الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف الباء
فمن ذلك قوله تعالى في سورة " الفاتحة ":
(رَبِّ الْعَالَمِينَ)
قُرِىء بخَفض الباء ونصبها ورفعها:
فأمّا قراءة الخَفض فقرأ بها السبعة، ووجهها ظاهر: وهو إما يكون نعتاً
للجلالة أو بدلاً.
وأمّا قراءة النصب فقرأ بها زيدُ بن على وطائفة، وفي توجيه هذه
القراءة تفصيل: وهو أن يقال: لا يخلو الذي قرأ بنصب (رَبِّ) أن
ينصب (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وقد قُرىء بذلك، أو يجرّهما.
فإن كان قرأ بنصبهما فلا إشكال؛ لأنه نصبَ الجميعَ على القطع، أي: أعني ربَّ العالمين الرحمنَ الرحيمَ.
وإن كان قرأ بجرّهما ففيه إشكالٌ من جهة أنّهم قالوا: لا يجوزُ في الصفات الإتباعُ بعد القطع؛ لأنه يلزمُ منه الرجوعُ بعد الانصراف.
وقد قال الشاعر:
إذا انصرفَتْ نفسي عن الشيء لم تَكَدْ. . . إليه بوجهٍ آخرَ الدهرِ تَرْجِعُ
وهذه القراءة يلزم منها الإتباع بعد القطع، لأنّه قَطَعَ (رَبِّ الْعَالَمِينَ) ؛ عن الإتباع، ثم أتبع (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) .
وتوجيه هذه القراءة ولا يلزم منه الإتباع بعد القطع: أن يكون (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بدلاً لا نعتاً، لا سيّما على مذهب "الأعلم" الذي يرى أنّ (الرحمن) لا يكون صفة.
ومنهم: من نصب (رَبِّ الْعَالَمِينَ) على النداء وهو ضعيف.
ومنهم: من نصبه بفعل على أنه توهّم أنّ مكان (الحمد لله) : نَحْمَدُ
الله ربَّ العالمين، فأجراه على ما يَصلُحُ في المَوضع، وهو ضعيف جدّاً "
لأنّ مراعاةَ التَّوَهُمِ لا تجوز إلا في العطف، نحو قولك: ليس زيد بقائم
ولا قاعداً، بنصب " قاعد" على توهّم حذف الباء.
قال الشاعر:
مُعاوِيَ، إنّنا بَشَرٌ فَأَسْجِحْ. . . فَلَسْنا بالجبالِ ولا الحديدا
فعطف " ولا الحديد " على توهّم حذف الباء من " الجبال "، أي: فلسنا
جبالاً ولا حديداً.
هذا كلّه على من يمنعُ الإتباعَ بعد القطع، وهو الكثير.
وأما من جوّزه فلا إشكال في ذلك.
وأما قراءة الرفع فذكرها أبو البقاء في " إعرابه " ولم يُسْنِدْها، وفي
وجه هذه القراءة تفصيل أيضاً: وهو أن يقال: لا يخلو الذي يقرأ بالرفع أن
يرفعَ (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) وقد قرىء بذلك، أو يجرّهما، فإن كان قرأ
برفعهما فلا إشكال، لأنّه رفع الجميع على القطع، أي: هو ربُّ العالمين
الرحمنُ الرحيمُ.
وإن كان قرأ بجرّهما ففيه إشكال من جهة الإتباع بعد القطع، ووجه ذلك أن يكون (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بدلاً كما تقدّم.
تتميم:
" الربّ " مصدر في الأصل، من قولك: رَبَّ يرُبُّ ربّاً: إذا أصلح، ثم
وصف به كعَدل ورِضاً، فوزنه على هذا " فَعْل "، وقيل: هو اسم فاعل وأصله راب، وحذفت ألفه كما قالوا: رجل بارّ وبَرّ، فوزنه على هذا " فاعل ".
والربّ في اللغة: السَّيَد، والمالك، والمعبود، والثابت، والمُصلح.
والخالق، وزاد بعضهم: الصاحب، واستدلّ على ذلك بقوله:
فدنا له ربُّ الكلابِ، بكَفه. . . بِيض رِهادفٌ، ريشُهن مُقَزَّع
ولا دليل في البيت.
وكلّها تصلح في الآية إلاّ الثابت والصاحب، وفي السيّد خلاف.
و (الْعَالَمِينَ) فيه شذوذ من وجهين:
أحدهما: أنّه اسم جَمع كالأنام، وأسماء الجموع لا تجمع.
الثاني: أنّه جُمع بالواو والنون، ولم يَستوفِ الشروط.
قال شيخ الجماعة أبو حيَّان: والذي أختاره: أنْ يُطْلَقَ على المُكَلَّفين.
لقوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالَمِينَ) .
وقراءة حَفص (للعالِمين) بكسر اللام توضّحه، ولم يقرأ حفص بكسر اللام في