الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصلُ الثالثُ في ترتيبِ بعضِها على بعضٍ
والسُّنَّةُ تنقسمُ إلى جميعِ الأقسامِ الواردةِ في الكِتاب؛ مِنَ الحقيقةِ والمَجاز، والعامِّ والخاصِّ، والمُجْمَلِ والمُبيَّنِ، والمُقَيَّدِ والمُطْلَقِ، والنّاسِخِ والمَنْسوخ.
فالمَجازُ مرتَّبٌ على الحقيقةِ، والعامُّ مرتَّبٌ على الخاصِّ، والمُجْمَلُ مرتَّبٌ على المُفَسَّرِ، والمُطْلَقُ مرتَّبٌ على المُقَيَّدِ، والمنسوخُ مرتَّبٌ على الناسخِ.
ولولا طَلَبي للاختصارِ وخَوفُ الإطالةِ، لَبيَّنْتُ جميعَ هذهِ الأقسامِ وغيرِها، ولكنْ فيما مضى من هذه المقدِّمَةِ كفايةٌ لذوي الاعْتبار والاسْتِبْصار.
* * *
الفصلُ الرابعُ تقديمُ بعضِها على بعضٍ
وذلك لا يكون إلَّا بعد تعذُّر الجَمْع بينها والعَمَلِ بجميعها (1)، وترتيبِ بعضِها على بعض، وذلكَ بأنْ يكونَ لفظُ الشَّيئينِ المتعارِضَيْنِ نَصًّا: بيِّناً، ولم يُعْلَمِ الناسخُ منهما، فحينئذِ يصيرُ المجتهِدُ إلى تقديمِ بعضِها على بعضٍ بوجه من وجوهِ الترجيح، وقد ذكرها أهلُ العلمِ بالنَّظَر والفَتْوى.
=انظر: "البحر المحيط" للزركشي (6/ 63)، و "نزهة النظر" لابن حجر (ص: 106)، و "فتح المغيث" للسخاوي (1/ 148)، و "ظفر الأماني" للتهانوي (ص: 323)، و "منهج النقد" للدكتور عتر (ص: 328).
(1)
"والعمل بجميعها" ليست في "ب".
فمنها وجوهٌ مرجِّحَةٌ من قِبَلِ الإسناد، ووجوه مُرَجِّحَةٌ من قبلِ المتنِ.
فالذي من قبلِ الإسنادِ (1): مثل أنْ يكونَ أحدُ الراويَينِ صغيراً، والآخرُ كبيرًا، فتقدَّمُ (2) روايةُ الكبيرِ؛ لأنَّه أضبطُ، أو يكون أحدُ الراويينِ أفقَهَ أو أقربَ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو يكونَ مباشِراً للقصةِ، أو تتعَلَّقُ (3) القصةُ به، أو يكونَ أكثرَ صحبةً، أو يكونَ أحسنَ سياقاً للحديثِ، أو يكونَ متقدِّمَ (4) الإسلام، أو يكون أورعَ وأشدَّ احتياطًا، أو يكونَ من أهل المدينةِ، أو لم يضطربْ لفظُه، و (5) لم تختلفِ الروايةُ عنه، مع كونِ مقابِلِهِ ليس من أهلِ المدينة، و (6) اضطربَ لفظُه، أو اختلفتِ الروايةُ عنه. والأصحُّ: أن كثرةَ الرواةِ موجِبٌ للترجيح، بخلافِ الشهادةِ، خلافًا لبعض الشَّافعية (7).
(1) إن وجوه الترجيح من حيث الإسناد كثيرة متشعبة، تنظر في:"البرهان" للجويني (2/ 1176)، و "المحصول" للرازي (5/ 414)، و "شرح مختصر الروضة" للطوفي (3/ 690)، و "البحر المحيط" للزركشي (6/ 150)، و "التّقييد والإيضاح" للعراقي (2/ 846)، و "الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (2/ 1100)، و "تدريب الراوي" للسيوطي (2/ 198)، و "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: 276).
(2)
في "ب": "فقدم".
(3)
في "أ": "تعلق".
(4)
في "ب": "متأخر".
(5)
في "ب": "أو".
(6)
في "ب": "أو".
(7)
الترجيح بكثرة الرواة، قال به جمهور العلماء، خلافًا لبعض المعتزلة، وبعض الشافعية، وخلافاً للحنفية.
انظر: "اللمع" للشيرازي (ص: 174)، و"البرهان" للجويني (2/ 1162)، و "المحصول" للرازي (5/ 401)، و "نهاية السول" للإسنوي (2/ 983)، و "البحر المحيط" للزركشي (6/ 150)، و "الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (2/ 1105).
والذي من قبلِ المتينِ مثل (1): أن يكونَ أحدُهُما نُطْقاً، والآخرُ دليلَ النطقِ (2)، فالنطق أولى، أو أن (3) يكونَ أحدُهما يجمعُ النطقَ والدليلَ، والآخرُ يختصُّ بأحدهما، فالجامعُ أولى؛ لأنَّه أَبْيَنُ، أو يكونَ أحدُهما موافقاً لدليلٍ من كتابٌ أو سنةٍ أو قياس، ويكونَ أحدهُما عملَ بِه الأئمةُ الأربعةُ وأهلُ الحرمينِ، ويكون أحدُهُما قولاً وفعلاً، والآخر أحدهما، فهو أولى، أو يكون قُصِد بأحدِهما الحكمُ، والآخرُ لم يقصدْ به، أو يكونَ أحدُهما وردَ على غيرِ سبب، فهو أولى ممَّا وردَ على سبب؛ لأنَّه مختلَفٌ في عمومِه، أو يكون أحدُهما (4) مُثْبتاً أو ناقلاً من العادة إلى العبادة، أو يكونَ فيه احتياط، فيقدَّم على مقابلِهِ، والأصحُّ: أن الذي يقتضي الحَظْرَ مقدمٌ على الذي يقتضي الإباحة؛ لأنَّه أَحْوَطُ (5).
(1) انظر المرجحات من قبل المتن في المصادر التالية:
"اللمع" للشيرازي (ص: 176)، و "المحصول" للرازي (5/ 428)، و"الإحكام" للآمدي (2/ 4/ 259)، و "شرح مختصر الروضة" للطوفي (3/ 698)، و "البحر المحيط" للزركشي (6/ 165)، و "الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (2/ 1107)، و "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: 278).
(2)
المراد بدليل النطق هنا، هو مفهوم المخالفة، فإن المنطوق يقدم على المفهوم؛ لأنَّ المنطوق متَّفقٌ عليه، والمفهوم مختلف فيه، ودلالة المنطوق على الحكم، أقوى من دلالة المفهوم عليه.
انظر: "اللمع" للشيرازي (ص، 177)، و "المحصول" للرازي (5/ 433).
(3)
"أن" ليست في "ب".
(4)
"أحدهما" ليس في "ب".
(5)
إذا تعارض خبران، أحدهما يدل على الحظر، والآخر يدل على الإباحة: فقد ذهب أكثر العلماء إلى أن الحظر مقدم على الإباحة؛ لأنَّ اعتناء الشرع بدفع المفاسد أكثر من اعتنائه بجلب المصالح، وذهب عيسى بن أبان وأبو هاشم إلى التساوي والتساقط.=
وقد مضى الكلامُ على وجوهِ الأدلةِ وشرائطِ الاستدلال في الخطاب، وبقي الكلامُ في معناها الذي هو القياسُ.
وها أنا أذكر فيه جملةً نافعةً ليتمَّ نفع كتابي هذا (1) إن شاء الله تعالى.
* * *
=انظر: "اللمع" للشيرازي (ص: 178)، و "المحصول" للرازي (5/ 439)، و "الإحكام" للآمدي (2/ 4/ 269)، و "شرح مختصر الروضة" للطوفي (3/ 701)، و "نهاية السول" للإسنوي (2/ 1001)، و"البحر المحيط" للزركشي (6/ 170)، و "الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (2/ 1113).
(1)
"هذا" زيادة من "ب".