المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌3 - العرب الجنوبيون - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ١

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌تمهيد

- ‌1 - كلمة أدب

- ‌2 - تاريخ الأدب

- ‌3 - تقسيمات تاريخ الأدب العربى وعصوره

- ‌الفصل الأولالجزيرة العربية وتاريخها القديم

- ‌1 - صفة الجزيرة العربية

- ‌2 - الساميون

- ‌3 - العرب الجنوبيون

- ‌4 - العرب الشماليون

- ‌5 - النقوش ونشأة الكتابة العربية

- ‌الفصل الثانىالعصر الجاهلى

- ‌1 - تحديد العصر

- ‌2 - الإمارات العربية فى الشمال (الغساسنة-المناذرة-كندة)

- ‌3 - مكة وغيرها من مدن الحجاز

- ‌4 - القبائل البدوية

- ‌5 - حروب وأيام مستمرة

- ‌الفصل الثالثالحياة الجاهلية

- ‌1 - الأحوال الاجتماعية

- ‌2 - المعيشة

- ‌3 - المعارف

- ‌4 - الدين

- ‌5 - اليهودية والنصرانية

- ‌الفصل الرابعاللغة العربية

- ‌1 - عناصر سامية مغرقة فى القدم

- ‌2 - لهجات عربية قديمة

- ‌3 - نشوء الفصحى

- ‌4 - لهجات جاهلية

- ‌5 - سيادة اللهجة القرشية

- ‌الفصل الخامسرواية الشعر الجاهلى وتدوينه

- ‌1 - رواية العرب للشعر الجاهلى

- ‌2 - رواة محترفون

- ‌3 - التدوين

- ‌4 - قضية الانتحال

- ‌5 - أهم مصادر الشعر الجاهلى

- ‌الفصل السادسخصائص الشعر الجاهلى

- ‌1 - نشأة الشعر الجاهلى وتفاوته فى القبائل

- ‌2 - الشعر الجاهلى شعر غنائى

- ‌3 - الموضوعات

- ‌4 - الخصائص المعنوية

- ‌5 - الخصائص اللفظية

- ‌الفصل السابعامرؤ القيس

- ‌1 - قبيلته وأسرته

- ‌2 - حياته

- ‌3 - ديوانه

- ‌4 - شعره

- ‌الفصل الثامنالنابغة الذبيانى

- ‌1 - قبيلته

- ‌2 - حياته

- ‌3 - ديوانه

- ‌4 - شعره

- ‌الفصل التاسعزهير بن أبى سلمى

- ‌1 - قبيلته

- ‌2 - حياته

- ‌3 - ديوانه

- ‌4 - شعره

- ‌الفصل العاشرالأعشى

- ‌1 - قبيلته

- ‌2 - حياته

- ‌3 - ديوانه

- ‌4 - شعره

- ‌الفصل الحادى عشرطوائف من الشعراء

- ‌1 - الفرسان

- ‌2 - الصعاليك

- ‌3 - شعراء آخرون

- ‌الفصل الثانى عشرالنثر الجاهلى

- ‌1 - صور النثر الجاهلى

- ‌2 - الأمثال

- ‌3 - الخطابة

- ‌4 - سجع الكهان

- ‌خاتمة

- ‌1 - خلاصة

- ‌2 - تعليق

الفصل: ‌3 - العرب الجنوبيون

الهندى. ويظهر أن جماعات ممن نزلت فى تهامة اليمن هاجرت إلى السواحل الإفريقية، بقصد التجارة وتغلغلت فى هضبة الحبشة وكونت هناك مملكة، نشبت بينها وبين العرب الجنوبيين سلسلة من الحروب انتهت بقضائها على دولتهم فى سنة 525 م. وقد اعتنق حكامها المسيحية منذ القرن الرابع الميلادى.

‌3 - العرب الجنوبيون

(1)

تقسم الظروف الطبيعية بلاد العرب قسمين كبيرين، تفصل بينهما صحراوات واسعة، تجعل حياة كل منهما تختلف عن الأخرى. فبينما تحضر الجنوبيون كان الشماليون فى الحجاز ونجد يعيشون معيشة بدوية، إذ كانوا فى الجملة بدوا رحّلا ينتقلون وراء مساقط الغيث ومواضع العشب والكلأ. ونشأت عن ذلك فروق واسعة بين القسمين المتناقضين فبينما ظل الشماليون يحيون فى الغالب حياة بدوية إلا ما تسرب إليهم من الحضارات الأجنبية المجاورة فى العراق والشام نهض الجنوبيون بحضارة لا تزال حصونها وهياكلها وقلاعها وأبراجها قائمة لم تندثر اندثارا تامّا. وقد استطاعوا أن يشيدوا سدّ مأرب لحبس الماء فى فصل الأمطار، مما يدل على أنه كان لديهم نظام محكم لتدبير شئون الزراعة وتوزيع المياه، فقد أقاموا السدود والصهاريج، وكانت أرضهم مهيأة لتزدهر فيها حياة نباتات وأشجار واسعة بفضل مياه الأمطار الموسمية وطرق الرى الصناعية. ونشأت بينهم وبين بلاد العراق والشام ومصر علاقات تجارية واسعة فقد كانت قوافلهم تجوب الصحراء العربية شرقا وشمالا منذ الألف الثانى ق. م تحمل توابل الهند ورقيق إفريقية وأفاويه اليمن وعروضها من اللّبان والطيب والبخور وتعود محمّلة بعروض البلاد التى تتجر فيها.

(1) انظر فى أصل تسمية العرب باسمهم كتاب تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على 1/ 169 وراجع فى تاريخ العرب الجنوبيين كتاب التاريخ العربى القديم لطائفة من المستشرقين ترجمة فؤاد حسنين على (نشر وزارة التربية والتعليم) وانظر تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على 1/ 375، 2/ 8 - 276، 3/ 136 - 214.

ص: 26

وكان المعروف عن هؤلاء العرب الجنوبيين قليلا، فهو لا يتجاوز إشارات وردت عنهم فى العهد القديم وفى بعض الآثار المصرية والبابلية والأشورية وفى كتابات المؤرخين والجغرافيين من اليونانيين والرومانيين، ثم ما كتبه العرب عنهم بعد الإسلام، وتختلط به الأساطير. وظل تاريخهم غير واضح إلى أواسط القرن الماضى، فقد جد علماء الغرب فى قراءة نقوشهم المنثورة على الأبراج والهياكل والنّصب والأحجار، وهى مكتوبة بخط يسمى الخط المسند، وهو خط سامى قديم، وقد عرف هؤلاء العلماء اللغة التى كتبت به ولهجاتها، فهى لغة سامية قريبة من الحبشية والعربية الشمالية، انبثقت فيها لهجتان أساسيتان هما المعينية والسبئية.

ومن هذه النقوش استطاع الباحثون أن يعرفوا الحضارة العربية الجنوبية بدياناتها وآلهتها وأنظمتها الحكومية ودولها وملوكها، واستقر بينهم أنه كانت هناك خمس ممالك هى مملكة معين وكانت حاضرتها معين فى الجوف اليمنى ثم مملكة سبأ فى جنوبيها وعاصمتها مأرب، ومملكة قتبان فى الجنوب الغربى لسبأ وعاصمتها تمنع، والمملكة الأوسانية جنوبى قتبان، ثم مملكة حضرموت وحاضرتها شبوة. ويظهر أنه كان للمعينيين دولة قوية منذ القرن العاشر ق. م وقد سيطروا على القتبانيين والحضرميين، أو بعبارة أدق سيطروا على طريق القوافل التجارية لا فى الجنوب فحسب، بل أيضا على طول الطريق إلى الشمال، فقد وجدت نقوش معينية فى شمالى الحجاز يدادان فى منطقة العلا الحالية وفى الحجر أو مدائن صالح، مما يدل على أنهم أنشأوا فى هذه الجهات مراكز لقوافلهم التجارية كى تحميها، وأغلب الظن أنه كان لهم بها حاميات نزلت بها بعض عشائرهم. ومع مرور الزمن غلبت عليهم طوابع العرب الشماليين.

فكانوا بذلك أول من حمل الحضارة الجنوبية إلى إخوانهم فى الشمال.

ولا نصل إلى القرن السابع ق. م. حتى يغلب السبئيون على المعينين ويمدوا سلطانهم بعد ذلك على الاتحاد الجنوبى كله، كما يمدونه على مراكز المعينيين فى الشمال، وقد تحولت إلى أيديهم أزمة القوافل التجارية، واتخذوا مأرب حاضرة لهم، وقصة سدّها وخرابه مشهورة، وكذلك قصة ملكتها بلقيس مع سليمان عليه السلام.

وحدث حوالى سنة 270 ق. م أن أنشأ بطليموس الثانى أسطولا بحريّا فى البحر الأحمر يحمل إلى مصر عروض الهند وإفريقية الشرقية فأحدث ذلك اضطرابا فى

ص: 27

شئون السبئيين الاقتصادية، ونازعهم ملوك ريدان أصحاب ظفار وغلبوا عليهم وعلى الدول الجنوبية منذ سنة 115 ق. م. وكانوا يتلقبون باسم ملوك سبأ وذى ريدان وحضرموت واليمنات، وهم الحميريون. ودولتهم آخر الدول العربية الجنوبية، ولا نصل إلى سنة 24 ق. م حتى نجد إليوس جالوس والى الرومان على مصر يجهز حملة كبيرة لفتح بلاد الحميريين والاستيلاء على ما بأيديهم من مفاتيح تجارة التوابل والأفاويه، وفشلت حملته فشلا ذريعا. غير أن الرومان اتجهوا إلى الملاحة فى البحر الأحمر، ويقال إنهم استولوا على ميناء عدن واتخذوها قاعدة لتموين سفنهم، فشلّوا بذلك تجارة الحميريين وساءت أحوالهم الاقتصادية، فأهملوا شئونهم العمرانية، وأخذ الخراب يدبّ فى البلاد، وظهر لهم خصم ثان هو ملوك الحبشة الذين حاربوهم واستولوا على بلادهم فى منتصف القرن الرابع الميلادى وظلوا بها نحو عشرين عاما، عادت بعدها الدولة الحميرية، ولكنها لم تعد إلى سابق قوتها، فإن القبائل الشمالية أخذت تغير عليها كما أخذ كثير من عشائرها يهاجر إلى الشمال. وفى نقوشهم ما يدل على أن الأعراب نزلوا بديارهم منذ القرن الرابع الميلادى واستقروا فيها، وقد أخذت لغتهم تتغلب فى بعض الجهات على لغة البلاد الأصلية كما أن من هاجر من عرب الجنوب إلى الشمال غلبت عليه لغة الشماليين، مما أعد لانتصار العربية الشمالية على العربية الجنوبية فى أواخر العصر الجاهلى.

وفى هذه الأثناء تغلغلت اليهودية فى الجزيرة العربية منذ اضطهد أباطرة الرومان اليهود فى القرن الأول للميلاد، واندفعت بعثات دينية مسيحية إلى الجنوب، واعتنقت مدينة نجران فى القرن الخامس هذا الدين الجديد. وربما كان السبب فى هذه البعثات المنافسة الشديدة بين فارس وبيزنطة. وأفزع ملوك حمير تغلغل النصرانية فى ديارهم، خوفا من تحولها إلى البيزنطيين، فناهضوها وأيضا فإنهم كانوا يخافون من ملوك الحبشة المسيحيين أن يدخلوا عن طريقها بلادهم. ونشب هناك صراع حاد بين اليهودية والنصرانية، ولا نلبث أن نرى ذا نواس آخر الملوك الحميريين يعتنق اليهودية ويحاول القضاء على المسيحيين فى نجران. فأوعزت بيزنطة إلى النجاشى أن يغزو اليمن، فغزاها سنة 525 واستولى عليها وضمها إلى بلاده. وظل هذا الاحتلال الحبشى نحو خمسين عاما، ثارت فيها اليمن ثورات عنيفة، وأخيرا استنجد

ص: 28

أهلها بالفرس أعداء بيزنطة، فردوا الأحباش وظلوا بها حتى سنة 628 م إذ اعتنق باذان عاملهم الإسلام. وبذلك ينتهى التاريخ القديم للعرب الجنوبيين.

ولعل فى كل ما قدمنا ما يدل على أن عرب الجنوب لعبوا دورا واسعا فى تاريخ الحضارة العربية القديمة، وكانت حضارتهم عربية صافية لم تأتهم من الخارج، بل نمت وتطورت فى الداخل، إذ كان لهم قوانينهم وأنظمتهم ودساتيرهم، وكان لهم قدم راسخة فى عمارة القصور والهياكل وتشييد السدود. وكانوا يؤلهون السيارات الفلكية والنجوم، وأثرت ديانتهم الوثنية فى العرب الشماليين إذ يظنّ أنهم أخذوا عنهم-كما أخذوا عن الآراميين-عبادة الكواكب، وكانت تقوم على أساس ثالوث هو القمر واسمه عند المعينيين ودّ، وكان إلههم الأكبر، وتليه الشمس التى اعتبروها زوجه وهى اللات، ومهما ولد عثتر أو العزّى أى الزهرة أو قينوس.

وبجانب هذا الثالوث كان عندهم آلهة أخرى ترمز لبعض النجوم أو بعض الطير أو بعض مظاهر الطبيعة، وكانوا يقدمون لها القرابين ويبنون الهياكل ويقوم عليها كهنة ذوو نفوذ كبير. ويظهر أنه كان لهم أدب دينى كثير، إلا أن الإسلام قضى عليه كما قضى على الأدب الوثنى فى الشمال. وقد حملوا مع قوافلهم وهجراتهم دينهم وحضاراتهم إلى العرب الشماليين، فأثروا فيهم آثارا بعيدة. وظلوا حتى ظهور الإسلام يشكلون عنصرا مباينا لهم، على الأقل من حيث النّسب، فكانوا يدعون القحطانيين أو اليمنيين، بينما دعى عرب الشمال باسم العدنانيين أو النزاريين. ويلاحظ أن قبائلهم المهاجرة اختارت فى الأكثر جوار الأمم المتحضرة، فنزلت غسان وقضاعة ومن إليهما فى الشام ونزلت لخم فى العراق. ومنهم من نزل فى داخل الجزيرة وأظهر ميلا إلى التحضر والاستقرار كالأوس والخزرج فى المدينة وكندة فى الشمال. على أن من تم منهم اندماجه فى البدو تلاشت فيه هذه النزعة مثل طيئ فى جبلى أجأ وسلمى. ومن يتعقب القبائل القحطانية فى الإسلام يرى أنها كانت تحترم النظام المطلق، بينما كان يمقته النزاريون.

ص: 29