الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أم حبيب]
وعرضت عليه بنت العباس رضى اللَّه عنه، فقال: العباس أخى من الرضاع،
ويروى أنه قال إن كبرت أم حبيب وأنا حىّ تزوجتها،
وفي رواية: أنه رأى أم حبيب وهي فوق الفطيم فقال: لئن بلغت بنية العباس هذه وأنا حىّ لأتزوجنها [ (1) ] .
قال ابن عباس: في هذا تأكيد لقول عائشة رضى اللَّه عنها أنه أحل للنّبيّ صلى الله عليه وسلم كثيرا من النساء، وأنه لم يحبس على تسع.
[سناء بنت أسماء بنت الصلت]
وعرضت عليه أسماء- وقيل: سناء- بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حزام بن سماك بن عوف السلمية، وحملت إليه فماتت قبل وصولها إليه [ (2) ] .
[ () ] بنت الأخ من الرضاعة، حديث رقم (3305)، (مسند أحمد) : 1/ 557، مسند عبد اللَّه بن عباس، حديث رقم (3134)، (طبقات ابن سعد) : 3/ 12.
[ (1) ] هي أم حبيبة، ويقال: أم حبيب أيضا- كذلك يقول أكثر أهل النسب- بنت العباس بن عبد المطلب، مذكورة
في حديث أم الفضل، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: لو بلغت أم حبيبة بنت العباس وأنا حىّ لتزوجتها.
وتزوجها الأسود بن سفيان بن عبد الأسود بن هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم وأم حبيب بنت العباس أم الفضل بنت الحارث، فهي أخت عبد اللَّه، والفضل، وعبيد اللَّه، وعبد الرحمن، وقثم، ومعبد بنى العباس.
قال ابن الأثير: ذكرها ابن إسحاق في رواية يونس بن بكير عنه، عن الحسين بن عبد اللَّه بن عبيد اللَّه ابن العباس، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: نظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى أم حبيب بنت العباس تدب بين يديه، فقال: لئن بلغت هذه وأنا حىّ لتزوجتها
فقبض صلى الله عليه وسلم قبل أن تبلغ، فتزوجها الأسود، فولدت له لبابة، سمتها باسم أمها، قال الحافظ في (الإصابة) : وهذا يقتضي أن يكون لها رؤية، فتكون من أهل القسم الثاني، لكن ذكرها ابن سعد في الصحابيات، وذكر أنها ولدت للأسود ابنة أخرى اسمها زرقاء، قال: وولدها يسكنون مكة (الاستيعاب) : 4/ 1928، ترجمة رقم (4134)، (الإصابة) : 8/ 186- 187، ترجمة رقم (11956)، (طبقات ابن سعد) : 4/ 6.
[ (2) ] هي أسماء بنت الصلت السلمية: اختلف فيها وفي اسمها، فقال أحمد بن صالح المصري:
وقيل له: يا رسول اللَّه، ألا تتزوج من نساء الأنصار؟ فقال: إن فيهن غيرة شديدة وأنا صاحب ضرائر، وأكره أن أسوأ قومهن فيهن.
[ () ] أسماء بنت الصلت السلمية من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم. وروى عن قتادة نحوه. وقال ابن إسحاق: سناء بنت أسماء بن الصلت السلمية وتزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم طلقها.
وقال على بن عبد العزيز بن على الحسن الجرجاني النسّابة: هي وسناء بنت الصلت بن حبيب بن جارية بن هلال بن حرام بن سماك بن عوف بن امرئ القيس بن بهثه بن سليم السلمية تزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فماتت قبل أن تصل إليه. وقال أبو عمر: قول من قال: سناء بنت الصلت أولى بالصواب إن شاء اللَّه تعالى.
وقال الحافظ في (الإصابة) : سناء، بفتح أوله وتخفيف النون، بنت أسماء بن الصلت السلمية.
ذكر أبو عبيدة معمر بن المثنى أنها ممن تزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فماتت قبل أن يدخل بها. وروى ذلك عن حفص بن النضر، وعبد القادر بن السري السلميين، وقال: هي عمة عبد اللَّه بن خازم- بمعجمتين- بن أسماء بن الصلت أمير خراسان.
قال الحافظ: ذكر ابن أبى خيثمة، عن أبى عبيدة بن عبد القاهر: سماها سنا كالذي هاهنا، وأن غيره سماها وسنا- بزيادة واو في أولها-.
وقال ابن إسحاق: سنا بنت أسماء، وقال غيره: وسنا، حكى ذلك أبو عمر، قال: ولا يثبت من ذلك شيء من حيث الإسناد، إلا أن قول ابن إسحاق أرجح.
وقال ابن سعد: سنا، ويقال: سبا- بالموحدة والنون- ونسبها ابن حبيب إلى جدها، فساق نسبها إلى بنى سليم، وذكر أن أسماء أخوها لا أبوها، وذكر أنها ماتت قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم بها.
وحكى الرشاطى عن بعضهم أن سبب موتها أنه لما بلغها بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها سرت بذلك حتى ماتت من الفرح (الإصابة) : 7/ 713- 714، ترجمة رقم (11338)، (الاستيعاب) :
4/ 1783- 1784، ترجمة رقم (3328)، (طبقات ابن سعد) : 8/ 149، (المواهب اللدنية) :
2/ 97، التاسعة [ممن لم يدخل بهن] : سنا بنت أسماء بن الصلت السلمية، تزوجها صلى الله عليه وسلم وماتت قبل أن يدخل بها، وعند ابن إسحاق: طلقها قبل أن يدخل بها، (المستدرك) : 4/ 37، كتاب معرفة الصحابة، ذكر سناء بنت أسماء بن الصلت السلمية، حديث رقم (6811/ 2409) :
أخبرنا أبو النضر الفقيه، حدثنا على بن عبد العزيز، حدثنا أبو عبيدة قال: وزعم حفص بن النضر السلمي وعبد القاهر بن السري السلمي، أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج سناء بنت أسماء بن الصلت السلمية، فماتت قبل أن يدخل بها. قال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : وزعم حفص بن النضر السلمي، وعبد القاهر بن السري أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج سنا بنت أسماء بنت الصلت السلمية، فماتت قبل أن يدخل بها.
وذكر الحاكم عن قتادة: أنه- عليه السلام تزوج أم شريك الأنصارية من بنى النجار، وقال: إني أحب أن أتزوج في الأنصار، ثم قال: إني أكره غيرتهن، فلم يدخل بها [ (1) ] .
وقال الزهري: كان صداق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الّذي زوج به بناته وتزوج به:
عشر أواقي ونشا، قال عبد الرزاق: وذلك خمس مائة درهم [ (2) ] .
وذكر الواقدي أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب المرأة قال للذي يخطبها عليه: اذكر لها جفنة سعد بن عبادة الّذي كان يبعث بها، يعنى أنها مرة
[ (1) ](المرجع السابق) ، حديث رقم (6810/ 2408) ، وسكت عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) .
[ (2) ] قال أبو عبد اللَّه الحاكم: فحدثني أبو بكر بن بالويه، حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي، حدثنا مصعب بن عبد اللَّه الزبيري، حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن يزيد بن عبد اللَّه بن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن، أنه سأل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كم أصدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أزواجه؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشر أوقية ونصفا، فذلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لأزواجه.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد، وعليه العمل، وإنما أصدق النجاشي أم حبيبة أربعمائة دينار، استعمالا لأخلاق الملوك في المبالغة في الصنائع، لاستعانة النبي صلى الله عليه وسلم به في ذلك.
(المستدرك) : 4/ 23- 24 كتاب معرفة الصحابة، ذكر أم حبيبة بنت أبى سفيان رضى اللَّه تعالى عنها، حديث رقم (6772/ 2370)، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
وقال (القسطلاني) : واختلف في أم شريك: هل دخل بها؟ مع الاتفاق على الفرقة.
والمستقيلة التي جهل حالها، فالمفارقات بالاتفاق سبع، واثنتان على خلاف الميتات في حياته بالاتفاق أربع، ومات صلى الله عليه وسلم عن عشر، واحدة لم يدخل بها. (المواهب اللدنية) : 2/ 98، وقد نظم بعضهم زوجات النبي صلى الله عليه وسلم الّذي مات عنهن:
توفى رسول اللَّه عن تسع نسوة
…
إليهن تعزى المكرمات وتنسب
فعائشة وميمونة وصفية
…
جويرية مع سودة ثم زينب
كذا رملة مع هند أيضا وحفصة
…
ثلاث وست نظمهن مهذب
ولبعضهم أيضا:
توفى رسول اللَّه عن تسع نسوة
…
وهي ابنة الصديق رملة حفصة
جويرية هند وزينب سودة
…
وميمونة والمصطفاة صفية
بلحم ومرة بسمن ومرة بلبن [ (1) ] .
وقال الواقدي: بلغنا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في غسل واحد [ (2) ] ، [ويروى] أنه طاف عليهنّ يغتسل من كل امرأة
…
[ () ](المعارف) : 139 «هامش» .
قال القسطلاني: ومات عنده صلى الله عليه وسلم منهن اثنتان: خديجة، وزينب أم المساكين، ومات صلى الله عليه وسلم عن تسع، ذكر أسماهن الحافظ أبو الحسن بن الفضل المقدسي نظما فقال:
توفى رسول اللَّه عن تسع نسوة
…
إليهن تعزى المكرمات وتنسب
فعائشة وميمونة وصفية
…
وحفصة تتلوهن هند وزينب
جويرية مع رملة ثم سودة
…
ثلاث وست ذكرهن مهذب
وهند: هي أم سلمة، ورملة: هي أم حبيبة، (المواهب اللدنية) 2/ 75- 76.
[ (1) ](طبقات ابن سعد) : 1/ 409.
[ (2) ] قال الإمام النووي: وأما طوافه على نسائه بغسل واحد، فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بينهما، أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء،
وقد جاء في (سنن أبى داود) أنه صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه ذات ليلة، يغتسل عند هذه وعند هذه، فقيل: يا رسول اللَّه، ألا تجعله غسلا واحدا؟ فقال: هذا أزكى، وأطيب، وأطهر،
قال أبو داود: والحديث الأول أصح، قلت: وعلى تقدير صحته، يكون هذا في وقت وذاك في وقت، واللَّه تعالى أعلم.
واختلف العلماء في حكمة هذا الوضوء، فقال أصحابنا: لأنه يخفف الحدث، فإنه يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء. وقال أبو عبد اللَّه المازري رضى اللَّه عنه: اختلف في تعليله، فقيل: ليبيت على إحدى الطهارتين، خشية أن يموت في منامه. وقيل: بل لعله ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه.
قال المازري ويجرى هذا الخلاف في وضوء الحائض قبل أن تنام، فمن علل المبيت على طهارة استحبه لها. هذا كلام المازري.
وأما أصحابنا: فإنّهم متفقون على أنه لا يستحب الوضوء للحائض والنفساء، لأن الوضوء لا يؤثر في حدثهما، فإن كانت الحائض قد انقطعت حيضتها، صارت كالجنب واللَّه تعالى أعلم.
وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه بغسل واحد، فهو محمول على أنه كان برضاهن، أو برضى صاحبة النوبة، إن كانت نوبة واحدة، وهذا التأويل يحتاج إليه من يقول: كان القسم واجبا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الدوام، كما يجب علينا، وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل، فإنه له أن يفعل ما يشاء. وهذا الخلاف في وجوب القسم، هو وجهان لأصحابنا، واللَّه تعالى أعلم.
غسلا [ (1) ]، وأنه قال: أعطيت في الجماع قوة أربعين رجلا [ (2) ] .
[ () ] وفي هذه الأحاديث المذكورة في الباب: أن غسل الجنابة ليس على الفور، وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة، وهذا بإجماع المسلمين.
وقد اختلف أصحابنا في الموجب لغسل الجنابة: هل هو حصول الجنابة بالتقاء الختانين أو إنزال المنى؟
أم هو القيام إلى الصلاة؟ أم هو حصول الجنابة مع القيام إلى الصلاة؟ - فيه ثلاثة أوجه لأصحابنا، ومن قال: يجب بالجنابة قال: هو وجوب موسع.
وكذا اختلفوا في موجب الوضوء: هل هو الحدث أم القيام إلى الصلاة؟ أم المجموع؟
وكذا اختلفوا في الموجب لغسل الحيض، هل هو خروج الدم أم انقطاعه؟ واللَّه تعالى أعلم. (مسلم بشرح النووي) : 3/ 222، كتاب الحيض، باب (6) جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له، وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل، أو يشرب، أو ينام، أو يجامع، حديث رقم (309)، (عون المعبود) : 1/ 253، كتاب الطهارة، باب (85) في الجنب يعود، حديث رقم (215) ، عن أنس رضى اللَّه تعالى عنه.
[ (1) ](عون المعبود) : 1/ 254، كتاب الطهارة، باب (86) الوضوء لمن أراد أن يعود، حديث رقم (216) :
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن عبد الرحمن بن أبى رافع، أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه، يغتسل عند هذه، وعند هذه. قال: فقلت له: يا رسول اللَّه، ألا تجعله غسلا واحدا؟ قال: هذا أزكى، وأطيب، وأطهر.
قال أبو داود: حديث أنس أصح من هذا.
والحديث يدل على استحباب الغسل قبل المعاودة، ولا خلاف فيه. قال النسائي: ليس بينه وبين حديث أنس اختلاف، بل كان يفعل هذا مرة وذلك أخرى.
وقال النووي في (شرح مسلم) : هو محمول على أنه فعل الأمرين في وقتي مختلفين، والّذي قالاه هو حسن جدا، ولا تعارض بينهما، فمرّة تركه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بيانا للجواز، وتخفيفا على الأمة، ومرة فعله لكونه أزكى وأطهر.
و «حديث أنس» المتقدم «أصح من هذا» أي من حديث أبى رافع، لأن حديث أنس مروى من طرق متعددة، ورواته ثقات أثبات، ورواة حديث أبى رافع ليسوا بهذه المثابة، وقول المؤلف هذا ليس بطعن في حديث أبى رافع، لأنه لم ينف الصحة عنه، وأورد حديث أبى رافع في هذا الباب لأن الغسل يشمل الوضوء أيضا. قال المنذري: وأخرجه النسائي وابن ماجة. (عون المعبود) :
1/ 254.
[ (2) ] قال ابن القيم: وكان قد أعطى قوة ثلاثين في الجماع وغيره، وأباح اللَّه له من ذلك ما لم يبحه لأحد من أمته صلى الله عليه وسلم (زاد المعاد) : 1/ 151، فصل في هديه في النكاح، ومعاشرته صلى الله عليه وسلم أهله.
وقال أنس رضى اللَّه عنه: كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل، وهنّ إحدى عشرة، قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه صلى الله عليه وسلم أعطى قوة ثلاثين. رواه البخاري من طريق قتادة. وقال سعيد عن قتادة: إن أنسأ حدثهم: تسع نسوة. (فتح الباري) : 1/ 497، كتاب
_________
[ () ] الغسل، باب (12) إذا جامع ثم عاد. ومن دار على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (268) ، باب (24) الجنب يخرج ويمشى في السوق وغيره، حديث رقم (284) ، 9/ 140، كتاب النكاح، باب (4) كثرة النساء، حديث رقم (5068) ، 9/ 394، كتاب النكاح، باب (103) من طاف على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (5215) .
وذكر القاضي عياض أن الحكمة في طوافه عليهنّ في الليلة الواحدة كان لتحصينهن، وكأنه أراد به عدم تشوفهن للأزواج، إذ الإحصان له معان، منها: الإسلام، والحرية، والعفة، والّذي يظهر أن ذلك إنما كان لإرادة العدل بينهن في ذلك، وإن لم يكن واجبا، وفي التعليل الّذي ذكره نظر، لأنهن حرم عليهنّ التزويج بعده، وعاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها، وزادت آخرهن موتا على ذلك. (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) : 1/ 51 وما بعدها، فصل: والضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته، والفخر بوفوره كالنكاح والجاه، (فتح الباري) : شرح الحديث رقم (5215) مختصرا.
قال الحافظ في (الفتح) : وفي هذا الحديث من الفوائد: ما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من القوة على الجماع، وهو دليل على كمال البنية، وصحة الذكورية، والحكمة في كثرة أزواجه صلى الله عليه وسلم أن الأحكام التي ليست ظاهرة يطلعن عليها، فينقلنها، وقد جاء عن عائشة من ذلك الكثير الطيب، ومن ثم فضلها بعضهم على الباقيات.
نقل الحافظ في (الفتح) كلام ابن حبان هذا في الجمع بين الروايتين بأن حمل ذلك على حالتين، ثم تعقبه بقوله: لكنه وهم في قوله: إن الأولى كانت في أول قدومه المدينة، حيث كان تحته صلى الله عليه وسلم تسع نسوة، والحالة الثانية في آخر الأمر، حيث اجتمع عنده إحدى عشر امرأة.
وموضع الوهم منه أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن تحته امرأة سوى سودة، ثم دخل على عائشة بالمدينة، ثم تزوج أم سلمة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة في السنة الثالثة والرابعة، ثم تزوج زينب بنت جحش في الخامسة، ثم جويرية في السادسة، ثم صفية، وأم حبيبة، وميمونة في السابعة، وهؤلاء جميع من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور.
واختلف في ريحانة- وكانت من سبى بنى قريظة- فجزم ابن إسحاق بأنه عرض عليها أن يتزوجها، ويضرب عليها الحجاب، فاختارت البقاء في ملكه، والأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر، وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل. قال ابن عبد البر: مكثت عنده شهرين أو ثلاثة.
فعلى هذا لم يجتمع عنده من الزوجات أكثر من تسع، مع أن سودة كانت وهبت يومها لعائشة، فرجحت رواية سعيد، لكن تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية وريحانة إليهن، وأطق عليهنّ لفظ «نسائه» تغليبا.
وقد اختلف في الحجاب، فذكر أبو الحسن المدائني في كتاب (النساء اللاتي لم يكن مستترات) : حدثنا ابن مجاهد عن ابن إسحاق قال: كنّ نساء الجاهلية لا يستترن، فقالت هند بنت عتبة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: بأبي أنت وأمى، ما أكرم هذا الدين لولا خصال فيه، قال: ما هي؟ قالت:
منهن هذا القناع، فلا نعرف ذعرا من [فزع]، قال: لا بدّ من التستر.
وكان في الإسلام يقصد الرجل امرأته فيدخل عليها الداخل فلا تقف المرأة ويقعد الرجل امرأته للرجل (انتهى) .
وعن مجاهد عن ابن عباس رضى اللَّه عنه قال: أكل عمر رضى اللَّه عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم، فأصابت يده بعض نسائه فأمر بالحجاب.
قال الواقدي: ونزل الحجاب في ذي القعدة سنة خمس، وقوم يقولون نزل بمكة في حجة الوداع [ (1) ] .
[ () ] قال أبو حاتم رضى اللَّه تعالى عنه: في خبر هشام الدستوائى عن قتادة: «وله يومئذ تسع نسوة» .
أما خبر هشام، فإن أنسا حكى ذلك الفعل منه صلى الله عليه وسلم في أول قدومه المدينة، حيث كانت تحته إحدى عشرة امرأة، وخبر سعيد عن قتادة إنما حكاه أنس في آخر قدومه المدينة صلى الله عليه وسلم، حيث كانت تحته تسع نسوة، لأن هذا الفعل كان منه صلى الله عليه وسلم مرارا كثيرة، لا مرة واحدة، (الإحسان) : 4/ 10- 11، كتاب الطهارة، باب (7) أحكام الجنب، حديث رقم (1209)، (المواهب اللدنية) : 2/ 479، باب قوته صلى الله عليه وسلم في النكاح، ثم قال القسطلاني: ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما خيّر بين أن يكون نبيا ملكا أبى ذلك، واختار أن يكون نبيا عبدا، فأعطى من الخصوصية ذلك القدر لكونه صلى الله عليه وسلم اختار الفقر والعبوديّة، فأعطى الزائد لخرق العادة في النوع الّذي اختار، وهو الفقر والعبوديّة، فكان صلى الله عليه وسلم يربط على بطنه الأحجار من شدة الجوع والمجاهدة، وهو على حاله في الجماع، لم ينقصه شيئا، والناس أبداً إذا أخذهم الجوع والمجاهدة لا يستطيعون ذلك، فهو أبلغ في المعجزة. قاله في (بهجة النفوس) .
واللَّه تعالى أعلم. (المرجع السابق) : 485.
[ (1) ] قوله تعالى: وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ عطف على جملة لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ فهي زيادة بيان للنهى عن دخول البيوت النبويّة، وتحديد لمقدار الضرورة التي أدّت إلى دخولها أو الوقوف بأبوابها، وهذه الآية شارعة حكم حجاب أمهات المؤمنين، وقد قيل: إنها نزلت في ذي القعدة سنة خمس. (تفسير التحرير والتنوير) : 4/ 90.
وللإمام أحمد من حديث سفيان عن عمر عن عطاء عن عائشة قالت:
ما مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى أحل له النساء [ (1) ] ، وفي رواية عن عطاء عن عائشة رضى اللَّه عنها، ما قبض رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى أحل اللَّه له أن يتزوج من النساء من شاء إلا ذات زوج، لقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ [ (2) ] .
وخرج الإمام أحمد من حديث عاصم عن معاذة عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستأذن إذا كان يوم المرأة منا، بعد أن نزلت هذه الآية تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ قالت: فقلت لها: ما كنت تقولين له؟ قالت: كنت أقول له: إن كان ذلك إليّ فإنّي لا أريد يا رسول اللَّه أن أؤثر عليك أحدا [ (3) ] .
وعن أبى أمامة بن سهل بن حنيف في قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ، قال: حبس رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن نسائه فلم يتزوج بعدهن [ (4) ] .
وعن أبى زرين قال: همّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يطلّق نساءه، فلما رأين ذلك
[ (1) ](مسند أحمد) : 7/ 63، حديث رقم (23617) .
[ (2) ] الأحزاب: 51.
[ (3) ](مسند أحمد) 7/ 112- 113، حديث رقم (23955) .
[ (4) ] حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الحسن في قوله تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ من بعد هؤلاء اللاتي عندك. قال الحسن: لما خيّرهن، فاخترن اللَّه ورسوله، قصر عليهنّ، فقال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ، يقول: من بعد هؤلاء اللاتي عندك. (تفسير عبد الرزاق) : 2/ 99، مسألة رقم (2365)، وقال: حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن الكلبي، قال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ يقول: ما قصّ اللَّه عليك من بنات العم، وبنات الخال، وبنات وبنات
…
، (المرجع السابق) : مسألة رقم (2367) . وأخرج الترمذي وحسنه عن ابن عباس، قال: نهى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، قال: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ [الأحزاب: 52] .
جعلته في حل من أنفسهن يؤثر من يشاء، فأنزل اللَّه وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ، يقول: تعزل من تشاء فكان ممن عزل: سودة، وأم حبيبة، وصفية، وجويرية، وميمونة، وجعل يأتى عائشة وحفصة، وزينب، وأم سلمة.
وقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ، يقول: من تشاء في غير طلاق، ثم قال تعالى: لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ، يقول:
من المسلمات [ (1) ] .
وكان يستتر في الجماع، فجاء من طرق عن عائشة، ما نظرت إلى فرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قط، وفي رواية: ما رأيت عورة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قط، وعنها أنها قالت: ما أتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحدا من نسائه إلا مقنعا يرخى الثوب على رأسه، وما رأيته من رسول اللَّه ولا رآه منّى» [ (2) ] .
وخرج الخطيب أبو بكر الحافظ، من طريق منصور بن عمار قال: حدثني معروف أبو الخطاب قال: سمعت واثلة بن الأسقع يقول: سمعت أم سلمة تقول: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أتى امرأة من نسائه غمض عينيه وقنع رأسه [زاد الخلال]، وقال للتي تكون تحته: عليك بالسكينة والوقار [ (3) ] .
وأدّب أزواجه بالهجر،
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، حدثنا
[ (1) ] حدثنا عبد الرزاق، عن معمر، عن منصور، عن أبى رزين، في قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ، قال: المرجئات: ميمونة، وسودة، وصفية، وجويرية، وأم حبيبة، وكانت عائشة وحفصة، وأم سلمة، وزينب، سواء في قسم النبي صلى الله عليه وسلم وكان النبي صلى الله عليه وسلم يساوى بينهن في القسم. (تفسير عبد الرزاق) : 2/ 99، مسألة رقم (2361) .
[ (2) ](مسند أحمد) : 7/ 93، حديث رقم (23823) : حدثنا عبد اللَّه حدثني أبى، حدثنا وكيع، حدثنا سفيان عن منصور، عن موسى بن عبد اللَّه بن يزيد الخطميّ، عن مولى لعائشة، عن عائشة قالت: ما أنظرت إلى فرج النبي صلى الله عليه وسلم قط- أو ما رأيت فرج النبي صلى الله عليه وسلم قط-، 7/ 292، حديث رقم (25040) .
[ (3) ](تاريخ بغداد) : 5/ 162، ترجمة أحمد بن محمويه بن أبى سلمة المدائني رقم (2607) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
جعفر بن سليمان، عن ثابت قال: حدّثتنى شميسة- أو سمية-[قال عبد الرزاق: هو في كتابي سمينة][ (1) ] عن صفية بنت حىّ، أن النبي صلى الله عليه وسلم حج بنسائه، حتى إذا كان في بعض الطريق، نزل رجل فساق بهن فأسرع، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: كذاك سوقك بالقوارير- يعنى النساء-.
فبينما هم يسيرون، برك بصفية بنت حيي جملها- وكانت من أحسنهن ظهرا- فبكت، وجاء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين أخبر بذلك فجعل يمسح دموعها بيده، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها، فلما أكثرت زبرها وانتهرها، وأمر الناس بالنزول، ولم يكن يريد أن ينزل، قالت: فنزلوا، وكان يومى، فلما نزلوا ضرب خباء رسول اللَّه ودخل فيه، قالت: فلم أدر علام أهجم من رسول اللَّه، وخشيت أن يكون في نفسه شيء [منى][ (1) ] .
فانطلقت إلى عائشة فقلت لها: تعلمين أنى لم أكن لأبيع يومى من رسول اللَّه بشيء أبدا، وإني قد وهبت يومى لك على أن ترضى رسول اللَّه [عنى؟] [ (1) ] قالت: نعم،
فأخذت عائشة خمارا لها قد ثردته بزعفران فرشته بالماء ليذكى ريحه، ثم لبست ثيابها، ثم انطلقت إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فرفعت طرف الخباء فقال لها: ما لك يا عائشة! إن هذا ليس بيومك، قالت: ذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء.
فقال [ (2) ] مع أهله، فلما كان عند الرواح قال لزينب بنت جحش:[يا زينب][ (1) ] أفقرى صفية جملا- وكانت من أكثرهن ظهرا- فقالت: أنا أفقر يهوديتك؟ فغضب النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع ذلك منها، فهجرها فلم يكلمها حتى قدم مكة وأيام منى في سفره حتى رجع إلى المدينة والمحرم وصفر، فلم يأتها ولم يقسم لها ويئست منه.
[ (1) ] زيادة للسياق من (المسند) .
[ (2) ] من القيلولة وهي نوم الظهيرة.
فلما كان شهر ربيع الأول دخل عليها فرأت ظله فقالت: إن هذا لظل رجل، وما يدخل عليّ النبي! فمن هذا؟ فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فلما رأته قالت:
يا رسول اللَّه! ما أدرى ما أصنع حين دخلت عليّ.
قالت: وكانت لها جارية، وكانت تخبؤها من النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت: فلانة لك، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سرير زينب- وكان قد رفع- فوضعه بيده ثم أصاب أهله ورضى عنهم [ (1) ] .
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم الى من نسائه شهرا [ (2) ] واعتزلهن لشيء صدر منهن، فقيل: لأنهن سألنه من النفقة ما
[ (1) ](مسند أحمد) 7/ 474- 475، حديث رقم (26325)، وحديث رقم (26326) : حدثنا عبد اللَّه، حدثني أبى، حدثنا عفان، حدثنا حماد- يعنى ابن سلمة- قال: حدثنا ثابت عن سمية، عن عائشة: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان في سفر فاعتل بعير لصفية.. فذكره نحوه.
[ (2) ] الإيلاء في اللغة: الحلف. وفي الشرع: الحلف على ترك وطء الزوجة. وإن ترك الوطء بغير يمين لم يكن مؤليا، فإذا كان تركه لعذر من مرض، أو غيبة، ونحوه، لم تضرب له مدة، وإن تركه مضرا بزوجته، ففي رواية له أربعة أشهر، فإن وطئها، وإلا دعي بعدها إلى الوطء، فإن امتنع منه أمر بالطلاق، كما يفعل في الإيلاء سواء، وفي رواية أخرى: لا تضرب له مدة.
والألفاظ التي يكون بها مؤليا، ثلاثة أقسام.
الأول: ما هو صريح في الحكم والباطن- أي في القضاء والديانة- جميعا، وهو ثلاثة ألفاظ، قوله: واللَّه لا آتيك، ولا أدخل، ولا أغيّب، أو أولج ذكرى في فرجك، ولا أفتضك- إذا كانت الزوجة بكرا- فهذه صريحة ولا يديّن فيها.
الثاني: صريح في الحكم، ويديّن فيما بينه وبين اللَّه تعالى، وهي عشرة ألفاظ: لا وطئتك، ولا جامعتك، ولا أصبتك، ولا باشرتك، ولا مسستك، ولا قربتك، ولا أتيتك، ولا باضعتك، ولا باعلتك، ولا اغتسلت منك. فهذه صريحة في الحكم، وأشهرها الجماع والوطء، فلو قال: أردت بالوطء الوطء بالقدم، وبالجماع اجتماع الأجسام، وبالإصابة الإصابة باليد، دين فيما بينه وبين اللَّه تعالى ولم يقبل الحكم.
الثالث: ما لا يكون إيلاء إلا بالنية، وهو ما عدا هذه الألفاظ مما يحتمل الجماع وغيره، كقوله:
واللَّه لا قربت فراشك، لا نمت عندك، فهذه الألفاظ إن أراد بها الجماع واعترف بذلك، كان مؤليا، وإلا فلا.
وهذا النوع الثالث منه ما يفتقر إلى نية الجماع والمدة، حتى تعتبر إيلاء، وذلك مثل:
_________
[ () ] لأسوءنك، لأغيظنك، لتطولن غيبتي عنك، فلا يكون مؤليا، حتى ينوى بها ترك الجماع مدة تزيد على أربعة أشهر، ومنه ما يكون مؤليا بنية فقط، وهو سائر ألفاظ الكناية.
وإن قال: واللَّه ليطولن تركي لجماعك، أو لوطئك، أو لإصابتك، فهذا صريح في ترك الجماع، وتعتبر نية المدة دون نية الوطء.
وإن قال لإحدى زوجتيه: واللَّه لا وطئتك، ثم قال للأخرى: أشركتك معها، لم يصر مؤليا من الثانية على قول، وعلى آخر يكون مؤليا. وكذلك لو الى رجل من زوجته، فقال آخر لامرأته: أنت مثل فلانة لم يكن مؤليا، وإن قال: إن وطئتك فأنت طالق، ثم قال لزوجته الأخرى: أشركتك معها، ونوى، فقد صار طلاق الثانية معلقا على وطئها- أي وطء الثانية- أيضا.
ويصح الإيلاء بكل لغة من العجمية وغيرها ممن يحسن العربية وممن لا يحسنها، فإن آلى بالعجمية من لا يحسنها وهو لا يدرى معناها لم يكن مؤليا، وإن نوى موجبها عند أهلها، وكذلك الحكم إذا آلى بالعربية من لا يحسنها، فإن اختلف الزوجان في معرفته بذلك، فالقول قول الزوج، إذا كان متكلما بغير لسانه.
فأما إن آلى العربيّ بالعربية، ثم قال: جرى على لساني من غير قصد، أو قال ذلك العجمي في إيلائه بالعجمية لم يقبل في الحكم.
ويصح الإيلاء بأن يحلف باللَّه تعالى، أو بصفة عن صفاته. ولا خلاف بين أهل العلم في أن الحلف بذلك إيلاء، فأما إن حلف على ترك الوطء بغير ذلك مثل: أن يحلف بطلاق، أو عتاق، أو صدقة المال، أو الحج، أو الظهار، فلا يكون مؤليا، في الرواية المشورة، وفي الأخرى: هو مؤل، وعلى الرواية الأخيرة لا يكون مؤليا، إلا أن يحلف بما يلزمه بالحنث فيه حق، كقوله: إن وطئتك فعبدي حر، أو فلله عليّ صوم سنة، أو فأنت طالق، أو فأنت عليّ حرام، ونحوه، فهذا يكون إيلاء.
ويكون مؤليا بنذر فعل المباحات والمعاصي أيضا، فإن نذر المعصية موجب للكفارة في ظاهر المذهب، وإذا استثنى في يمينه- قال: إن شاء اللَّه- لم يكن مؤليا بلا خلاف إذا كانت اليمين باللَّه تعالى، أو كانت يمينا مكفرة- منعقدة- فأما تعليق الطلاق والعتاق، فمن جعل الاستثناء فيهما غير مؤثر، فوجوده كعدمه، ويكون مؤليا بهما، سواء استثنى أم لم يستئن.
ولا يشترط في الإيلاء الغضب. ولا قصد الإضرار، ويصح الإيلاء من كل زوج مكلف قادر على الوطء. أما العاجز عن الوطء، فإن كان لعارض مرجوّ زواله، كالمرض، والحبس، صح إيلاؤه. وإن كان غير موجوّ الزوال كالجبّ- قطع الذكر- والشلل لم يصح إيلاؤه، وهو الأولى.
وأما الخصىّ الّذي سلت بيضتاه، أو رضتا، فيمكن منه الوطء، وينزل ماء رقيقا، فيصح إيلاؤه، وكذلك المجبوب الّذي بقي من ذكره ما يمكن الجماع به، ويصح إيلاء الذمي ويلزمه ما يلزم المسلم إذا تقاضى إلينا.
ويصح الإيلاء من كل زوجة، مسلمة كانت أو ذمية، حرة كانت أو أمة، ويصح الإيلاء من المجنونة، والصغيرة، إلّا أنه لا يطالب بالفيئة في الصغر والجنون، فأما الرتقاء، والقرناء، فلا يصح
_________
[ () ] الإيلاء منهما، ويحتمل أن يصح وتضرب له المدة، ويفيء فيء المعذور.
وإن الى من زوجته المطلقة رجعيا صح إيلاؤه، وروى أنه لا يصح، وإذا آلى منها احتسب بالمدة من حين آلى، وإن كانت في العدة. وقيل: لا يحتسب عليه المدة إلا حين يراجعها.
وأما توجيه الإيلاء لأكثر من زوجة، فإن قال لأربع نسوة. واللَّه لا أقربكن فهو مؤل منهن كلهن في الحال. فإن وطئ واحدة منهن حنث، وانحلت يمينه، وزال الإيلاء من البواقي. وإن طلق بعضهن أو ماتت لم ينحل الإيلاء في الباقيات.
وقيل لا يكون مؤليا منهن في الحال، فإن وطئ ثلاثا صار مؤليا من الرابعة فقط، وإن مات بعضهن أو طلقها انحلت يمينه وزال الإيلاء، فإن راجع المطلقة أو تزوجها بعد بينونتها عاد حكم يمينه، وقيل:
إن وطئ واحدة حنث، ولم ينحل الإيلاء في الباقيات.
ومدة الإيلاء أربعة أشهر في حق الأحرار، والعبيد المسلمين، وأهل الذمة سواء، ولا فرق بين الحرة والأمة، والمسلمة والذمية، والصغيرة والكبيرة، وروى أن مدة إيلاء العبيد شهران. (المغنى) : 11/ 107- 116 مختصرا من المعجم.
قال تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:
226] . ذكر الفقهاء وغيرهم في مناسبة تأجيل المؤلي بأربعة أشهر، الأثر الّذي رواه الإمام مالك بن أنس رحمه الله في الموطأ، عن عبد اللَّه بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل واسودّ جانبه
…
وأرّقنى أن لا ضجيع ألاعبه
فو اللَّه لولا اللَّه أنى أراقبه
…
لحرك من هذا السرير جوانبه
فسأل عمر ابنته حفصة رضى اللَّه عنها: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت: ستة أشهر، أو أربعة أشهر، فقال عمر: لا أحبس أحدا من الجيوش أكثر من ذلك.
وقال محمد بن إسحاق عن السائب بن جبير مولى ابن عباس، وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما زلت أسمع حديث عمر أنه خرج ذات ليلة يطوف بالمدينة، وكان يفعل ذلك كثيرا، إذ مرّ بامرأة من نساء العرب مغلقة بابها تقول:
تطاول هذا الليل وازورّ جانبه
…
وأرقنى أن لا ضجيع ألاعبه
ألاعبه طورا وطورا كأنما
…
بدا قمرا في ظلمة الليل حاجبه
يسرّ به من كان يلهو بقربة
…
لطيف الحشا لا يحتويه أقاربه
فو اللَّه لولا اللَّه لا شيء غيره
…
لنقضّ من هذا السرير جوانبه
ولكنني أخشى رقيبا موكلا
…
بأنفاسنا لا يفتر الدهر كاتبه
ليس عنده، وقيل: بسبب مارية أم إبراهيم عليه السلام [ (1) ]، وقيل: لرد زينب نصيبها من الهدية.
وكان ينفق على نسائه كل سنة [ثمانين] وسقا من شعير، وثمانين وسقا من تمر، وقيل: لم يصح أن هذا العدد لكل واحدة منهن في العام [ (2) ] ، فاللَّه
[ () ]
مخافة ربى والحياء يصدني
…
وإكرام بعلي أن تنال مراكبه
وقد روى هذا من طرق، وهو من المشهورات (تفسير ابن كثير) : 1/ 276.
[ (1) ](تفسير ابن كثير) : 4/ 415، تفسير سورة التحريم، (فتح الباري) : 9/ 531، كتاب الطلاق، باب (21) قول اللَّه تعالى: لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ إلى قوله: سَمِيعٌ عَلِيمٌ، حديث رقم (5289)، (مسلم بشرح النووي) : 10/ 337، باب (5) في الإيلاء واعتزال النساء وتخييرهن، وقوله تعالى:(وإن تظاهرا عليه) ، حديث رقم (30) إلى رقم (35) .
[ (2) ] قال تقى الدين المقريزي: اللَّهمّ صلّ عليه من نبي كان يأكل الطيبات من الطعام، وينكح المبرءات من العيوب والآثام، ويستخدم الموالي من الأرقاء والأحرار، ويصرفهم في مهنته مهماته الجليلات الأقدار، ويركب البغلة الراتعة ويلبس الحبرة والقباء، ويمشى منتعلا وحافيا من مسجده إلى نحو قباء، ويدخر لأهله مما أتاه اللَّه عليه أقوات سنة كاملة، ويجعلها تحت أيديهم محرزة حاصلة، ويؤثر بقوته وثوبه أهل الحاجة والمساكين، ثقة منه بخير الرازقين (إمتاع الأسماع) : 1/ 3 مقدمة المؤلف، لكن قال القسطلاني تحت [إشكال وجواب] :
وقد استشكل كونه صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يطوون الأيام جوعا، مع ما يثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يرفع لأهله قوت سنة، وأنه صلى الله عليه وسلم قسم بين أربعة أنفس من أصحابه ألف بعير مما أفاء اللَّه عليه، وأنه ساق في عمرته مائة بدنة فنحرها وأطعمها المساكين، وأنه أمر لأعرابى بقطيع من الغنم، وغير ذلك، مع من كان معه من أصحاب الأموال، كأبى بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة وغيرهم، مع بذلهم أنفسهم وأموالهم بين يديه، وقد أمر بالصدقة، فجاء أبو بكر بجميع ماله، وعمر بنصفه، وحث على تجهيز جيش العسرة، فجهزهم عثمان بألف بعير، إلى غير ذلك.
وأجاب عنه الطبري- كما حكاه في (فتح الباري) - أن ذلك كان منهم في حالة دون حالة، لا لعوز وضيق، بل تارة للإيثار، وتارة لكراهة الشبع وكثرة الأكل.
وتعقب بأن ما نفاه مطلقا فيه نظر، لما تقدم من الأحاديث.
وأخرج ابن حبان في صحيحه عن عائشة: من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم، فلما افتتحت قريظة أصبنا شيئا من التمر والودك، إلى غير ذلك.
قال الحافظ ابن حجر: والحق أن الكثير منهم كانوا في حال ضيق قبل الهجرة، حيث كانوا بمكة، ثم
أعلم. فقد كان لكل واحدة منهن الإماء والعبيد [الموالي] ، في حياته صلى الله عليه وسلم.
[ () ] لما هاجروا إلى المدينة كان أكثرهم كذلك، فواساهم الأنصار بالمنازل والمنائح، فلما فتحت لهم النضير وما بعدها ردوا عليهم منائحهم.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: لقد أخفت في اللَّه وما يخاف أحد، ولقد أوذيت في اللَّه وما يؤذى أحد، ولقد أتت عليّ ثلاثون من يوم وليلة وما لي ولبلال طعام يأكله أحد إلا شيء يواريه إبط بلال. رواه الترمذي وصححه.
نعم، كان صلى الله عليه وسلم يختار ذلك مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا له كما أخرج الترمذي من حديث أبى أمامة، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: عرض عليّ ربى ليجعل لي بطحاء مكة ذهبا، قلت: لا يا رب، ولكن أشبع يوما وأجوع يوما، فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك، وحكمة هذا التفصيل الاستلذاد بالخطاب، وإلا فاللَّه تعالى عالم بالأشياء جمله وتفصيلا، (المواهب اللدنية) : 2/ 388- 389.