المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القول في المطلق والمقيد - تيسير البيان لأحكام القرآن - جـ ١

[ابن نور الدين]

فهرس الكتاب

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌مقدِّمة جَامِعَة في أصول الفقه والتَّفسِيْر

- ‌القولُ في الأسماءِ المُفْرَدَةِ

- ‌القولُ في البَيِّنِ والمُشْكِلِ

- ‌فصل (المُشْكِلُ)

- ‌وأَمَّا المركَّباتُ، فيأتي على وُجوهٍ -أيضاً

- ‌منها: الاشتراكُ بين الأمرِ والخَبَر:

- ‌ومنها: الاشتراك بين السؤال والتَّنْبيهِ:

- ‌ومنها: الاشتراك بينَ السؤالِ والدُّعاء

- ‌ومنها: الاشتراك في المَفْعولِ إذا تنازعَه فِعلان يَقْتضيانِ مُقْتَضًى واحداً:

- ‌ومنها: الاشتراك في الإبهام:

- ‌واختلفَ علماؤنا في مسائلَ:

- ‌القَولُ في العَامِّ والخَاصِّ

- ‌الفصل الأول في الألفاظ

- ‌الفصل الثاني في كيفيةِ استعمالِ العرب للعامِّ واتِّساعها فيه

- ‌الفصلُ الثالِثُ في الخَاصِّ

- ‌الفصلُ الرابُع في ترتيبِ العامِّ على الخاص

- ‌القولُ في المُطْلَقِ والمُقَيَّدِ

- ‌القول في الحقيقة والمجاز

- ‌ الأول: الاستعارةُ:

- ‌الثاني: التّشبيهُ:

- ‌الثالثُ: الزيادَةُ:

- ‌الرابع: النّقصان:

- ‌الخامس: التقديمُ والتأخيرُ:

- ‌السادس: المحاذاةُ والمُقابَلَةُ للشيءِ بمثلِ لَفْظِهِ معَ اختِلاف المعنى:

- ‌الثامنُ: أَنْ يُسَمَّى الشيءُ بما كانَ عليهِ:

- ‌التاسع: تسميتُهم الشيءَ بما يَستحيلُ وُجودُه:

- ‌القول في الأمر والنهي

- ‌الفصلُ الأولُ وفيه أربعُ مسائلَ:

- ‌ الأولى: الأمر هَلْ يقْتَضي الوُجوبَ

- ‌ الثانية: إذا وردَ لفظُ الأمرِ، وفي الصيغةِ ما يدلُّ على التكْرارِ

- ‌ الثالثةُ: الأَمْرُ هَلْ تقتَضي الفِعْلَ على الفَوْرِ، أوْ لا

- ‌ الرابعةُ: إذا وَرَدَ الأمْرُ بعدَ الحَظْرِ والمنعِ، فهل يقْتَضي الوُجوبَ؟ فيه مذهبان:

- ‌الفصل الثاني في تَصَرُّفِ العَرَبِ بِصيغَةِ الأمرِ

- ‌ الأولُ: أن يكون أمرًا ومعناهُ الوجوبُ

- ‌الثاني: أمرٌ ومعناه الاسْتِحْبابُ

- ‌الثالث: أمرٌ ومعناه الإرشاد

- ‌الرابع: أمرٌ ومعناهُ التأديبُ

- ‌الخامس: أمرٌ ومعناهُ التخييرُ

- ‌السادس: أمر ومعناهُ الإباحَةُ

- ‌السابع: أمرٌ ومعناهُ التَّسخيرُ، وبعضُهم يقولُ:

- ‌الثامنُ: أمر ومعناهُ التَّحْقيرُ

- ‌التاسع: أمر ومعناهُ التَّعْجيزُ

- ‌العاشرُ: أمرٌ ومعناهُ التَّكوينُ

- ‌الحادي عَشَرَ: أمر ومعناهُ الوَعيدُ والتَّهديدُ

- ‌الثاني عَشَرَ: أمر ومعناهُ التَّفَكرُ والاعْتِبارُ

- ‌الثالثَ عَشَرَ: أمرٌ ومعناهُ الصَّيْرورَةُ

- ‌الرابعَ عَشَرَ: أمرٌ ومعناهُ الدُّعاء

- ‌الخامسَ عَشَرَ: أمر ومعناه التَّفْويضُ والتَّسليمُ

- ‌السادِسَ عَشَرَ: أمرٌ ومعناه التعجُّبُ

- ‌السابعَ عَشَرَ: أمرٌ ومعناهُ الإِنْعامُ

- ‌الثامِنَ عَشَرَ: أمرٌ ومعناهُ التَّمَنِّي

- ‌التاسِعَ عَشَرَ: أمر ومعناه التَّلَهُّفُ

- ‌العِشرونَ: أمرٌ ومعناهُ الخَبَرُ

- ‌فصل

- ‌إحداهُما: النَّهْيُ يقْتَضي التَّحْريم

- ‌المسألة الثانية: النَّهْيُ هل تقْتَضي الفَساد؟ فيه أقوالٌ:

- ‌القول في الخبر

- ‌القول في القرائن

- ‌القولُ في مَعرفة المُتشابه والمُتعارض

- ‌(القول في الناسخ والمنسوخ)

- ‌الفصل الأول في معنى النسخ وحقيقته

- ‌الفصل الثَّاني في أقسام النسخ والناسخ والمنسوخ

- ‌الفصلُ الثالث فيما يَجوزُ نسخُه وما لا يجوزُ

- ‌الفصلُ الرابعُ فيما يجوزُ أن يكونَ ناسخاً، وما لا يجوز

- ‌الأولُ: نسخُ القرآنِ بالقرآنِ:

- ‌الثَّاني: نسخ السُّنَّةِ بالسُّنَّةِ:

- ‌الثالث: نسخُ القرآنِ بالسُّنَّةِ:

- ‌الرابع: نسخُ القرآنِ بالإجماعِ:

- ‌الخامس: نسخُ السُّنَّةِ بالقُرآنِ

- ‌السادس والسابع: نسخُ الإجماع بالقرآنِ، ونسخُ الإجماعِ بالسُّنَّةِ: مستحيلٌ وغيرُ جائزٍ اتّفاقاً

- ‌الفصل الخامس في الطَّريق إلى معرفة الناسخ والمنسوخ

- ‌القول في السُّنَّة وأنواعها وترتيبها وتقديم بعضها على بعض

- ‌الفصلُ الأولُ في السُّنَّة

- ‌الفصل الثَّاني في بيانِ أنواعِ السُّنَّةِ

- ‌الفصلُ الثالثُ في ترتيبِ بعضِها على بعضٍ

- ‌الفصلُ الرابعُ تقديمُ بعضِها على بعضٍ

- ‌(القول في القياس)

- ‌(خاتمة المقدِّمة)

- ‌سُوْرَةُ البَقَرَةِ

- ‌(من أحكام الصَّلاة)

- ‌(من أحكام الحج)

- ‌(من أحكام الأطعمة)

- ‌(من أحكام القصاص)

- ‌(أحكام الوصايا)

- ‌(من أحكام الصِّيام)

- ‌(من أحكام القضاء)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(من أحكام الحج)

- ‌(من أحكام النفقة)

- ‌(من أحكام الجهاد)

- ‌(تحريم شرب الخمر)

- ‌(معاملة اليتامي)

- ‌(حكم نكاح المشركات والكتابيات)

- ‌(من أحكام الحيض)

- ‌(من أحكام النكاح)

الفصل: ‌القول في المطلق والمقيد

‌القولُ في المُطْلَقِ والمُقَيَّدِ

المطلق (1): أن يَذْكُرَ اللَّفْظ مُجَرَّداً، ولا يَقْرِنَ به صِفَة، ولا شَرْطاً، ولا زَماناً، ولا عَدَداً، ولا ما أشبهَ ذلكَ من الصِّفات.

وهو نوعٌ من أنواعِ العُموم على سبيلِ البَدَلِ، لا على سبيل الاستِغْراق.

والمقيد: أن يَذْكُرَ اللَّفْظَ مَقْروناً بشيء من ذلكَ (2).

وهو نوعٌ من الخُصوص.

والإطلاقُ والتقييدُ عندَ العربِ من أحسنِ لِسانها، وأَعْلى كلامها.

مثالُ الإطلاقِ: قولُ امْرِئِ القيس: [البحر الطويل]

مُهَفْهَفَةٌ بَيْضَاءُ غَيْرُ مُفاضَةٍ

تَرَائِبُهَا مَصْقُولَةٌ كَالسَّجَنْجَلِ (3)

فَشَبَّه ترائِبَهَا بالِمرْآةِ مطلقًا.

(1) في "أ": "الإطلاق".

(2)

انظر تعريف كلٍّ من المطلق والمقيد في: "روضة الناظر" لابن قدامة (2/ 101)، و"الإحكام" للآمدي (2/ 3/ 5)، و "البحر المحيط" للزركشي (3/ 413)، و"المحلي مع حاشية البناني"(2/ 44)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: 164).

(3)

انظر معلقته: البيت (31)، (ص: 51) من شرح المعلقات السبع" للزوزني.

ص: 63

وقال آخر (1): [من الطويل]

وَوَجْهٌ كمرآةِ الغَريبة أَسجح

فَقَيَّدَ المِرْآة بالغريبةِ؛ لأن مِرْآتها أصفى وأنقى من غيرها؛ لضرورتها إليها حتى تُرِيَها ما تحتاجُ إليه؛ إِذْ ليسَ للغريبةِ منْ يتفقدُ مساوِئَهَا (2).

وحكمه: أنه متى وردَ اللفظُ في كتابِ الله مُقَيداً، فهو على تقييده إلَّا أن يَدُلَّ دليلٌ على التسوية بينهُ وبين ما قُيدَ منهُ، وإذا وردَ مُطْلَقاً، فإنْ وُجِدَ دليل يقيدُه، وجبَ تقييدُه، وإلَّا فهو على إِطْلاقِهِ، وما جازَ أن يُخَصَّ بِه العامُّ، جازَ أن يُقَيَّدَ بهِ المُطْلَقُ (3).

لكنْ بقيَ هنا نوعٌ آخَرُ من التَّخْصيص، ويعبَّرُ عنهُ عندَ الأُصوليين (4) بـ "حَمْل المُطْلَقِ على المُقَيَّدِ"، وهو في الحقيقَةِ غيرُ القِياس.

وحكمُهُ: أنه إذا وردَ أحدُ اللَّفْظَيْنِ مُطْلَقاً؛ والآخرُ مُقَيَّداً، نُظِرَ فيهِ:

فإنْ كانَ الحُكْمُ مُختلِفًا، لم يُحْمَلْ أحدُهما على الآخَرِ، مثلُ إيجابِ اللهِ -تعالى- غَسْلَ الأعضاءِ (5) الأربعةِ في الوُضوءِ، وتركِهِ لذكرِ الرأسِ والرِّجْلَيْنِ في التَّيَمُمِ، فلا يُحْمَلُ أحدُهما على الآخَرِ (6).

(1) هو ذو الرمة، ورواية البيت:

لها أذن حشر وذفرى أسيلة

وخد كمرآة الغريبة أسجح

(2)

انظر: "الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (1/ 434).

(3)

انظر: "الإحكام" للآمدي (2/ 3/ 6)، و"بيان المختصر" للأصفهاني (2/ 587)، و"المحلي مع حاشية البناني"(2/ 48)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: 167).

(4)

في "ب": "عنه الأصوليون".

(5)

"الأعضاء" ليست في "أ".

(6)

وهو متفق عليه بين العلماء. انظر: "المحصول" للرازي (3/ 141)، و"الإحكام" =

ص: 64

فإنْ كانَ ذلكَ في حكمٍ واحدٍ، وسببٍ واحدٍ، حُمِلَ المطلَقُ على المقيَّدِ بالاتفاق (1)، وذلكَ كتقييدِ اللهِ تعالى العدالةَ في شُهودِ الطَّلاقِ (2) والوَصية (3)، وإطلاقِها في البيع (4)، فالعدالةُ شرطٌ في الجميع (5).

وإنْ كانا في حكمٍ واحدٍ وسببينِ مختلفَيْنِ، نُظِرَ في المقيدِ:

فإن عارضَهُ مقيَّدٌ آخَرُ في ذلكَ الحُكْمِ، لم يُحْمَلِ المُطْلَقُ على المقيَّدِ في واحدٍ منهما؛ إذْ ليسَ أحدُهما أولى منَ الآخَرِ، وذلك مثلُ الصَّومِ في الظِّهارِ، قيده بالتَّتَابُعِ (6)، وفي المُتَمَتِّع (7) قَيَّدَهُ بالتفريقِ (8)، وأطلقَهُ في كَفّارة اليَمين (9)، فلا يُحملُ المطلَقُ في اليمينِ على واحدة منهما.

وكذلكَ إذا تجاذبَ المُطْلَقَ ثلاثُ تقييداتٍ؛ كما ورد في نجاسَةِ الكلب، قيدهُ في رواية: بالأُولى، فقال:"أُولاهُنَّ بالتُّرابٍ"(10)، وفي

= للآمدي (2/ 3/ 6)، و"بيان المختصر" للأصفهاني (2/ 588)، و "نهاية السول" للإسنوي (1/ 550)، و"الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (1/ 428).

(1)

انظر: "الأحكام" للآمدي (2/ 3/ 7)، و"نهاية السول" للإسنوي (1/ 550)، و"البحر المحيط" للزركشي (3/ 417)، و"الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (1/ 428)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: 164).

(2)

في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2].

(3)

في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة: 106].

(4)

في قوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} [البقرة: 282].

(5)

لأن الحكم واحد وهو الإشهاد، والسبب واحد وهو ضبط الحقوق، والله أعلم.

(6)

في قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [المجادلة: 4].

(7)

في "ب": "التمتع".

(8)

في قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196].

(9)

في قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة: 89].

(10)

رواه مسلم (279)، كتاب: الطهارة، باب: حكم ولوغ الكلب. عن أبي هريرة =

ص: 65

رواية: بالأخرى، فقال:"أخْراهُنَّ بالتُّرابِ"(1)، وفي روايِة:"أولاهُنَّ أَوْ أخْراهُنَّ"(2)، وأطلق في روايةٍ فقالَ:"إحْداهُنَّ"(3)، عُمِلَ بهذا المُطْلَقِ، ولم يُحْمَلْ على واحدٍ من المقيداتِ (4)، ولا التفاتَ إلى ما توهَّمه الأسنوي (5) واعتقده في هذه المسألة (6).

= بلفظ: "طهور إناء أحدكم، إذا ولغ فيه الكلب، أن يغسله سبع مرات، أولاهن بالتراب".

(1)

ذكره ابن عبد البر في "التمهيد"(18/ 265) فقال: رواه خلاس عن أبي هريرة.

(2)

رواه الترمذي (91)، كتاب: الطهارة، باب: ما جاء في سؤر الكلب، وقال: حسن صحيح، والإمام الشافعي في "مسنده"(1/ 8)، وأبو عوانة في "مسنده"(542)، وأبو نعيم في "حلية الأولياء"(9/ 158)، والبيهقي في "السنن الكبرى"(1/ 248) عن أبي هريرة.

(3)

رواه النسائي (337، 338)، كتاب: المياه، باب: تعفير الإناء بالتراب من ولوغ الكلب فيه، والنسائي أيضًا في "السنن الكبرى"(69)، وإسحاق بن راهويه في "مسنده"(39)، والبزار في "مسنده"(1/ 287 - مجمع الزوائد)، وابن الجارود في "المنتقى"(52) عن أبي هريرة.

(4)

انظر المسألة في: "المحصول" للرازي (3/ 147)، و"نهاية السول"(1/ 553)، و"التمهيد" كلاهما للإسنوي (ص: 423)، و"البحر المحيط" للزركشي (3/ 426)، و"المحلي مع البناني"(2/ 51).

قلت: وقد اختار المؤلف رحمه الله في كتابه الآخر: "الاستعداد لرتبة الاجتهاد"(1/ 437) وجوب العمل على القيدين معًا إذا أمكن ذلك؛ لما فيه من العمل بالدليلين، وجعله من باب تعارض النصين، وليس من باب تعارض المطلق والمقيد.

(5)

في "أ": "الأسنائي".

(6)

قال في "نهاية السول"(1/ 553): لك أن تقول: ينبغي في هذا المثال أن يبقى التخيير في الأولى والأخرى فقط؛ للمعنى الذي قالوه، وأما ما عداهما، فلا يجوز فيه التعفير؛ لاتفاق القيدين على نفيه من غير معارض. وانظر:"التمهيد" له أيضًا (ص: 424).

ص: 66

وإن لم يعارض المقيَّدَ مقيَّد آخرُ؛ كالرَّقَبَةِ في كَفّارة القَتْل (1)، والرَّقَبةِ في كَفّارةِ الظِّهار (2)، قُيِّدَتْ بالإيمانِ في القَتْلِ، وأُطْلِقَتْ في الظِّهار، حُمِلَ المُطْلَقُ على المُقيَّدِ عندَ الشافعيَّةِ، ولا يُحْمَلُ عليهِ عندَ الحَنَفِيَّةِ (3).

وقد (4) أعرضتُ عن ذكرِ الحُجَجِ والأدلَّةِ هُنا، وفي غيرهِ من المواضِعِ إلا قليلاً؛ لأنَّ قصدي بيانُ تصَرُّف العربِ في لُغَتِها واتِّساع معانيها.

وهذا الكلامُ في الإطلاقِ والتقييد في الحكم المتعلق بخطابَيْنِ.

* وأما الحكمُ المُعَلَّقُ بخطابٍ مقيَّدٍ بصفةٍ من الصفات، أو بشرطٍ من الشروطِ، ففيهِ أيضًا خِلافٌ عندَهُم (5).

- أمّا الحكمُ المعلَّق على الشرطِ، فإنه يدلُّ على أنَّ ما عَداهُ بخلافِهِ عندَ أكثرِ أهلِ العلمِ بشرائطِ الاستدلالِ (6).

(1) في قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: 92].

(2)

في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المجادلة: 3].

(3)

وقد وافق الحنفيةَ أكثرُ المالكية وبعضُ الشافعية. انظر: "التقريب والإرشاد" للباقلاني (3/ 308)، و"المحصول" للرازي (3/ 144)، و"الإحكام" للآمدي (2/ 3/ 7)، و"نهاية السول" للإسنوي (1/ 552)، و"المحلي مع البناني"(2/ 51)، و"الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (1/ 431)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: 165).

(4)

"قد" ليس في "أ".

(5)

وهذا ما يسمى بمفهوم المخالفة.

(6)

التعليق على شرطٍ نوعٌ من أنواع مفهوم المخالفة، وقد قال به أكثر أهل العلم.

انظر: "التقريب والإرشاد" للباقلاني (3/ 363)، و"الإحكام" للآمدي (2/ 3/ 96)، و"روضة الناظر" لابن قدامة (2/ 131)، و"بيان المختصر" للأصفهاني (2/ 641)، و"نهاية السول" للإسنوي (1/ 368)، و"الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (1/ 198).

ص: 67

- وأما المعلق على الصفَةِ، فإنه يدلُّ على أن ما عَدا الموصوفَ بخلافِهِ عندَ الشافعي وجماهيرِ أصحابه وغيرِهم، ولا يدلُّ عندَ كثيرٍ من أهلِ العلمِ (1).

والتحقيقِ ما ذكرهُ بعضُ محققي الشافعيَّةِ (2)، وهو أنَّ الواجبَ على الناظرِ أن يتأملَ مخرجَ الخطابِ وسياقَهُ، وما تقدّمَهُ من القرائنِ والكلام:

فإنْ وجدَ دليلاً يستدلُّ به على الجمعِ بين المسكوتِ عنهُ والمذكورِ، صارَ إليه.

وإنْ لم يجدْ دليلاً، أمضى (3) الحُكْمَ في المذكور على مُقْتَضى الخطابِ، ثم نَظر في حكمِ المسكوتِ عنه على سبيل ما يَنْظُر في الحوادثِ التي تُعْدَمُ (4) فيها النصوص:

فإن وجدَ دليلاً يَجْمَعُ بينَ المذكورِ والمسكوتِ عنه، جمعَ بينَهما في الحكم.

وإنْ وجدَ دليلاً يدلُّ على الفَرْقِ بينهما، فَرَّقَ بينهما (5).

فمثالُ ما دل عليه الدليلُ في مخالفةِ المسكوتِ عنه للمذكور: قولُه:

(1) وهذا ما يسمى مفهوم الصفة. انظر: "اللمع" للشيرازي (ص: 105)، و "المحصول" للرازي (2/ 136)، و"الإحكام" للآمدي (2/ 3/ 80)، و "التمهيد" للإسنوي (ص: 245)، و"الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (1/ 192)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: 180).

(2)

لم أجد من المقصود رغم طول البحث، والله أعلم بحقيقة الحال.

(3)

في "أ": "مضى".

(4)

في "ب": "الذي يقدم".

(5)

انظر: "اللمع" للشيرازي (ص: 45)، و"البرهان في أصول الفقه" للجويني (2/ 807).

ص: 68

"في سائِمَةِ الغَنَمِ زكاةٌ"(1)، فهذا نظرَ فيه الناظرُ، ونظرَ في سائرِ الأموالِ الزَّكاتِيَّةِ، وجدَ الزكاةَ قد عُفي عنها فيما اتُّخذَ للبَذْلَةِ وللعَمَلِ، ولم يكنْ للتَّنْمِيَةِ، عَلِمَ بذلكَ أن ذكرَ السوم شرطٌ؛ لأنَّ المعلوفَةَ يُحْبِطُ علفُها نماءَها.

ومثله أيضًا: قوله صلى الله عليه وسلم: "أيُّما رَجُلٍ باعَ نَخْلا قَدْ أبّرَتْ، فَثَمَرَتُها للبائِعِ، إلا أنْ يَشْتَرِطَ المُبْتاعُ"(2)، فإذا نَظَرَ الناظِرُ، وَوَجَدَ الَّذي لم يُؤَبَّرْ مُسْتكنًّا غيرَ ظاهرٍ، فهو كالجَنينِ في بَطْنِ الجاريةِ، والَّذي أُبِّر غيرُ مُسْتكنٍّ، فهو كظهورِ الجنينِ بالوِلادة، فعلمَ أن الإبّارَ حَدٌّ (3)، وأن الذي لم يُؤَبَّرْ يدخلُ في المبيع (4).

(1) قال الحافظ ابن حجر في "التلخيص الحبير"(2/ 157): "قال ابن الصلاح: أحسب أن قول الفقهاء والأصوليين: "في سائمة الغنم زكاة" اختصار منهم".

وقد ذكر في "الإصابة"(2/ 56): أن ابن قانع رواه في "مسنده" عن حريث العذري هكذا.

قال ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير"(1/ 291): "لا أعرفه هكذا، نعم معناه موجود في حديث أنس: "وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين

".

قلت: وما أشار إليه ابن الملقن قد رواه البخاري (1386)، كتاب: الزكاة، باب: زكاة الغنم، في حديث أنس الطويل.

(2)

رواه البخاري (2090)، كتاب: البيوع، باب: من باع نخلاً قد أُبِّرت، أو أرضًا مزروعة، أو بإجارة، ومسلم (1543)، كتاب: البيوع، باب: من باع نخلًا عليه ثمر، عن عبد الله بن عمر بلفظ: "من باع نخلًا قد أبرت، فثمرتها للبائع

".

يقال: أبو النخل وأبَّره: إذا لقحه. انظر: "أساس البلاغة"(ص: 9)، و"النهاية في غريب الحديث"(1/ 13)، و"لسان العرب" (4/ 4) (مادة: أبر).

(3)

في "أ": "الأبار جذ".

(4)

في "ب": "البيع".

ص: 69

ومثالُ (1) ما دلَّ الدليلُ على إلحاقِ المسكوتِ عنهِ بالمذكورِ: قولُه تَعالى في الصَّيْدِ: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] فإذا نظرَ فيهِ الناظرُ، وجدَ القتلَ إِتْلافاً، ووجدَ (2) الإتلافَ يَسْتَوي فيهِ العَمْدُ والخَطَأُ، استدلَّ بهِ على أن العَمْدَ ليسَ بشَرْطٍ، وإِنَّما هو تعريفٌ لا تقييدٌ.

ومثلُه أيضًا إذا اختلف البَيِّعانِ، والسلْعةُ قائِمَةٌ، تَحالفا وتَرادّا، فإذا نظرَ النَّاظِرُ، وجَدَ البُيوعَ مَتى فُسِخَتْ عُقودُها، رَجَعَ كُلٌّ من المُتبايِعَيْنِ إلى أصلِ مالِهِ، فأخذهُ منْ صاحِبه إنْ كانَ قائِمًا، وإلاّ رجعَ بقيمَتِه إن كانَ فائِتاً، علمَ بذلكَ أَن ذكرَ قيامِ السلْعَةِ ليس بشرط في التحالُفِ والتَّرَادِّ.

وإنما بيَّنا هذا وبسَطَنْاه لتعلَموا أَنَّ المُعْتَمَدَ في هذا الباب هو الاسْتِدْلال والنَّظَرُ.

ويزيدُهُ تأكيدًا ووُضوحاً أَنَّ الحُكْمَ المُعَلَّقَ على إحْدى صِفَتي الشَّيء يكونُ في مَسْكوتهِ ما يساوي منطوقَهُ، وفيهِ ما يُخالِفُهُ.

مثالُ ذلكَ: قولُ اللهِ تبارك وتعالى: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: 23] فاشتراطُ الأَصْلاب يَنْفي تَحريم حلائِلِ أبناء التبنِّي، وأما بَنو البَنينَ، فلم تُفَرِّقِ الأصولُ بينَهم في إرثٍ ولا وِلَايةٍ، فكانوا في معناهُمْ.

وكذلكَ من وَطِئَها الابنُ بملكِ اليمين لم يأتِ ذكرُ الحَلائِلِ لنَفْيِهم.

وكذلك قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ} [الأحزاب: 55] الآية، وقوله تعالى:{وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ} [النور: 31] الآية، فيه وقوعُ الحَرَجِ في إبداءِ الزينة لِمَنْ عدا المذكورين منَ الأجانِب،

(1) في "ب": "ومثل".

(2)

في "ب" زيادة "مثله".

ص: 70

ولم يكنْ فيه نفيٌ لرفع الجُناح في إبدائِها لِقَرابَةِ الرَّضاعِ.

فهذا كُله دليلٌ على هذا الأصلِ الذي أصَّلناه؛ لتعلموه، ولتعتبروا به.

وقد يختلف الفقهاءُ في الأدلَّةِ المؤدّيةِ إلى المُرادِ معَ اتِّفاقِهِمْ على العملِ بالنظر والاجتهاد.

* واعلموا أن العربَ قد تَخُصُّ بالذكرِ شيئًا لأسبابٍ ومَقاصِدَ، وهو وغيرهُ سواءٌ، ووردَ في القرآنِ والسُّنَّةِ من ذلك أنواعٌ (1):

أحدُها: أن يكونَ الشيءُ جواباً لسؤالِ سائلٍ سألَ بكلامٍ مَخْصوصٍ بإحْدى صِفَتَيِ الاسمِ، فيحصلُ الجوابُ على وَفْقِ سؤالِهِ، وعلى هذا تحملُ الشافعيةُ قوله صلى الله عليه وسلم:"لا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ والرَّضْعَتانِ"(2).

الثاني: أن يَخُصَّهُ بالذِّكْرِ لأجلِ التَّفْضيلِ والتَّعْظيم، ومنهُ قولُ اللهِ تبارك وتعالى:{مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] ومنهُ قوله صلى الله عليه وسلم: "والزِّنا بِحَليلَةِ الجار"(3)، ومنه:

(1) يعني: أن ذلك القيد المذكور لا يفيد نفي الحكم عما سوى ذلك القيد؛ لأنه خرج لمقصد معين، وعند ذلك لا يعمل بمفهوم المخالفة.

انظر ذلك في: "البرهان" للجويني (1/ 474)، و"الإحكام" للآمدي (2/ 3/ 109)، و"بيان المختصر" للأصفهاني (2/ 629)، و"المسودة في أصول الفقه" لآل تيمية (2/ 700)، و"نهاية السول" للإسنوي (1/ 364)، و"البحر المحيط" للزركشي (4/ 19)، و"المحلي مع البناني"(2/ 245)، و"إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: 179).

(2)

رواه مسلم (1451)، كتاب: الرضاع، باب: في المصة والمصتان، عن أم الفضل.

(3)

رواه البخاري (4207)، كتاب: التفسير، باب: قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} ، ومسلم (86)، كتاب الإيمان، باب: كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمها بعده، من حديث عبد الله بن مسعود، بلفظ: سألت =

ص: 71

{فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (1)[البقرة: 197].

الثالث: أن يُخَصَّ بالذكْرِ لكونهِ الغالبَ عليه؛ كقولِ الله تبارك وتعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء: 23]؛ إذِ الغالبُ على الربيبَةِ (2) كونُها في حِجْر زَوْجِ أُمِّها. ومثلهُ (3) قولهُ -تَعالى-: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا} [المائدة: 95]؛ إذِ الغالبُ أن القتلَ إنما يكون عن عَمد.

الرابع: أن يُخَصَّ بالذكرِ لكونهِ مَحَلًّا صالحًا للمذكور، كقوله تعالى:{لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا} [يس: 70] فخُصَّ الحَيُّ لِصَلاحيتِهِ لِقَبولِ النِّذارَةِ.

ومثلُه قولُه تعالى: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشَاهَا} [النازعات: 45].

* * *

= النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم عند الله؟ قال: "أن تجعل لله ندًّا وهو خلقك .... "

قلت: ثم أي؟ قال: "أن تزاني حليلة جارك".

(1)

سقطت الآية في "ب".

(2)

الربيبة: بنت الزوجة "القاموس"، (مادة: ربب) (ص: 82).

(3)

"ومثله" ليس في "ب".

ص: 72