الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف اللام
فمن ذلك قوله تعالى في سورة " العقود ":
(فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ)
.
قرئ بجرّ اللام من (أَرْجُلَكُمْ) ونصبها ورفعها.
فأما قراءة الجرّ فقرأ بها ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، وأبو بكر.
وأنس، وعكرمة، والشَّعبي، والبا قر، وقتادة، والضّحّاك.
ووجه هذه القراءة مبنيّ على اختلاف المذاهب في ذلك: فمن أوجب الغسل
في الأرجل وهو الصحيح وعليه جمهور الفقهاء، فللخفض على قولهم
تأويلات:
منهم من قال: خُفض على الجوار، وهو تأويل ضعيف؛ لأن الصحيح
من الخفض على الجوار مع قلّته ألاّ يكون إلاّ في النعت لا في العطف.
وقيل: هو مختصّ بالشعر.
ومنهم من قال: هو مخفوض بحرف جرّ، وحُذف حرف الجر مع الفعل
الذي يتعلّق به، التقدير: وافعلوا بأرجلكم الغسل.
ومنهم من قال: إنما خفضت الأرجل لأنها من بين الأعضاء المغسولة
مظنةً للإسراف المنهى عنه، فعطفت على العضو الممسوح لا لأن تمسح.
ولكن للتنبيه على وجوب الاقتصاد في صبّ الماء عليها، دليله قوله
تعالى: (إلى الكعببين) معناه: والمسح لا غاية له.
وبالجملة فهذه القراءة مشكلة على مذهب من يرى الغسل.
قلت: وأقرب التأويلات في ذلك تأويل ابن الحاجب، وهو أنه جعله من باب:
فعَلَفْتُها تِبناً وماءً بارداً
التقدير: وسَقَيْتُها، لأن الماء لا يُعلف، ثم حذف " سقيتها " لدلالة
"علفتها " عليه، لأنّ الأكلَ يستلزم الشرب، وعطف " ماء " على " تبن ".
وكذلك الآية، التقدير: وامسحوا برؤوسكم واغسلوا أرجلكم، فحذف
"واغسلوا " لقرب معناه من " امسحوا "، ثم جرّوا (أرجلكم) بالعطف على
(رؤوسكم) حملاً لأحد الفعلين على الآخر.
وهذا التأويل أليق وأقرب من التأويلات المتقدّمة، وأكثر في القرآن وكلام العرب، حتى قال بعضهم: هو مقيس لكثرته نظماً ونثراً، وإنما حملهم على تكلّف هذه التأويلات السنّةُ الواردة الصحيحة المقتضية للغسل الذي لا تحتمل تأويلاً.
ومن يرى المسح فهو معطوف على (رؤوسكم) ، وهو صحيح
الإعراب فاسد المعنى.
وأما قراءة النصب فقرأ بها نافع، وابن عامر، والكسائي، وحفص.
ووجهها أنه منصوب عطفاً على (أيديكم) ولا يضرّ الفصل بالجملة بين
المعطوف والمعطوف عليه.
قال أبو البقاء: هو جائز ولا خلاف فيه.
ولا يلتفت إلى قول ابن عصفور: وأقبح ما يكون ذلك بالجمل - يعني
الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه، لأن هذه الآية تردّ عليه. ولا يخلو
ابن عصفور أن مرّت هذه الآية بخاطره حين قال: " وأقبح من ذلك "، أو
لا.
فإنّ كانت مرَّت بخاطره فهو جارٍ على عادته من سوء أدبه مع كلام الله
تعالى وإطلاق لسانه في ذلك، وإن كانت لم تَرِد بخاطره فيشفع له جهلُه
بذلك.