الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر المشاكلة:
ن اعتدى فبعدوان يشاكله
…
لحكمة هو فيها خير منتقم
المشاكلة: في اللغة هي المماثلة، والذي تحرر في المصطلح، عند علماء هذا الفن، أن المشاكلة هي ذكر الشيء بغير لفظه، لوقوعه في صحبته، كقوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} 1، فالجزاء عن السيئة في الحقيقة، غير سيئة، والأصل: وجزاء سيئة عقوبة مثلها، ومثله قوله تعالى:{تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} 2 والأصل: تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما عندك، فإن الحق، تعالى وتقدس، لا يستعمل في حقه لفظ النفس، إلا أنها استعملت هنا مشاكلة لما تقدم من لفظ النفس، ومنه قوله تعالى:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ} 3 والأصل: أخذهم بمكرهم، ومنه قوله تعالي:{فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} 4 أي: فعاقبوه، فعدل عن هذا لأجل المشاكلة اللفظية.
وفي الحديث، قوله صلى الله عليه وسلم:"فإن الله لا يمل حتى تملوا". الأصل: فإن الله لا يقطع عنكم فضله حتى تملوا عن مسألته، فوضع لا يمل موضع لا يقطع الثواب، على جهة المشاكلة، وهو مما وقع فيه لفظ المشاكلة أولًا.
ومنه قول عمرو بن كلثوم في معلقته:
ألا لا يجهلن أحد علينا
…
فنجهل فوق جهل الجاهلينا
1 الشورى: 42/ 40.
2 المائدة: 5/ 116.
3 آل عمران: 3/ 54.
4 البقرة: 2/ 194.
أي فنجازيه على جهله، فجعل لفظة نجهل موضع فنجازيه، لأجل المشاكلة. ومثله قول الشاعر، وتلطف ما شاء:
قالو اقترح شيئًا نجد لك طبخه
…
قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
أراد خيطوا، فذكره بلفظ اطبحوا، لوقوعه في صحبة طبخه.
قلت: قد تقرر أن هذا النوع، أعني المشاكلة، اللفظية، أن يأتي المتكلم في كلامه باسم من الأسماء المشتركة في موضعين، فتشاكل إحدى المشاكلتين اللفظيتين الأخرى في الخط واللفظ ومفهومها مختلف. ومن إنشادات التبريزي في هذا الباب، قول أبي سعيد المخزومي:
حدق الآجال آجال
…
والهوى للمرء قتال
فلفظة الآجال الأولى: أسراب البقر الوحشية، والثانية: منتهى الأعمار، وبينهما مشاكلة في اللفظ والخط. قال الشيخ زكي الدين بن أبي الأصبع، في كتابه المسمى:"بتحرير التحبير"، هذا الشاهد وأمثاله داخل في باب التجنيس. قلت: قول الشيخ زكي الدين ظاهر ليس في صحته سقم، وهذا البيت الذي أنشده التبريزي من أحسن الشواهد على الجناس التام، ولو اعتمد البديعيون على المشاكلة المعنوية لخلصوا من هذا الاعتراض. وعلى كل تقدير، فالمعارضة تعدّت حكم الالتزام في نظم هذا النوع، أعني المشاكلة اللفظية. وبيت الشيخ صفي الدين في بديعيته، على هذا النوع، قوله عن النبي، صلى الله عليه وسلم:
يجزي إساءة باغيهم بسيئة
…
ولم يكن عاديًا منهم على إرم1
وبيت العميان:
سقاهم الغيث ماء إذ سقى ذهبًا
…
فغير كفيه إن أمحلت لا تشم2
وبيت الشيخ عز الدين:
يجزي بسيئة للضد سيئة
…
معنى مشاكلة من خير منتقم
وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي، صلى الله عليه وسلم:
من اعتدى فبعدوان يشاكله
…
لحكمة هو فيها خير منتقم
1 إرم: مدينة قوم عاد الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم في قوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ} [الفجر: 89/ 7] .
2 شام: طلب.