الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويقول عدى بن رعلاء الغسانى (1):
ليس من مات فاستراح بميت
…
إنما الميت ميّت الأحياء
وتلك هى الموضوعات الأساسية التى تنظم فى سلك القصيدة الجاهلية، فالشاعر يبدؤها بالتشبيب أو النسيب بالأطلال والديار، ويصف فى أثناء ذلك حبه، ثم يصف رحلته فى الصحراء، وهى أول ما يقدمه للمرأة من ضروب جرأته، وحينئذ يصف ناقته أو فرسه، وقد يؤخرهما إلى نهاية القصيدة، ويقدم عليهما غرضه من الحماسة أو الهجاء أو الرثاء أو المديح، مفتنّا فى أثناء ذلك فى وصف ما يقع تحت عينه، وناثرا حكمه وتجاربه.
4 - الخصائص المعنوية
لعل أول ما يلاحظ على معانى الشاعر الجاهلى أنها معان واضحة بسيطة ليس فيها تكلف ولا بعد ولا إغراق فى الخيال سواء حين يتحدث عن أحاسيسه أو حين يصور ما حوله فى الطبيعة، فهو لا يعرف الغلو ولا المغالاة، ولا المبالغة التى قد تخرج به عن الحدود المعقولة.
ومرجع ذلك فى رأينا إلى أنه لم يكن يفرض إرادته الفنية على الأحاسيس والأشياء بل كان يحاول نقلها إلى لوحاته نقلا أمينا، يبقى فيه على صورها الحقيقية دون أن يدخل عليها تعديلا من شأنه أن يمسّ جواهرها. ومن أجل ذلك كان شعره وثيقة دقيقة لمن يريد أن يعرف حياته وبيئته برملها ووديانها ومنعرجاتها ومراعيها وسباعها وحيوانها وزواحفها وطيرها. وعرف القدماء ذلك فكلما تحدثوا عن عادات الجاهليين وألوان حياتهم استشهدوا بأشعارهم. وحينما كتب الجاحظ كتاب الحيوان وجد فى هذه الأشعار مادة لا تكاد تنفد فى وصفه ووصف طباعه وكل ما يتصل به من سمات ومشخصات. ومعنى ذلك أن الشاعر الجاهلى لم يغتصب الحيوان لنفسه، فيسكب عليه من خياله ما يحيله عن حقيقته، ونستطيع أن نلاحظ ذلك فى وصفه
(1) الأصمعيات ص 171.
للمعارك الدائرة بينهم، إذ نراه يعترف بهزيمة قومه إن هزموا (1)، وبفراره إن ولّى الأدبار ونكص على أعقابه (2)، وفى أثناء ذلك لا يبخل على أعدائه بوصف شجاعتهم وبلائهم فى الحروب، ولهم فى ذلك قصائد تلقب بالمنصفات، مرّ الحديث عنها.
وجاءهم ذلك من أنهم لا يبدلون فى الحقائق ولا يعدّلون فى علاقاتها ومعانيها، بل يخضعون لها ويضبطون خيالاتهم وانفعالاتهم إزاءها. ونحن بهذا الوصف إنما نقصد إلى جمهور أشعارهم، فقد تندّ بعض أبيات تحمل ضربا من المبالغة، ولكن ذلك يأتى شاذّا ونادرا. ونظن ظنا أن شيوع هذه الروح فيهم هو الذى طبع أفكارهم بنزعة تقريرية، إذ تعودوا أن يسندوا أقوالهم بذكر الحقيقة عارية دون خداع يموّهها أو طلاء يزيفها. ومن هنا كانت معانيهم محددة تحديدا يبرزها فى أتم ما يكون من ضياء، ومن ثمّ تبدو فى كثير من جوانبها كأنها شئ راسخ ثابت. ويتضح ذلك فى حكمهم التى تصور أحكاما سليمة وخبرات صائبة كما يتضح فى جوانب كثيرة من تأبينهم ومديحهم وغزلهم وحماستهم، إذ يقدم الشاعر المعانى منكشفة كأنها أشياء صلبة محسوسة، فهى حقائق تسرد سردا وقلما شابها الخيال، إلا ليزيدها إمعانا فى الوضوح والجلاء.
واقرأ فى أشعاره فستجد معانيه حسية، واضحة، لا يقف بينك وبينها أى غموض، أو أشراك ذهنية تضل فى ممراتها وشعبها الفكرية، إذ يعرض عليك هذه المعانى دائما مجسمة فى أشخاص أو فى أشياء. وخذ فضائلهم التى طالما أشادوا بها فى حماستهم ومراثيهم ومدائحهم، فستجدها دائما تساق فى مادة الإنسان الحسية، فهم لا يتحولون بها إلى معنى ذهنى عام يصور إحساسهم بالبشرية جميعها فى هذه الفضيلة أو تلك، فالكرم مثل البخل والوفاء وغيرهما من الفضائل والرذائل لا بد أن يقترن بشخص معين يتحدثون عنه.
وهذه النزعة فى الشاعر الجاهلى جعلته لا يحلل خواطره ولا عواطفه إزاء ما يتحدث فيه من حب أو غير حب، فهو لا يعرف التغلغل فى خفايا النفس الإنسانية ولا فى أعماق الأشياء الحسية. وتتضح هذه النزعة فى خياله وتشبيهاته فهو ينتزعها من عالمه المادىّ، ولنرجع مثلا إلى تشبيهاته للمرأة فهو يشبهها بالشمس والبدر والبيضة والدرّة والدّمية والرمح والسيف والغمام والبقرة والظبية والقطاة، ويشبه
(1) انظر مثلا المفضليات رقم 108.
(2)
المفضليات رقم 32 بيت 1 - 3.
أسنانها بالأقحوان وبنانها بالعتنم وثغرها بالبلاور وخدها وترائبها بالمرآة وشعرها بالحبال والحيات والعناقيد ووجهها بالدينار وثديها بأنف الظبى ورائحتها بالمسك وبالأترجة وريقها بالخمر وبالعسل وعينها بعين البقرة والغزال وعجزها بالكثيب وساقها بالبردية.
أما الرجل فيشبّهه بالبحر وبالغيث وبالأسد وبالذئب وبالعقاب وبالبعير وبالبدر والقمر وبالرمح والسيف وبالبقرة والتيس والضبع وبالأفعوان والحية وبالكلب والحمار وبالصخرة وبالصقر وبالفحل.
وعلى هذه الشاكلة من الحسية فى التشبيه الشعر الجاهلى جميعه، فالشاعر يستقى أخيلته من العالم الحسى المترامى حوله. وجعلهم تمسكهم بهذه الحسية إذا وصفوا شيئا أدقّوا النظر فى أجزائه وفصّلوا الحديث فيها تفصيلا شديدا، وكأنما يريدون أن ينقلوه إلى قصائدهم بكل دقائقه، وكأن الشاعر نحات لا يصنع قصيدة، وإنما يصنع تمثالا، فهو يستوفى ما يصفه بجميع أجزائه وتفاصيله الدقيقة.
وخير مثل لذلك وصف طرفة لناقته فى معلقته فقد نعت جميع أعضائها وكل دقيقة فيها وجليلة. ولم يترك منها شيئا دون وصف أو بيان.
وهذه الحسية فيهم جعلهم لا يتسعون بمعانيهم، بل جعلتهم يدورون حول معان تكاد تكون واحدة، وكأنما اصطلحوا على معان بعينها، فالشعراء لا ينحرفون عنها يمنة ولا يسرة، فما يقوله طرفة فى الناقة يقوله فيها غيره. وما يقوله امرؤ القيس فى بكاء الديار يقوله جميع الشعراء، واقرأ حماسية كمعلقة عمرو بن كلثوم فستجد الشعراء الحماسيين لا يكادون يأتون بمعنى جديد. وقل ذلك فى غزلهم ومديحهم ورثائهم فالشعراء يتداولون معانى واحدة وتشبيهات وأخيلة واحدة. ومن ثم تبدو فى أشعارهم نزعة واضحة للمحاكاة والتقليد، وجنى عليهم ذلك ضيق واضح فى معانيهم. غير أنه من جهة ثانية أتاح لهم التدقيق فيها وأن يجلوها ويكشفوها أتم كشف وجلاء.
واقرأ فى المفضليات والأصمعيات فستجد دائما نفس المعانى. وستجد أيضا براعة نادرة فى إعادتها وصوغها صوغا جديدا. فكل شاعر يحاول أن يعطيها شيئا من شخصيته، وخذ مثلا تشبيه المرأة بالظبية، فشاعر يشبهها بها تشبيها عاديا. وشاعر يشبهها بها وهى تمد عنقها إلى شجر السّلم الناضر، يريد أن يستتم بذلك منظرا بديعا
للظبية، يقول علباء بن أرقم (1):
فيوما توافينا بوجه مقسّم
…
كأن ظبية تعطو إلى ناضر السّلم
وثالث يشبه جيدها بجيد الظبية فى استوائه وطوله وجماله، يقول الحادرة (2):
وتصدّفت حتى استبتك بواضح
…
صلت كمنتصب الغزال الأتلع
ورابع يجعل وجه الشبه حور العين، وخامس يجعله فى التنفس كقول المنخّل اليشكرى:
ولثمتها فتنفّست
…
كتنفس الظبى البهير
وما يزال كل شاعر يضيف تفصيلا جديدا. وخذ مثلا تصويرهم للرجال بالكواكب والنجوم، يقول عامر المحاربى (3):
وكنا نجوما كلما انقضّ كوكب
…
بدا زاهر منهنّ ليس بأقتما
ويقول طفيل الغنوى فى مديح قوم (4):
نجوم ظلام كلما غاب كوكب
…
بدا ساطعا فى حندس الليل كوكب
ويقول لقيط بن زرارة وقد أضاف إلى هذا المعنى زيادة بديعة (5):
وإنى من القوم الذين عرفتم
…
إذا مات منهم سيّد قام صاحبه
نجوم سماء كلما غار كوكب
…
بدا كوكب تأوى إليه كواكبه
أضاءت لهم أحسابهم ووجوههم
…
دجى الليل حتى نظّم الجزع ثاقبه (6)
وألمّ النابغة بهذه الصورة فنقلها نقلة جديدة، إذ قال فى النعمان بن المنذر مقارنا بينه وبين الغساسنة (7):
(1) الأصمعيات ص 178 ومقسم: ممن القسام وهو الجمال، وأن فى كأن زائدة، تعطو: تتناول، والسلم: من أشجار البادية.
(2)
المفضليات ص 44 وتصدفت: أعرضت. بواضح: يريد بعنق ناصع جميل، وصلت: مشرق، الأتلع: طويل العنق.
(3)
المفضليات ص 321 الأقم: من القتام وهو الغبار.
(4)
الحيوان 3/ 94.
(5)
الحيوان 3/ 93.
(6)
الجزع: خرز فيه سواد وبياض
(7)
الحيوان 3/ 95 ومختار الشعر الجاهلى ص 175.
وإنك شمس والملوك كواكب
…
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
ومعنى ذلك أن ضيق الدائرة فى معانيهم لم يحل بينهم وبين النفوذ منها إلى دقائق كثيرة، فقد تحولوا يولدونها ويستنبطون منها كثيرا من الخواطر والصور الطريفة.
وملاحظة ثانية هى أنهم لم يعرضوا علينا معانيهم الحسية جامدة، بحيث تنشر الملل فى نفوسنا، فقد أشاعوا فيها الحركة، وبذلك بثّوا فيها كثيرا من الحيوية، وما من شك فى أن هذه الحركة مشتقة من حياتهم التى لم تكن تعرف الثبات والاستقرار، فهم دائما راحلون وراء الغيث ومساقط الكلأ، ومن ثمّ كانوا إذا وصفوا الحيوان وصفوه متحركا لا واقفا جامدا، وارجع إلى وصف طرفة لناقته فستجده يصفها وهى سائرة به فى طريق إلى غاية تصبو إليها نفسه، يقول:
أمون كألواح الإران نسأتها
…
على لاحب كأنه ظهر برجد (1)
وهو يشبه الطريق بكساء مخطط، يجد فيه جمالا، كما يجد فيها روعة وبهاء، فيستمر فى وصفها وكأنه تدلّه بها حبّا، فهو لا يترك شيئا دون أن يقيده، وكأنه يصنع لها تمثالا يريد أن يحفره حفرا فى أذهان العرب الذين كانوا يعجبون بنوقهم ويودون لو أتيح لهم من ينصبها لهم تمثالا بديعا. وعلى هذا النحو كانوا يصفون خيولهم وكانوا ينتقلون منها ومن وصف النوق إلى وصف النعام وبقر الوحش وثورها والأتن وحمارها ويصورونها لنا وهى تجرى فى الصحراء تطلب الماء، والصائد إما فى طريقها بكلابه أو على الماء مستترا منها، وما تلبث أن تنشب معركة هائلة لا تقل عن معاركهم هولا.
وطبيعى أن يفيض هذا الجزء من قصائدهم بحركة واسعة، فالحركة أساسه، وقد يدخلون هذه الحركة فى المقدمة نفسها، فالشاعر لا يكتفى بالوقوف بالأطلال وبكاء الديار، بل كثيرا ما يصور ظعن حبيبته وصواحبها فى القافلة، وقد خرجت تطلب مرعى جديدا، فلا تزال متنقلة من موضع إلى موضع وعين الشاعر بإزائها نسجل هذه الرحلة الدائبة تسجيلا بديعا.
(1) أمون: الموثقة الحلق، والإران: تابوت الموتى ونساتها: زجرنها، اللاحب: الطريق البين الواضح الذى أثر فيه المشى. البرجد: كساء مخطط شبه به طرائق الطريق وما فيه من تعاريج وخطوط وآثار.
وهذه الحركة فى حياتهم التى تعنى عدم الثبات والاستقرار، وبالتالى تعنى عدم التوقف عند شئ وإطالة النظر فيه هى التى جعلت معانيهم سريعة. أو على الأقل كانت من أهم البواعث على سرعتها. فالشاعر لا يقف طويلا عند المعنى الذى يلم به بل لا يكاد يمسه حتى يتركه إلى معنى آخر. فحياته لا تثبت ولا تستقر. وهو كذلك فى معانيه لا يثبت ولا يستقر، بل ينتقل من معنى إلى معنى فى خفة وسرعة شديدة. ومن ثم غلب عليه الإيجاز. فهو لا يعرف الإطناب ولا ما يتصل به من هدوء وسكون. ولعل هذا هو الذى جعل البيت فى قصائدهم وحدة معنوية قائمة بنفسها. وتتألف القصيدة من طائفة من الأبيات أو البيوت المستقلة التى يكتفى فيها كل بيت غالبا بنفسه. غير متوقف على ما يسبقه ولا على ما يلحقه إلا نادرا.
وربما كان هذا هو السبب الحقيقى فى أن القصيدة الطويلة لا تلم بموضوع واحد يرتبط به الشاعر. بل تجمع طائفة من الموضوعات والعواطف لا تظهر بينها صلة ولا رابطة واضحة. وكأنها مجموعة من الخواطر يجمع بينها الوزن والقافية وتلك هى كل روابطها، أما بعد ذلك فهى مفككة، لأن صاحبها لا يطيل المكث عند عاطفة بعينها أو عند موضوع بعينه. ومن أجل ذلك زعم بعض النقاد أن الاستطراد أساس فى الشعر الجاهلى. ومن حقنا أن نعطيه اسما جديدا مشتقا من حياته، وهو التنقل السريع.
وما أشبه القصيدة عندهم بفضائهم الواسع الذى يضم أشياء متباعدة لا تتلاصق، فهذا الفضاء الرحب الطليق المترامى من حولهم فى غير حدود هو الذى أملى عليهم صورة قصيدتهم. فتوالت الموضوعات فيها جنبا إلى جنب بدون نسق ولا نظام ولا محاولة لتوجيه فكرى. إنما هى موضوعات أو أشكال متجاورة يأخذ بعضها برقاب بعض فى انطلاق غريب كانطلاق حياة الشاعر فى هذا الفضاء الصحراوى الواسع الذى لا يكاد يتناهى ولا يكاد يحد، والذى تتراءى فيه الأشياء متناثرة غير متجاورة.
على أن هذه الحركة قد أتاحت لشعرهم ضربا من الروح القصصية، لا نراه ماثلا فى وصفهم للحيوان الوحشى فحسب، بل نراه أيضا فى وصف الصعاليك لمغامراتهم على نحو ما تعرض علينا ذلك تائية الشنفرى التى أنشدها المفضّل الضّبى والتى يستهلها بقوله (1):
(1) المفضليات ص 108، وأجمعت: عزمت أمرها، واستقلت: ارتحلت.
ألا أمّ عمرو أجمعت فاستقلّت
…
وما ودّعت جيرانها إذ تولّت
فإنه يقصّ علينا بعد غزلها الطريف قصة غزوة له مع بعض رفاقه من الصعاليك، وهو لا يسردها فى إجمال، بل يسرد تفاصيلها، إذ يذكر أنهم أعدّوا العدّة للغزو والسلب، يحملون قسيّهم الحمر، وقد خرجوا من واديين: مشعل والجبا راجلين، وقد حمل زادهم تأبط شرّا الصعلوك المشهور، وكان يقتّر عليهم فى الطعام خشية أن تطول بهم الغزوة فيهلكوا جوعا. ويصف لنا الشنفرى جعبة السهام التى كانت معهم، وكيف أنهم كانوا يحملون حساما صارما، بل سيوفا قاطعة كأنها قطع الماء فى الغدير لمعانا، بل كأنها أذناب البقر الصغير تحركه، وقد نهلت وعلّت من دماء محرم ساق هديه إلى الكعبة، فقتلوه دون غايته وأخذوا ما معه، كما قتلوا بعض من كانوا يرافقونه، ومن لم يقتل أخذوه أسيرا. وينهى القصة مفتخرا بشجاعته وأنه لا يرهب الموت.
ويكثر الصعاليك من قصّ مثل هذه المغامرة، ويلقانا فى حماسياتهم كثير من وصف معاركهم، وقد يحاولون سردها، وهو سرد تتمشى فيه الروح القصصية على نحو ما تمثّل ذلك معلقة عمرو بن كلثوم وقصائد بشر بن أبى خازم فى المفضليات، إذ يتحدث فيها حديثا مفصلا عن يومى النّسار والجفار، فالقصص يتخلل شعرهم، وقد أفردوا له فى مطوّلاتهم قطعة وصف الحيوان الوحشى. ونراه ماثلا فى غزلهم على نحو ما مر بنا فى غزلية المنخّل اليشكرى، وإنما تمثلنا بقطعة منها، وهو ماثل فى غزل المرقّش الأصغر مما رواه صاحب المفضليات. فإذا قلنا بعد ذلك كله إن معانيهم كان يسودها فى بعض جوانبها ضرب من الروح القصصية لم نكن مبالغين، وهى روح لم تتسع عندهم، فقد أضعفتها حركتهم وميلهم إلى السرعة والإيجاز. وبذلك لم يظهر عندهم ضرب من ضروب الشعر القصصى، فقد ظل شعرهم غنائيّا ذاتيّا، يتغنى فيه الشاعر بأهوائه وعواطفه، غير محاول صنع قصة، يجمع لها الأشخاص والمقومات القصصية، ويرتبها ترتيبا دقيقا، فإن شيئا من ذلك لم يخطر بباله، إذ كان مشغولا بنفسه، لا يهمه إلا أن يتغنى بها وممشاعره.