الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المِلْك بكسر الميم وفتحها، نقله الأخفش، وقد نُقل فيه الضمُّ.
تتميم:
بقي غير هذه القراءات التسعِ ثماني قراءات:
قرأ أبو هريرة، وعاصم الجَحدري (مَلْك) بسكون اللام على وزن
سَهْل، وهي لغة بكر بن وائل.
وقرأ أبو أحمد بن صالح عن ورش، عن نافع (ملكي) بإشباع
كسرة الكاف.
وقرأ أبو حنيفة، وأبو حَيوة (مَلَكَ) فعلاً ماضياً.
وقرأ عون العُقيلي (مالكٌ) بالرفع والتنوين، ونصب (يومَ الدين) .
وقرأ اليمان (مالكاً) بالنصب والتنوين، ونصب (يوم الدين)
وقرأ يحى بن يعمر، وأيوب السَّخْتياني (مليك) بالإمالة المحضة.
وقرأ قتيبة بن مِهران عن الكسائي بالإمالة بين بين.
وقال أبو علي الفارسي: لم يُمِل أحدٌ ألف (مالك) . وهو جائز في العربية لكنّه لا يُقرأ بكل ما يجوز إلا أن يأتيَ بذلك أَثُر.
ولم تصل هذه القراءة إلى أبي علي، فلذلك أنكر الإمالة.
وقُرىء (ملَّاك) بالألف وتشديد اللام.
فهذه سبع عشرة قراءة، كلّها راجعة إلى المُلْك بضمّ الميم، أو المِلك
بكسر الميم، وهي راجعة في أصل اللغة إلى المَلْك، الذي هو الشَّدّ
والربط، وهذا المعنى موجود في المُلك والمِلك.
ومن غريب ما في ذلك أن مادة " ك ل م " كيف ما تقلَّبت فهي
مستعملة في هذا المعنى، وهي ستَّ صُوَر: ملك، مكل، لمك، لكم.
كمل، كلم.
وزعم الفخر الرازي أن لمك منها مهمل، وليس كذلك، فقد
استعمله الشاعر فيما أنشده الفرّاء:
فلمّا رآني قَدْ حَمَمْتُ ارتحالَه. . . تَلَمَّكَ لو يُجدي عليه التَّلَمُّكُ
واعلم أن المشهور من هذه القراءات كلها (مَلِكِ) و (مالِكِ) بخفض
الكاف فيهما، وبهما قرأ السبعة، ومن الناس من جعلهما بمعنى واحد
كفَرِه وفاره، وحَذِر وحاذر، وفَكِه وفاكه، ومنهم من جعلهما مختلفين
في المعنى وهو ظاهر اللغة.
ومن جعلهما مختلفين: منهم من رجّح " مالكاً " بالألف، واستدل على
ذلك بوجوه:
الأول: أن " مالكاً " يضاف إلى ما لا يضاف " مَلِك "، فيقال: مالك الجنّ
والإنس والملائكة والطير، فيَعُمُّ العقلاءَ وغيرهم، ولا يحسن ذلك في
"ملك ".
الثاني: أنه لا يقال مالك شي إلأ لمن حصل له ذلك الشيءُ في ملكه.
واستولى عليه بالملكيّة والاستحقاق، و " مَلِك " قد يقال لمن ليس بمالك.
كقولهم؛ مَلِك العرب والعجم، مع أنّه ليس بمالك لهم.
الثالث: أنّ " مالكاً " أكثرُ حروفاَ، والزيادة في البنية لها تأثير في التعظيم.
الرابع: ما يترتّب عليه من زيادة أجر القارىء؛ إذ كل حرف بعشر
حسنات.
الخامس: كثرة من على " مالك " من القُرّاء.
السادس: أنّ المالك مُتَمَكِّن من بيعٍ وهبةٍ وغير ذلك، فهو متصرّف
كيف شاء، والمَلِك ليس له ذلك.
السابع: أنّ المالك لو انتُزِع مُلكُه بغَصْب لم يخرج عن ملكه، وهو
يستحقّه في الدُّنيا والآخرة.
الثامن: أنّ المملوك يعجزُ عن إزالة مُلك المالك.
التاسع: أن المملوكَ كثيرُ الرجاء فيما عند مالكه من الخير، وليس
الرّعِيّة فيما عند المَلك كذلك.
العاشر: أنّ المالك تجبُ خدمتُه على مملوكه بكلّ وجه وفي كلّ حال.
ولا تجب خدمةُ الملكِ على الرعيّة إلا في أمور مخصوصة.
الحادي عشر: أنّ المالك يطمعُ فيه مملوكه ولا يطمعُ هو فيه، والمَلِك
بالعكس.
الثاني عشر: أنّ المالك ذو رأفة ورحمة بملكه غير مُضَيّع له، والمَلك
ذو هيبة وقهر.
ومنهم من رجّح " مَلِكاً " واستدلّ على ذلك بأوجه:
الأول: أنّه يُشعر بكثرة ما في داخل تحت حكمه، والمالك ليس كذلك.
الثاني: أنّ الله مدح نفسَه بـ (مَالِكَ الْمُلْكِ)
ولم يقل مالك الدنيا، ولا غير ذلك ممّا هو داخل تحت ملكه، فهذا التخصيص دليل على عظمة المُلك، وأنه أشرف ما يُتَمَدَّح به.
الثالث: أنّ فيه توافق الابتداء والاختتام، فكما ختم بـ (مَلِكِ النَّاسِ)
ابتدأ بـ (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ)
والمناسبة بين الابتداء والاختتام مطلوبة في فصيح الكلام.
الرابع: أنّ المالك داخل تحت حكم الملك ولا ينعكس.
الخامس: أنّه وصف نفسه تعالى بالمَلِك في مواضع من القرآن، فقال
تعالى: (اَلملِكِ القُدُّوس) ، (المَلكُ الحَقُّ) ، (لِّمَنِ اَلملكُ) ، إلى غير ذلك، وجاء ذلك في السنّة على لسان نبيّه صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن معاذ: (حكمْتَ بحُكم المَلِك
وأخبرَ صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه يقول يوم القيامة: (أنا
المَلِك) وهذه المواطن مواطن تعظيم وتكريم.
فلو كان " مالك " أعظم من " مَلك " لعبّر به ها هنا.
السادس: عموم تصرّف المَلك فيمن دخل تحت مملكته، وليس
للمالك ذلك.
السابع: أنّ المَلِكَ لا يَفتقرُ إلى الإضافة والمالك مُفْتَقِرٌ إليها.
الثامن: أنّ المَلِكَ أعظمُ الناس وأشدّهم هيبةً، فكان أشرفَ من المالك.
فهذه حُجَجُ المُرَجِّحين بين (مالك) و (مَلِك) ، أكثرُها تلمّحات لا تقوم
بها حجّة عند تحقيق النظر، والذي تجنح إليه النفس أن (مَلِكاً) أعظم من
(مالك) والله أعلم.