الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
5 - أهم مصادر الشعر الجاهلى
رأينا علماء البصرة والكوفة ورواتهما يجمعون مادة الشعر الجاهلى، وقد توزعتها منتخبات عامة ودواوين مفردة للشعراء وأخرى للقبائل غير كتب الطبقات والتراجم وكتب التاريخ واللغة. وسنحاول وصف طائفة منها وبيان مقدار الثقة بها. ونبدأ من المنتخبات العامة بالمعلقات، وقد مر بنا أنها لم تعلّق بالكعبة كما زعم بعض المتأخرين، وإنما سميت بذلك لنفاستها أخذا من كلمة العلق بمعنى النفيس، ويقال إن أول من رواها مجموعة فى ديوان خاص بها حماد الراوية (1)، وهى عنده سبع: لامرئ القيس وزهير وطرفة ولبيد وعمرو بن كلثوم والحارث بن حلّزة وعنترة. ونراها عند المفضل الضبى سبعا أيضا غير أنه أسقط اثنين من رواية حماد هما الحارث ابن حلّزة وعنترة وأثبت مكانهما الأعشى والنابغة (2)، وربما أضاف حماد الحارث فى مقابلة عمرو بن كلثوم التغلبى لأن ولاءه كان فى بكر. على أننا لا نمضى فى عصر التبريزى حتى نجده يجعلها فى شرحه لها عشرا جامعا بين الروايتين ومضيفا قصيدة عبيد بن الأبرص:(أقفر من أهله ملحوب).
وقد عنى الشرّاح بهذه المجموعة، فشرحوها مرارا، وطبع من شروحهم شرح الزوزنى المتوفى سنة 486 هـ. وقد كتبه على رواية حماد، ثم شرح التبريزى المتوفى سنة 502. وأكبر الظن أن حمادا لم يأخذ حريته كاملة فى قصائد مجموعته، فقد كانت على ما يظهر معروفة بين العرب، على أنه ينبغى مقابلتها على دواوين أصحابها ورواياتها الوثيقة.
والمجموعة الثانية فى المنتخبات هى المفضليات، نسبة إلى جامعها المفضّل الضبى راوى الكوفة الثقة، وقد نشرها ليال بشرح ابن الأنبارى، وهى مائة وست وعشرون قصيدة أضيف إليها أربع قصائد وجدت فى بعض النسخ، وفى مقدمة الشرح
(1) انظر ترجمة حماد فى معجم الأدباء 10/ 266
(2)
العمدة لابن رشيق (الطبعة الأولى) 1/ 61.
سند كامل لها يرفعه ابن الأنبارى إلى ابن الأعرابى تلميذ المفضل وربيبه، ويقول ابن النديم:«هى مائة وثمانية وعشرون قصيدة، وقد تزيد وتنقص وتتقدم القصائد وتتأخر، بحسب الرواية عن المفضل، والصحيحة التى رواها عنه ابن الأعرابى (1)» ومعنى ذلك أن فى أيدينا أوثق نسخة للمفضليات. وتعلّق عبد السلام هرون وأحمد شاكر ناشراها فى دار المعارف بنص عن الأخفش يزعم أنها كانت ثمانين ألقاها المفضل على المهدى، وزاد فيها الأصمعى أربعين، ثم زاد البقية بعض تلاميذه (2). وربما جاء الأخفش اللبس (3) من أن الأصمعيات تلتقى معها فى تسع عشرة قصيدة، وأيضا فقد جد الرواة يقولون إن أبا جعفر المنصور حين عهد إلى المفضل بتثقيف ابنه المهدى بالشعر القديم اختار له ثمانين قصيدة، فلما وجدها قد زادت عن الثمانين ووجدها تلتقى مع الأصمعيات فى بعض القصائد ظن أن الأصمعى وتلاميذه هم الذين أضافوا فيها هذه الزيادات، ولو أنه اطلع على رواية ابن الأعرابى خصم الأصمعى لزايله هذا الوهم، وكأن المفضل اختار أولا ثمانين ألقاها على المهدى، ثم زادها إلى مائة وثمانية وعشرين كما جاءت فى رواية تلميذه ابن الأعرابى.
وهى موزعة على سبع وستين شاعرا منهم سبع وأربعون جاهليّا وعلى رأسهم المرقشان الأكبر والأصغر والحارث بن حلّزة وعلقمة بن عبدة والشّنفرى وبشر بن أبى خازم وتأبط شرّا وعوف بن عطية وأبو قيس بن الأسلت الأنصارى والمسيّب وبينهم امرأة من بنى حنيفة ومجهول من اليهود ومسيحيان هما عبد المسيح بن عسلة الشيبانى وتتضح مسيحيته فى اسمه، ثم جابر بن حنى التغلبى، ونراه يقول فى مفضليته:
وقد زعمت بهراء أن رماحنا
…
رماح نصارى لا تخوض إلى الدّم
ولو لم يصلنا من الشعر الجاهلى سوى هذه المجموعة الموثقة لأمكن وصف تقاليده وصفا دقيقا، فقد مثلت جوانب الحياة الجاهلية ودارت مع الأيام والأحداث
(1) الفهرست ص 102.
(2)
ذيل الأمالى ص 131.
(3)
ذهبنا إلى أنه لبس، وربما كان بعامل التنافس بين البصريين والكوفيين، فالأخفش البصرى يريد أن يقول إن المفضليات من صنع البصريين والكوفيين جميعا لما كان لها من شهرة فى عصره فاقت شهرة الأصمعيات.
وعلاقات القبائل بعضها ببعض وبملوك الحيرة والغساسنة، وانطبعت فى كثير منها البيئة الجغرافية. وقد جاء فيها كثير من الكلمات المندثرة التى لم ترد فى المعاجم اللغوية (1) على كثرة ما أثبتت من الألفاظ المهجورة، مما يرفع الثقة بها ويؤكدها.
والمجموعة الثالثة من كتب المنتخبات العامة الأصمعيات نسبة إلى الأصمعى راويها، وقد نشرها ألوارد (Ahlwardt) عن نسخة سقيمة فى برلين سنة 1902 وأعاد نشرها عبد السلام هرون وأحمد شاكر عن نسخة للشنقيطى نقلها عن أصل قديم وهى نشرة علمية جيدة، وقد بلغ عدد قصائدها ومقطوعاتها اثنتين وتسعين، وهى موزعة على 71 شاعرا منهم نحو 40 جاهليّا على رأسهم امرؤ القيس والحارث ابن عباد ودريد بن الصّمّة وأبو دواد الإيادى وذو الإصبع العدوانى وسلامة بن جندل وطرفة وعروة بن الورد وقيس بن الخطيم، وبينهم يهوديان هما سعية بن الغريض والسموأل. وهذه المجموعة كسابقتها فى الثقة بها وعلو درجتها، وقد جاء فيها أيضا كثير من الكلمات المهجورة التى لم تثبتها المعاجم (2)، غير أنها لم تلعب الدور الذى لعبته المفضليات فلم يتعلق بها الشرّاح، ولعل ذلك يرجع إلى قلة غريبها بالقياس إلى المفضليات، وأيضا فإن الأصمعى لم يرو كثيرا من القصائد كاملة، بل اكتفى بمختارات منها.
والمجموعة الرابعة جمهرة أشعار العرب لأبى زيد محمد بن أبى الخطاب القرشى، ولا نجد اسمه بين الرواة المشهورين، غير أنه يتضح من مقدمته لكتابه وما نقله عن الرواة أن بينه وبين رواة القرن الثانى جيلين أو ثلاثة، فالوسائط بينه وبينهم فى السند غير بعيدة، ولذلك نظن أنه كان يعيش فى أواخر القرن الثالث أو أوائل القرن الرابع، وقد ذكره ابن رشيق المتوفى سنة 463 للهجرة فى كتابه العمدة (3) كما ذكره السيوطى فى المزهر (4) والبغدادى فى الخزانة (5). والجمهرة تضم تسعا وأربعين قصيدة طويلة موزعة على سبعة أقسام فى كل قسم سبع قصائد، والقسم الأول خاص بالمعلقات، وقد أخذ فيها برواية الضبى، فأسقط منها معلقتى الحارث وعنترة ووضع مكانهما معلقتى الأعشى والنابغة. ويلى هذا القسم المجمهرات وهى
(1) انظر الفهرس الثالث الملحق بالمفضليات (طبع دار المعارف).
(2)
انظر الفهرس الثالث الملحق بالأصمعيات.
(3)
العمدة 1/ 60.
(4)
المزهر 2/ 480.
(5)
الخزانة 1/ 10، 61، 2/ 55.
لعبيد بن الأبرص وعدى بن زيد وبشر بن أبى خازم وأمية بن أبى الصلت وخداش ابن زهير والنمر بن تولب وعنترة وألحقت قصيدته فى النسخة المطبوعة بالمعلقات حطأ.
ويلى ذلك المنتقيات أى المختارات، ثم المذهبات وجميعها لشعراء من الأنصار جاهليين أو مخضرمين، وربما قصد باسمها أنها تستحق أن تكتب بالذهب، ثم عيون المراثى، ثم المشوبات وهى لمخضرمين شابهم الكفر والإسلام، ثم الملحمات وجميعها لإسلاميين. وهى مجموعة غنية بالقصائد الطويلة ولكنها غير موثقة الرواية، فلابد فى الاعتماد عليها من مقابلتها على روايات صحيحة. وطبعت الجمهرة مرارا فى بيروت والقاهرة.
ومثل هذه المجموعة فى ضعف سندها مختارات ابن الشجرى المتوفى سنة 542 للهجرة، وهى مختارات من شعر جاهلى وإسلامى، موزعة على ثلاثة أقسام وأهم من فى القسم الأول الشّنفرى وطرفة ولقيط الإيادى والمتلمّس، أما القسم الثانى فمختارات من دواوين زهير وبشر بن أبى خازم وعبيد بن الأبرص، وأما القسم الثالث فمختارات من ديوان الحطيئة. وطبعت هذه المجموعة بالقاهرة.
وتدخل فى هذه المختارات دواوين الحماسة، وقيمتها أدبية أكثر منها تاريخية، إذ لا يعرّفنا أصحابها بمصادرهم وأشهرها ديوان الحماسة لأبى تمام المتوفى حوالى سنة 232 للهجرة وقد شرح مرارا، ومن شروحه المطبوعة شرح المرزوقى وشرح التبريزى وهو يفيض بالإشارات التاريخية. ونصّ المرزوقى على أن أبا تمام أصلح فى الشعر الذى رواه، يقول:«إنك تراه ينتهى إلى البيت الجيد فيه لفظة تشينه، فيجبر نقيصته من عنده، ويبدل الكلمة بأختها فى نقده، وهذا يبين لمن رجع إلى دواوينهم، فقابل ما فى اختياره بها (1)» . وحماسته موزعة على عشرة أبواب أكبرها باب الحماسة وبه سماها، وهى مقطوعات لجاهليين وإسلاميين وعباسيين، وقلما روى فيها قصائد كاملة. وتلى هذه الحماسة فى الأهمية حماسة البحترى المتوفى سنة 284 هـ وهى مقطوعات قصيرة موزعة على مائة وأربعة وسبعين بابا، وأكثر أبوابها فى نزعات خلقية، ولم يعن القدماء بشرحها. ولابن الشجرى صاحب المختارات حماسة طبعت فى حيدرآباد، وأغلب منتخباتها من الشعر الجاهلى.
وطبعت أخيرا حماسة الخالديين أو الأشباه والنظائر للأخوين سعيد الخالدى المتوفى
(1) شرح ديوان الحماسة للمرزوقى (طبع لجنة التأليف والترجمة والنشر) 1/ 14.
سنة 350 ومحمد المتوفى سنة 380. ولا تزال الحماسة البصرية لعلى بن أبى الفرج البصرى المتوفى فى القرن السابع غير مطبوعة، وفى دار الكتب المصرية مخطوطتان منها.
وإذا تركنا هذه المختارات إلى الدواوين المفردة لقينا منها دواوين الشعراء الستة الجاهليين: امرئ القيس والنابغة وزهير وطرفة وعنترة وعلقمة وقد نشرها ألوارد، إلا أنه لم يكتف برواية الأصمعى التى احتفظ بها شرح الشنتمرى، بل أضاف إليها زيادات هى فى الأكثر منحولات، ولا نزال فى حاجة إلى نشر شرح الشنتمرى المتوفى سنة 476 وقد استخرج منه مصطفى السقا شرحه على تلك الدواوين والتزم روايته فى المجموعة التى سماها باسم مختار الشعر الجاهلى.
وطبع ديوان امرئ القيس طبعات مختلفة لعل أهمها الطبعة الأخيرة بدار المعارف، وقد جمع فيها أبو الفضل إبراهيم رواياته جميعها وقارن بينها مقارنات دقيقة. ونشرت دار الكتب المصرية ديوان زهير بشرح ثعلب، غير أن من حققوه لم يقابلوا بين هذه الرواية الكوفية ورواية الأصمعى البصرية التى يحتفظ بها الشنتمرى فى شرحه. وطبعت دواوين أخرى مثل ديوان النابغة وطرفة ولبيد وعروة بن الورد وحاتم وعلقمة والشنفرى وأوس بن حجر، إلا أن أكثر هذه الدواوين لا يزال فى حاجة إلى نشرة علمية جيدة. وقد نشر لايل ديوانى عبيد بن الأبرص وعامر بن الطفيل، وهناك دواوين مخطوطة لما تنشر.
أما دواوين القبائل التى جمع منها الشيبانى نيفا وثمانين وعنى السكرى بكثير منها ففقدت فى الطريق (1)، ولم يبق منها إلا قطع من ديوان هذيل نشرت فى خمس مجموعات، أربع منها فى أوربا وهى من صنعة أبى سعيد الحسن بن الحسين السكرى، طبعت أولاها فى لندن سنة 1854 بتحقيق كوزجارتن وطبعت الثانية فى برلين سنة 1887 بتحقيق فلهاوزن، وطبعت الثالثة وهى خاصة بديوان أبى ذؤيب فى هانوفر سنة 1926 بتحقيق يوسف هل، وفى سنة 1933 نشر القطعة الرابعة فى ليبزج، وهى تتداخل مع القطعة الخامسة التى نشرتها دار الكتب المصرية، ويظهر أن هذه القطعة الأخيرة اختلطت فيها نسخة السكرى بنسخة أخرى مختصرة منها، ولذلك كان يقل فيها الشرح وإسناد الرواية. وهذه القطع التى وصلتنا من صنعة السكرى غاية فى النفاسة لا لأنه يضمنها أخبارا وشروحا فحسب، بل
(1) انظر فى تحقيق هذه الدواوين مصادر: الشعر الجاهلى ص 543 وما بعدها.
لأنه يقفنا وقوفا دقيقا على مصادره، إذ يذكر دائما الإسناد فى القصيدة وألفاظها وأبياتها مثبتا ما اختلف فيه الرواة البصريون وعلى رأسهم الأصمعى والكوفيون وعلى رأسهم ابن الأعرابى وأبو عمرو الشيبانى ومن جاء بعدهم من البغداديين مثل عبد الله ابن إبراهيم الجمحى، ومن بين من ينقل عنهم أبو عبيدة. ومنه نعرف أن الأصمعى كان ينقل عن مصدر من نفس القبيلة هو عمارة بن أبى طرفة الهذلى. وبذلك كانت أجزاء من هذه القطع التى رواها السكرى عن ديوان هذيل لا تقل ثقة ولا قيمة تاريخية عن المفضليات والأصمعيات.
ومن الكتب الجيدة التى تشتمل على شعر جاهلى كثير شرح النقائض لأبى عبيدة، فقد أنشد فيه كثيرا من الشعر الذى قيل فى أيام العرب وحذا حذوه من كتبوا فى أيام العرب مثل ابن الأثير فى كامله وابن عبد ربه فى عقده. ومن الكتب الجيدة أيضا طبقات الشعراء لابن سلام، ومر بنا أنه أودع فيه دراسة دقيقة للشعر الجاهلى صحيحه ومصنوعه. أما كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة فربما كان خير ما فيه مقدمته التى يحاول أن يربط فيها شعراء عصره بالمثل الجاهلية القديمة، أما بعد ذلك فالكتاب فقير فى تراجمه وما يطوى فيها من أخبار وأشعار غير مسندة إلى رواتها.
وهناك كتب أدب ألفت فى البصرة مثل البيان والتبيين والحيوان للجاحظ والكامل للمبرد، ومن الخير أن نرد ما بها من شعر إلى روايات بصرية صحيحة، حتى نكون أكثر طمأنينة. ويجرى مجراها ما فى أمالى اليزيدى ومجالس ثعلب من أشعار وينبغى أن نتلقى كتب الأدب البغدادية مثل عيون الأخبار لابن قتيبة بحذر، مثلها أمالى أبى على القالى ففيها انتحال كثير. ومن المختصرات التى تفيد فى المراجعة كتاب المؤتلف والمختلف للآمدى ومعجم الشعراء للمرزبانى وكتابه الموشّح نفيس فى التعرف على كثير مما وضع على الشعراء الجاهليين. وهناك أشعار جاهلية كثيرة فى كتب النقد مثل نقد الشعر لقدامة والصناعتين لأبى هلال العسكرى والوساطة بين المتنبى وخصومه للجرجانى والعمدة لابن رشيق، ومثلها مثل الشواهد المبثوثة فى كتب اللغة والنحو ينبغى التوثق منها بالرجوع إلى المصادر الأصلية الوثيقة. أما ما جاء فى كتب السير والأخبار والتاريخ كسيرة ابن هشام وتاريخ الطبرى ومغازى الواقدى فينبغى أن نرفضه إلا أن تدعمه روايات صحيحة.
وإذا كنا فقدنا كثيرا من الدواوين المفردة ودواوين القبائل وما كان بها من
أخبار وأشعار فإن كثيرا من ذلك احتفظ به أبو الفرج الأصبهانى فى كتابه الأغانى الذى ترجم فيه للشعراء من القرن السادس إلى القرن التاسع للميلاد ترجمات غنية، سجل فيها كثيرا من المادة التى فقدت، وكان له ذوق عالم ناقد بصير، فساق من الكتب التى سبقته أطرف ما فيها من أخبار وأشعار، ولم يسقها مفردة، بل ساقها بأسانيدها التى ترجع بها إلى مصادرها ورواتها الأوائل مثل الأصمعى وأبى عبيدة وابن الأعرابى وأبى عمرو الشيبانى والهيثم بن عدى وخالد بن كلثوم وابن الكلبى وأضرابهم ومن خلفوهم من جلة الرواة والمصنفين. وإذا تعددت الروايات فى الخبر ذكرها جميعا، وكثيرا ما يقف ليفحص ما ينقله، فيرفض رواية لأن راويها ابن الكلبى أو ابن خرداذبة أو غيرهما من المتهمين. وقد يشك فى مقطوعة أو قصيدة تنسب لشاعر من الشعراء، فيرجع إلى ديوانه فى رواياته المختلفة، وينص على أنه وجدها أو لم يجدها، وقد يعرض الخبر على التاريخ ليتوثق منه. وفى تضاعيف ذلك يسوق آراء الرواة والنقاد فى الشعراء وشعرهم. والحق أنه أكبر مصدر لتاريخ الشعر الجاهلى وأصحابه، فإذا أضفنا له الأصمعيات والمفضليات وديوان هذيل وما صح من الدواوين المفردة كنا أمام مادة خصبة للبحث والدراسة فى الجاهليين وأشعارهم وأخبارهم.
ومن الكتب المتأخرة التى احتفظت ببعض ما فقد من الروايات والمصنفات القديمة خزانة الأدب للبغدادى المتوفى سنة 1093 للهجرة، وهو شرح على شواهد الرضى شارح كتاب الكافية لابن الحاجب، وفيه تراجم دقيقة لبعض الجاهليين وملاحظات على بعض أشعارهم من حيث الانتحال والصحة. ومثله فى هذا الاتجاه شرح السيوطى على شواهد المغنى لابن هشام.