الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف الدَّال
فمن ذلك قوله تعالى في أوّل " فاتحة الكتاب ": (الْحَمْدُ لِلَّهِ)
قرئ برفع الدال ونصبها وجرها.
فأما قراءة الرفع فقرأ بها السبعة، ووجهها أن (الحمد) مبتدأ، و (لله)
في موضع الخبر، واللام بمعنى الاستحقاق، وهي متعتقة بمحذوف هو
الخبر في الحقيقة، أي: الحمد ثابت لله.
وأما قراءة النصب فقرأ بها هارون العَتكيّ، ورُؤبة، وسفيان بن عُيينة.
ووجهُها أنه منصوب على المصدر على طريقة المصدر المنصوب
بفعل لا يظهر، أي: أحمَدُ اللهَ الحمدَ.
وقيل: إنّه منصوب بفعل من غير لفظ الحمد، أي: اقرأ الحمد لله، فلا يكون هذا مصدراً، والأوّل أصحّ.
فمن جعل (الحمد) منصوباًب: اقرأ، فاللام من (لله) يتعلّق به، ومن
جعله منصوباً على المصدر فاللام خرجت مخرج البيان، أي: أعني لله.
فإن قيل: لأيّ شيء لا تكون اللام متعلّقة بالمصدر؟
فالجواب: أنهم قالوا: سَقْياً لزيد، ولم يقولوا سَقياً زيداً، فدلّ هذا
على أن المجرور لعامل آخر خلاف المصدر.
وقراءة الرفع أبلغ من قراءة النصب، ولهذا أجمعَ السبعةُ عليها؛ لأنّ
قراءة الرفع تُؤذن باستغراق الحمد، وقراءة النصب تُؤذن بحمد مخصوص.
أعني حمد المتكلّم، ولأنّ قراءة الرفع تؤذن بالثبات والاستقرار، وقراءة
النصب تؤذن بالتجدّد، ألا ترى قوله تعالى (قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ)
، فعبّر عن تحيّة إبراهيم عليه السلام بالرفع تنبيهاً على أنّ تحيّتَه خير
من تحيّتهم لما في الرفع من الثبوت والاستقرار.
وأما قراءة الخفض فقرأ بها الحسن، وزيد بن علي، ووجهها أنّهم
كرهوا الخروج من رفع إلى كسر، فكسروا الدال إتباعاً لكسرة اللام، كما
قالوا: مِنْتِن بكسر الميم إتباعاً لكسرة التاء، والأصل فيها الضمّ، وقالوا:
المِغِيرة بكسر الميم إتباعاً لكسرة الغين، والأصل الضمّ.
وفي هذه القراءة ضعف؛ لأن فيها إتباع حركة الإعراب لحركة
البناء، والإتباع - وإن كان شاذّاً - فهو باب مُتَّسع، ولا تنافي بين
شذوذه واتّساع بابه، فلذلك يكون في كلمة واحدة كما تقدّم، ويكون في
كلمتين: نحو قولهم: قَدُمَ وحَدُثَ، بضمّ الدال من حدث، والأصل فيه
فتحها، فإذا استعمل وحده فُتحت الدال، وإذا استعمل مع قدم ضمّت
إتباعا لضمّة قدم.
ومنه قولهم: هَنَأَني الطعامُ وَمَرَأَني، وإنما الكلام أَمْرَأَني.
ومنه قوله عليه السلام " أنفِقْ يا بلالاً ولا تَخْشَ من ذي العرش إقلالاً "
فردّ النداء إلى الأصل من النصب إتباعا لقوله عليه السلام " إقلالاً ".
ومنه قولهم: " إن فلاناً ليأتينا بالغدايا والعشايا "، فجمع غداة على
" فعائل " ليزدوج مع العشايا جمع عشيّة، وحقّ الغداة ألاّ تجمع على
" فعائل "؛ لأنّها " فَعْلة "، وفي هذا نظر؛ لأنهم قد قالوا في الغداة: غَدِيّة
على وزن عَشِيّة، ذكره ابن الأعرابي في " نوادره "، وأنشد عليه:
ألا ليتَ حظّي من زيارة أُمِّيَهْ. . . غَدِيّاتُ قَيظٍ أو عَشِيّاتُ أَشْتِيَهْ
فعلى هذا يكون الغدايا قياسا مثل العشايا لا للإتباع.