الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(من أحكام الجهاد)
17 -
(17) قوله عز وجل: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
* والإنفاقُ في سبيل اللهِ قد يكونُ واجبًا، وقد يكونُ مُسْتَحبًّا، فيجبُ حيثُ يتعيَّنُ الجِهادُ والحَجُّ، ويستحبُّ إذا لم يتعيَّنْ ذلك. والأمرُ بالإنفاقِ في الآية مشتَركٌ بين المعنيينِ.
* ونهانا اللهُ سبحانه أن نُلْقِيَ بأيدينا إلى التَّهْلُكَةِ.
وذلكَ قاعدةٌ عامَّةٌ في كلِّ فعلٍ (1) جائز أو واجبٍ. فإذا كانَ يخافُ من فعلِ الواجبِ التهلكةَ، وجبَ عليه تركهُ، إلا في مواضعَ استُثْنيت:
منها: أن يغرِّرَ (2) بِنَفْسِهِ في طلبِ الشهادةِ.
ومنها: أن يأمرَ بمعروفٍ أو ينهى عن منكرٍ.
وأما في فعل المنهيِّ عنه، فإنَ المكلَّف مخيرٌ بينَ فعلِ المنهيِّ عنه، وبين الكفِّ والوقوع في الهَلَكَة (3)؛ كما إذا أُكْرِهَ على الرِّدَّةِ -نعوذُ باللهِ
(1) في "أ": "فعل كل".
(2)
في "ب": "يغزو".
(3)
في "ب": "التهلكة".
العظيم من ذلك-، وكذا سائرُ المنهيّات (1).
والآية نزلتْ على سببٍ في النفقةِ (2).
روى يزيدُ بن أبي يزيد، عن أبي عمران قال: غزونا القسطنطينيةَ، وعلى الجماعةِ عبدُ الرحمنِ بنُ الوليد، والرومُ مُلْصِقونَ ظُهورَهم بحائط المدينةِ، فحملَ رجلٌ على القومِ، فقال الناسُ: مَهْ مَهْ، لا إله إلا الله، يلقي بيدهِ إلى التهلكة، فقال أبو أيوبَ الأنصاريُّ: سبحان الله! أنزلت هذه الآية فينا -معاشرَ الأنصارِ- لمَّا نصرَ اللهُ نبيَّهُ، وأظهرَ دينَه، قلنا: هَلُمَّ (3) نُقيمُ في أموالِنا (4) ونُصْلِحُها، فأنزل الله:{وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]، فالإلقاء إلى التهلكة أنْ نقيمَ في أموالنا ونصلحها وندعَ الجهاد، فلم يزلْ أبو أيوبَ مُجاهدًا حتى دُفِنَ بالقسطنطينية، فقُبر (5) هناك (6).
(1) انظر: "الأشباه والنظائر" للسيوطي (ص: 173، 366)، و"الأشباه والنظائر" لابن نجيم (ص: 95).
(2)
في سبب نزول هذه الآية أقوال عدة:
أولها: أن الأنصار كانوا ينفقون، فأصابتهم سنة فأمسكوا، فنزلت.
ثانيها: كان الرجل يذنب الذنب فيقول: لا يغفر لي، فأنزلت الآية.
ثالثها: نزلت في الأنصار حين أرادوا الانصراف على إصلاح أموالهم وضياعهم، فنزلت الآية.
انظر: "العجاب في بيان الأسباب" لابن حجر (ص: 284)، و"لباب النقول" للسيوطي (ص: 84).
(3)
في "ب": "هل".
(4)
في "ب": "بأموالنا".
(5)
في "ب": "فقبره".
(6)
رواه أبو داود (2512)، كتاب: الجهاد، باب: في قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ، والترمذي (2972)، كتاب: تفسير القرآن، باب: ومن =
والعِبْرَةُ بعموم اللَّفْظِ لا بخُصوصِ السبب، ما لم يَخْرُجِ السبب، ولهذا أنكر عليهم أبو أيوبَ تأويلَهم لما أخرجوا المُجاهدَ الطالبَ لإعزاز دينِ اللهِ سبحانه، وإغاظَةِ عَدُوِّ الله تبارك وتعالى.
* * *
= سورة البقرة، وابن جرير الطبري في "تفسيره"(2/ 204)، والحاكم في "المستدرك"(2434)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(9/ 99).