الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصلُ الرابُع في ترتيبِ العامِّ على الخاص
(1)
وذلك على ضربين:
أحدُهما: أن يكونَ حُكْمُ الخاص دافِعاً الحكمَ العامَّ، فالعامّ مرتَّبٌ على الخاصِّ؛ لأن العامَّ لا يمكنُ استعمالُه في جميع أفرادِهِ إلا بإبطال الخاصِّ، وذلك لا يجوز، ومثاله آية السرقة، والميراث، وغير ذلكَ ممَّا قَدَّمْتُهُ (2).
الثاني: أن يكون الخاصّ لَا يَدْفَعُ حُكْمَ العامِّ، وإنما خُصَّ بعضُ أفرادِه بالذِّكْر، فهذا لا يُخَصّ بهِ العامّ؛ لأن استعمالَهما مُمْكِنٌ، وليس بينهما تنافٍ، ولا اختلافٌ، وكأنَّ المخصوصَ وردَ فيه خَبَرانِ: خبرٌ يشتملُ عليهِ مع غيرِه، وخبرٌ ينفرِدُ بذكرِه (3).
مثالُ ذلكَ: قولُ الله تبارك وتعالى: {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 241] وقولهُ تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} [البقرة: 237] وقولُه تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ
(1) المراد بالترتيب هنا: هو أن يذكر الخاص، ثم يذكر بعده العام؛ ففي هذه الحال لا يخص العام بذلك الخاص، والله أعلم.
(2)
انظر: (ص:54).
(3)
وذلك لا يوجب التخصيص؛ لأن ذكر بعض أفراد العام الموافق له في الحكم، لا يقتضي التخصيص، بل الأول باقٍ على عمومه؛ لأن المخصِّص لا بد أن يكون منافيًا للعام، وذكر بعض الأفراد ليس بمنافٍ، فذكر الحكم ليس بمخصص.
انظر: "المحصول" للرازي (3/ 129) و"بيان المختصر" للأصفهاني (2/ 581)، و"نهاية السول" للإسنوي (1/ 543)، و"البحر المحيط" للزركشي (3/ 220)، و"الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (1/ 395).
طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا} [البقرة: 236].
فذهبَ بعضُ أهلِ العلمِ إلى أنَّ لكلِّ مطلقة مُتْعَةً، وتمسَّك بعمومِ قوله تعالى:{وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} ، قال: وليسَ في تركِ ذِكْرِ التَّمَتعُّ في المُطَلَّقَةِ المَفْروضِ لَها قبلَ الدُّخولِ بها دليلٌ على أنه لا مُتْعَةَ لَها، بل لها نِصْف الفَرْضِ بهذهِ الآيةِ، ولَها المُتْعَةُ بالأخْرى، وتخصيصُها بالذكر في نصفِ الفرضِ لا يُخْرجها منْ عُمومِ الآية الأخرى. قال: وليسَ في الأمرِ بتمتيع المُطَلَّقَة قيلَ المَسيس -إذا كانَتْ غَيْرَ مَفروض لَها- دليل على أنَّ المُرادَ بالعُموم هؤلاءِ المطلقاتُ دونَ غَيْرِهِن.
وذهبَ بعضُهم إلى أنه لا مُتْعَةَ إلا للتي لم يُفْرَضْ لها إذا طُلِّقَتْ قبلَ المَسيسِ، وجَعلوا الآيةَ فيها مفسِّرةَ للآيةِ العامة.
وذهبَ بعضُهم إلى أن لِكُلّ مطلقةِ متعةً، إلا المفروضَ لها إذا طُلقَتْ قبلَ الدُّخول؛ لأن (1) الله جل جلاله لم يجعلْ لها إلا نِصْفَ المَهرِ، واستدَلُّوا (2) على سقوطِ المُتعةِ بالسكوتِ عن ذِكْر ما تَسْتَحِقُّهُ بالطَّلاقِ، وكأنه قيلَ: لا متعةَ لهَا، وخَصُّوا بها آيةَ المَتاعِ للمُطَلّقات (3).
والأصلُ الصحيحُ أن جميعَ ذلكَ ليسَ بدليلٍ، بل يُنظَرُ في غيرِ ذلكَ من الأدِلَّةِ، فَيُقْضى بهِ لأحَدِ هذه الأقاويل، وأما السكوتُ عن ذكرهِ (4)، فليسَ بدليلٍ، وسنزيدُ ذلك وضوحاً إن شاء اللهُ تَعالى.
* * *
(1) في "ب": "فإن".
(2)
في "ب": "واستدل".
(3)
انظر: "المحلى" لابن حزم (10/ 245)، و"المغني" لابن قدامة (7/ 184).
(4)
في "ب": "ذلك" بدل "ذكره".