الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر أزواج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
اعلم أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خطب ثلاثين امرأة، منهن واحدة وهبت نفسها، وإحدى عشرة امرأة دخل بهن، وسبع عقد عليهنّ ولم يدخل بهن، ومات من نسائه في حياته اثنتان، وتوفي عن تسع، ولم يتزوج بكرا غير واحدة.
[أم المؤمنين خديجة بنت خويلد]
[ (1) ]
[ (1) ] هي خديجة أم المؤمنين، وسيدة نساء العالمين في زمانها، أم القاسم ابنة خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصي بن كلاب، القرشية الأسدية، أم أولاد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأول من آمن به وصدقه قبل كل أحد، وثبتت جأشه، ومضت به إلى ابن عمها ورقة ابن نوفل، كما جاء في حديث عائشة في البخاري: بدء الوحي، وفيه أن خديجة، قالت له صلى الله عليه وسلم: كلا واللَّه لا يخزيك اللَّه أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق. وفيه أنها انطلقت إلى ابن عمها ورقة ابن نوفل وقالت له: اسمع من ابن أخيك،
وأخبره رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بما رأى، فقال له ورقة: هذا الناموس الّذي نزّل اللَّه على موسى، يا ليتني فيها جذع، ليتني أكون حيّا إذ يخرجك قومك، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: أو مخرجيّ هم؟ قال: نعم،
لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.
ومناقبها جمّة، وهي ممن كمل من النساء، كانت عاقلة، جليلة، ديّنة، مصونة، كريمة، من أهل الجنة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يثنى عليها، ويفضلها على سائر أمهات المؤمنين، ويبالغ في تعظيمها، بحيث إن عائشة كانت تقول: ما غرت من امرأة ما غرت من خديجة، من كثرة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لها.
ومن كرامتها عليه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتزوج امرأة قبلها، وجاءه منها عدة أولاد، ولم يتزوج عليها قط، ولا تسرّى إلى أن قضت نحبها، فوجد لفقدها، فإنّها كانت نعم القرين، وكانت تنفق عليه من مالها، ويتجر هو صلى الله عليه وسلم لها، وقد أمره اللَّه أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب.
والقصب في هذا الحديث: لؤلؤ مجوف واسع كالقصر المنيف، وقد جاء تفسيره في (كبير الطبراني) من حديث أبي هريرة ولفظه:«بيت من لؤلؤة مجوفة» ، والصّخب:«اختلاط الأصوات» ،
_________
[ () ] والنصب: التعب.
قال الزبير بن بكار: كانت خديجة تدعى في الجاهلية الطاهرة، وأمها هي فاطمة بنت زائدة العامرية. كانت خديجة أولا تحت أبى هالة زرارة التميمي، ثم خلف عليها بعده عتيق بن عابد بن عبد اللَّه بن عمر بن مخزوم، ثم بعده النبي صلى الله عليه وسلم، فبنى بها وله خمس وعشرون سنة، وكانت أسنّ منه بخمس عشرة سنة.
وقال مروان بن معاوية، عن وائل بن داود، عن عبد اللَّه البهي قال: قالت عائشة: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة لم يكد يسأم من ثناء عليها، واستغفار لها، فذكرها يوما فحملتني الغيرة فقلت: لقد عوضك اللَّه من كبيرة السن! قال: فرأيته غضب غضبا. أسقطت في خلدي، وقلت في نفسي: اللَّهمّ إن أذهبت غضب رسولك عنى لم أعد أذكرها بسوء، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما لقيت، قال، واللَّه لقد آمنت بى إذ كذبني الناس، وآوتنى إذ رفضني الناس، ورزقت منها الولد وحرمتموه منى قالت: فغدا رواح عليّ بها شهرا.
[الخلد، بالتحريك: الباب والقلب والنفس] .
هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة: ما غرت على امرأة ما غرت على خديجة، مما كنت أسمع من ذكر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لها، وما تزوجني إلا بعد موتها بثلاث سنين.
محمد بن فضيل عن عمارة، عن أبى زرعة، سمع أبا هريرة يقول: أتى جبريل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه خديجة أتتك معها إناء فيه إدام أو طعام أو شراب، فإذا هي أتتك فاقرأ عليها السلام من ربها ومنى وبشرها ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه ولا نصب. متفق على صحته.
عبد اللَّه بن جعفر: سمعت عليا: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: خير نسائها خديجة بنت خويلد، وخير نسائها مريم بنت عمران.
أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي: باب تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها، ومسلم في فضائل الصحابة باب فضائل خديجة أم المؤمنين، والترمذي في المناقب.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «خير نسائها» ،
قال القرطبي: الضمير عائد على غير مذكور، لكنه يفسره الحال والمشاهدة، يعنى به الدنيا، والمعنى أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها.
قال ابن إسحاق: تتابعت على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المصائب بهلاك أبى طالب وخديجة، وكانت خديجة وزيرة صدق، وهي أقرب إلى قصىّ من النبي صلى الله عليه وسلم برجل، وكانت متموّلة فعرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يخرج في مالها إلى الشام، فخرج مع مولاها ميسرة، فلما قدم باعث خديجة ما جاء به، فأضعف، فرغبت فيه، فعرضت نفسها عليه، فتزوجها، وأصدقها عشرين بكرة.
_________
[ () ] قال الشيخ عزّ الدين بن الأثير: خديجة أول خلق اللَّه أسلم بإجماع المسلمين. وقال الزهري، وقتادة، وموسى بن عقبة، وابن إسحاق. والواقدي، وسعيد بن يحيى: أول من آمن باللَّه ورسوله خديجة، وأبو بكر، وعليّ، رضى اللَّه تعالى عنهم.
قال ابن إسحاق: حدثني إسماعيل بن أبى حكيم- أنه بلغه عن خديجة أنها قالت: يا ابن عم، أتستطيع أن تخبرني بصاحبك إذا جاءك؟ فلما جاءوه قال: يا خديجة، هذا جبريل، فقالت: اقعد على فخذي ففعل، فقالت: هل تراه؟ قال: نعم، قالت: فتحول إلى الفخذ اليسرى، ففعل، قالت: هل تراه؟ قال، نعم، فألقت خمارها، وحسرت عن صدرها، فقالت: هل تراه؟ قال: لا، قالت: أبشر، فإنه واللَّه ملك وليس بشيطان.
[رجاله ثقات، لكنه منقطع] .
حماد بن سلمة، عن حميد، عن عبد اللَّه بن عبيد بن عمير، قال: وجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على خديجة حتى خشي عليه، حتى تزوج عائشة [رجاله ثقات لكنه مرسل] .
معمر عن قتادة، وأبو جعفر الرازيّ، عن ثابت، واللفظ لقتادة، عن أس مرفوعا: حسبك من نساء العالمين أربع. [إسناده صحيح وأخرجه الترمذي في المناقب، والحاكم، وأحمد] .
الدراوَرْديّ، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم، فاطمة، وخديجة، وامرأة فرعون آسية.
[رجاله ثقات] .
وروى عروة، عن عائشة قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة، وقال الواقدي: توفيت في رمضان، ودفنت بالحجون. وقال قتادة: ماتت قبل الهجرة بثلاث سنين، وكذا قال عروة.
* لها ترجمة في: (طبقات ابن سعد) : 8/ 52، 1/ 131- 133، (المستدرك) : 3/ 200- 206، كتاب معرفة الصحابة، باب ومنهم خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى رضى اللَّه تعالى عنها، الأحاديث من رقم (4834/ 432) إلى رقم (4856/ 454)، (الاستيعاب) : 4/ 1817- 1825، ترجمة رقم (2311)، (المعارف) : 59، 70، 132، 144، 150، 219، 311، (جامع الأصول) : 9/ 120- 125، القسم الثاني من الفرع الثاني من الباب الرابع في فضائل النساء الصحابيات رضى اللَّه تعالى عنهن، الأحاديث من رقم (6666) إلى رقم (6670)، (الإصابة) : / 600- 605 ترجمة رقم (11086)، (كنز العمال) : 13/ 690- 693 باب فضائل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مفصلة، أم المؤمنين خديجة رضى اللَّه عنها، الأحاديث أرقام من (37762) إلى (37770)، (شذرات الذهب) : 1/ 14.
فأول نسائه خديجة سعيد بن بهم، وأمها: عاتكة ابنة عبد العزى بن قصي، وأمها: الحظيّا بنت كعب بن سعد بن تيم بن مرة [بن كعب بن لؤيّ بن غالب][ (1) ] ، وأمها نائلة ابنة حذافة بن جمح.
وكانت خديجة عند عتيق بن عائذ بن عبد اللَّه بن عمرو بن مخزوم، فولدت له جارية يقال لها: أم محمد هند، تزوجها ابن عمة لها يقال له صيفي بن أبى أمية بن عائذ بن عبد اللَّه، وهلك عتيق عن خديجة، فتزوجها أبو هالة هند بن النباش بن زرارة [بن وقدان بن حبيب بن سلامة ابن غوىّ بن جروة][ (2) ] بن أسيد بن عمرو بن تميم بن مرّ. وطابخة بن إلياس [أمه][ (2) ] خندف [وهي ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة][ (2) ] .
وقيل: أبو هالة مالك بن إلياس بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن عدي- بضم العين وقيل بفتحها- ابن أسد- بضم الهمزة- ابن عمرو بن تميم بن مرّ بن أسيد، فهو أسيدى بالتخفيف، فإذا نسب إليه قيل:
اسيّدىّ بالتشديد على ما قاله سيبويه.
وذكر الحافظ أبو محمد بن حزم [ (3) ] أن خديجة كانت عند عتيق فولدت له عبد اللَّه، ثم خلف عليها أبو هالة فولدت له ذكرين هما هند والحرث،
[ (1) ] زيادة للنسب من (جمهرة النسب) .
[ (2) ] ما بين الحاصرتين سياقة مضطرب، وصوبناه من (المرجع السابق) .
[ (3) ] قال الكلبي: كان زوج خديجة بنت خويلد قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فولدت له هند بن هند، وابن ابنه هند ابن هند بن هند، شهد هند بن أبى هالة بدرا، وقالوا: بل أحدا، وقتل هند بن هند بن أبى هالة مع ابن الزبير، وانقرضوا ولا عقب لهم. (جمهرة النسب) لابن الكلبي) : 269، وقال في هامشه: هند بن أبى هالة صحابىّ شهد بدرا وقيل: أحد، قتل مع على في واقعة الجمل.
وهند بن هند بن أبى هالة قتل مع مصعب بن الزبير يوم المختار بن أبى عبيد في الكوفة، واختلف في اسم أبى هالة، فقيل: النباش بن زرارة بن وقدان بن حبيب بن سلامة بن عدي بن جردة بن أسيد،
وابنة اسمها زينب، وأن هندا شهد أحدا، والحرث قتله أحد الكفار عند الركن اليماني. قال العسكري: هو أول قتيل قتل في الإسلام، ثم تزوجها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على ثنتى عشرة أوقية، وهي أول امرأة تزوجها [ (1) ] .
وروى أنه أصدقها عشرين بكرة، زوجه إياها عمرو بن أسد بن عبد العزى، وعمرها أربعون، وقيل ست وأربعون، وقيل ثمان وأربعون، وقيل خمسون، [وقيل] أربعون، وقيل ثلاثون، وقيل ثمان وعشرون سنة، فأقامت معه صلى الله عليه وسلم أربعا وعشرين سنة، منها قبل الوحي خمس عشرة سنة، وكان عمره صلى الله عليه وسلم إذ تزوجها إحدى وعشرين، وقيل: كان ابن خمس وعشرين سنة وشهران وعشرة أيام، وهو الأكثر، وقيل ابن ثلاثين.
فولدت له أربع بنات [هن:] زينب، وفاطمة، ورقية، وأم كلثوم، وولدت له القاسم وعبد اللَّه، ولم يتزوج عليها حتى ماتت، وهي أول من آمن باللَّه ورسوله على الصحيح، وقيل أبو بكر رضى اللَّه عنه، وكانت وزير صدق له، آزرته على أمره، وثبتته وخففت عنه وهوّنت عليه ما كان يلقى من قومه، وتوفيت قبل الهجرة بخمس سنين، وقيل بأربع سنين، وقيل بثلاث سنين، وهو الأصح، ويقال: توفيت لعشر خلون من رمضان، وهي ابنة خمس وستون سنة، فدفنها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالحجون [ونزل في قبرها ولم يتزوج][ (2) ] في حياتها بسواها لجلالتها وعظم محلها عنده.
وقد اختلف أيهما أفضل، هي أو عائشة؟ فرجح فضل خديجة جماعة من العلماء، وماتت ولرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تسع وأربعون سنة وثمانية أشهر، وتركت من الأولاد هند بن أبى هالة، وبنات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الأربع،
[ (1) ](جمهرة أنساب العرب لابن حزم) : 16، 120، 142، 171، 210.
[ (2) ] زيادة للسياق من كتب السيرة.
وفضائلها كثيرة رضى اللَّه عنها.
قال الواقدي: حدثني موسى بن شيبة، عن عميرة بنت عبد اللَّه بن كعب عن أم سعد بن الربيع، عن نفيسة بنت منية، قالت: لما رجع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من الشام دخل مكة، وخديجة رضى اللَّه عنها في عليه لها فرأت ملكين يظلانه، وكانت جلدة حازمة، وهي أوسط قريش نسبا وأوسطهم مالا، وكل قومها حريص على نكاحها لو قدروا على ذلك، قد طلبوا وبذلوا لها الأموال، فأرسلتنى دسيسا إلى محمد صلى الله عليه وسلم بعد أن رجع من الشام، فقلت: يا محمد، ما منعك أن تتزوج؟ قال: ما بيدي ما أتزوج به، قلت:
فإن كنت كذلك ودعيت إلى الجمال، والمال، والشرف، والكفاءة، ألا تجيب؟ قال: فمن هي؟ قلت: خديجة، قال: وكيف لي بذلك؟ قلت عليّ فأنا أفعل، فذهبت فأخبرتها، فأرسلت إليه أن ائت الساعة كذا وكذا، وأرسلت إلى عمها عمرو بن أسد ليزوجها، ودخل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في عمومته، فتزوجها وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ بنت أربعين سنة.
وذكر أبو الحسن أحمد بن فارس بن زكريا أن أبا طالب خطب يومئذ، فقال: الحمد للَّه الّذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضيء معدّ، وعنصر مضر، وجعلنا حصنة بيته، وسوّاس حزبه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، ثم إن ابن أخى هذا محمد بن عبد اللَّه لا يوزن به رجل إلى رجح به، فإن كان في الكمال قل، فإن المال ظل زائل، وأمر حائل، ومحمد من قد عرفتم قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق ما آجله وعاجله من مالي، وهو واللَّه بعد هذا له نبأ عظيم، وخطر جليل.
وقال المطرز: ألقى أبو طالب على ولىّ خديجة حلّة فقبلها، وكان قبول الحلّة تمام التزويج، قال أبو طالب: فجاءنا البشار من زوايا الدار وأعلى الجدر، ولا أدرى ديارا ولا ناثرا.
وكانت التي غسّلت خديجة أم أيمن وأم الفضل زوجة العباس، وذلك قبل أن تفرض الصلاة، ولم تكن يومئذ سنّة الجنازة والصلاة عليها، ودفنت بالحجون بمكة، ونزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حفرتها، واشترى معاوية منزل خديجة فجعله مسجدا.