الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر حسن البيان:
حتى يبث بديعي في محاسنه
…
حسن البيان وأشدو في حجازهم
حسن البيان: قالوا هو عبارة عن الإبانة عما في النفس، بعبارة بليغة بعيدة عن اللبس، إذ المراد منه إخراج المعنى إلى الصورة الواضحة، وإيصاله إلى فهم المخاطب بأسهل الطرق، وقد تكون العبارة عنه تارة من طريق الإيجاز، وطورًا من طريق الإطناب، بحسب ما يقتضيه الحال، وهذا بعينه هو البلاغة وحقيقتها. وفي البيان: الأقبح والأوسط، والأحسن، فالأقبح، كبيان باقل وقد سئل عن ثمن ظبي في يده، فأراد أن يقول أحد عشر، فأدركه العي، حتى فرق أصابعه وأدلع لسانه فأفلت الظبي. ومن هنا يعلم أنه ليس كل إيجاز بلاغة، ولا كل إطالة عيًّا، فإنه لا إيجاز في الأفهام أوجز من بيان باقل؛ لأن المخاطب فهم عنه بمجرد نظرة واحدة. وقد ضرب به المثل بالعي في بيانه. وكان الأحسن أن يقول: أحد عشر. والأوسط: أن يقول: ستة وخمسة، أو عشرة وواحد.
والنور المبين في هذا الباب، بيان القرآن الكريم، كقوله تعالى، وقد أراد أن يحذر من الاغترار بالنعم:{كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ، وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ} 1. وكقوله سبحانه، وتعالى: وقد أراد أن يبين عن الوعد: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} 2، وكقوله سبحانه، وقد أراد أن يبين عن الوعيد: {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ} 3، وكقوله تعالى، في الاحتجاج القاطع للخصم: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ
1 الدخان: 44/ 25.
2 الدخان: 44/ 51.
3 الدخان، 44/ 40.
خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ، قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} 1. كقوله تعالى، وقد أراد أن يبين عن العدل: {وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ} 2، وأمثال هذا الباب كثيرة لمن يتتبعها في القرآن.
ومما جاء من ذلك في الشعر قول أبي العتاهية:
يضطرب الخوف والرجاء إذا
…
حرك موسى القضيب أو فكرا
وكقول الآخر:
له لحظات في خفايا سريرة
…
إذا كرّها فيها عتاب ونائل3
فإن هذين الشاعرين أرادا مدح هذين الممدوحين بالخلافة، ووصفهما بالقدرة المطلقة وعظم المهابة، بعد الله سبحانه وتعالى، فإذا نظر أحدهما نظرة أو حرك القضيب مرة أو أطرق مفكرًا، اضطرب الخوف والرجاء في قلوب الناس، فأبانا عن هذه المعاني بأحسن إبانة.
وبيت الشيخ صفي الدين رحمه الله تعالى:
وعدتني في منامي ما وثقت به
…
مع التقاضي بمدح فيك منتظم
والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم. وبيت الشيخ عز الدين قوله:
حسن البيان بحمد الله بين لي
…
هدي النبي الرضي الواضح اللقم4
وبيت بديعيتي قلت قبله، في السهولة:
يا رب سهل طريقي في زيارته
…
من قبل أن تعتريني شدة الهرم
وقلت بعده، في حسن البيان:
حتى يبث بديعي في محاسنه
…
حسن البيان وأشدو في حجازهم
1 يس: 36/ 78، 79.
2 الأنعام: 6/ 28.
3 كرّها: كرّرها تكرارًا.
4 اللقم: النهج والطريق.