الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فهيهاتَ هيهاتَ العَقيقُ وأهلُه. . . وهيهاتَ خِل بالعَقيقِ نُواصِلُه
فجمع بين التكرير وعدمه.
ومن مجيئه مفرداً قوله:
هيهاتَ قد سَفِهَتْ أُمَيَّةُ رأيَها. . . واستجهلتْ، حلماؤها سُفَهاؤها
فإن قيل: فما فائدة المجيء بأسماء الأفعال بدلَ أفعالها؟
قلتُ: الاختصار والمبالغة: أما الاختصار فإن لفظها مع المذكر
والمؤنّث والمثنّى والمجموع واحد، وليس كذلك الفعل.
وأما المبالغة فإن قولك: بَعُدَ زيد، ليس فيه من المبالغة ما في قولك: هيهات زيد.
فإن قولك: بَعُدَ زيد، يُفْهَمُ منه مُطْلَقُ البُعد، وإذا قلتَ: هيهات زيد، فمعناه: بَعُدَ زيدٌ جدّاً، أي: بلغ في البُعد غايتَه.
***
ومن دْلك قوله تعالى في سورة " ص ":
(وَلَاتَ حِينَ مَنَاصٍ
(3)
قرئ بفتح التاء ونصب النون من (حين) ، وبضمّ التاء ورفع النون، وكسر
التاء وخفض النون:
أمّا قراءة الفتح ونصب النون فقرأ بها السبعة، ووجهها أنّه من قال: إنّ
(لات) مركّبة من " لا " وتاء التأنيث، فالفتحة فيها كالفتحة في خيسة عشر، وهو قول سيبويه. ومن قال: إنّ التاء للتأنيث نحو رُبَّت وثمَّت، فحرّكت
لأجل التقاء الساكنين، وفتحت طلباً للخفّة، وهو قول الجمهور
والأخفش. ومن قال: إنّ التاء ليست للتأنيث وإتما هي تاء زِيدت على
الحين مستدلاًّ بقول الشاعر:
العاطفون تَحينَ ما من عاطفٍ.
أي: العاطفون حين لا عاطف، فحُركت لكونها على حرف واحد.
وفُتِحت طلباً للخفة، وهو قول أبي عبيد، واختاره أبو الحسين بن
الطراوة من نحاة الأندلس.
وأما من قال: إن (لات) أصلها " ليس " فأبدلوا السين تاء، كما صنعوا
في ستّ، فلمّا صار " ليت " خافوا من الإلباس بـ " ليت " التي للتمنّي،
فأبدلوا الياء ألفاً، فقالوا " لات "، فالفتحة فيها كالفتحة في " ليس "، وهو
مذهب أبي الحسن بن أبي الربيع.
وأما نصب الحين فعلى قول سيبويه إنما عملت عمل ليس، واسمها
محذوف وهو الحين، وهذا المنصوبُ خبرُها، أي: ليس الحينُ حينَ
مَخْلَص ولا فرار.
واختصّت " لات " بأن اسمها وخبرها لا يكونان إلا الحين، ولا يلفظ
بهما معاً، فلا تقول: لات الحينُ حينَ كذا، بل يُذكرُ واحد منهما ويحذف
الآخر، والأكثر حذف الاسم مثل هذه القراءة.
وعلى قول الأخفش: إن " لات " عملت عمل " إنّ "، فتنصب الاسم وترفع الخبر، فهذا الحين المنصوب هو اسمها، والخبر محذوف، أي: ولات حينَ مناص لهم.
وللأخفش مذهب اَخر: يرى أن " لات " لا تعمل شيئاً، فالمنصوب بعدها على مذهبه منصوب بفعل مضمر تقديره: ولات أرى حينَ مناص، وفيه نظر.
وأما قراءة ضمّ التاء ورفع النون فقرأ بها أبو السمّال، ووجهها أنها
مبنيّة على الضمّ نحو منذُ، وربّ في لغة. وأما رفع (حين) فعلى قول
سيبويه: إنّه اسم لات والخبر محذوف عكس النصب.
وعلى قول الأخفش: مبتدأ والخبر محذوف، وليس لـ " لات " عمل.
وأما قراءة كسر التاء وخفض النون فقرأ بها عيسى بن عمر، ووجهها
أنّها بُنيَت على الكسر نحو " جَيْرِ "، ويمكن أن تكون الكسرة في التاء إتباعاً
لكسرة الحاء في حين. وأمّا خَفْضُ الحين فهو أمر مُشْكل، وخرّجَه
بعضهم على أن " لات " حرف جرّ، والحين مجرور به، واستدلَّوا على ذلك
بقول الشاعر:
ولَتَعْرِفنّ خلائفا مشمولةً. . . ولَتَنْدَمَنّ ولاتَ ساعةِ مندم
بخفض " ساعة ".
وقد استعمل المتنبي ذلك في شعره، فقال:
لقد تَصَبَّرْتُ حينَ لات مُصْطَبِرٍ. . . فالآنَ أَقْحُمُ حتى لات مُقْتَحمِ
واستعمال المتنبي هذه اللغة لا تليقُ به؛ لأنّها في غاية الشذوذ، من
كونه جَرَّ بعد " لات "، وأوقع بعدها الاسم وليس بحين ولا ظرف محمول
على الحين، ولا يُسْمَحُ للمُوَلَّدين في مثل هذا الاستعمال.
وقد خرّجه بعضهم على أنّ " لات " بمعنى غير، وهي صفة لمحذوف: أي: ونادوا حيناً غير حين مناص، وهو مردود؛ لأن الواو إذ ذاك تكون زائدة ولا فائدة لها حينئذٍ.
وأما تخريجُ الزمخشري لهذه القراءة فلا ينبغي أن يُسَطَّرَ لبُعده.
وأقرب من هذا كلِّه تخريجُ أبي حيَّان رحمه الله، قال: إن الجرّ
في (حين) على إضمار " من "، أي: ولات من حين مناص، ونظيره
قولهم: على كم جذعٍ بيتك: أي من جذع، ونحوه: ألا رجلٍ جزاه
الله خيراً، أي: من رجل، ويكون " من حين " في موضع رفع على أنه
اسم " لات " بمعنى " ليس " كما تقول: ليس من رجلٍ قائماً، والخبر
محذوف.
وخرّجَ بعضُهم خَفْضَ الحين على أنّ الخَفْضَ بـ " لات "، وخَفَضوا بها
على الأصل، لأن ما اختصّ من الحروف بالأسماء ولم يكن كالجزء منها
فالأصل فيه أن يعملَ الجرّ، ونظيرُ ذلك الجرُّب " لعل " وب " لولا ".
وقد قال الفرّاء: ومن العرب من يَخْفِضُ بـ " لات " وأنشد:
. . . ولتَنْدَمَن ولاتَ ساعةِ مندمِ
قلت: ولعمري، إنّه لتخريج حسن.