الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووجهها أن يكون الجلالة مبتدأ، و (رَبِّنَا) خبر، ويكون الكلام مبنيّاً على
التقديم والتأخير، أي: ما كنا مشركين واللهُ ربُّنا، وتكون الواو واو الحال.
ثم قدّمت الجملة الحالية. والجملة بأسرها من قوله تعالى: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) في موضع نصب مفعول القول.
تتميم:
في الصحيح " أن رجلاً أتى ابنَ عبّاس رضي الله عنهما فقال: سمعتُ
الله يقول: (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) . وفي أُخرى: (وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا)، فقال ابن عبّاس: لما رأوا أن الجنّةَ لا يَدْخُلُها إلا مؤمن قالوا: تعالَوا فلْنَجْحَدْ وقالوا: ما كُنا مشركين، فختم الله على أفواههم، وتكلّمت جوارحهم، فلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة "والصّافّات ":
(بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ)
قُرىء بخفض الباء من (الكواكب) ونصبها ورفعها:
أما قراءة الخفض فقرأ بها السبعة غير أبي بكر - أحد راويَي عاصم
إلاّ أن حمزة وحَفصاً - أحد راويَ عاصم نوّنا (زينة) والباقون لم يُنَوّنوا.
أمّا من نوّن (زينة) فالكواكب بدل منها. وأما من لم ينوّن فالكواكب
مضاف إليه.
و (الزينة) حينئذٍ لا تخلو أن يراد بها المصدر كاللينة، أو الاسم كاللِّيقة اسم لما يلاق بها الدواة، فإن أُريد بها المصدر فتحتمل أن تكون من إضافة المصدر إلى الفاعل، كقوله تعالى:(وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ)، ويكون التقدير: أنْ زيّنت السماء الكواكب.
ويحتمل أن يكون من إضافة المصدر إلى المفعول كقوله تعالى: (بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ)، ويكون التقدير: أن زيّن الله الكواكب. وإن أُريد بالزينة
الاسم، فالإضافة من إضافة الخاصّ إلى العام، كخاتم حديد، وباب
ساج.
وأما قراءة النصب فقرأ بها أبو بكر - أحد راويَي عاصم، وابنُ وَثّاب.
ومسروق بخلاف عنهما، والأعمش، وطلحة، وذلك مع تنوين (زينة) .
ووجه هذه القراءة أن يكون نصب (الكواكب) بالمصدر المنوّن) ، كقوله تعالى:(أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ) ، ف (يتيم)
منصوب بـ (إِطْعَامٌ) .
وكقول الشاعر:
فلولا رَجاءُ النصرِ منكَ ورهبةٌ. . . عقابَك، قد كانوا لنا كالمواردِ
ف " عقابك " منصوب بـ " رهبة ".
وقال الآخر:
بضرب بالسيوفِ رؤوسَ قومِ. . . أزلْنا هامَهُنَّ عن المَقيلِ
ف " رؤوس " منصوب بـ " ضرب ".
قلت: وهل في هذا المصدر المنوّن الناصب للمفعول فاعلٌ أم لا؛
اختلف النحويّون في ذلك على خمسة مذاهب:
الأول: وعليه الجمهور: أن الفاعل محذوف.
فإن قيل: الفاعل لا يحذف.
قيل: ذلك في الفعل لا في المصدر.
الثاني: وعليه الكوفيون: أن الفاعل مضمر.
الثالث: مذهب أبي القاسم بن الأبرش من نحاة الأندلس: أنّ
الفاعل منويّ إلى جنب المصدر، فقال في قوله تعالى:(أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ)، التقدير: أو إطعامُ إنسانٍ.
قال: ودلّ عليه ذكره الإنسانَ قبله.
وهذا لا يطَرِدُ له، ألا ترى أنك تقول: عجبت من ركوبٍ
الفَرَسَ، وليس هنا شيء متقدم يدل على الفاعل كما في الآية.
الرابع: مذهب السيرافي: أن المصدر ليس فيه فاعل، لا محذوف
ولا مضمر، والمنصوب بعده كدرهم بعد عشرين، وهو مذهب مردود.
الخامس: مذهب الفرّاء: أن المصدر لا يجوز أن يُلْفَظَ بالفاعل
بعده، قال لأنه لم يُسمع في لسان العرب. فإن قلتَ قد سُمعَ في قول
الشاعر:
حَرْب تَرَدَّدُ بينهم بتشاجُرٍ. . . قد كفَّرَتْ آباؤها أبناؤها
ألا ترى أن " أبناؤها " فاعل بـ " تشاجر ".
فالجواب أنَّ هذا البيتَ
لا حُجّةَ فيه، إذ مَحملُ البيت على أنّ " آباؤها " مبتدأ، و " أبناؤها " خبر.
والتقدير، آباؤها في ضعف الحلوم مثل أبنائها، ويدلّ على ما ذكرنا قوله
في البيت قبلَه:
هيهاتَ، قد سَفِهَتْ أميّةُ رأيها. . . فاستجهلتْ، حُلَماؤها سُفَهاؤها
أي: حلماؤها مثل سفهائها.
ويلزم أيضاً في البيت على جعل " أبناؤها "
فاعلاً بـ " تشاجر" الفصل بين المصدر ومعموله.
وإلى مذهب الفرّاء مال الشيخ أبو حيان ونَصَرَه، وتأول ظواهر
سيبويه.
ويجوز أن يكون نصب (الكواكب) على بدل الاشتمال من (السماء) .
أي: زينّا كواكب السماء.
وزاد أبو البقاء أن يكون منصوباً بإضمار أعني.
وأما قراءة الرفع فقرأ بها زيد بن عليّ مع تنوين (زينة) ، ووجهها أن
تكون (الكواكب) خبر مبتدأ محذوف، أي: هي الكواكب، أو أن تكون
فاعلاً بالمصدر المنوّن على مذهب البصريين، كقوله: عجبت من قيام زيد،