الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القولُ في الأسماءِ المُفْرَدَةِ
* اعلموا -رحمكمُ الله تعالى- أنَّ من سُنَّةِ العَرَبِ أن تُسَمِّيَ الأشياءَ المختلفةَ بالأسماءِ المُخْتَلفَةِ؛ كالرَّجُل، والفَرَس، والحِمار، والبُرِّ، والشّعيرِ؛ لاختلافِ مُسَمَّياتها.
ويُسمِّي الأُصوليّونَ هذا النوعَ: الأسماءَ المُتبايِنَةَ (1).
وتُسَمَّى الأشياءُ الكثيرةُ بالاسم الواحِد:
1 -
فقْد تكونُ تلكَ الأشياءُ متفقَةً من جميعِ الوُجوه؛ كالإِنسان، والمُشْرك (2)، واللونِ، والثَّمَر (3)، وغيرِ ذلكَ من أَسْماءِ الأجناسِ، ويسمُّونها: الأسماءَ المتُواطِئَةَ؛ لِتَواطُئِها على معانيها (4).
وحكمُ هذا النوعِ إذا وَرَدَ في كتابِ اللهِ تبارك وتعالى أو سُنَّةِ نبيّه صلى الله عليه وآله وسلم أن يُحْمَل على ما يقْتضيهِ اللَّفْظُ.
(1) انظر: "المستصفى" للغزالي (1/ 76)، و"شرح تنقيح الفصول" للقرافي (ص: 32)، و"غاية الوصول" للشيخ زكريا الأنصاري (ص: 42).
(2)
في "ب": "المشترك".
(3)
في "ب": "الثمن".
(4)
التواطؤ: هي نسبة وجود معنى كلي في أفراد؛ بحيث يكون وجوده في الأفراد متوافقاً غير متفاوت؛ كإطلاق اسم "اللون" على السواد والبياض والحُمرة، فإنها متفقة في المعنى الذي به سُمِّي اللون لوناً.
فإنْ كانَ اللَّفْظُ يقتضي العُمومَ، حُمِلَ عليهِ؛ كقولِك: اقْتُلِ المُشْرِكَ، فيُحمل على كلِّ مشركٍ، يَهوديًّا كانَ أو نَصْرانياً أو وَثَنِيًّا.
وإن كانَ اللفظُ يَقتضي التَّخصيصَ، حُمِل عليهِ؛ كقولك: اقْتُلِ المُشْرِكَ النَّصْرانِيَّ، أو: اقتلْ مُشْرِكاً نَصْرانِيًّا (1).
2 -
وقدْ تكونُ تلكَ الأشياءُ مختلفةَ المعاني: كالبيْضَةِ، فإنَّها تقعُ على بَيْضَةِ الدَّجاجِ والنَّعامِ، وبيضَةِ الحَديد.
وكالعَيْنِ؛ فإنَّها تقعُ على العَيْن الناظِرَةِ، وعلى عَيْنِ الذَّهَبِ، وعَيْنِ الماءِ، وعَيْنِ المِيزانِ.
وكالجَوْن (2)، فإنَّهُ يُطلَقُ (3) على الأبيضِ والأسودِ، ويُسَمَّى هذا النوعُ: الأسماءَ المُشْتَرَكَةَ (4).
وأنكرَ قومٌ (5) لا يُعْتَدُّ بهم هذا النوعَ منَ الأسماءِ، وقالوا: لا تأتي (6) العَرَبُ باسمٍ واحدٍ للشيءِ وضِدِّهِ.
والدليلُ على ما قُلناهُ أنَّ الذينَ رَوَوْا عنِ العربِ الأسماءَ المُتباينَةَ
(1) انظر: "اللمع" للشيرازي (ص: 42).
(2)
أي: كإطلاق كلمة "الجون" في اللغة على كلٍّ من الأبيض والأسود والأحمر. انظر: "القاموس المحيط" للفيروزأبادي (مادة: جون).
(3)
في "ب": "فإنها تقع".
(4)
انظر: "المستصفى"(1/ 76)، و "تقريب الوصول" (ص: 103)، و"شرح الأخضري على السلّم" (ص: 27).
(5)
نُسِبَ نفي وقوع المشترك في اللغة إلى ثعلب، وأبي زيد البلخي، والأبهري. انظر:"البحر المحيط" للزركشي (2/ 122).
(6)
"تأتي" ليست في "ب".
والمُتواطِئَةَ، همُ الذين رَوَوْا عنهمْ تَسمية المُتَضادَّةِ باسمٍ واحد، وهم الواسطةُ بينَنا وبينَ العرب (1).
وحكمُ هذا النَّوع أن يُحْمَلَ على ما يَقتضيهِ اللفظُ:
فإن كانَ اللفظُ يقتضي التَّخْصيص؛ حُمِلَ عليه؛ كما إذا قال: أَعْطِني بَيْضَةَ الحَرْبِ، أو عَيْناً أَشتري بها مَتاعاً، أو الجَوْنَ الأبيضَ.
وإن كانَ اللفظُ يقَتضي العُمومَ والإطْلَاق؛ كما لو قالَ لعبدِهِ: أَعْطِني البَيْضَةَ، وأَعْطِني العَيْنَ، وأَعْطِني الجونَ، حُمِل عليهِ عِنْدَ الشافِعيِّ -رحمهُ اللهُ تَعالى- وعِدَّةٍ يسيرة منَ الأُصولِيِّين (2)، والجمهورُ على خلافِهِ.
فلا يصيرُ العبدُ مُمْتَثِلاً عندَهُ إِلاّ إذا أتى بجميع ما يقعُ عليه اسمُ البَيْضَةِ، وبِجميعِ ما يقعُ عليهِ اسمُ العَيْنِ والجَوْنِ، والدليلُ عليهِ أنَّ الحَمْلَ على الجَميع غيرُ مُسْتَحيلٍ، واللَّفْظُ يصلُح لهُ، فَحُمِلَ عليه بِمُقْتَضى اللُّغَةِ.
نَعَمْ إذا دَلَّ العقلُ أو الشرعُ على أنَّ المرادَ بهِ شيءٌ بعَيْنِهِ، ولم نَتَبَيَّنْهُ في اللفظِ؛ كقولِهِ -تعالى-:{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، وقد دلَّ الدليلُ على أن المرادَ واحدٌ بعينه، إمّا الحَيْضُ، أو الطُّهْرُ،
(1) انظر مبحث وقوع المشترك في اللغة أو عدم وقوعه في المراجع التالية:
"المحصول" للرازي (1/ 261)، و"الإحكام" للآمدي (1/ 41)، و"بيان المختصر" للأصفهاني (1/ 124)، و"البحر المحيط" للزركشي (2/ 122)، و"المحلي مع حاشية البناني"(1/ 292)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (ص:19).
(2)
قد وافق الإمام الشافعيَّ على حمل المشترك على جميع معانيه: الباقلانيُّ، والجُبَّائيُّ، وعبد الجبار، وابن الحاجب، والبيضاوي، وغيرهم، ونُقل عن الإمام مالك.
انظر: "الإحكام" للآمدي (1/ 2/ 261)، و"نهاية السول" للإسنوي (1/ 261)، و"سلاسل الذهب" للزركشي (ص: 175).
فهذا يكون مُشكِلاً مُجْمَلاً، لا يُعَرفُ مَعْناه من لفظِهِ، وإنما يعُرفُ المرادُ منهُ بِغيرهِ، إمّا من دليلٍ، أو قرينةٍ، أو شاهدِ حالٍ (1).
* ومن سُنَّةِ العَرَبِ في كلامِها -أَيْضاً- أَنْ تسميَ الشيءَ الواحدَ بالأسماءِ المختلفةِ؛ نحو: السَّيْفِ والمُهَنَّدِ والصّارِمِ والحُسامِ، وأَكْثَرُ أسماءِ الغَريب على ذلك، ويُسمَّى هذا الصنفُ: الأسماءَ المترادِفَةَ (2).
فمذهبُ الأُصوليِّين واللُّغَويين أَنَّها أسماءٌ لمعنَى واحِدٍ.
وقال ثَعْلَبٌ: إنَّ الاسمَ منها واحدُ، وهو السيفُ مَثَلاً، وما بعدَهُ من الأسماءِ صفاتٌ لهُ باعتباراتٍ زائدةٍ على الاسمِ، وفي كلِّ صفَةٍ منها مَعْنًى غيرُ مَعْنى الصِّفةِ الأُخْرى.
واحتجَّ مَنْ خالَفَ ثَعْلَباً بأنهُ لو كانَ الأمرُ كما ذَكَر، لَما أمكَن أن يُعَبَّرَ عن شيءٍ بغيرِ عِبارَتِهِ، ولو كانَ ذلكَ كذلكَ، لم تُفْهَمِ اللغةُ، ولَمَّا رأيناهمْ يعبرونَ بِبَعْضها عن بَعْضٍ، دَلَّ على ما قلناهُ.
وأجيبَ بأنَّ هذه الأسماءَ ليستْ مختلِفةً متبايِنةً، فيلزمُ ما قالوه، وإنَّما في كلِّ واحدٍ منها مَعْنًى ليسَ في الآخَرِ، فَمِنْ أَجْلِ ذلكَ جازَ التعبيرُ ببعضِها عن بعضٍ من طريقِ المُشاكَلَةِ والاتفِّاقِ.
(1) انظر مبحث حمل المشترك على جميع معانيه أو عدم جوازه:
"الإحكام" للآمدي (1/ 2/ 261)، و"نهاية السول" للإسنوي (1/ 261)، و"البحر المحيط" للزركشي (2/ 132)، و"سلاسل الذهب" للزركشي (ص:175)، و"المحلي مع حاشية البناني"(1/ 296)، و"أصول السرخسي"(1/ 126).
(2)
انظر: "بيان المختصر" للأصفهاني (1/ 130)، و"نهاية السول" للإسنوي (1/ 237)، و"البحر المحيط" للزركشي (2/ 105).
واختار أبو الحسَينِ أحمدُ بنُ فارسٍ قولَ ثَعْلَبٍ، وبالَغَ في نُصْرَتِهِ (1).
* ومن سُنَّتِها -أيضاً- أنها تسميَ الشيءَ باسمٍ إذا كانَ مُتَّصِفاً بصفةٍ، فإنْ فُقِدَتْ تلكَ الصِّفَةُ، فلا يُسَمَّى بذلكَ الاسمِ.
فمنْ ذلكَ: المائِدَةُ، لا يُقال لها: مائدةً، حتى يكونَ عليها طَعامٌ، وإلَّا فاسمُها خِوانٌ.
وكذلكَ الكأسُ، لا يكونُ كأساً حتى تكونَ فيها شرابٌ، وإلاّ فهوَ قَدَحُ.
وكذلك القَلَمُ لا يكونُ قَلَماً إلا وقد بُريَ وأُصْلِحَ، وإلَا فهُوَ أُنْبوبَةٌ.
ويُحكى أنه قيلَ لأَعْرابيٍّ: ما القَلَمُ؟ فقالَ: لا أَدري، فقيلَ: تَوَهَّمْهُ، فقالَ: عودٌ قُلِّم من أحدِ جانبيهِ كَتَقْليمِ الأظفارِ فَسُمِّيَ قَلَماً.
* * *
(1) استغرب الشوكاني نسبة ذلك إلى ثعلب وابن فارس، فقال: العجب من نسبة المنع من الوقوع إلى مثل ثعلب وابن فارس مع توسعهما في العلم. انظر: "إرشاد الفحول"(ص: 19).
وانظر مسألة وقوع المترادف في اللغة: "الإحكام" للآمدي (1/ 1/ 46)، و"بيان المختصر" للأصفهاني (1/ 130)، و"نهاية السول" للإسنوي (1/ 248)، و"المحلي مع حاشية البناني"(1/ 290)، و"البحر المحيط" للزركشي (2/ 105).