الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثَّاني في أقسام النسخ والناسخ والمنسوخ
أمَّا النَّسْخُ فإنَّه على ضَرْبَينِ:
أحدُهما: أن تنُسخ الآيةُ وتُرفَعَ، ولا يُعْرَفَ لها ناسِخٌ منَ الكِتابِ، وذلكَ لا يُعْرَفُ إلَّا من طَريقِ الأخبارِ؛ كما رُوِيَ أنَّه كانتْ سورةُ الأحزابِ تعدلُ سورةَ (البقرةِ)(1)، وأنهُ نزلَتْ سورةٌ نَحْوٌ من (براءة)(2)، ثم رُفِعَ ذلكَ، ونُسِخَ حِفْظُهُ منَ الصدورِ، وهذا النسخُ يدخُلُ الأحكامَ والأخبارَ والقَصَصَ والصِّفاتِ والأسماءَ، فللهِ سبحانَه أن ينسخَ ذلكَ كُلَّهُ بإزالَةِ حِفْظِه، ويفعلَ ما يشاءُ (3).
الثَّاني: أن تُنْسَخَ الآيةُ، ويُعْرَفَ ناسِخُها.
* وأمَّا الناسخ: فعلى ضَرْبين:
أحدُهما: أن ينسخَ حُكْماً إلى حُكْمٍ؛ كنسخِ العَفْوِ والصَّفْحِ عن المشركينَ إلى وجوبِ قِتالهم (4)، وكنسخِ المُصابَرَةِ من العَشَرَةِ إلى الاثنينِ (5).
(1) رواه النَّسائيّ في "السنن الكبرى"(7150)، وابن حبان في "صحيحه"(4429)، والطبراني في "المعجم الأوسط"(4352)، وابن حزم في "المحلى"(11/ 234)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة"(1164)، عن أُبيِّ بن كعب.
(2)
رواه مسلم (1050)، كتاب: الزكاة، باب: لو أنَّ لابن آدم واديين، لابتغى ثالثاً، والطحاوي في "شرح مشكل الآثار"(5/ 275)، والبيهقيّ في "دلائل النبوة"(7/ 156).
(3)
انظر: "شرح مشكل الآثار" للطحاوي (5/ 271)، و "نواسخ القرآن" لابن الجوزي (ص: 33).
(4)
انظر: "المصفى بأكف أهل الرسوخ"(ص: 3639)، و "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" (ص: 34)، و "قلائد المرجان" (ص: 110).
(5)
انظر: "المصفى بأكف أهل الرسوخ"(ص: 37)، و "ناسخ القرآن العزيز =
والثاني: أنْ يَنْسَخَ حُكْمًا إلى غيرِ حُكْمٍ؛ تَخْفيفاً ورِفْقاً بالعباد، وذلكَ كنسخِ قِيامِ الليلِ (1).
* وأمَّا المنسوخُ: فعلى أربعةِ أقسامٍ (2):
الأول: ما نُسِخَ حكمُه وبقيَ رسمُه؛ كآية العِدَّةِ (3) حَولاً كامِلاً (4)، وآيةِ الصَّفْحِ والإعراضِ، وآيةِ المُصابَرَة للعَشَرَةِ إلى الاثنينِ (5)؛ خلافًا لشذوذٍ منَ النَّاس (6)، وهذا أكثرُ المنسوخِ (7).
والثاني: ما نُسخَ (8) رسمُه، فلا (9) يُتلى على أنَّه قرآنٌ، لكنْ بقيَ حُكْمُه
= ومنسوخه، (ص: 35)، و "قلائد المرجان" (ص: 113).
(1)
قلت: أي: نسخ فرضية قيام الليل إلى استحبابه، وعلى هذا لا يصح التمثيل به، فهو ليس نسخاً إلى غير حكم، بل إلى حكم أدنى، والمثال الصَّحيح هو: نسخ تقديم الصدقة بين يدي مناجاة الرسول صلى الله عليه وسلم.
(2)
انظر هذا المبحث في المصادر التالية: "اللمع" للشيرازي (ص: 124)، و "نواسخ القرآن" (ص: 33)، و "المحصول" للرازي (3/ 322)، و "نهاية السول" للإسنوي (1/ 599)، و "البحر المحيط" للزركشي (4/ 103)، و "الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (2/ 779)، و "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: 189).
(3)
في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: 240].
(4)
انظر: "المصفى بأكف أهل الرسوخ"(ص: 21)، و "ناسخ القرآن العزيز ومنسوخه" (ص: 27)، و "قلائد المرجان" (ص: 84).
(5)
في قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ ...... يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ} [الأنفال: 65].
(6)
نسبه الآمدي في "الإحكام"(2/ 3/ 154) إلى طائفة شاذة من المعتزلة.
(7)
قال السيوطي في "الإتقان"(2/ 706): وهذا الضرب هو الذي فيه الكتب المؤلفة، وهو على الحقيقة قليل جداً، وإن أكثر النَّاس من تعداد الآيات فيه.
(8)
في "أ": "ما ينسخ رسمه".
(9)
في "ب": "ولا".
في الدِّين، وحِفْظُهُ في الصُّدورِ؛ كآيةِ الرَّجْمِ، (والشيخُ والشيخةُ إذا زَنَيا فارْجُموهما البتَّةَ نكالاً منَ اللهِ واللهُ عزيزٌ حَكيمٌ)؛ خلافًا لشُذوذٍ من النَّاسِ أيضاً.
الثالث: ما نُسِخَ رَسْمُه وحُكْمُه مَعاً (1)، ولكن بقيَ حفظُه في الصّدور.
وهذا والذي قبلَهُ طريقُهما الأخبارُ، مثائه ما نُقِلَ عن عائِشَةَ رضي الله عنها: أَنَّها قالَتْ: "كانَ فيما نَزَلَ مِنَ القُرآنِ: (عَشْرُ رَضَعاتٍ مَعْلوماتٍ) يُحَرِّمْنَ"(2). قالتْ عائشةُ رضي الله عنها "فَنَسَخَهُنَّ: (خَمْسُ رَضَعاتٍ مَعْلوماتٍ يُحَرِّمْنَ)، فتوفِّيَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وهُنَّ مِمَّا يُقْرَأُ في القُرْآنِ"(3).
الرابعُ: ما نُسِخَ رَسْمُه وحُكْمُه، وزالَ حِفْظُه منَ الصُّدور، وذلكَ كما يُروى من سورة الأحزاب، وهذا أيضاً طريقه الأخبار (4).
(1) في "أ": "ما يجوز نسخ رسمه وحكمه معاً"، وهو خطأ.
(2)
في "أ" زيادة لفظ "تريد: يحرمن"، والصَّواب ما أثبت؛ لموافقته نص الرّواية.
(3)
رواه مسلم (1452)، كتاب: الرضاع، باب: التحريم بخمس رضعات، وفيه: " .. ثم نسخن بخمس معلومات، فتوفي رسول الله
…
".
قال الإمام النووي في "شرح مسلم"(10/ 29): معناه: أن النسخ بخمس رضعات تأخر إنزاله جداً، حتَّى إنه صلى الله عليه وسلم توفي وبعض النَّاس يقرأ:"خمس رضعات" ويجعلها قرآناً متلواً؛ لكونه لم يبلغه النسخ، لقرب عهده، فلما بلغهم النسخ بعد ذلك، رجعوا عن ذلك، وأجمعوا على أن هذا لا يتلى، انتهى.
قلت: وهذا المثال لا يصلح للاستشهاد على ما نسخ رسمه وحكمه معًا؛ لأنَّ حكم الخمس رضعات بقي معمولاً به، فلو أضاف إلى قوله السابق -"ما نسخ رسمه وحكمه معاً"- عبارة:"ونسخ رسمه وبقي حكمه"، لانطبق المثال عليه، والله أعلم. وانظر:"البحر المحيط" للزركشي (4/ 104)، و "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: 189).
(4)
في "أ": "طريقته الأخبار".