الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: ويمكن أن تخرّج هذه القراءة على وجه حسن سالم من حذف
حرف الجرّ ومن العطف على ما يصلح في الموضع: وهو أن يكون
(السَّلَاسِلُ) معطوفاً على (الأعناق) ، ويكون المعنى أنّ الأغلال في
أعناقهم، وهي أيضاً في السلاسل التي يقاد بها المغلول، إذ لو كان الغلّ
في العنوق وليس في سلسلة يحبس بها عن الفرار لكان أسهل على
المغلول، فأخبر الله تعالى أن الغلّ في شيئين: في العنوق، وفي السلسلة
التي يُسحب بها المغلول ويُمنع بها عن التصرّف، وذلك أعظم وأهول.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة " الزخرف ":
(وَقِيلِهِ يَا رَبِّ)
قُرىء بنصب اللام وجرّها ورفعها:
فأما قراءة النصب فقرأ بها السبعة إلاّ عاصماً وحمزة، ووجهها أنّه
مصدر، قال: وهو معطوف على (سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ) التقدير: يعلم
سرّهم ونجواهم وَقِيلِهِ، أي: وقيل رسول الله صلى الله عليه وسلم. ومنهم من جعله مصدراً منصوباً بفعله، التقدير: قال قيله. ومنهم من جعله معطوفا على (الساعة) لأنها في محلّ نصب، نحو قولك: أعجبني ضربُ زيدٍ
وعمراً.
ومنهم من جعله معطوفاً على مفعول (يَكتبونَ) المحذوف.
التقدير: يكتبون أقوالهم وقيله.
ومنهم من جعله منصوباً بفعل مضمر،
التقدير: ويعلم قيله. ومنهم من جعله منصوباً بالعطف على مفعول
(يعلمون) التقدير عنده: وهم يعلمون الحقّ وقيله يا ربّ.
قال الشيخ أبو حيَّان: وهو قول لا يكاد يعقل.
وأما قراءة الجرّ فقرأ بها عاصم، وحمزة، والأعمش، ووجهها أنه
عطف على (الساعة) ومنهم من جعل الواو للقسم، والجواب محذوف.
التقدير: لتُنْصَرَنّ أو لأفعلَنّ بهم ما أشاء، ويكون الله قد أقسم بقول نبيّه
صلى الله عليه وسلم تعظيماً له وتكريما.
وأما قراءة الرفع فقرأ بها الأعرج، وأبو قِلابة، ومجاهد، والحسن.
وقتادة، ومسلم بن جندب، ووجهها أنّه مبتدأ، وخبره (يا ربّ)
إلى؛ (. . . لا يُؤْمِنون) .
ومنهم من قال: الخبر محذوف، التقدير:
وقيلُه هذا القول، أي:(يا رب. . .) إلى (. . . لا يُؤْمِنون) هو مسموع.
فيكون على هذا قوله تعالى: (يا ربّ) . . . إلى (. . . لا يُؤْمِنون) في
موضع نصب بـ (قيله) .
ومنهم من قال: هو معطوف على (علم الساعة)
على حذف مضاف: أي وعلم قيله، حذف المضاف وأُقيم المضاف إليه
مقامه.
قلت: والزمخشري لم يَرْضَ شيئاً من هذه الإعرابات، وجعلَ (قيله) في
حالة النصب والجرّ والرفع قسماً؛ ففي الرفع جعله مبتدأ والخبر محذوف.
التقدير: وقيله قسمي.
وفي النصب جعله منصوباً على إسقاط حرف الجرّ
نحو: اللهَ لأفعلنّ، جرياً على مذهبه من أنّ إسقاط حرف القسم ونصب
المقسم به يكون في لفظ الجلالة وغيرها. وفي الجرّ جعله مجروراً
بحرف القسم المحذوف، وجواب القسم عنده:(إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ) .
وهذا الإعراب منه يقتضي أن يكون (هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ) من كلام الله
تعالى، لكونه جعله جواب القسم، والظاهر من سياق الآية أنّ قوله:(إِنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ لَا يُؤْمِنُونَ) من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، معمول لقوله، والله أعلم.