الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[أولاد عمّ أمّ سلمة]
وأما أولاد عم أم سلمة فهم:
عثمان بن هشام بن المغيرة، وبه كان يكنى أبوه، وأمه بنت عثمان بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، ولا عقب له [ (1) ] .
وخالد بن هشام بن المغيرة، أسره يوم بدر سواد بن غزيه [ (2) ] .
والحارث بن هشام بن المغيرة، أبو عبد الرحمن، أمه وأم أخيه أبى جهل:
أم الحلاس أسماء بنت مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم [ (3) ]، وإخوتهما لأمهما: عياش وعبد اللَّه وأم حجير بنو أبى ربيعة بن المغيرة، وشهد بدرا كافرا، وفرّ فعيّره حسان بن ثابت الأنصاري رضى اللَّه عنه
[ (1) ] لم أجد له ترجمة فيما بين يدي من مراجع.
[ (2) ](مغازي الواقدي) : 1/ 140، ذكر من أسر من المشركين [في بدر]، (سيرة ابن هشام) : 3/ 273، ذكر أسرى قريش يوم بدر، من بنى مخزوم بن يقظة بن مرة.
[ (3) ] هي أسماء بنت سلمة- ويقال: سلامة بن مخربة ويقال: مخرمة- بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم الدارمية التميمية، كانت من المهاجرات، هاجرت مع زوجها عياش بن أبى ربيعة إلى أرض الحبشة، وولدت له بها عبد اللَّه بن عياش بن أبى ربيعة، ثم هاجرت إلى المدينة، وتكنى أم الجلاس.
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنها ابنها عبد اللَّه بن عياش بن أبى ربيعة.
وأما أم عياش بن أبى ربيعة فهي أم أبى جهل والحارث ابني هشام بن المغيرة، وهي أيضا أم عبد اللَّه.
ابن أبى ربيعة، أخى عياش بن أبى ربيعة، وأمها أسماء بنت مخرمة بن جندل، وهي عمة أسماء بنت سلمة، زوجة عياش بن أبى ربيعة، وامرأته أسماء بنت سلامة بن مخرمة التميمية.
قال الحافظ في (الإصابة) : وخلط ابن مندة ترجمتها بترجمة عمتها أسماء بنت مخربة.
(الإصابة) : 7/ 484- 485، ترجمة رقم (10795)، (الاستيعاب) : 4/ 1783، ترجمة رقم (3227) .
بفراره في شعر [ (1) ] ، فاعتذر عن ذلك بشعر قاله [ (2) ] ، ثم غزا أحدا مع المشركين أيضا، وأسلم يوم الفتح وحسن إسلامه، وكان من فضلاء الصحابة وخيارهم، وكان من المؤلفة، مات بالشام في طاعون عمواس، وقيل: قتل يوم اليرموك في رجب سنة خمس عشرة وله عقب [ (3) ] .
[ (1) ] قال حسّان:
إن كنت كاذبة الّذي حدثتني
…
فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم
…
ونجا برأس طمرّة ولجام
[ (2) ] قال الحارث بن هشام:
اللَّه يعلم ما تركت قتالهم
…
حتى رموا فرسي بأشقر مزيد
ووجدت ريح الموت من تلقائهم
…
في مأزق والخيل لم تتبدّد
فعلمت أنى إن أقاتل واحدا
…
أقتل ولا يبكى عدوى مشهدي
ففررت عنهم والأحبة فيهم
…
طمعا لهم بعقاب يوم مفسد
وقد وردت هذه الأبيات باختلاف يسير في اللفظ، وبزيادة ونقصان في العدد، وقد ذكرها كل من: الحافظ في (الإصابة) ، وأبو عمر في (الاستيعاب) في ترجمة الحارث بن هشام كما ذكرها مطولة ابن هشام في (السيرة) ، وحسان بن ثابت في (الديوان) .
[ (3) ] له ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 5/ 444، (طبقات خليفة) : ت 2819، (المعارف) : 281، (الجرح والتعديل) : 2/ 1/ 92، (المستدرك) : 3/ 277، (الاستيعاب) : 1/ 301- 304، ترجمة رقم (440)، (الإصابة) : 1/ 605- 608، ترجمة رقم (1506)، (سير أعلام النبلاء) : 4/ 419- 421، ترجمة رقم (167)، (تهذيب التهذيب) : 2/ 140- 141، ترجمة رقم (281)، (شذرات الذهب) : 1/ 30، (البداية والنهاية) : 3/ 29، (خلاصة تذهيب الكمال) : 1/ 187، ترجمة رقم (1169)، (أسماء الصحابة الرواة) : 337، ترجمة رقم (530)، (تلقيح الفهوم) :
376، (ديوان حسان بن ثابت) : 331، قصيدة رقم (227)، (سيرة ابن هشام) : 3/ 286- 287، (سنن ابن ماجة) : 1/ 641، حديث رقم (1991)، (تاريخ الإسلام) : 3/ 183.
وعمواس أو عمواس: كورة من فلسطين، بالقرب من بيت المقدس، وقيل: هي ضيعة على ستة أميال من الرملة على طريق بيت المقدس، وفيها كان ابتداء الطاعون في أيام عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، ثم فشا في أرض الشام، فمات فيه خلق كثير من الصحابة وغيرهم، [منهم الحارث بن هشام] .
وقيل: مات فيه خمسة وعشرون ألفا من المسلمين. (معجم البلدان)، (تاريخ الإسلام) :
3/ 420 [هامش] .
وأبو جهل، عمرو بن هشام [ (1) ] بن المغيرة، كان يكنى بأبي الحكم، فكناه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بأبي جهل، أنشد المبرد لحسان بن ثابت [ (2) ] :
أيا من كنّوه أبا حكم
…
واللَّه كناه أبا جهل
أبت رياسته لأسرته
…
يوم الفزوع وذلة الأهل
وروى أنه قال: لكل أمة فرعون، وفرعون هذه الأمة أبو جهل [ (3) ] ، وأخباره في محادّته للَّه ولرسوله كثيرة، منها: أنه كان في نفر من قريش فيهم عقبة بن أبى معيط [ (4) ] ، وكان عقبة أسفه قريش، ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى فأطال السجود، فقال أبو جهل: أيكم يأتى جزورا لبني فلان قد نحرت بأسفل مكة، فيجيء بفرثها فيلقيه على محمد، فانطلق عقبة بن أبى معيط، فأتى بفرثها فألقاه على ما بين كتفي رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فجاءت فاطمة عليها السلام، فأماطت ذلك عنه، ثم استقبلتهم تشتمهم، فلم يرجعوا إليها شيئا،
ودعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين رفع رأسه فقال: اللَّهمّ عليك بقريش، عليك بعقبة بن أبى معيط، وبأبي جهل، وبشيبة، وعتبة، وأمية بن خلف، ثم قال لأبى جهل: واللَّه لتنتهين أو لينزلن اللَّه عليك قارعة.
[ (1) ] في (خ) : «عمرو بن الحارث بن هشام» ، وصوبناه من (جمهرة أنساب العرب)، وفيه: فولد هشام ابن المغيرة: أبو جهل، اسمه: عمرو، وكنيته: أبو الحكم، وأبو جهل: لقب. (جمهرة أنساب العرب) : 145.
[ (2) ] لم أجدهما في النسخة المحققة من (الديوان) .
[ (3) ](تذكرة الموضوعات للفتنى) : 100.
[ (4) ] في (خ) : (أبى معيط أبان) .
وخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلقيه أبو البحتري العاص بن هاشم بن أسد بن عبد العزّى بن قصىّ [ (1) ] ، وكان أقل الناس أذى له، فأنكر وجهه، فسأله عن خبره، فأخبره به، وكان معه سوط، فأتى أبا جهل فعلاه به، فتشاور بنو مخزوم وبنو أسد بن عبد العزى، فقال أبو جهل: ويلكم، إنما يريد محمد أن يلقى بينكم العداوة [ (2) ] .
وقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لعقبة: يا ابن أبان، ما أنت بمقصر عما ترى، فقال:
لا، حتى تدع ما أنت عليه، فقال واللَّه لتنتهين أو لتحلنّ بك قارعة.
وقال أبو جهل: واللَّه لئن رأيت محمدا يصلى لأطأن رقبته، فبلغه أنه يصلى، فأقبل مسرعا فقال: ألم أنهك يا محمد عن الصلاة، فانتهره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: أتنتهرنى وتهددنى وأنا أعز أهل البطحاء؟ فسمعه العباس ابن عبد المطلب فغضب وقال: كذبت، فنزلت: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلَّى [ (3) ] ، يعنى أبا جهل، أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى [ (4) ] ، يعنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ (5) ] .
وقال أبو جهل: يا محمد، ابعث لنا رجلين أو ثلاثة من آبائنا ممن قد مات، فلست بأهون على اللَّه من عيسى فيما تزعم، فقد كان عيسى يفعل
[ (1) ] اسمه العاص بن هشام بن الحارث بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤيّ، قاله ابن إسحاق وهو قول الكلبي، وقال ابن هشام: اسمه العاص بن هاشم، وهو قول الزبير بن أبى بكر وقول مصعب. (سيرة ابن هشام) : 2/ 99.
[ (2) ] ذكره الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) : 1/ 266- 267، حديث رقم (200) لكن بسياقه أخرى أطول من ذلك.
[ (3) ] العلق: 9، 10.
[ (4) ] العلق: 11.
[ (5) ](تفسير ابن كثير) : 4/ 565- 566، (دلائل البيهقي) : 2/ 189- 192، (عيون الأثر) :
1/ 108.
ذلك، فقال: لم يقدّر في اللَّه على ذلك، قال: فسخّر لنا الريح لتحملنا إلى الشام في يوم وتردّنا في يوم، فإن طول السفر يجهدنا، فلست بأهون على اللَّه من سليمان بن داود، فقد كان يأمر الريح فتغدو به مسيرة شهر، وتروح به مسيرة شهر، فقال: لا أستطيع ذلك، فقال أبو جهل: فإن كنت غير فاعل شيئا ما سألناك، فلا تذكر آلهتنا بسوء، فقال عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم: فأرنا كرامتك على ربك، فليكن لك بيت من زخرف، وجنة من نخيل وعنب تجرى تحتها الأنهار، وفجّر لنا ينبوعا مكان زمزم، فقد شق علينا أو عليها، وإلا فأسقط السماء علينا كسفا، فقال: ليس هذا بيدي، هو بيد الّذي خلقني، قال: فارق إلى السماء وأتنا بكتاب نقرأه ونحن ننظر إليك، فنزلت فيه الآيات من سورة الإسراء [ (1) ] .
ولما نزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ [ (2) ]، قال أبو جهل: إنما أنا أدعو لكم يا معشر قريش
[ (1) ](تفسير ابن كثير) : 3/ 66- 86، الآيات 29- 94 من سورة الإسراء.
[ (2) ] الدخان: 43- 46، ولما ذكر اللَّه تعالي فريقا مرحومين على وجه الإجمال، قابله هنا بفريق معذبون، وهم المشركون، ووصف بعض أصناف عذابهم، وهو مأكلهم وإهانتهم، وتحريقهم، فكان مقتضى الظاهر أن يبتدأ الكلام بالإخبار عنهم بأنهم يأكلون شجرة الزقوم، كما قال في سورة الواقعة: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [الواقعة: 51- 52] ، فعدل عن ذلك إلى الإخبار عن شجرة الزقوم بأنها طعام الأثيم، اهتماما بالإعلام بحال هذه الشجرة، وقد جعلت شجرة الزقوم شيئا معلوما للسامعين، فأخبر عنها بطريق تعريف الإضافة، لأنها سبق ذكرها في سورة الواقعة، التي نزلت قبل سورة الدخان، فإن الواقعة عدّت السادسة والأربعين في عداد نزول السور، وسورة الدخان ثالثة وستين. ومعنى كون الشجرة طعاما أن ثمرها طعام، كما قال تعالى: طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ* فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ [الصافات: 65- 66] .
وكتبت كلمة شجرت في المصاحف بتاء مفتوحة، مراعاة الحالة الوصل، وكان الشائع في رسم أواخر الكلم أن تراعى فيه حالة الوقف، فهذا مما جاء علي خلاف الأصل.
والأثيم: الكثير الآثام، كما دلت عليه فعيل، والمراد به: المشركون المذكورون في قوله تعالى:
إِنَّ هؤُلاءِ لَيَقُولُونَ* إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولى وَما نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ [الدخان: 43- 53] ، فهذا من الإظهار في مقام الإضمار، لقصد الإيماء إلى أن المهم بالشرك مع سبب معاملتهم هذه. (تفسير
[لنتزقم][ (1) ] فدعا بزبد وتمر فقال: تزقموا من هذا، فإنا لا نعلم زقوما غير هذا، فبين اللَّه تعالي أمرهم فقال: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ* طَلْعُها كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ [ (2) ]، فقالت قريش: شجرة تنبت في النار؟
فكانت فتنة لهم، وجعل المستهزءون يضحكون [ (3) ] .
وفي رواية: ولما نزلت ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [ (4) ]، قال أبو جهل: ائتونا بزبد وتمر ثم قال: تزقموا فإن هذا الزقوم، فنزلت: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ.
[ () ] التحرير والتنوير) : 25/ 314.
وشجرة الزقوم ذكرت هنا. ذكر ما هو معهود من قبل لورودها معرّفة بالإضافة، ولوقوعها في مقام التفاوت بين حالي خير وشرّ، فيناسب أن تكون الحوالة على مثلين معروفين، فأما أن يكون اسما جعله القرآن لشجرة في جهنم، ويكون سبق ذكرها في: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ* لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ [الواقعة: 51- 52] ، وكان نزولها قبل نزول سورة الصافات.
ويبين هذا ما رواه الكلبي: أنه لما نزلت هذه الآية [أي آية سورة الواقعة]، قال ابن الزبعري: أكثر اللَّه في بيوتهم الزقوم، فإن أهل اليمن يسمون التمر والزبد بالزقوم، فقال أبو جهل لجاريته: زقمينا، فأتته بزبد وتمر فقال: تزقموا.
وعن ابن سيده: بلغنا أنه لما نزلت: إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعامُ الْأَثِيمِ [الدخان: 43- 44] ، لم يعرفها قريش، فقال أبو جهل: يا جارية هاتي لنا تمرا وزبدا نتزقمه، فجعلوا يأكلون ويقولون: أفبهذا يخوفنا محمد في الآخرة؟
والمناسب أن يكون قولهم هذا عند ما سمعوا آية سورة الواقعة، لا آية سورة الدخان، وقد جاءت فيها نكرة.
وأما أن يكون اسما لشجر معروف هو مذموم، قيل: هو شجر من أخبث الشجر يكون بتهامة والبلاد المجدبة المجاورة للصحراء، كريهة الرائحة، صغيرة الورق، مسمومة، ذات لبن إذا أصاب جلد الإنسان تورم، ومات منه في الغالب. قاله قطرب وأبو حنيفة.
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، ولعل ما أثبتناه يناسب السياق.
[ (2) ] الصافات: 64- 65.
[ (3) ](تفسير التحرير والتنوير) : 23/ 122.
[ (4) ] الواقعة: 51- 52.
وفي رواية: لما نزلت آية الزقوم، لم تعرفه قريش، فقال أبو جهل: هذا شجر لا ينبت بأرضنا، فمن منكم يعرفه؟ فقال رجل قدم من إفريقية:
الزقوم بلغة إفريقية: الزبد والتمر، فقال أبو جهل: يا جارية، هاتي تمرا وزبدا نتزقمه، فجعلوا يأكلون ويتزقمون ويقولون: أبهذا يخوفنا محمد في الآخرة، فبين اللَّه في آية أخرى الزقوم بقوله: إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ.
ونزل قوله تعالى: وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى [ (1) ] في أبى جهل [ (2) ] . وقال أبو بكر بن أبى شيبة: حدثنا عبد اللَّه بن نمير عن حجاج عن منذر عن ابن الحنفية في قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ [ (3) ] قال: كان أبو جهل وصناديد قريش يأتون الناس إذا جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسلمون فيقولون: إنه يحرم الخمر ويحرم ما كانت تصنع العرب فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم، فنزلت هذه الآية:
وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ [ (4) ] .
[ (1) ] الليل: 8- 9.
[ (2) ](البحر المحيط) : 10/ 494، وقال الزمخشريّ: الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين [وهو أبو جهل] ، وعظيم من المؤمنين [وهو أبو بكر] ، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين، فقيل: الأشقى، وجعل مختصا بالصلى، كأن النار لم تخلق إلا له. وقال: الْأَتْقَى، وجعل مختصا بالنجاة، وقيل: هما أبو جهل أو أمية بن خلف، وأبو بكر الصديق رضى اللَّه تعالى عنه.
(المرجع السابق) ، (الكشاف) 4/ 218.
[ (3) ] العنكبوت: 13.
[ (4) ] قوله تعالى: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [العنكبوت: 12] ، أي إن كان اتباع سبيلنا خطيئة تؤاخذون بها عند البعث والنشور كما تقولون، فلنحمل ذلك عنكم، فنؤاخذ بها دونكم.
قال مقاتل: يعنى قولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من اللَّه، واللام في لْنَحْمِلْ لام الأمر، كأنهم أمروا أنفسهم بذلك، وقال الزمخشريّ: الأمر بمعنى الخبر، وقرئ بكسر اللام، وهو لغة الحجاز، ثم ردّ عليهم بقوله: وَما هُمْ بِحامِلِينَ مِنْ خَطاياهُمْ مِنْ شَيْءٍ، من الأولى بيانية،
وقدم رجل من هذيل يقال له عمرو بغنم له، فباعها، ورآه النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبره بالحق ودعاه إليه، فقال له أبو جهل- وكان خفيفا حديد الوجه، ونظر به حوله فقال: انظر إلى ما دعاك إليه هذا الرجل، فإياك أن تركن إلى قوله فيه، أو تسمع منه شيئا، فإنه قد سفّه أحلامنا، وزعم أن من مات منا كافرا يدخل النار بعد الموت وما أعجب ما يأتى به، قال: أفما تخرجونه من أرضكم؟ قال: لئن خرج من بين أظهرنا فيسمع كلامه وحلاوة لسانه قوم أحداث ليتبعنه، ثم لا نأمن أن يكر علينا بهم، قال: فأين أسرته عنه؟ قال:
إنما أمتنع بأسرته، ثم أسلم هذا الهذيلى يوم الفتح.
وقدم رجل من أراش بإبل له مكة، فباعها من أبى جهل [ (1) ] ، فمطله بأثمانها، فوقف الرجل على ناد [ (2) ] [من] قريش فقال: يا معشر قريش! إني رجل غريب ابن سبيل، وإن أبا الحكم ابتاع مني ظهرا فمطلني بثمنه وجلسنى به حتى شقّ عليّ، فمن رجل يقوم معى فيأخذ لي حقي منه،
وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالسا في عرض المسجد، فقالوا وهم يهزءون: أترى الرجل الجالس؟ انطلق إليه يأخذ لك بحقك، فأتى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال: يا
[ () ] ومن الثانية مزيدة للاستغراق، أي وما هم بحاملين شيئا من خطيئاتهم التي التزموا بها، وضمنوا لهم حملها، ثم وصفهم اللَّه تعالى بالكذب في هذا التحمل، فقال: إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ فيما ضمنوا به من حمل خطاياهم.
قال المهدوى: هذا التكذيب لهم من اللَّه عز وجل حمل على المعنى، لأن المعنى: إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم، فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر، أوقع عليه التكذيب، كما يوقع على الخبر.
قوله تعالى: وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ أي أوزارهم التي عملوها، والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة، وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ أي أوزارا مع أوزارهم، وهي أوزار من أضلوهم وأخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة، ومثله
قوله صلى الله عليه وسلم: من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها، كما في حديث أبى هريرة، الثابت في (صحيح مسلم) وغيره. (فتح البيان) : 7/ 194.
[ (1) ] كذا في (خ)، وفي (دلائل أبى نعيم) :«فابتاعها منه أبو جهل بن هشام» .
[ (2) ] في (خ) : «نادى» .
محمد، إني رجل غريب، واقتصّ عليه قصته، فقام معه، حتى ضرب باب أبى جهل، فقال: من هذا قال: محمد بن عبد اللَّه، فأخرج إليّ، ففتح الباب وخرج، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أخرج إلى هذا الرجل من حقه، قال:
نعم، فقال: لست أبرح، أو تعطيه حقه، فدخل البيت وأخرج إليه بحقه وأعطاه إياه، فانطلق نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم،
وانصرف الرجل بحقه إلي مجلس قريش فقال: جزى اللَّه محمدا خيرا، فقد أخذ لي حقي بأيسر الأمور، ثم انصرف وجاء أبو جهل فقالوا له: ماذا صنعت؟ فو اللَّه ما بعثنا الرجل إلى محمد إلا هازءين، فقال: دعوني، فو اللَّه ما هو إلا ضرب بابي، حتى ذهب فؤادي، فخرجت إليه، وإن علي رأس لفحلا ما رأيت مثل هامته وأنيابه قط، فاتحا فاه، فو اللَّه لو أتيت لأكلنى، فأعطيت الرجل حقه، فقال القوم: ما هو إلا بعض سحره [ (1) ] .
وقال أبو بكر ابن أبى شيبة، حدثنا أبو أسامة عن سليمان بن المغيرة، عن ثابت قال: قال أصحاب أبى جهل لأبى جهل وهو يسير إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم بدر: أرأيت مسيرك إلى محمد؟ أتعلم أنه نبي؟ قال: نعم، ولكن متى كنا تبعاً لعبد مناف.
وجاء أبو جهل في عدة من المشركين يريدون رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بسوء، فخرج إليهم وهو يقرأ يس [ (2) ] ، وجعل التراب على رءوسهم،
[ (1) ] ذكره الحافظ أبو نعيم في (دلائل النبوة) مطولا بسياقة أخرى، 1/ 210- 212، حديث رقم (161) وقال في آخره: وفي رواية، فقالوا لأبى جهل: فرقت من محمد كل هذا؟ قال: والّذي نفسي بيده لقد رأيت معه رجالا معهم حراب تلألأ. قال أبو قزعة في حديثه: حرابا تلمع، ولو لم أعطه لخفت أن يبعج بها بطني. وأخرجه أيضا ابن إسحاق في (السيرة) ، والبيهقي في (الدلائل) ، من طريق ابن إسحاق، والسيوطي في (الخصائص الكبرى) ، وسنده مقطوع، وفيه عبد الملك بن أبى سفيان الثقفي، وهو مجهول كما في (تعجيل المنفعة)، (سيرة ابن هشام) : 2/ 233- 235، (عيون الأثر) : 1/ 112.
[ (2) ] أول سورة يس.
ويتعجبون وهم لا يرونه، فلما انصرف أقبلوا ينفضون التراب عن رءوسهم، ويتعجبون ويقولون: سحّر من سحر محمد.
وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم جالسا في المسجد، ومعه أبو بكر وعمر وسعد بن أبى وقاص رضى اللَّه عنهم، إذ أقبل رجل من [بنى زبيد] [ (1) ] وهو يقول:
يا معشر قريش، كيف تدخل عليكم [المادة أو يجلب إليكم جلب أو يحل تاجر بساحتكم][ (2) ] ، وأنتم تظلمون من دخل عليكم [في حرمكم][ (3) ]
وجعل يقف على الحلق حتى أتى إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه فقال له: من ظلمك؟ قال: أبو الحكم، طلب منى ثلاثة أجمال [كانت من خيرة][ (4) ] إبلي فلم أبعه إياها بالوكس، فليس يبتاعها منى أحد أتباعا لمرضاته، فقد أكسد سلعتي وظلمني، فقال صلى الله عليه وسلم: وأين أجملك؟ قال: هي هذه بالحزورة، فابتاعها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فباع منها جملين بالثمن الّذي التمسه، ثم باع البعير الثالث، وأعطى ثمنه أرامل بنى عبد المطلب، وأبو جهل جالس في ناحية من السوق لا يتكلم، ثم أقبل إليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: يا عمرو! إياك أن تعود لمثل ما صنعت بهذا الأعرابي فترى منى ما تكره، فقال: لا أعود يا محمد.
فلما انصرف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أقبل إليه أمية بن خلف ومن حضره من المشركين فقالوا: لقد ذللت في يدىّ محمد كأنك تريد اتباعه، فقال: واللَّه لا أتبعه أبدا، إنما كان انكسارى عنه لما رأيت من سحره، لقد رأيت عن يمينه وشماله رجالا معهم رماح يشرعونها إليّ، لو خالفته لكانت إياها،
[ (1) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 1/ 113.
[ (2) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 1/ 113.
[ (3) ] زيادة للسياق من (عيون الأثر) : 1/ 113.
[ (4) ] زيادة للسياق من المرجع السابق.
فقالوا هذا سحر منه [ (1) ] .
وخرج أبو جهل إلى بدر مع المشركين، وقال يومئذ: اللَّهمّ أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة، فأنزل اللَّه تعالى: إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ [ (2) ] ، واستفتاحه هو قوله هذا فقتله اللَّه بيد معاذ بن عمرو بن الجموح، وبعض بنى خفراء، ضرباه،
ووقف عليه عبد اللَّه بن مسعود رضى اللَّه عنه، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول اللَّه، قد قتلت أبا جهل، فقال: اللَّه الّذي لا إله غيره، لأنت قتلته؟ قال: نعم، فاستحفه الفرح ثم قال: انطلق فأرينه، فانطلق حتى قام به على رأسه، فقال: الحمد للَّه الّذي أخزاك، هذا فرعون هذه الأمة، جروه إلى القليب، فجروه، ونفل عبد اللَّه بن مسعود سيفه [ (3) ] .
ونقل أن أبا جهل كان مستوها، واحتجوا بقول عتبة له:«سيعلم مصفّر استه» ، وردّ هذا بأن هذه الكلمة قالها قيس بن زهير في حذيفة بن بدر يوم الهباء، ولم يقل أحد إن حذيفة كان مستوها.
وقال ابن دريد عن الأبنة: هو ممن لم يعرف في الجاهلية إلى في نفر منهم أبو جهل، ولهذا قيل له: مصفر استه، وقابوس بن المنذر عم النعمان، ويلقب حبيب العروسى، وطفيل بن مالك، وأنشد المبرد في بنى مخزوم:
شقيت بكم وكنت لكم جليسا
…
فلست جليس قعقاع بن شور
ومن جهل أبى جهل أخوكم
…
غزا بدرا بمجمرة ونور
[ (1) ](عيون الأثر) : 1/ 112- 113 باختلاف يسير، وزيادة ونقصان.
[ (2) ] الأنفال: 19، (سيرة ابن هشام) : 3/ 222، والاستفتاح: الإنصاف في الدعاء، 3/ 266- 267، (عيون الأثر) : 1/ 257.
[ (3) ](عيون الأثر) : 1/ 260- 262، (سيرة ابن هشام) : 3/ 182- 185.
وقيل نسبة إلى فراقه التوضيع، وكقوله عتبة بن ربيعة فيه:«سيعلم مصفّر استه» ، وفيه قيل:
الناس كنوه أبا حكم
…
واللَّه كناه أبا جهل
أبقت رئاسته لأسرته
…
يوم الفزوع ورقة الأصل
وكان له يوم قتل سبعون سنة- لعنه اللَّه- وله من الولد: عكرمة بن أبى جهل، أسلم، وأبو علقمة زرارة، وحاجب، واسمه تميم، وعلقمة، وأربع بنات، وانقرض عقبه.
والعاص بن هشام بن المغيرة، قتله عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه يوم بدر كافرا [ (1) ] ، وهشام بن العاص [ (2) ] وسعيد بن العاص أسلم [ (3) ] .
[ (1) ](سيرة ابن هشام) : 3/ 267.
[ (2) ] هو
هشام بن العاص بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم القرشيّ المخزوميّ، هو الّذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وكشف عن ظهره، ووضع يده على خاتم النبوة، فأخذ رسول اللَّه يده فأزالها، ثم ضرب في صدره ثلاثا وقال: اللَّهمّ أذهب عنه الغل والحسد- ثلاث.
وكان الأوقص، وهو محمد بن عبد الرحمن بن هشام بن يحى بن هشام بن العاص يقول: نحن أقل أصحابنا حسدا.
ومن طريق ابن شهاب، قال عمر لسعيد بن العاص الأموي: ما قتلت أباك؟ إنما قتلت خالي العاص ابن هشام. (الاستيعاب) : 4/ 1540، ترجمة رقم (2684)، (الإصابة) : 6/ 2542، ترجمة رقم (8973) .
[ (3) ] هو سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية القرشيّ الأمويّ، أبو عثمان، أمه أم كلثوم بنت [عمرو] بن عبد اللَّه بن أبى قيس بن عمرو العامرية، ولم يكن للعاص ولد غير سعيد المذكور. قال ابن أبى حاتم، عن أبيه: له صحبه. قال الحافظ في (الإصابة) : كان له يوم مات النبي صلى الله عليه وسلم تسع سنين، وقتل أبوه يوم بدر، قتله عليّ، ويقال: إن عمر قال لسعيد بن العاص: لم أقتل أباك، وإنما قتلت خالي العاص بن هشام. فقال: ولو قتلته لكنت على الحق وكان على الباطل، فأعجبه قوله.
وكان من فصحاء قريش، ولهذا ندبه عثمان فيمن ندب لكتابة القرآن، قال ابن أبى داود في (المصاحف) : حدثنا العباس بن الوليد، حدثنا أبى، حدثنا سعيد بن عبد العزيز، أن عربية القرآن أقيمت على لسان سعيد بن العاص، لأنه كان أشبههم لهجة برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وولي الكوفة، وغزا طبرستان ففتحها، وغزا جرجان، وكان في عسكره حذيفة وغيره من كبار الصحابة، وولى المدينة لمعاوية.
وسلمة بن هشام بن المغيرة أسلم قديما، وحبس وعذب في اللَّه، وهاجر إلى الحبشة، وقدم المدينة بعد الخندق، وقتل يوم مرج الصّفّر سنة أربع عشرة، وقيل: قتل بأجنادين سنة ثلاث عشرة، وكان من خيار الصحابة [ (1) ] .
[ () ] وله حديث في الترمذي من رواية أيوب بن موسى بن عمرو بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده، إن كان الضمير يعود على موسى.
وروى الزبير، من طريق عبد العزيز بن أبان، عن خالد بن سعيد عن أبيه، عن ابن عمر، قال: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ببردة، فقالت: إني نذرت أن أعطى هذه البردة لأكرم العرب، فقال:
أعطيها لهذا الغلام، وهو واقف، يعنى سعيدا هذا.
قال الزبير: والثياب السعدية تنسب إليه.
وذكر ابن سعد في ترجمته قصة ولايته على الكوفة بعد الوليد بن عقبة لعثمان، وشكوى أهل الكوفة منه، وعزله مطولا. وكان معاوية عاتبه على تخلفه عنه في حروبه، فاعتذر، ثم ولاه المدينة، فكان يعاقب بينه وبين مروان في ولايتها.
وروى ابن أبى خيثمة، من طريق يحيى بن سعيد، قال: قدم محمد بن عقيل بن أبى طالب على أبيه، فقال له: من أشرف الناس؟ قال: أنا وابن أمى، وحسبك بسعيد بن العاص.
وقال معاوية: كريمة قريش سعيد بن العاص، وكان مشهورا بالكرم والبرّ، حتى كان إذا سأله سائل وليس عنه ما يعطيه كتب له بما يريد أن يعطيه مسطورا، فلما مات كان عليه ثمانون ألف دينا، فوفاها عنه ولده عمرو الأشدق.
وحجّ سعيد بالناس في سنة تسع وأربعين، أو سنة اثنتين وخمسين، ولبث بعدها. وروى عن صالح ابن كيسان، قال: كان سعيد بن العاص حليما وقورا، وكان إذا أحب شيئا أو أبغضه لم يذكر ذلك، ويقول: إن القلوب تتغير، فلا ينبغي للمرء أن يكون مادحا اليوم، عائبا غدا.
ومن محاسن كلامه: لا تمازح الشريف فيحقد عليك، ولا تمازح الدنىء فتهون عليه. ذكره في (المجالسة) من طريق أبى عبيدة، وأخرجه ابن أبى الدنيا من وجه آخر عن ابن المبارك.
ومن كلامه: موطنان لا أعتذر من العيّ فيهما: إذا خاطبت جاهلا، أو طلبت حاجة لنفسي، ذكره في (المجالسة)، من طريق الأصمعي. وقال مصعب الزبيري: كان يقال له: عكة العسل. وقال الزبير ابن بكار: مات سعيد في قصره بالعقيق سنة ثلاث وخمسين. له ترجمة في: (الإصابة) :
3/ 107- 109، ترجمة رقم (3270)، (الاستيعاب) : 2/ 621- 624، ترجمة رقم (987)، (طبقات ابن سعد) : 5/ 19- 21، (أسماء الصحابة الرواة) : 372، ترجمة رقم (608)، (تلقيح الفهوم) : 381، (سير أعلام النبلاء) : 3/ 444- 449، ترجمة رقم (87)، (الوافي بالوفيات) :
15/ 227، (جمهرة أنساب العرب) : 80، (الجرح والتعديل) : 4/ 48، (تهذيب الأسماء واللغات) : 1/ 218، (شذرات الذهب) : 1/ 65.
[ (1) ] هو سلمة بن هشام بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم المخزوميّ، أخو أبى جهل والحارث،
وحنتمة ابنة هاشم بن المغيرة [ (1) ] ابنة عم أم سلمة، كانت تحت الخطاب ابن نفيل، فولدت له عمر بن الخطاب، وصفية بنت الخطاب، وأميمة بنت الخطاب.
وأبو أمية بن أبى حذيفة بن المغيرة [أمه عبلة بنت عبيد بن جاذل][ (2) ] يوم بدر [ (3) ] ، وقتل يوم أحد كافرا [ (4) ] .
وهشام بن أبى حذيفة بن المغيرة، أمه وأم أبى أمية: حذيفة بنت أسد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، وهما ابنا عم أم سلمة، وأسلم هشام وهاجر إلي الحبشة، وقال الواقدي في اسمه هشام: هاشم، وقال هشام وهم ممن قاله [ (5) ] .
وعبد اللَّه بن أبى ربيعة بن المغيرة، أمه وأم أخيه عياش أسماء بنت
[ () ] يكنى أبا هشام. كان من السابقين، وثبت ذكره في الصحيح من حديث أبى هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له لما رفع رأسه من الركوع أن ينجيه من الكفار، وكانوا قد حبسوه عن الهجرة، وآذوه، فروى عبد الرزاق من طريق عبد الملك بن أبى بكر بن الحارث بن هشام، قال: فرّ عياش بن أبى ربيعة، وسلمة بن هشام. والوليد بن الوليد من المشركين، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بمخرجهم، فدعا لهم لما رفع رأسه من الركوع.
وروى ابن إسحاق من حديث أم سلمة أنها قالت لامرأة سلمة بن هشام: ما لي لا أرى سلمة يصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كلما خرج صاح به الناس: يا فرّار، وكان ذلك عقب غزوة مؤتة.
ورواه الواقدي من وجه آخر، وزاد: فقال النبي: بل هو الكرّار، وروى ابن سعد أن سلمة لما هرب من قريش، قالت أمه ضباعة:
لا هم رب الكعبة المحرمة
…
أظهر على كل عدو سلمه
له يدان في الأمور المبهمة
…
كف بها يعطى وكف منعمه
وقال: فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الشام، فاستشهد بمرج الصّفّر في المحرم سنة أربع عشرة، وذكر عروة وموسى بن عقبة أنه استشهد بأجنادين، وبه جزم أبو زرعة الدمشقيّ، وصوّبه أحمد، له ترجمة في:(الإصابة) : 3/ 155- 156، ترجمة رقم (3405)، (طبقات ابن سعد) : 4/ 96، (الاستيعاب) : 2/ 643- 644، ترجمة رقم (1032) .
[ (1) ] الإصابة: 4/ 588، ترجمة عمر بن الخطاب رقم (5740)، (الاستيعاب) : 3/ 1144، ترجمة عمر ابن الخطاب رقم (1878) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ)، وما أثبتناه من (جمهرة النسب) : 37، ولعله يناسب السياق والنسب.
[ (3) ](سيرة ابن هشام) : 3/ 273، ذكر أسرى قريش يوم بدر.
[ (4) ](سيرة ابن هشام) : 4/ 85، ذكر من قتل من المشركين يوم أحد.
[ (5) ](الإصابة) : 6/ 538، ترجمة رقم (8968)، (الاستيعاب) : 4/ 1538، ترجمة رقم (2680) .
مخرّبة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم، وهي أم الحارث وأبى جهل ابني هشام بن المغيرة، وكان هشام طلقها، فتزوجها أخوه أبو ربيعة، فندم هشام على فراقه إياها، وكان اسم عبد اللَّه بحيرا، وكان من أشراف قريش في الجاهلية، أسلم يوم الفتح، وكان من أحسن قريش وجها فسماه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عبد اللَّه، وكنيته أبو عبد الرحمن، وهو الّذي بعثته قريش مع عمرو ابن العاص إلى النجاش لأخذ جعفر بن أبى طالب ومن معه، وولاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [الجند] ومخالفيها، وقيل: ولاه عمر على الجند، [وكان عاملا على البصرة لابن الزبير][ (1) ] .
[ومات سنة خمس وثلاثين، وكان قد جاء من اليمن لينصر عثمان لما حصر][ (1) ]، وله من الولد: عمر بن أبى ربيعة الشاعر، والحارث بن عبد اللَّه الّذي يقال له: القباع [ (2) ] .
وعياش بن أبى ربيعة بن المغيرة أبو عبد اللَّه، وقيل: أبو عبد الرحمن، أسلم قديما، وهاجر إلى الحبشة مع امرأته أم الجلاس أسماء ابنة سلمة، ويقال: سلامة بن مخربة بن جندل بن أبير بن نهشل بن دارم التيمية، وهي ابنة أخى أسماء بنت مخربة أم أبى جهل. والحارث بن هشام، وأم عبد اللَّه وعياش ابني أبى ربيعة، وولدت له بالحبشة ابنه عبد اللَّه بن عياش، ثم هاجر إلى المدينة حين هاجر عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه، فقدم عليه أخوه لأمه أبو جهل بن هشام، والحارث بن هشام، فذكر له أن أمه حلفت لا يدخل رأسها دهن ولا تستظل حتى تراه.
فرجع معهما، فأوثقاه وباطا، وحبساه بمكة،
فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدعو له فيقول في قنوته: اللَّهمّ أنج الوليد بن الوليد، وسلمة بن هشام، وعياش
[ (1) ] ما بين الحاصرتين مطموس في (خ) ، واستدركناه من (الكامل في التاريخ) .
[ (2) ] ترجمته وأخباره في (الكامل في التاريخ) : 2/ 148، 3/ 70، 77، 186، 200، 4/ 260، (تاريخ الطبري) : 4/ 214، (سيرة ابن هشام) : 2/ 176، 177، 2/ 178، 1980، 186، 4/ 5، (عيون الأثر) : 2/ 167، (طبقات ابن سعد) : 2/ 40.
ابن أبى ربيعة.
وقتل يوم اليرموك، وقيل: مات بمكة، وله من الولد عبد اللَّه ابن عياش، وأبو قيس بن الفاكة ابن المغيرة عم أم سلمة، أمه [][ (1) ] ابنة عثمان بن [عبيد اللَّه][ (2) ] بن عمر [ (3) ] .
ونوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة، شهد الخندق مع قومه، وعبر الخندق مع عمرو بن عبد في نفر من قريش، وقام سائر المشركين من وراء الخندق، ودعا عمرو بن عبد إلى البراز، فانتدب له على بن أبى طالب رضى اللَّه عنه، وقتله، ففر أصحابه الذين في الخندق هاربين، إلا نوفل هذا فإنه كبابه فرسه في الخندق، فرمى بالحجارة حتى قتل] [ (4) ]، ويقال: بل حمل الزبير بن العوام رضى اللَّه عنه عليه بالسيف، شقه باثنتين، وقطع بدوح سرجه ويقال: خلص إلى كاهل الفرس، فقيل له: يا أبا عبد اللَّه! ما رأينا سيفا مثل سيفك، فقال: واللَّه ما هو بالسيف، ولكنها الساعد.
وخالد بن الوليد بن المغيرة أبو سليمان، وقيل: أبو الوليد القرشي المخزوميّ سيف اللَّه، أمه لبابة الصغرى، وقيل: لبابة الكبرى بنت الحارث بن
[ (1) ] بياض بالأصل.
[ (2) ] في (خ) : «عبد اللَّه» ، وصوبناه من (المعارف) .
[ (3) ]
قال أبو عمر: روى عياش بن أبى ربيعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تزال هذه الأمة بخير ما عظموا هذه الحرمة حق تعظيمها- يعنى الكعبة والحرم- فإذا ضيعوها هلكوا.
روى عنه عبد الرحمن بن سابط، ويقولون: إنه لم يسمع منه، وإنه أرسل حديثه عنه، وروى عنه نافع مرسلا أيضا، وروى عنه ابنه عبد اللَّه بن عياش سماعا منه. له ترجمة في:(الاستيعاب) : 3/ 1230- 1231، ترجمة رقم (2009)، (سيرة ابن هشام) : 2/ 91، 163، 169، 212، 321، 322، 324، 325، 4/ 290، (المعارف) : 187، 229، 230، (طبقات ابن سعد) : 1/ 200، 4/ 129.
[ (4) ]
قال ابن إسحاق- وقد ذكر يوم الخندق-: ومن بنى مخزوم بن يقظة: نوفل بن عبد اللَّه بن المغيرة، سألوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبيعهم جسده، وكان قد اقتحم الخندق، فتورط فيه فقتل، فغلب المسلمون على جسده، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا حاجة لنا في جسده ولا بثمنه، فخلى بينهم وبينه.
قال ابن هشام: - أعطوا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بجسده عشرة آلاف درهم فيما بلغني عن الزهري. (سيرة ابن هشام) : 4/ 215.
حزن الهلالية، أخت ميمونة. أم المؤمنين، وهو أحد أشراف قريش في الجاهلية، وإليه كانت القبة والأعنة.
فأما القبة، فإنّهم كانوا يضربونها، ثم يجمعون إليها ما يجهزون به الجيش، وأما الأعنة، فإنه كان يكون على الخيل في الحرب، وأسلم بين الحديبيّة وخيبر، وقيل: أسلم سنة خمس بعد بنى قريظة، وقيل أسلم سنة ثمان هو وعمرو بن العاص، وعثمان بن طلحة، ولم يترك منذ أسلم تولية رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أعنة الخيل، فيكون في مقدمتها في محاربة العرب.
وشهد الحديبيّة والفتح، وما بعده، وكان على خيله يوم الحديبيّة، وكان على مقدمته يوم حنين في بنى سليم، وبعثه في سنة تسع إلى أكيدر دومة الجندل، فأخذه وقدم به، وبعثه في سنة عشر إلى الحارث بن كعب، وأمّره أبو بكر رضى اللَّه عنه على الجيوش في الرّدّة، ففتح اللَّه عليه اليمامة وغيرها، وقتل على يديه أكثر أهل الرّدة، ثم افتتح دمشق، ومات بحمص، وقيل: بالمدينة، سنة إحدى وعشرين، وقيل: سنة اثنتين وعشرين، وأخباره كثيرة، وفضائله شهيرة [ (1) ] .
وعمارة بن الوليد بن المغيرة، أبو قائد، كان من فتيان قريش جمالا وشعرا، وهو الّذي جاء به مشركو قريش إلى أبى طالب ليأخذه بدل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ويدفعه إليهم ليقتلوه، وهو الّذي بعثت به قريش مع عمرو بن العاص إلى النجاش في أخذ من هاجر إلى الحبشة من المسلمين، فيعرض لجارية عمرو، فكاده عند النجاش حتى سحر، وذهب مع الوحش حتى خرج إليه عبد اللَّه بن أبى ربيعة، بن المغيرة، فأخذه فمات في يده، وله
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
أخبار وشعر جيد، وله من الولد: قائد، والوليد، وأبو عبيدة [ (1) ] .
وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة، قتله على رضى اللَّه عنه يوم بدر كافرا [ (2) ] .
وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة [ (3) ] ، ابنة عم أم سلمة، وكانت تحت ابن عمها الحارث بن هشام بن المغيرة، فولدت له عبد الرحمن وأم حكيم، وأم فاطمة هذه حنتمة بنت شيطان بن عمرو بن كعب بن وائلة الأحمر بن الحارث بن عبد مناه.
[ (1) ] سبق أن أشرنا إلى مصادر ترجمته.
[ (2) ] قال ابن هشام- وقد ذكر قتلى بدر من المشركين-: ومن بنى مخزوم: أبو قيس الفاكة بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر مخزوم، وأبو قيس بن الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم. (سيرة ابن هشام) : 3/ 190، ثم قال في ص 287: أن أبا قيس بن الفاكة قتله عليّ رضى اللَّه عنه، وأن أبا قيس بن الوليد قتله حمزة بن عبد المطلب رضى اللَّه عنه.
[ (3) ] هي فاطمة بنت الوليد بن المغيرة بن عبد اللَّه بن مخزوم القرشية المخزومية، أخت خالد بن الوليد، قال ابن سعد: أمها حنتمة- بمهملة مفتوحة ونون ساكنة، ثم مثناة من فوق مفتوحة- بنت عبد اللَّه بن عمرو بن كعب الكنانية.
أسلمت يوم الفتح، وبايعت، وهي زوج الحارث بن هشام، وهي والدة عبد الرحمن، وأم حكيم ابني الحارث. قال أبو عمر: ويقال: إن عمر تزوجها بعد الحارث، وفيه نظر.
قال الحافظ في (الإصابة) : وترجم لها ابن مندة: فاطمة بنت الوليد القرشية، وأورد لها حديث الإزار، وقد أخرجه العقيلي من طريق عبد السلام بن حرب، عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى فروة، عن إبراهيم بن العباس بن الحارث، عن أبى بكر بن الحارث، عن فاطمة بنت الوليد أم أبى بكر، أنها كانت بالشام تلبس الجباب من ثياب الخز، ثم تأتزر، فقيل لها: ما يغنيك عن هذا الإزار، فقالت:
سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأمر بالإزار.
قال ابن الأثير: قوله: أم أبى بكر، يعنى ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فهي أم أبيه، وهي جدة أبى بكر، وهو كما قال، فقد قال ابن عساكر: فاطمة بنت الوليد بن المغيرة أخت خالد لها صحبة، وخرجت مع زوجها الحارث إلى الشام، واستشارها خالد أخوها في بعض أمره، وذلك لما جاءه عزله من عمر بن الخطاب فقالت: واللَّه لا يحبك عمر أبدا، وما يريد إلا أن تكذب نفسك ثم ينزعك، فقبّل خالد رأسها وقال: صدقت واللَّه، فتم على أمره، وأبى أن يكذب نفسه.
وعبد شمس بن الوليد بن المغيرة، أمه [] بنت هلال بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم [ (1) ] .
وهشام بن الوليد بن المغيرة، وهو الّذي قتل أبا أزيهر بن أنيس بن الخلق الأزدي الدوسيّ بذي المجاز [ (2) ]، وكان لأبى أزيهر ابنتان: إحداهما تحت أبى سفيان بن حرب، والأخرى تزوج بها الوليد بن المغيرة، ولم يدخل بها حتى مات، فطالب هشام أبا أزيهر بالصداق فلم يعطه، فقتله، وكانت فيه عجلة، فأراد المطيبون الحرب فمنعهم أبو سفيان وقال: لا تشاغلوا بالحرب بينكم عن محمد وأصحابه، ولهذا الخبر قصة [ (3) ] .
[ () ] روت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا، رواه عنها ابنها أبو بكر بن عبد الرحمن، فذكر حديث الإزار.
(الإصابة) : 8/ 70، ترجمة رقم (11610)، (الاستيعاب) : 4/ 1902، ترجمة رقم (4064)، طبقات ابن سعد) : 8/ 190، (أعلام النساء) : 4/ 149.
[ (1) ](جمهرة النسب) : 89.
[ (2) ](جمهرة النسب) : 88.
[ (3) ] وهذه القصة فيما ذكره ابن إسحاق قال: فلما حضرت الوليد الوفاة دعا بنيه وكانوا ثلاثة: هشام بن الوليد، والوليد بن الوليد، وخالد بن الوليد، فقال لهم: أي بنى، أوصيكم بثلاث، فلا تضيعوا فيهن: دمي في خزاعة فلا تطلنّه [لا تهدرنّه] ، واللَّه إنّي لأعلم أنهم منه برآء، ولكنى أخشى أن تسبّوا بعد اليوم، ورباى في ثقيف، فلا تدعوه حتى تأخذوه، وعقرى عند أبى أزيهر [دية الفرج المغصوب] فلا يفوتنكم به.
وكان أبو أزيهر قد زوجه بنتا، ثم أمسكها عنه، فلم يدخلها عليه حتى مات. فلما هلك الوليد ابن المغيرة وثب بنو مخزوم على خزاعة يطلبون منهم عقل الوليد، وقالوا: إنما قتله سهم صاحبكم- وكان لبني كعب حلف من بنى عبد المطلب بن هاشم- فأبت عليهم خزاعة ذلك، حتى تقاولوا أشعارا، وغلظ بينهم الأمر- وكان الّذي أصاب الوليد سهمه، رجلا من بنى كعب بن عمرو من خزاعة- فقال عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم في ذلك شعرا.
ثم إن الناس ترادّوا وعرفوا إنما يخشى القوم السبة، فأعطتهم خزاعة بعض العقل وانصرفوا عن بعض. ثم لم ينته الجون بن أبى الجون حتى افتخر بقتل الوليد، وذكر أنهم أصابوه، وكان ذلك باطلا. فلحق بالوليد وبولده وقومه من ذلك ما حذر.
ثم عدا هشام بن الوليد على أبى أزيهر، وهو بسوق المجاز- وكانت عند أبى سفيان بن حرب عاتكة
_________
[ () ] بنت أبى أزيهر، وكان أبو أزيهر رجلا شريفا في قومه- فقتله بعقر الوليد الّذي كان عنده، لوصية أبيه إياه، وذلك بعد أن هاجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ومضى بدر، وأصيب به من أصيب من أشراف قريش من المشركين.
فخرج يزيد بن أبى سفيان، فجمع بنى عبد مناف، وأبو سفيان بذي المجاز، فقال الناس: أخفر أبو سفيان في صهره، فهو ثائر به. فلما سمع أبو سفيان بالذي صنع ابنه يزيد- وكان أبو سفيان رجلا حليما منكرا يحب قومه حبا شديدا- انحط سريعا إلى مكة، وخسى أن يكون بين قريش حدث في أبى أزيهر، فأتى ابنه، وهو في الحديد، في قومه من بنى عبد مناف والمطيبين، فأخذ الرمح من يده، ثم ضرب به على رأسه ضربة هدّه منها، ثم قال له: قبحك اللَّه! أتريد أن تضرب قريشا بعضهم ببعض في رجل من دوس؟ سنؤتيهم العقل إن قبلوه، وأطفئ لك الأمر.
فانبعث حسان بن ثابت يحرض في دم أبى أزيهر، ويعيّر أبا سفيان خفرته وبجنبه، فقال في ذلك شعرا، فلما بلغ أبا سفيان قول حسان قال: يريد حسان أن يضرب بعضنا ببعض في رجل من دوس، بئس واللَّه ما ظن.
ولما أسلم أهل الطائف كلّم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد في ربا الوليد الّذي كان في ثقيف، لما كان أبوه أوصاه به.
قال ابن إسحاق: فذكر لي بعض أهل العلم أن هؤلاء الآيات من تحريم ما بقي من الربا بأيدي الناس، نزلن في ذلك من طلب خالد الربا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [البقرة: 278] إلى آخر القصة فيها.
ولم يكن في أبى أزيهر ثأر نعلمه، حتى حجز الإسلام، إلا أن ضرار بن الخطاب بن مرداس الفهري، خرج في نفر من قريش إلى أرض دوس، فنزلوا على امرأة يقال لها أم غيلان مولاة لدوس، وكانت تمشط النساء وتجهز العرائس، فأرادت دوس قتلهم بأبي أزيهر، فقامت دونهم أم غيلان ونسوة معها حتى منعتهم، فقال ضرار بن الخطاب في ذلك شعرا.
قال ابن هشام: حدثني أبو عبيدة: أن التي قامت دون ضرار أمّ جميل، ويقال: أم غيلان، قال:
ويجوز أن تكون أم غيلان قامت مع أم جميل فيمن قام دونه.
فلما قام عمر بن الخطاب أتته أم جميل، وهي ترى أنه أخوه، فلما انتسبت له عرف القصة فقال:
إني لست بأخيه إلا في الإسلام، وهو غاز وقد عرفت منّتك عليه، فأعطاها على أنها ابنة سبيل.
قال الراويّ: قال ابن هشام: وكان ضرار لحق عمر بن الخطاب يوم أحد، فجعل يضربه بعرض الرمح ويقول: أنج يا ابن الخطاب لا أقتلك، فكان عمر يعرفها له بعد إسلامه. (سيرة ابن هشام) : 2/ 258- 263.
وقد ذكر ابن هشام ما قاله كل من عبد اللَّه بن أبى أمية بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم
والوليد بن الوليد بن المغيرة، أمه وأم هشام أميمة بنت حرملة بن خليل ابن شوبر بن صعب بن قيس، أسره يوم بدر كافرا عبد اللَّه بن جحش، وقيل أسره سليط بن قيس المازني، فقدم في فدائه أخواه خالد وهشام، فتمنع عبد اللَّه بن جحش حتى افتكّاه بأربعة آلاف درهم، وقيل افتكاه بشكة أبيه الوليد، وكانت درعا وسيفا وبيضة، فأقيمت بمائة دينار، فلما افتدى أسلم، فحبسوه بمكة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو له فيمن دعا من مستضعفي المؤمنين بمكة، ثم أفلت من أسارهم، وشهد عمرة القضية، وكتب يدعو أخاه خالد بن الوليد إلى الإسلام [ (1) ] .
وقيل إنه أفلت من الحبس بمكة، وخرج على رجليه، فمات على ميل من المدينة، ورثته ابنة عمه أم سلمة بشعر [ (2) ] ، وله ابن كان اسمه الوليد بن الوليد بن الوليد، فسماه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عبد اللَّه [ (3) ] .
والوليد بن عبد شمس بن المغيرة ابن عم أم سلمة، أمه قيلة بنت جحش ابن ربيعة بن أهيب بن الضباب بن حجير بن عبد معيص بن عامر بن لؤيّ، أسلم يوم الفتح، وقتل باليمامة شهيدا مع ابن عمه خالد بن الوليد، وله من
[ () ] وما قاله الجون بن أبى الجنون الخزاعي، وما قاله حسان بن ثابت، وما قاله ضرار بن الخطاب، في قصة أبى أزيهر من الشعر، الّذي قد بلغ سبعة وعشرين بيتا، أمسكنا عن ذكرها خشية الإطالة، فلتراجع في (المرجع السابق) .
[ (1) ](مغازي الواقدي) : 1/ 140- 41، (سيرة ابن هشام) : 3/ 273.
[ (2) ] قالت أم سلمة بنت أبى أمية:
يا عين فابكى للوليد
…
بن الوليد بن المغيرة
كان الوليد بن الوليد
…
أبو الوليد فتى العشيرة
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تقولي هكذا يا أم سلمة، ولكن قولي: وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق: 19]، والخبر بتمامة في (طبقات ابن سعد) : 4/ 131- 134.
[ (3) ] قال ابن سعد: فدخل المدينة فمات بها، وله عقب، منهم: أيوب بن سلمة بن عبد اللَّه بن الوليد بن الوليد،
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما اتخذتم الوليد إلا حنانا، فسماه عبد اللَّه.
(المرجع السابق) .
الولد عبد الرحمن [ (1) ] .
وأبو عمرو بن حفص بن المغيرة، أمه درة بنت خزاعيّ بن الحارث بن الحويرث الثقفي، وهو زوج فاطمة بنت قيس. أخت الضحاك بن قيس، قيل اسمه عبد الحميد، وقيل أحمد، وقيل اسمه كنيته، أسلم وخرج مع على رضى اللَّه عنه إلى اليمن، فبعث من هناك بطلاق امرأته فاطمة ابنة قيس، وهو الّذي كلم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه لما عزل خالد بن الوليد، وقال له: لقد نزعت غلاما- أو قال عاملا- استعمله رسول اللَّه، وغمدت سيفا سلّه اللَّه، ووضعت لواء نصبه رسول اللَّه، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم [ (2) ] .
[ (1) ](الكامل في التاريخ) : 2/ 367، ذكره ابن الأثير فيمن قتل باليمامة، (الإصابة) : 6/ 614، ترجمة رقم (9152) .
[ (2) ] هو أبو عمرو بن حفص بن المغيرة، ويقال: أبو عمرو بن حفص بن عمرو بن حفص بن المغيرة بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم القرشيّ المخزومي، قيل: اسمه عبد الحميد، وقيل: اسمه أحمد، وقيل: بل اسمه كنيته، بعثه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مع على بن أبى طالب، حين بعث عليا أميرا إلى اليمن، فطلق امرأته هناك فاطمة بنت قيس الفهرية، وبعث إليها بطلاقها، ثم مات هناك. [في هوامش (الاستيعاب) ] : هذا لا يصح، لأنه قد ذكر بعد ذلك أنه كلم عمر في أمر خالد.
روى الزهري عن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه، عن فاطمة بنت قيس الفهرية، أنها كانت تحت أبى عمرو بن حفص، فلما أمرّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليا على اليمن خرج معه، وأرسل إليها بتطليقة هي بقية طلاقها.
قال أبو عمر: قد اختلف في صفة طلاقه إياها على ما ذكرناه في كتاب (التمهيد) . وأبو عمرو هذا، هو الّذي كلم عمر بن الخطاب رضى اللَّه عنه وواجهه في عزل خالد بن الوليد.
ذكر النسائي، قال: أخبرنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني، قال: حدثنا وهب بن زمعة، قال: حدثنا عبد اللَّه بن المبارك عن سعيد بن زيد، قال: سمعت الحارث بن يزيد يحدث عن على بن رباح، عن ناشرة بن سمى البزنى قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول يوم الجابية في حديث ذكره: وأعتذر إليكم من خالد بن الوليد، فإنّي أمرته أن يحبس هذا المال على ضعفة المهاجرين، فأعطاه ذا البأس وذا اليسار وذا الشرف، فنزعته، وأثبت أبا عبيدة بن الجراح، فقال أبو عمرو بن حفص بن المغيرة: واللَّه
_________
[ () ] لقد نزعت غلاما- أو قال: عاملا- استعمله رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وغمدت سيفا سلّه اللَّه، ووضعت لواء نصبه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولقد قطعت الرحم، وحسدت ابن العم. فقال عمر: أما إنك قريب القرابة، حديث السنّ.
قال إبراهيم بن يعقوب: سألت أبا هشام المخزومي- وكان علامة بأسمائهم- عن اسم أبى عمرو هذا، فقال: اسمه أحمد.
وذكر البخاري هذا الخبر في التاريخ عن عبدان، عن ابن المبارك بإسناده نحوه، وأخرجه فيمن لا يعرف اسمه من الكنى المجردة عن الأسماء. (الإصابة) : 7/ 287، ترجمة رقم (10285) ، (الاستيعاب) 40/ 1719- 1720، ترجمة رقم (3104)، (التاريخ الكبير) : 8/ 54، ترجمة رقم (469) .