعر بالحروب التى تكون بين الأحياء. . والذى قلل شعر قريش أنه لم يكن بينهم نائرة ولم يحاربوا، وذلك الذى قلّل شعر عمان (2)» ونقول أيضا إنه الذى قلل شعر حنيفة فى اليمامة
أما قيس بن ثعلبة فقد كانت كثيرة الحروب، فكانت تغير ويغار عليها، وفى أثناء ذلك ينشدلها شعراؤها القصائد والأناشيد المحمّسة، فنما الشعر فيها وازدهر، وقد اشتهر فيها غير شاعر من مثل المرقّش الأكبر والمرقش الأصغر والمتلمّس وابن أخته طرفة والمسيّب بن علس. وقد أنشدنا فى غير هذا الموضع قطعة طرفة فى المعلقة التى يصور فيها فتوته وأنه ينفق حياته فى الكرم والحرب والنساء والخمر.
ونجد هذه الروح فى شعر المرقشين، كما نجد عندهما غزلا خفيفا رقيقا، ولكل منهما قصة عشق مأثورة.
2 - حياته
عاش الأعشى فى أواخر العصر الجاهلى، وليس بين أيدينا شئ واضح عن نشأته، وكل ما يقوله الرواة أنه ولد بمنفوحة فى اليمامة وأن أباه كان يلقب بقتيل الجوع «لأنه دخل غارا يستظلّ فيه من الحرّ، فوقعت صخرة عظيمة من الجبل، فسدّت فم الغار، فمات فيه جوعا، وفى ذلك يقول جهنّام يهجوه، وكانا يتهاجيان:
أبوك قتيل الجوع قيس بن جندل
…
وخالك عبد من خماعة راضع (3)
وخماعة-فيما يظهر-جدّ بعيد لأمه، وهى أخت المسيّب بن علس، وعنه حمل الشعر الأعشى، إذ كان راويته، ولا شك فى أنه روى لغيره من شعراء قبيلته، فهو امتداد لهم جميعا.
(1) ابن سلام ص 234.
(2)
ابن سلام ص 217.
(3)
أغانى (طبعة دار الكتب) 9/ 108.
واسم الأعشى ميمون، وإنما سمى الأعشى لضعف بصره، ومن أجل ذلك كان يكنى بأبى بصير (1). وإذا كنا لا نعرف شيئا واضحا عن نشأته فإنه يتبين لنا من أخباره ومن اسمه «صنّاجة (2) العرب» أنه انتقل بالشعر الجاهلى نقلة، فإن كلمة صنّاجة تعنى أنه كان يتغنى بشعره، ويبالغون فى ذلك حتى يجعلوا كسرى يستمع لبعض غنائه فيه (3)! !
وتدلّ أخباره وأشعاره على أنه كان كثير التنقل والأسفار البعيدة فى أنحاء الجزيرة يمدح سادتها وأشرافها، وفى ديوانه مديح للأسود بن المنذر وأخيه النعمان وإياس بن قبيصة الطائى والى الحيرة من بعده، ويظهر أنه كان يقيم بها كثيرا. وفيه أيضا مديح لقيس بن معد يكرب الكندى ولسلامة ذى فائش أحد أمراء اليمن ولبنى عبد المدان بن الديّان سادة نجران ولهوذة بن على سيد بنى حنيفة. وكان يفد على سوق عكاظ، ويمدح من يمر به فى طريقه إليها من شيوخ العرب وأشرافهم (4).
ولا يكتفى الرواة بما يدل عليه شعره من الرحلة إلى الحيرة واليمن وديار كندة فى حضرموت ونجران وعكاظ بل يذهبون به إلى الفرس وعمان وبلاد الشام متغلغلا فيها إلى حمص وأورشليم (بيت المقدس) ويجتازون به البحر إلى نجاشى الحبشة، ويجرون على لسانه شعرا يتحدث فيه عن هذه الرحلات البعيدة، فيقول:(5)
وقد طفت للمال آفاقه
…
عمان فحمص فأوريشلم
أتيت النجاشىّ فى أرضه
…
وأرض النّبيط وأرض العجم
وأكبر الظن أنه لم يصنع شيئا من ذلك وأنه إنما اقتصر فى أسفاره ورحلاته على أطراف اليمن ونجد والحيرة يمدح شيوخ العرب وسادتهم. ووقع-كما يقول الرواة-فى بعض رحلاته بديار بنى عامر ومعه هداياه من بعض ممدوحيه، فخشى على نفسه وعلى هداياه، فاستجار بعلقمة بن علاثة، فقال له قد أجرتك، فقال له الأعشى من الجن والإنس؟ قال: نعم، قال الأعشى: ومن الموت،
(1) ذهب ابن قتيبة إلى أنه كان أعمى. انظر الشعر والشعراء (طبع دار المعارف) 1/ 212.
(2)
أغانى 9/ 109.
(3)
أغانى 9/ 115 والشعر والشعراء 1/ 214
(4)
أغانى 9/ 113 وما بعدها.
(5)
ديوانه القصيدة رقم 4 وقارن بالقصيدة رقم 63.
فقال: لا. وتمضى القصة فتذكر أن علقمة كان قد اختلف مع ابن عمه عامر ابن الطّفيل على سيادة القبيلة، وتنافرا منافرة حادة، اشترك فيها كثير من الشعراء، فكان مع علقمة مروان بن سراقة والحطيئة ومع عامر لبيد الشاعر المشهور. ولما لم يجر علقمة الأعشى من الموت أتى عامر بن الطفيل فقال له:
أجرنى قال: قد أجرتك، قال: من الجن والإنس؟ قال: نعم قال: ومن الموت. قال: نعم. قال: وكيف تجيرنى من الموت؟ قال: إن مت وأنت فى جوارى بعثت إلى أهلك الدية، فقال: الآن علمت أنك قد أجرتنى من الموت. فمدح عامرا وهجا علقمة (1).
والأعشى فى شعره لا يعيش لمديح السادة والأشراف وأخذ نوالهم فحسب، بل هو يعيش أيضا لقبيلته ومنازعاتها الكبيرة مع بكر ضد الفرس، ففى ديوانه مطولة يهددهم فيها ويتوعدهم كما يتوعد من يقف معهم من العرب مثل إياد (2)، وهو يعيش كذلك فى منازعات قبيلته مع بنى شيبان، فيتعرض بالوعيد والتهديد ليزيد بن مسهر الشيبانى، على نحو ما تصور ذلك معلقته. فإذا حدثت منازعات صغرى بين عشيرته وأبناء عمومتهم من عشائر قيس بن ثعلبة ناصرها ذاكرا ما بينهم وبينها من أواصر الرحم، على نحو ما نرى فى قصائده التى وجهها إلى بنى جحدر وبنى عبدان. وقد اصطدم عند الأخيرين بشاعرهم جهنّام، فتهاجيا طويلا.
ويقال إنه لما سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم وانتصاراته وانتشار دعوته رغب فى الوفود عليه ومديحه، وعلمت قريش بذلك فتعرضت له تمنعه، وكان مما قاله له أبو سفيان بن حرب: إنه ينهاك عن خلال ويحرّمها عليك، وكلّها بك رافق ولك موافق، قال: وما هنّ؟ فقال أبو سفيان: الزنا والقمار والرّبا والخمر. فعدل عن وجهته، وأهدته قريش مائة من الإبل، فأخذها وانطلق إلى بلده معرضا عن الرسول ودعوته، فلما كان بقاع منفوحة رمى به بعيره، فقتله (3) سنة 629 للميلاد.
وهذه الخلال التى ذكرها أبو سفيان والتى جعلته يصد عن لقاء الرسول الكريم تدل على أنه كان وثنيّا مغرقا فى وثنيته، وفى شعره نفسه ما يصور معالم هذه الوثنية،
(1) انظر فى هذه المنافرة وصلة الأعشى بها الأغانى (طبعة الساسى) 15/ 55 وديوان الأعشى ص 165.
(2)
الديوان، القصيدة رقم 34.
(3)
أغانى 9/ 125 وما بعدها والشعر والشعراء 1/ 212.
إذ نراه كثير الحديث عن القيان مثل هريرة وقتيلة وجبيرة بل إنه ليتحدث عن البغايا اللائى يبعن أعراضهن (1)، ويقرنه ابن سلام فى هذا الصدد بامرئ القيس فيقول:«وكان من الشعراء من يتألّه فى جاهليته ويتعفف فى شعره ولا يستبهر بالفواحش. . ومنهم من كان يتعهّر ولا يبقى على نفسه ولا يتستر، منهم امرؤ القيس ومنهم الأعشى (2)» . وقد تمدح فى شعره كثيرا بالقمار كقوله مفتخرا بعشيرته (3):
من شباب تراهم غير ميل
…
وكهولا مراجحا أحلاما (4)
ولقد تصلّق القداح على النّيب
…
إذا كان يسرهنّ غراما (5)
فهم يضربون قداح الميسر على النوق الضخمة التى يتأبى غيرهم أن يضربها عليها اعتزازا بها. أما الخمر فهو أكبر شاعر تغنى بها فى الجاهلية.
وطبيعى لمن تكون حياته على هذا النحو من المجون والإثم فيه أن يكون وثنيّا متعمقا فى وثنيته وأن لا يعتنق الإسلام ولا غير الإسلام من الأديان السماوية، وقد زعم لويس شيخو أنه كان نصرانيّا، وشاركه فى هذا الزعم بعض المستشرقين مستدلين على ذلك بأنه كان يمدح أساقفة نجران ويتصل بالبيئات المسيحية فى الحيرة وبمثل قوله فى القصيدة رقم أربع وثلاثين:
ربّى كريم لا يكدّر نعمة
…
وإذا يناشد بالمهارق أنشدا
والمهارق هنا الصحف الدينية. فكأنه يعترف بأنه نصرانى، ترتّل لربه الأناشيد الكنسية. غير أن هذا ليس حتما، فقد تكون لدى الوثنيين من الجاهليين مهارق كانوا يتلون فيها بعض أدعيتهم. وقد يكون البيت دخيلا على القصيدة، وسنعرف بعد قليل أن راوى ديوانه كان مسيحيّا، وأغلب الظن أنه هو الذى أدخل هذا البيت فى القصيدة، كما أدخل فى قصيدة أخرى قسمه بالمسيح فى قوله (6):
(1) الديوان، القصيدة رقم 22.
(2)
ابن سلام ص 34 ويستبهر فى الفواحش يتبجح بذكرها ويفصح عما حقه أن يكتتم.
(3)
الديوان، القصيدة رقم 38.
(4)
ميل: جمع أميل وهو الجبان. مراجحا: راجحى العقول.
(5)
تصلق: تضرب. النيب: الإبل الكبيرة. اليسر: القمار.
(6)
انظر الديوان، القصيدة رقم 23 البيت 16.