الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حرف التاء
فمن ذلك قوله تعالى في سورة "المص" الأعراف،:
(وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (52)
قرئ (هُدًى وَرَحْمَةً) بالنصب في التاء من (رحمة) والرفع والجرّ.
فأما قراءة النصب فقرأ بها السبعة، ووجهها أن (هُدًى وَرَحْمَةً)
منصوبان على الحال من (كتاب) وجاءت الحال من النكرة لأنها
موصوفة، والتقدير: ذا هدى ورحمة، وقيل: مفعولان له.
وأما قراءة الرفع فلم يسمّ الشيخ أبو حيَّان قارئها، ووجهُها الرفع على
خبر مبتدأ محذوف، أي: هو (هُدًى وَرَحْمَةً) .
وأما قراءة الجرّ فقرأ بها زيد بن عليّ رضي الله عنهما، ووجهُها
الجرُّ على البدل من (كتاب) .
وقال الكسائي والفرّاء: الجر على
النعت للكتاب.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة "يوسف": (وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ)
قرئ بفتح التاء، وضمّها، وكسرها، مع فتح الهاء، وسكون
الياء على لفظ "ليت" من أخوات " إنّ ":
فأما قراءة الفتح فقرأ بها أبو عمرو، والكوفيّون، وابن مسعود.
والحسن، ووجهها أنه مبنيّ على الفتح طلباً للخفّة "أين".
وأما قراءة الضمّ فقرأ بها ابن كثير وأهل مكّة، ووجهها أنه مبنيّ على
الضمّ تشبيها بـ "حيث".
وأما قراءة الكسر فقرأ بها ابن عبّاس، وأبو الأسود، وابن أبي
إسحق، وابن مُحَيصِن، وعيسى البصرة، ووجهها أنه مبنيّ على الكسر
على أصل التقاء الساكنين.
و (هيت) في القراءات كلِّها اسمُ فعل بمعنى: أسرِعْ، و (لك) للتبيين.
كنحو: سَقياً لك، أمرته أن يسرع إليها.
وزعم الكسائي والفرّاء أنها لغة حُورانيّة وقعت لأهل الحجاز فتكلّموا بها، ومعناها: تعال.
وقال أبو زيد: هي عبرانيّة " هيت لخ "، أي: تعاله، فعرّبه القرآن.
وقال ابن عبّاس: بالسريانيّة. وقال السّدّي: بالقبطيّة: هلّم لك.
ومنهم من جعل (هيت) يراد بها الخبر كهيهات، ومعناه: تهيَّأْتُ.
فمن جعله أمراً بناه لتضمّنه الحرف الذي هو لام الأمر، ومن جعله خبراً بناه
للحَمل على الأمر، ونظير ذلك " كم " الاستفهامية، بُنِيَت لتضمّنها حرف
الاستفهام، و " كم " الخبرية بُنيَت بالحمل عليها.
واعلم أن الضمير لا يبرز في (هيت) في حال تثنية ولا جمع " لأنه اسم
فعل، بل يستكنّ مطلقاً، وينوب عنه ما بعده، فتقول: هيتَ لكَ، هيتَ لكِ،
هيتَ لكما، هيت لكم، هيت لكنّ.
واختُلف في أسماء الأفعال: فمذهب أكثر البصريين أنها أسماء، وهو
الصحيح. ومذهب الكوفيين أنها أفعال.
وفرّق بعض نحاة الأندلس، فقال: ما كان ظرفاً أو مصدراً في الأصل نحو: حِذْرك، وفَرْطك، وعِنْدك
فهو اسم، وما كان غير ذلك نحو: صَه، ورُوَيد، فهو فعل.
وحُجَجُهم مستوفاة في كتب النحو.
والذين قالوا باسميتها اختلفوا.
فمنهم من قال: هي أسماء للأفعال بمنزلة زيد اسماً للشخص، ومنهم من قال: هي أسماء مرادفة للمصادر التي هي موضوعة موضع الفعل، وهذا هو الصحيح، وهو مذهب أبي عليّ.
وثمَ مذهب ثالث: وهو أنها أسماء للفعل والفاعل، وهو مذهب مردود.
وسيأتي بعض أحكام أسماء الأفعال حيث نتكلّم على " هيهات " بعد هذا.
وتنتهي القراءة في هذا الحرف إلى تسع قراءات: الثلاثة المتقدّمة.
والرابعة: قراءة نافع، وابن ذَكوان، والأعرج، وشيبة، وأبي
جعفر (هِيت) بكسر الهاء وسكون الهاء وفتح التاء.
والخامسة: قراءة هشام رواية الحُلواني بكسر الهاء وهمز ساكن
وفتح التاء.
والسادسة: قراءة أبي وائل، وأبي رجاء، وعكرمة، ومجاهد،
وقتادة، وطلحة، وابن عبّاس، وابن عامر، وأبي عمرو في رواية عنهما
- بكسر الهاء وسكون الهمزة وضم التاء.
والسابعة: قراءة زيد بن علي، وابن أبي إسحق بكسر الهاء وتسهيل
الهمزة الساكنة وضم التاء.
والثامنة: ما ذكره النحّاس من أنه قرىء بكسر الهاء وسكون الياء
وكسر التاء.
والتاسعة: ما روي عن ابن عبّاس (هُيِّيت) على وزن حُيِّيت.
فهذه القراءات كلّها (هيت) فيها اسم فاعل إلاّ قراءة ابن عبّاس
الأخيرة، فإنها فعل مبني للمفعول، مُسَهّل الهمزة، من هَيَّأت الشيء.
وكذلك القراءة التي بكسر الهاء وضمّ التاء مع الهمزة، وغيرها فإنّها تحتمل
أن تكون فعلاً ماضياً والتاء فيه ضمير المتكلّم، بمعنى تهيّات، يقال: هيتُ
وتهيّات بمعنى. فما كان منها فعل، فاللام في (لك) متعلّق به، وما كان
منها اسم فعل فاللام من (لك) خرج مخرج البيان كما تقدّم.
***