الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على قراءة الكسر، التقدير عنده واغسلوا أرجلكم؛ لأن الأرجل لا تُمْسَح، فحذف "واغسلوا" لقرب معناه من "وامسحوا" ثم جرّوا (أرجلكم) عطفاً
على (برؤوسكم) حملاً لأحد الفعلين على الاآخر.
وسيأتي الكلام على هذه الآية بأبسط من هذا في باب اللام إن شاء الله تعالى.
ومنه قوله تعالى: (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ)، أي: واعتقدوا الإيمان؛ لأن الإيمان لا يُتبَوّأ.
ومنه قوله تعالى على بعض الأقوال:
(وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) وَرَسُولًا)
، أي: ويجعله رسولاً؛ لأن العلم لا يعمل في
الذات، فلو جعلت الرسولَ بمعنى الرسالة جازَ عطفُه على الكتاب.
ومنه قول الشاعر:
فَعَلَفْتُها تِبناً وماءً بارِداً. . . حتى شَتَتْ همّالةً عيناها
أي: وسَقَيْتُها ماء؛ لأن الماء لا يُعلف.
ومنه قول الآخر:
يا ليتَ زوجَك قد غدا. . . مُتَقَلِّداً سَيفاً ورُمحا
أي: وحاملا رمحاً؛ لأنّ الرمح لا يُتَقَلَّد.
ومنه قول امرىء القيس:
غرائرُ في كِنٍّ وصَوْنٍ ونَعمةِ. . . يُحَلَّينَ ياقوتاً وشَذْراً مُفَقَّرا
وريحَ سنا في حُقّةٍ حِميريّةٍ. . . تُخَصّ بمَفروكٍ من المسك أذفرا
لأنّ الريح لا يُحَلَّى.
ومنه قول الآخر:
إذا ما الغانياتُ بَرَزْنَ يوما. . . وزَججنَ الحواجبَ والعُيونا
أي: وكَحَّلْنَ العيون؛ لأنَّ العيون لا تُزَجَّج، وإنما يكونُ ذلك في
الحاجب. يقال: زجَّجَتِ المرأةُ حاجبها: أطالَته بالإثمد.
ومنه قول الآخر يصفُ مُسْتَنْبِحا وهو الضيف:
يُعالجُ عِرنيناً من الليلُ باردا. . . تلفُّ رياح ثوبَه وبُروقُ
أي: وتصيبه بروق.
ومنه قول الآخر:
فعلا فروعَ الأَيْهُقانِ وأَطْفَلَتْ. . . بالجَلْهَتَين ظِباؤُها ونَعامُها
أي: وباضت نعامُها؛ لأنّ النّعامَ لا تُطفل.
ومنه قول الآخر:
تراه كأنّ اللهَ يَجْدَعُ أنفَه وعَينَيه. . .، إنْ مولاه ثابَ له وَفْرُ
أي: ويفقأ عينيه؛ لأنّ العينَ لا تُجدع.
وعلى هذا حمل بعضُهم قوله:
أَكْنيه حينَ أُناديه لأُكْرِمَه. . . . ولا ألقِّبُه والسوأةَ اللقَبا
أي: ولا ألقّبُه اللَّقَبَ وأسوءه السوأة، ثم حذف أسوءه لدلالة ألقبه
عليه، ثم قدّم مضطرّا، ورأى هذا أولى من تقدُّم المفعول معه.
قلت: وهذا دليل على كثرة هذا الوجه وسَعَته، لأنّهم يرجعون إليه عند
المضايق، ويقدّمونه على غيره في التأويل.
وقد ذهب جماعةٌ من النحويّين إلى أنّ هذا النوعَ وأمثالَه محمو على التَّضمين لا على حذف الفعل.
ومعنى التضمين: أن يُضَمَّنَ الفعلُ معنى فعل آخر يصح أن يعملَ في
المعطوف والمعطوف عليه، فيُضَمَّن (تَبَوَّءوا) : اتَخَذوا، وعَلَفْتُها:
أعطيْتُها، ويُحَلَّين؛ يُعْطَين، وزجَّجْن: حَسَّنَّ، وأطْفَلَت: وَضَعَت.
ويَجْدَع: يُذهب.
والفرق بين التَّضمين وإضمار الفعل؛ أنّ التَّضمينَ يكونُ العطفُ فيه من
باب عطف المفردات، وأن إضمارَ الفعل العطفُ فيه من باب عطف
الجُمَل، والترجيح بين المذهبين مذكور في الكتب المطوّلة.
الخامس من أوجه النصب ما قاله أبو علي، ولم يذكر الزمخشريُّ
غيرَه، وهو أن يكون (وشركاءكم) مفعولاً معه، وإذا كان كذلك
فالمصاحَب يحتمل أن يكون الواو في (فأجمعوا) فتكون (الشركاء) فاعلاً
في المعنى، ويحتمل أن يكون (أمركم) فتكون مفعولاً في المعنى.
والأَولى أن يكون المصاحب الواو، لأن الصحيح عندهم أن المفعول معه
لا يجوز إلا حيث يجوز العطف، وأنت إذا عطفت (شركاءكم) على
الواو جاز لوجود الفصل، وإن جعلت المصاحب (أمركم) لم يجز العطف
على اللغة المشهورة؛ لأن العطف يقتضي أن يقال: أجمعت، وهو قليل.
وأما قراءة الرفع فقرأ بها أبو عبد الرحمن، والحسن، وابن أبي إسحق، وعيسى بن عمر، ويعقوب. ووجه هذه القراءة أنْ
يكونَ معطوفاً على الضمير في (فأجمعوا) وحَسَّنَه وقوعُ الفصل
بالمفعول.
ويجوز أنْ يكونَ مبتدأً والخبرُ محذوف لدلالة ما تقدّم.
والتقدير: وشركاؤكم فليجمعوا أمرَهم.
وأما قراءة الجرّ فقالوا: قرأ بها فرقةٌ ولم يُسَمُّوها.
ووجهُها أنْ يكونَ معطوفا على الضمير في (أمركم) على حذف مضاف، أي: وأمر شركائكم، كقول الشاعر:
أكلَّ امرءٍ تَحْسِبينَ امرءا. . . ونارٍ توقَّدُ بالليلِ نارا
ومنه قولهم: " ما كلُّ بيضاءَ شحمة، ولا سوداءَ تمرة "، أي: وكلّ
نارٍ، ولا كلّ سوداء، فحذف " كلّ " فيهما لدلالة ما تقدّم.
وعلى هذا حَمَلَ البصريون قوله تعالى: (وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) فيمن نصب (آيات) .
أي: وفي اختلاف، فأضمرت " في " لتقدّم ذكرِها في قوله تعالى: (وَفِى
خلقكم) ، والدليل على هذا قراءة عبد الله:(وفي اختلاف) فصرح
ب (في) المضمرة، فلم يَبْقَ في الآية دليل للأخفش على تجويز العطف
على عاملين. والله أعلم.