الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الأول
الجزيرة العربية وتاريخها القديم
1 - صفة الجزيرة العربية
(1)
تشغل جزيرة العرب الجنوب الغربى لآسيا، وقد سماها أهلها جزيرة لأن الماء يدور بها من ثلاث جهات فى جنوبيها وغربيها وشرقيها، فهى شبه جزيرة، وليس فى الأرض شبه جزيرة تضاهيها فى المساحة. ويرى علماء الجيولوجيا أنها كانت متصلة بإفريقية فى الزمن المتعمق فى القدم، ثم فصلهما منخفض البحر الأحمر الذى يمتد فى غربيها، كما يرون أنه كان يغطى جزءا منها فى العصر الجليدى مروج خضراء، وكانت تجرى بها بعض أنهار، ولا تزال تشهد عليها أودية جافة عميقة.
ويطلّ عليها فى الجنوب المحيط الهندى وفى الشرق بحر عمان وخليج العرب. وتترامى متوغلة فى الشمال على حدود فلسطين وسوريا غربا والعراق وبلاد الجزيرة شرقا.
وكان جغرافيو اليونان والرومان يقولون إنها ثلاثة أقسام: العربية الصحراوية والعربية الصخرية أو الحجرية والعربية السعيدة، أما العربية الصحراوية فلم يعيّنوا حدودها ولكن يفهم من كلامهم أنهم كانوا يطلقونها على البادية الشمالية التى تصاقب بلاد الشام غربا وتمتد شرقا إلى العراق والحيرة. وكانت تقع فى شماليها مملكة تدمر التى حكمتها أسرة الزبّاء المشهورة. وأما العربية الصخرية فكانوا يطلقونها على شبه جزيرة سيناء والمرتفعات الجبلية المتصلة بها فى شمالى الحجاز وجنوبى البحر الميت، وهى التى أقام فيها النبط مملكتهم واتخذوا مدينة سلع «بطرا»
(1) انظر فى صفة الجزيرة العربية كتب الجغرافية العربية وكتاب تاريخ العرب قبل الإسلام لجواد على (طبع بغداد) ج 1 ص 86 وما بعدها وكتاب تاريخ العرب (مطول) لفيليب حتى (الترجمة العربية) ج 1 ص 15 وما بعدها وكتاب «قلب جزيرة العرب» لفؤاد حمزة
حاضرة لهم، وامتدت هذه المملكة فى عهد الحارث الرابع أوائل القرن الأول للميلاد إلى دمشق، غير أن الرومان استولوا عليها سنة 106 م. أما العربية السعيدة فكانت تشمل وسط الجزيرة وجنوبيها، أو بعبارة أخرى كل ما وراء القسمين الأول والثانى. وربما دل ذلك من بعض الوجوه على أن هذا القسم الثالث كان يدين بالولاء للدول الجنوبية مثل معين وسبأ.
ويقسم جغرافيو العرب الجزيرة إلى خمسة أقسام، هى: تهامة والحجاز ونجد والعروض واليمن، وتهامة هى المنطقة الساحلية الضيقة المطلة على بحر القلزم أو البحر الأحمر. وتسمى فى الجنوب باسم تهامة اليمن، وقد يبلغ عرضها فى بعض الأمكنة خمسين ميلا، وكان العرب القدماء يسمونها الغور لانخفاض أرضها، وهى أرض رملية شديدة الحرارة، وقد قامت بها بعض المرافئ والثغور مثل الحديّدة فى اليمن ومثل جدة وينبع فى الحجاز. ويقع فى شماليهما ثغر صغير يعرف باسم الوجه، ويظن أنه كان ثغر مدينة الحجر المعروفة الآن باسم مدائن صالح. وفى الجنوبى الوجه قرية الحوراء وربما كانت هى الموضع الذى أرسى فيه إليوس جالوس القائد الرومانى بجيوشه سنة 24 ق. م وهى الغزوة التى أراد بها أن يفتح بلاد اليمن وباءت بالفشل الذريع.
وتمتد فى شرقى تهامة سلسلة جبال السّراة من الشمال إلى الجنوب فاصلة بينها وبين هضبة نجد ومؤلفة إقليم الحجاز المعروف، وتكثر فى هذا الإقليم الأودية والمناطق البركانية، والحرّات وهى أراض رملية تعلوها قمم البراكين. وإذا وجدت فى هذه الأراضى آبار وعيون آذنت بالخصب وقيام القرى الكبيرة مثل المدينة أو يثرب ووادى القرى فى شماليها وهو يقع بينها وبين العلا وكانت تسمى قديما دادان. ومن مدن هذا الوادى قرح وكانت تقام بها سوق عظيمة فى الجاهلية ومدينة الحجر أو مدائن صالح وقومه من ثمود. ونزل اليهود ببعض قرى هذا الوادى مثل خيبر وفدك، وامتدوا إلى تيماء فى الشمال ويثرب فى الجنوب. وكان ينزل فى هذه الجهات قبل الإسلام قبائل عذرة وبلىّ وجهينة، وقضاعة وكانت تمتد عشائرها إلى شبه جزيرة سيناء. وعثر المنقبون فى وادى القرى على نقوش عربية جنوبية وأخرى شمالية كالثمودية واللّحيانية. وأهم مدن الحجاز مكة واسمها
عند بطليموس مكربا (Macoraba) وكانت قبل الإسلام تمسك بزمام القوافل المصعدة إلى البحر الأبيض والمنحدرة إلى المحيط الهندى، وكان بها الكعبة بيت أصنامهم حينئذ فكان العرب يحجون إليها ويتّجرون فى أسواقها ويبتاعون ما يحتاجون إليه. وعلى بعد خمسة وسبعين ميلا إلى الجنوب الشرقى من مكة تقع الطائف، وقد أقيمت على ظهر جبل غزوان، وتحف بها أودية وآبار كثيرة أتاحت للمملكة النباتية أن تزدهر هناك من قديم، وقد عثر فيها على نقوش ثمودية.
وينبسط الحجاز شرقا فى هضبة نجد الفسيحة التى تنحدر من الغرب إلى الشرق حتى تتصل بأرض العروض وهى بلاد اليمامة والبحرين. ويسمى العرب جزءها المرتفع مما يلى الحجاز باسم العالية، أما جزؤها المنخفض مما يلى العراق فيسمونه السافلة، بينما يسمون شرقيها إلى اليمامة باسم الوشوم وشماليّها إلى جبلى طيئ:
أجأ وسلمى باسم القصيم، وهو عندهم الرمل الذى ينبت الغضا وهو ضرب من الأثل، وإليه ينسب أهل نجد فيسمون أهل الغضا. وشمالى نجد صحراء النفود وهى تشغل مساحة واسعة، إذ تبتدئ من واحة تيماء وتمتد شرقا نحو 300 ميل وتزخر بكثبان من الرمال الحمراء، تتخللها مراع فسيحة. وإذا اقتربت من العراق مدت ذراعا لها نحو الجنوب، فتفصل بين نجد والبحرين متسمية باسم الدهناء أو رملة عالج وهى منازل قبيلتى تميم وضبّة فى الجاهلية والإسلام، حتى إذا أحاطت باليمامة انبطحت فى الرّبع الخالى وهو صحراء واسعة قاحلة يظن أنها تبلغ نحو خمسين ألف ميل مربع، وهى تفصل بين اليمامة ونجد من جهة وبين عمان ومهرة والشّحر وحضرموت من جهة ثانية، وتندمج فيها صحراء الأحقاف التى تمتد إلى الغرب فاصلة اليمن من نجد والحجاز. وهذه الصحارى التى تطوق نجدا فى الشمال والشرق والجنوب قفار متسعة، وخيرها القسم الشمالى إذ تكسوه الأمطار فى الشتاء حلة قشيبة من النباتات والمراعى. ووراء هذا القسم فى الشمال بادية الشام وهى كثيرة الأودية والواحات وبادية العراق أو بادية السماوة، وواضح أنهما لا تعدان من نجد.
وتشمل العروض اليمامة والبحرين وما والاهما. وعدّ ياقوت فى معجم البلدان اليمامة من نجد، وكانت عند ظهور الإسلام عامرة بالقرى، مثل حجر وكانت حاضرتها، ومثل سدوس ومنفوحة وبها قبر الأعشى، ويقال إنها كانت موطن
قبيلتى طسم وجديس البائدتين. وقد عثر فيها على نقوش سبئية متأخرة. وتمتد البحرين من البصرة إلى عمان وبها كانت تنزل قبيلة عبد القيس فى الجاهلية، وهى تشمل الآن الكويت والأحساء وجزر البحرين وقطر، وتكثر فى هذا الإقليم الآبار والمياه وخاصة فى الأحساء، ومن مدنه القديمة هجر وفى أمثالهم «كجالب التمر إلى هجر» ، والقطيف وكانت تسمى أيضا الخطّ وإليها تنسب الرماح الخطية. وفى جنوبى البحرين عمان ومن مدنها صحار ودبا وكان بها سوق مشهورة فى الجاهلية.
وعرف سكان هذه المنطقة من قديم بالملاحة واستخراج اللآلى.
أما القسم الخامس من الجزيرة وهو اليمن فيطلق على كل الجنوب، فيشمل حضرموت ومهرة والشّحر، وقد يطلق على الزاوية الجنوبية الغربية من الجزيرة، وهو الإطلاق المشهور الآن. وتتألف اليمن من أقسام طبيعية ثلاثة: ساحل ضيق خصب هو تهامة اليمن وجبال موازية للساحل هى امتداد سلسلة جبال السراة ثم هضبة تفضى إلى نجد ورمال الربع الخالى، وبها كثير من الأودية والسهول والثمار والزروع بفضل أمطار الرياح الموسمية الغزيرة وقد وصفها القرآن الكريم بأنها {جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ»} . وأتاح ذلك لسكانها أن يقيموا فيها دولا وحضارة منذ أواخر الألف الثانى قبل الميلاد إلى أوائل القرن السادس الميلادى. ويسمى قسمها الشمالى المجاور للحجاز باسم عسير، وكانت تنزله قبيلة بجيلة فى الجاهلية ومن أشهر مدن اليمن زبيد وظفار وصنعاء وعدن ونجران. ومن أشهر وديانها تبالة وبيشة وكانت به مأسدة. وتمتد شرقى اليمن حضرموت على ساحل بحر العرب، فإقليم مهرة، والشّحر ومعناه فى اللغة الجنوبية الساحل، وتنمو فى جباله أشجار الكندر وهو اللّبان الذى اشتهر به جنوبىّ بلاد العرب فى الجاهلية.
ومناخ الجزيرة فى جملته حار شديد الحرارة، وتكثر فى نجد رياح السموم التى تهب صيفا، فتشوى الوجوه شيّا، وألطف رياحها الرياح الشرقية ويسمونها الصّبا، وأكثر شعراؤهم من ذكرها. أما ريح الشمال فباردة وخاصة فى الشرق إذ تتحول إلى صقيع فى كثير من الأحيان. والأمطار عامة قليلة إلا فى الجنوب حيث تهطل أمطار الرياح الموسمية فى الصيف، وإلا فى الشمال الغربى حيث تهطل أمطار الرياح الغربية شتاء. وكثيرا ما يتحول المطر إلى سيول جارفة فى اليمن وشمالى الحجاز؛ وقد
وصف امرؤ القيس فى معلقته سيلا جارفا حدث بالقرب من تيماء حيث كانت منازل بنى أسد. وتقل الأمطار فى الداخل ولقلتها سموها غيثا وحيا (من الحياة) واستنزلها الشعراء على ديار معشوقاتهم وقبور موتاهم. ومتى احتبست الأمطار جفت الأرض وأجدبت وحلّ الهلاك والفناء على القطعان والرّعاء. ولطول ما كان يحدث لهم من ذلك سموا الجدب سنة، فيقولون: أصابتنا سنة أتت على الأخضر واليابس. ومن أجل ذلك كثرت عندهم الرحلة فى طلب العشب والكلأ، فترحل القبيلة بإبلها وأغنامها إلى مراع جديدة. وليس فى الجزيرة بحيرات إلا ما يقال من أن هناك بحيرة مالحة فى الرّبع الخالى، وليس بها كذلك غابات ولا أنهار جارية.
وفى الجنوب والشرق وقرى الحجاز واليمامة تكثر الزروع والثمار وتتناثر بعض الفواكه، وقد اشتهرت اليمن وما والاها قديما بأشجار اللبان والطيب والبخور، كما اشتهرت حديثا بأشجار البن، وتشتهر الطائف بالكروم، ولم يكونوا يعتمدون عليها وحدها فى الخمر بل كانوا يعتمدون أيضا على مدن الشام. والنخلة أهم الأشجار فى الجزيرة كلها. ويتردد على ألسنة شعراء نجد ذكر طائفة من الأزهار على رأسها العرار والخزامى وطائفة من الأشجار على رأسها الغضا والأثل والأرطى والسّدر (الطّلح) والحنظل والضّال والسّلم.
أما الحيوان فقد صور شعراؤهم كثيرا من أليفه مثل الخيل والإبل والأغنام ووحشيّه مثل الأوعال والظباء والنعام والغزال والزراف وحمار الوحش وأتنه وثور الوحش وبقره ومثل الأسد والضبع والذئب والفهد والنمر. ودارت الطيور الجارحة على ألسنتهم مثل الحدأة والصقر والنسر والغراب، وقلما وصفوا منهلا دون أن يذكروا القطا وهو يشبه الحمام. وذكروا كثيرا الجراد، وتحدثوا عن النّحل واشتهرت به هذيل التى كانت تغنى ببيوته وخلاياه. ومن زواحفهم الثعبان والعقرب والورل والضبّ، وفى أمثالهم:«أعقد من ذنب الضبّ» .