الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطويلة التى نسجت حول مقتله. غير أننا لا نرتاب فى أنه حاول أن يأخذ بثأر أبيه ولكن محاولاته ذهبت أدراج الرياح. ولم يلبث أن مات، ولا نعرف بالضبط تاريخ موته، ويغلب أن يكون بين سنتى 530 و 540 فإن القبائل انتقضت على أبيه وأعمامه منذ سنة 528 وهى السنة التى توفّى فيها أو قتل جده الحارث.
3 - ديوانه
طبع ديوان امرئ القيس مرارا، وكان أول من طبعه دى سلان (De Slane) بباريس سنة 1837 وقد أخرجه من مخطوطتين لكتاب «دواوين الشعراء الستة» للشنتمرى، وهى دواوين امرئ القيس والنابغة وزهير وطرفة وعنترة وعلقمة بن عبدة، ومعروف أن الشنتمرى يحتفظ فى شرحه لهذه الدواوين برواية الأصمعى، وبعد أن ينتهى منها فى كل شاعر يضيف إليها بعض الزيادات من روايات أخرى. وقد نشر دى سلان الديوان باسم «نزهة ذوى الكيس وتحفة الأدباء فى قصائد امرئ القيس» وجرّد نشرته من شرح الشنتمرى.
وعنى المستشرق ألوارد (Ahlwardt) بنشر الدواوين الستة فى سنة 1870 ولم يأخذ برواية الشنتمرى فى ديوان امرئ القيس، فقد نشره من نسخة مروية عن السكرى، وألحق به غير قصيدة ومقطوعة مما وجده منسوبا إليه فى كتب الأدب والتاريخ. وطبع الديوان بعد ذلك من صنعة أبى بكر البطليوسى فى مصر والهند وإيران.
وأخرجه حسن السندوبى فى نشرة مرتبة على حروف المعجم ساق فيها كل ما وجده منسوبا إليه فى الكتب الأدبية والتاريخية. كما أخرجه مصطفى السقا مع بقية الشعراء الستة معتمدا على رواية الشنتمرى فى مجموعته التى سماها «مختار الشعر الجاهلى»
وفى سنة 1958 نشر محمد أبو الفضل إبراهيم الديوان نشرة علمية جديدة بدار المعارف فى القاهرة، واعتمد فى نشرته على طائفة من المخطوطات، استطاع من خلالها أن يوزعه على رواياته، وبدأ برواية الأصمعى نقلا عن نسخة الشنتمرى التى تضم الدواوين الستة كما قدمنا والتى تحتفظ بسند وثيق يصل بين الشنتمرى والأصمعى، فهى رواية موثقة، وهى تشتمل على ثمان وعشرين قصيدة ومقطوعة
بشرح الشنتمرى، وأتبعها بتسع عشرة قصيدة ومقطوعة من رواية الطوسى وهى رواية كوفية، ويلى ذلك زيادات من هذه الرواية نصّ الطوسى على انتحالها، وتقع فى 32 قصيدة ومقطوعة. ثم زيادات من نسخ السكرى وابن النحاس المصرى وأبى سهل عن بعض الكوفيين. وبذلك تبلغ قصائد الديوان ومقطوعاته مائة. وقد ألحق بها أبو الفضل تخريجا دقيقا. وإذا أخذنا نبحث فى هذه الروايات لاحظنا توّا أن أعلاها فى الثقة رواية الشنتمرى عن الأصمعى، فهى موصولة السند، وقد تلاها زيادات من روايات كوفية، وبمجرد النظر فى تخريجها نجد كثيرا منها شك فيه الرواة، ومعنى ذلك أن هذه الزيادات ليست وثيقة، ولا يصح الأخذ بمضمونها والاعتماد عليها، ومثلها الزيادات الأخرى عن السكرى وابن النحاس وأبى سهل.
وإذن فالرواية التى ينبغى أن نناقش الديوان ونفحصه على أساسها هى رواية الأصمعى، وقبل مناقشتها ينبغى أن نلاحظ الشّبه العامة التى تحوم حول شعر امرئ القيس، ولعل أهمها ما جاء على لسان الأصمعى نفسه إذ روى عنه أنه كان يقول:«كل شئ فى أيدينا من شعر امرئ القيس فهو عن حماد الراوية إلا نتفا سمعناها من الأعراب وأبى عمرو بن العلاء» (1) وحماد فى أشعاره يقابل ابن الكلبى فى أخباره فأكثرها من منحوله. وفى الموشّح للمرزبانى: «يقال إن كثيرا من شعر امرئ القيس لصعاليك كانوا معه، وعن الرياشى يقال إن كثيرا من شعر امرئ القيس ليس له، وإنما هو لفتيان كانوا يكونون معه مثل عمرو بن قميئة وغيره» (2).
ولا بد أن نضيف إلى ذلك قدم عهد امرئ القيس، فقد بعدت الرواية بينه وبين عصور التدوين، وقد أديل من قومه، ولم يعد لهم شأن منذ زوال دولة آبائه. ولا بد أن نضيف أيضا أنه كان فى العصر الجاهلى كثير من الشعراء الذين تسموا باسم امرئ القيس، حتى يقال إنهم بلغوا ستة عشر، وقد تداخل شعرهم فى شعره. وينبغى أن لا ننسى أبدا أن رواية الأصمعى بشهادته غير وثيقة، لما دخلها من رواية حماد.
وأمامنا الرواة الآخرون غير الأصمعى يلاحظون كثرة ما دخل من انتحال فى شعر امرئ القيس حتى لنرى الطوسى يفرد لذلك فصلين فى نسخته، فصل يذكر فيه القديم المنحول، وفصل يفرده للمستحدث المصنوع.
(1) مراتب النحويين ص 72.
(2)
الموشح ص 34 وانظر ابن سلام ص 134.
نحن إذن بإزاء شاعر زيّفت أخباره وزيف عليه كثير من أشعاره، ولذلك ينبغى أن نتلقى رواية الأصمعى بغير قليل من الحذر والاحتراس، وأول ما يلقانا فيها معلقته، وهى بين المعلقات التى يقال إن حمادا أول من رواها، غير أن روايته لها شفعت بروايات أخرى لرواة موثقين فقد رواها المفضل الضبى ورواها الأصمعى إلا أنه أنكر منها أربعة أبيات، وهى التى تبتدئ بقوله:
وقربة أقوام جعلت عصامها
…
على كاهل منى ذلول مرحّل (1)
لأنها لا تشاكل شعره، إنما تشاكل شعر الصعاليك، ومن ثمّ نسبها بعض الرواة إلى تأبط شرّا (2). وتليها قصيدته (ألا عم صباحا أيها الطلل البالى) وهى من روح القصيدة السابقة، ولم يشك فيها الرواة، فهى وثيقة عند المفضل الضبى والأصمعى وأبى عبيدة، ولذلك كنا نثبتها له. أما القصيدة الثالثة (خلبلىّ مرّابى على أم جندب) التى يقال إنه نظمها استجابة لزوجته أم جندب حتى تحكم بينه وبين علقمة الفحل أيهما أشعر فإن القدماء شكوا فيها واتهموها هى وما يطوى فيها من قصة أم جندب (3) على أن من الرواة من لاحظ أنها اختلطت بقصيدة على وزنها ورويها لعلقمة بن عبدة (4)، ولعل هذا هو الذى جعل بعض الرواة يصنع قصة المعارضة وأن أم جندب حكمت بين الشاعرين، غير ملاحظين أن علقمة كان يعيش فى أوائل القرن السابع، فهو ليس من معاصرى امرئ القيس.
والقصيدة الرابعة (سمالك شوق بعد ما كان أقصرا) تصف رحلته إلى قيصر وصفا مسهبا، ويكفى ذلك لردها لأن كل ما يتصل بهذه الرحلة مما وضعه ابن الكلبى وأضرابه. وشك الأصمعى نفسه فى القصيدة الخامسة (أعنّى على برق أراه وميض) وقال إنها تنسب فى بعض الروايات لأبى دؤاد الايادى (5). ويمكن أن نقبل القصيدة السادسة (غشيت ديار الحىّ بالبكرات) وربما كانت مما قاله بعد مقتل أبيه.
أما القصيدة السابعة (ألا إن قوما كنتم أمس دونهم) وهى فى مديح عوير بن
(1) عصام القربة: الحبل الذى تحمل به، مرحل: تعود الرحلة.
(2)
انظر ديوان امرئ القيس (طبع دار المعارف) ص 372.
(3)
الموشح ص 30.
(4)
ديوان امرئ القيس ص 381 وانظر كتاب الخيل لأبى عبيدة ص 136.
(5)
الديوان ص 72.
شجنة التميمى فلم يروها الطوسى بين ما رواه عن المفضل الضبى (1)، ولذلك كنا ندفعها لأنها لم تثبت فيما يظهر عند المفضل. وشك أبو عبيدة فى القصيدة الثامنة (لمن طلل أبصرته فشجانى) وقال إنها محمولة عليه (2). والقصيدة التاسعة (قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان) تذكر خشبات كان يحمل عليها فى مرضه، فهى تتصل بقصة رحلته إلى قيصر، وهى لذلك لا يمكن الاطمئنان إلى صحتها. والمقطوعة العاشرة (دع عنك نهبا صيح فى حجراته) قيلت فى مديح نبهانىّ أجاره فى أثناء طوافه فى القبائل ومطاردة المنذر له وربما كانت صحيحة. والقصيدة الحادية عشرة (أرانا موضعين لأمر غيب) جيدة، وهى مما رواه الأصمعى عن أبى عمرو ابن العلاء (3). أما القصيدة الثانية عشرة (أماوىّ هل لى عندكم من معرّس) فقد روى أبو عمرو الشيبانى أنها لبشر بن أبى خازم الأسدى (4). والقصيدة الثالثة عشرة (ألما على الرّبع القديم بعسعسا) تشير بعض أبياتها إلى قصة الحلة المسمومة، ولذلك كنا نرفضها. ويمكن أن نقبل القصيدة الرابعة عشرة التى نظمها فى مديح سعد بن الضباب الإيادى حين أجاره والتى يستهلها بقوله (لعمرك ما قلبى إلى أهله بحرّ) وهى مما أثبته له الأصمعى وأبو عبيدة والمفضل جميعا. وكذلك يمكن أن نقبل المقطوعة الحامسة عشرة (لمن الديار غشيتها بسحام) وهى فى عتاب سبيع بن عوف ومما قاله بعد مقتل أبيه.
أما المقطوعة السادسة عشرة (يا دار ماويّة بالحائل) فقد أنكرها الطوسى وقال عن أحمد بن حاتم إنه لم يجد أحدا من الرواة يعرفها (5). ولا ريب فى أن المقطوعة السابعة عشرة (رب رام من بنى ثعل) محمولة عليه، لأنها تصف عمرو بن المسبح الطائى ورميه للصيد، وكان من أرمى العرب له، وزمنه متأخر عن زمن امرئ القيس، إذ وفد على الرسول صلى الله عليه وسلم فيمن وفد عليه من العرب (6). والمقطوعة الثامنة عشرة (يا هند لا تنكحى بوهة) أنكر الآمدى نسبتها إليه، وقال إنها لامرئ القيس بن مالك الحميرى (7). أما المقطوعة التاسعة عشرة (ألا قبح الله البراجم كلها) التى نظمها فى
(1) الديوان ص 397.
(2)
الديوان ص 398.
(3)
الديوان ص 402.
(4)
الديوان ص 404.
(5)
الديوان ص 411.
(6)
الاشتقاق لابن دريد (طبعة جوتنجن) 2/ 232.
(7)
معجم الشعراء ص 12 وانظر الديوان ص 413
هجاء قبائل من تميم حين خذلت عمه شرحبيل فى يوم الكلاب فقد كان ابن الأعرابى لا يعرفها (1). وأما المقطوعة رقم 20 (إن بنى عوف ابتنوا حسبا) التى قالها فى مديح عوير بن شجنة فيمكن أن تكون صحيحة. وأما المقطوعة رقم 21 (والله لا يذهب شيخى باطلا) فأغلب الظن أنها منتحلة لأنهم يروون أنه قالها حين بلغه مقتل أبيه ومرّ بنا فى رواية الهيثم بن عدى أنه كان حاضرا مقتله. وقد أنكر الأصمعى المقطوعة رقم 22 (ألا إلا تكن إبل فمعزى)(2). ويمكن أن تكون المقطوعة رقم 23 (ألا يا لهف هند إثر قوم) التى يقال إنه نظمها حين أخطأ بنى أسد وأوقع ببنى كنانة صحيحة، ومثلها المقطوعة رقم 24 التى يمدح فيها المعلّى الطائى والمقطوعة الخامسة والعشرون وأختها السادسة والعشرون، وهما مما نظمه فى أثناء مطاردة المنذر له. أما المقطوعة السابعة والعشرون (ديمة هطلاء فيها وطف) فمما رواه الأصمعى عن أبى عمرو ابن العلاء عن ذى الرمة (3)، وهى لذلك من شعره الوثيق، أما الثامنة والعشرون التى تدور على إجازة الشطور بينه وبين التوءم اليشكرى، بحيث يقول امرؤ القيس شطرا ويتم البيت التوءم فأغلب الظن أنها من صنع الرواة، ولعل اتهامها هو الذى جعل الطوسى لا يرويها بين ما أسند روايته إلى الراوى الثبت المفضل الضبى.
وإذن لا يبقى صحيحا من رواية الأصمعى سوى القصيدتين الأوليين، وهما مطولتان، ومثلهما فى الصحة والثقة القصيدة الحادية عشرة والمقطوعة السابعة والعشرون لأنهما رويتا عن أبى عمرو بن العلاء، وتظل بعد ذلك المقطوعات أرقام 6، 10، 14، 15، 20، 23، 24، 25، 26 قابلة لأن تكون صحيحة. على أن كثرتها الكثيرة نظمت-إن صحت-بعد مقتل أبيه، يتعرض فيها لمن أجاروه ومن ردوه، وقد رويت طائفة منها على لسان ابن الكلبى فى أثناء حديثه الذى رواه له صاحب الأغانى عن طلب امرئ القيس لبنى أسد واستعدائه القبائل عليهم، ولذلك قلنا إنها يمكن أن تكون صحيحة. وكأنما الثابت الصحيح له إنما هو المعلقة أو القصيدة الأولى فى ديوانه، وتاليتها، ثم ما أنشده له أبو عمرو بن العلاء، أو بعبارة أخرى القصيدة الحادية عشرة والمقطوعة السابعة والعشرون.
(1) الديوان ص 414.
(2)
الديوان ص 137.
(3)
الديوان ص 144.