الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقال تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يونس: 57].
وقال تبارك وتعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (174) فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [النساء: 174 - 175].
واعلموا أنَّهُ لا اهْتِداءَ بِكتابِ الله تبارك وتعالى إلَّا بعدَ عِلْمِهِ، وعِلْمِ سُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم. قال تبارك وتعالى:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44].
واعلَموا أنهُ لا معرفةَ لكتاب اللهِ تَعالى، ولا لِسُنَّةِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إلَّا بعدَ معرفةِ اللِّسانِ العربِيَّةِ، والسَّجيَّةِ القُرَشِيَّةِ، ألَا وهِيَ لُغَةُ رسَولِ اللهِ، صلى الله عليه وآله وسلم.
* * *
فصل
واعلموا -أَرْشَدَكُمُ اللهُ الكريمُ-: أَنَّ الله جل جلاله، وتَقَدَّسَتْ أسماؤهُ- اصْطَفى عبدَهُ ورسولَهُ مُحَمداً صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ أَزْكى العَرَبِ أَصْلاً، وأَعْظَمِهِمْ فَضلاً، وأَشْرَفِهِمْ قَدْراً، وأَفْضَلِهِمْ داراً، ولم تَزَلِ العربُ في سالِفِ الأَزْمانِ تَعْرِفُ ذلكَ لِقُرَيْشٍ، وتُعَظِّمها وتَعُزِّزُها وتُوَقِّرُها، وتَتَحاكمُ إِليها في أمُورها، وتتعلمُ منها مناسِكَها وآدابَها، وتُسَمِّيها آلَ اللهِ.
روينا في الصَّحيحَينِ عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه: أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ في هذا الشَّأْنِ، مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وكِافرُهُمْ تَبَعٌ لِكافِرِهْم"(1).
وروينا في صحيحِ مسلمٍ عن واثِلَةَ بنِ الأَسْقَعِ رضي الله عنه قال: سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ: "إنَّ اللهَ اصْطَفى كَنِانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسماعيلَ، واصْطَفى قُرَيْشاً مِنْ كِنانَةَ، واصْطَفى مِنْ قريشٍ بني هاشِمٍ، واصْطفاني منْ بني هاشِمٍ"(2).
وأَجْمَعَ أهلُ العلمِ بكلامِ العربِ ولغاتِها، وخُطَبها وأشعارِها وأَيّامِها وأَحْوالِها (3) أَنَّ قريشاً أَفْصَحُ العربِ لِساناً، وأحسنُهم بَياناً، وأصفاهُم لغةً، وألطفهم بِنَاءً، وما ذاك إلا لِمَكانَتِهم (4) من نبيِّ اللهِ وصَفِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم فجعلَهُمْ حَضَنَةَ بيتِهِ، وسُكَّانَ حَرَمِه، حَتَّى وردَتْ عليِهم وفُودُ العَرَبِ وفُصحاؤها، وتَخَيَّروا (5) من كلامِها وبيانِها أحسنَ لُغاتِها، وأَصْفى كَلامِها، مع ما طُبعوا عليهِ منْ لسانِهِمُ الفصيحَةِ، وسَجِيَّتِهم البَليغةِ.
(1) رواه البخاري (3305) كتاب: المناقب، باب: قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى
…
} وما ينهى عن دعوى الجاهلية، ومسلم (1818) كتاب: الإمارة، باب: الناس تبع لقريش، والخلافة في قريش.
(2)
رواه مسلم (2276) كتاب: الفضائل، باب: فضل نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وتسليم الحجر عليه قبل النبوة.
(3)
"وأحوالها" ليس في "ب".
(4)
في "ب": "لمكانهم".
(5)
في "ب": " فتخيروا".
ثم (1) إِنَّ اللهَ أَنشْأَ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم ورَبَّاه في القَومِ الفُصَحاءِ، والعَرَبِ البلُغاءِ: بَني سَعْدِ بْنِ بَكْرٍ.
قال النَّبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: "أنا أَفْصَحُ العَرَب، بَيْدَ أَنِّي مِنْ قُرَيْشٍ، وإِنِّي نَشأْتُ في بنَي سَعْدِ بْنِ بكْرٍ"(2).
وهؤُلاءِ منَ الذينَ قالَ فيهم أبو عَمْرِو بْنُ العَلاء: أَفْصَحُ العَرَبِ: عُليا هَوازِنَ، وسُفلى تَميمٍ (3).
ثم أنزلَ اللهُ جل جلاله عليهِ القُرآنَ المَجيدَ باللَّسانِ العربيِّ المُبينِ.
قال اللهُ تبارك وتعالى: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 192 - 195].
وأنزلَهُ على سبعة أحرُفِ من قبائلِ العرب المَجْبولين على الفَصاحَة واللَّسَنِ والكَيْس (4) والبَلاغَةِ؛ لُطْفاً منُه بهِم؛ لِكَيْ يَفهموهُ، ورِفْقاً بهم ليَتْلوهُ
(1)"ثم" ليست في "أ".
(2)
قال ابن الملقن في "البدر المنير"(8/ 281): هذا الحديث ذكره الفقيه نجم الدين بن الرفعة في "مطلبه"، ولم يعزه إلا إلى الفقهاء، ثم قال ابن الملقن: الذي ألفيته في كتب الحديث بعد الفحص البليغ والتتبع الشديد ما رواه الطبراني في أكبر "معاجمه"، من حديث بقية، عن مبشر بن عبيد، عن الحجاج بن أرطأة، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، أنا أعرب العرب، ولدتني قريش، ونشأت في بني سعد بن بكر، فأنَّى يأتيني اللحن". وهذا سند ظاهر الضعف، انتهى.
وانظر "التلخيص الحبير" لابن حجر (4/ 6).
(3)
"عُليا هوازن": هم سعد بن بكر، وجثم بن بكر، ونصر بن معاوية، وثقيف.
و"سُفلى تميم": يعني بني دارم. انظر: "فتح الباري"(9/ 27).
(4)
"والكيس" ليس في "ب".