الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر حسن الختام
حسن ابتدائي به أرجو التخلص من
…
نار الجحيم وهذا حسن مختتمي
هذا النوع ذكر ابن أبي الأصبع أنه من مستخرجاته، وهو موجود في كتب غيره بغير هذا الاسم، فإن التيفاشي سماه:"حسن المقطع"، وسماه ابن أبي الأصبع:"حسن الخاتمة". وهذا النوع الذي يجب على الناظم والناثر أن يجعلاه خاتمة لكلامهما، مع أنهما لا بد أن يحسنا فيه غاية الإحسان، فإنه آخر ما يبقى في الأسماع، وربما حفظ من دون سائر الكلام في غالب الأحوال، فلا يحسن السكوت على غيره.
وغاية الغايات، في ذلك، مقاطع الكتاب العزيز في خواتم السور الكريمة. فمن المعجز في ذلك، قوله تعالى:{إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا، وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا، وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا، يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا، بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا، يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ، فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} 1. انظر أيها المتدبر هذه البلاغة المعجزة. فإن السورة الكريمة بدأت بأهوال يوم القيامة، وختمت بقوله تعالى:{فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه، وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} "ومثله" قوله تعالى، في سورة عبس:{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ، وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ، لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ، وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ، ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ، وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ، تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} 2. ومن ذلك قوله تعالى:
1 الزلزلة: 99/ 7، 8.
2 عبس: 80/ 34- 42.
ومن كلام أمير المؤمنين، عليّ بن أبي طالب -كرم الله وجهه- وهو المقدم في فنون البلاغة على بلغاء البدو والحضر، في ختام جواب كتاب كتب به إلى معاوية: ثم ذكرت أن ليس لي ولأصحابي عندك إلا السيف، فلقد أضحكت بعد استعبار، وإني مرقل2 إليك بجحفل من المهاجرين والأنصار، وقد صحبتهم ذرية بدرية، وسيوف هاشمية، عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدك، وما هي من الظالمين ببعيد.
وأجمعوا، بعد ذلك، على أن فواصل المقامات تقوم غالبها مقام المثل السائر، وحسن خواتمها تعقد عليه الخناصر. "وقد عنّ لي" أن أورد هنا مقامة كاملة، فإذا نظر المتأمل إلى براعة استهلالها، وفهم القصد الذي جنح إليه الحريري، عرف مقدار حسم الختام الذي تمت به الفائدة؛ وحسن السكوت عليه. "وقد اخترت المقامة الثالثة عشرة"، وهي الزورائية؛ لأنه ثبت عن القاضي الفاضل أنه شرع في معارضة المقامات، وعارض منها كل فصل بفصل أحسن منه، إلى أن وصل إلى فصل هذه المقامة الذي سيأتي وأنبه عليه في موضعه.
والمقامة الموعود بإيرادها هو قوله: "حكى الحرث بن همام" قال: ندوت3 بضواحي الزوراء، مع مشيخة من الشعراء، لا يعلق لهم مبار بغبار، ولا يجري معهم ممار4 في مضمار، فأفضنا في حديث يفضح الأزهار، إلى أن نصفنا النهار، فلما غاض در الأفكار، وصبت النفوس إلى الأوكار، لمحنا عجوزًا تقبل من البعد، وتحضر إحضار الجرد5، وقد استتلت صبية أنحف من المغازل، وأضعف من الجوازل، فما كذبت إذ رأتنا أن عرتنا، حتى إذا ما حضرتنا، قالت حيا الله المعارف. وإن لم يكن معارف. اعلموا يا مآل الآمل، وثمال الأرامل، أني من سروات القبائل، وسريات العقائل.
"والفصل الذي عجز الفاضل عنه، هو": لم يزل أهلي وبعلي يحلون الصدر، ويسيرون القلب ويمطون الظهر، ويولون اليد. فلما أردى الدهر الأعضاء، وفجع
1 الزمر: 39/ 75.
2 أرقل: أسرع. والجحفل: الجيش الكثير العدد.
3 لم نشرح من هذه المقامة إلا الألفاظ التي لم يشرحها الكاتب إذ إنه يعود إلى شرح ما استعجم من مفرداتها بعد إتمامها.
4 المماري: المجادل المناقش.
5 الجرد من الخيول: السريعة واحدها أجرد.
بالجوارح الأكباد، وانقلب ظهرًا لبطن، نبا الناظر، وجفا الحاجب، وذهبت العين، ونفدت الراحة، وصلد الزند، ووهت اليمين، وبانت المرافق، ولم يبق لنا ثنية ولا ناب.
قلت: وهذا الفصل الذي أحجم القاضي عن معارضته، قلت في معناه، وكتبت إلى سيدنا قاضي القضاة صدر الدين بن الآدمي -نوّر الله ضريحه- رسالة مجسدة، مشتملة على ذلك جيدة، راعيت فيها النظير، لأجل الصدر من الرأس إلى القدم، ولم أخرج فيها عن حسن الختام الذي ما ختمت رسالة بنظيره، والتزمت فيها السجع الذي فر الحريري منه في فصله. "وقد عنّ لي" أن أثبت الرسالة هنا بكمالها، وأرجع إلى ما كنا فيه من حسن الختام في المقامة الحريرية. "والرسالة هي":
يقبل أرضًا بالعلا قد تجسدت
…
بأرواح أهل العلم روضة مشتهى
وهبت بأنفاس العلوم قبولها
…
ولا زال صدر الدين منشرحًا بها
وينهى أن الصدر رأس العلوم، وكم له من فرق دق على الأفهام، وهو كالغرة في جباه الأيام، لا زال المجد له حاجيًا1 مقرونًا بسعده الشامل، ولا برح بعلمه عينًا لوجوه المسائل. فللَّه أهداب معانيه التي هي أسحر من عيون الغزلان، وأمضى من السيوف إذا برزت من الأجفان، وأصداغ فضائله التي هي عاطفة على وجنات الوجود، لأنها كالعوارض الماطرة، وكم أنست عند ذكره من سالفة، وكم لها في قلوب الأعداء من خدود وندى جوده الذي إذا جاءه الشارب وجد عنده شفاه، حلاوة نظمه الذي أنسانا ذكر العذيب وثناياه، وعنق مكارمه التي ألفت من البديع الالتفات؛ وأوصافه التي غدت على خد الدهر شامات، حتى تبدلت سيئاته حسنات. كف عنا تعب الفقر بكرم راحته المتزايد، من غير أن يقال له ساعد، وشهدنا بأن أياديه بحر يفيض بصنائعه. فأشار النيل إلى قبول هذه الشهادة بأصابعه. فللَّه ندى يمينه الذي لم يزل المملوك به في بلاد الشام مكفى، وكم فاض منه قلب النيل وجهد أن يوفيه بالباع والذراع فما وفى. جبلت على محبته القلوب فصار حبه ظاهرًا في كل باطن، وحنت إليه الجوارح لما سارت مناقبه إلى جانب فحركت كل ساكن، ورفع المملوك أدعيته التي هي إن شاء الله تعالى نعيم للبدن الكريم، واعتدال اللطيف ذلك المزاج، وأثنيته التي هي كالمناطق على خصور الحسان وبها لكل قلب ابتهاج، لكن تثاقلت2 عليه أرداف النوى، وأسكنت في وسط لبه الجوى وقده الانقطاع بسيفه الذي زاد في حده، ولكن جار في قده، ولو حصر المملوك
1 حاجيًا: ملازمًا وسابقًا.
2 تثاقلت: أصبحت ثقيلة. وفي النسخة المطبوعة: "تناقلت" بالنون وما أثبتناه هو الصحيح. كما هو ظاهر.
ما ساق إليه البعد من الاشتياق إلى تقبيل الأقدام لم تسعه قائمة، وهو يعد القلب بالصبر، ولكن كما ذكر كعب عن مواعيد عرقوب، فنسأل الله حسن الخاتمة.
"رجع" إلى ما كنا فيه من تكملة المقامة الحريرية، والتنبيه على حسن ختامها. قال بعد الفصل المجسد الذي آخره: ولم يبق لنا ثنية ولا ناب. فمذ اغبرّ العيش الأخضر وازور المحبوب الأصفر، اسود يومي الأبيض، وابيض فودي الأسود، حتى رثى لي العدو الأزرق، فحبذا الموت الأحمر. وتلوى من ترون عينه فراره، وترجمانه اصفراره، قصور بغية أحدهم ثرده1، وقصارى أمنيته برده. وكنت آليت أن لا أبذل الحر إلا للحر، ولو أني مت من الضر، وقد ناجتني القرونة، بأن توجد عندكم المعونة، وآذنتني فراسة الحوباء، بأنكم ينابيع الحباء، فنضر الله امرأ أبر قسمي، وصدق توسمي ونظر إليَّ بعين يقذيها الجمود، ويقذيها الجود. "قال الحرث بن همام": فهمنا لبراعة عبارتها وملح استعارتها، وقلنا لها: قد فتن كلامك، فكيف إلحامك. فقالت: يفجر الصخر ولا فخر، فقلنا لها: إن جعلتنا من رواتك، لم نبخل بمواساتك. فقالت: لأرينكم أولًا شعاري، ثم لأروينّكم أشعاري. فأبرزت ردن درع دريس2 وبرزت عجوز دردبيس، وأنشأت تقول:
أشكو إلى الله اشتكاء المريض
…
جور الزمان المعتدي البغيض
يا قوم إني من أناس غنوا
…
دهرًا وجفن الدهر عنهم غضيض
فخازهم ليس له دافع
…
وصيتهم بين الورى مستفيض
كانوا إذا ما نجعة أعوزت
…
في السنة الشهباء روضًا أريض
تشب للسارين نيرانهم
…
ويطعمون الضيف لحمًا غريض
ما بت جار لهم ساغبًا
…
ولا لروع قال حال الجريض
فغيضت منهم صروف الردى
…
بحار جود لم أخلها تغيض3
وأودعت منهم بطون الثرى
…
أسد التحامي وأساة المريض
فمحملي بعد المطايا المطا
…
وموطني بعد اليقاع الحضيض
وافرخي ما تأتلي تشتكي
…
بؤسًا له في كل يوم وميض4
إذا دعا القانت في ليله
…
مولاه نادوه بدمع يفيض
يا رازق النعاب في عشه
…
وجابر العظم الكسير المهيض
1 الثردة: الخبز المثرود بمرق اللحم: "الثريد" وقد كنى به عن تفاهة الغاية.
2 دريس: بالٍ.
3 غيض: الماء، غار في العمق ومنه قوله تعالى:{وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَاسَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ} . لم أَخَلْها: لم أظنها.
4 إئتلى: ملّ، ما تأتلي ما تنفك. الوميض: الإشارة الخفية أو اللمعان الخفيف.
أتح لنا اللهم من عرضه
…
من دنس اللؤم نقي رحيض
يطفئ نار الجوع عنا ولو
…
بمذقة من جازر أو مخيض1
فهل فتى يكشف ما نابهم
…
ويغنم الشكر الطويل العريض
فوالذي تعنو النواصي له
…
يوم وجوه الجمع سود وبيض2
لولاهم لم تبد لي صفحة
…
ولا تصديت لنظم القريض
"قال الراوي": فوالله لقد صدعت بأبياتها أعشار القلوب، واستخرجت خبايا الجيوب، حتى ماحها من دينه الامتياح، وارتاح لرفدها من لم تخله يرتاح، فلما افعوعم جيبها تبرا، وأولاه كل منا برا تولت يتلوها الأصاغر، وفوها بالشكر فاغر، فاشرأبت الجماعة بعد ممرها إلى سبرها، لتبلو مواقع برها، فكفلت لهم باستنباط السر المرموز، ونهضت أقفو أثر العجوز، حتى انتهت إلى سوق مغتصة بالأنام، مختصة بالزحام، فانغمست في الغمار، وأملست من الصبية الأغمار، ثم عاجت بخلو بال، إلى مسجد خال، فأماطت الجلباب، ونضت النقاب، وأنا ألمحها من خصاص الباب وأرقب ما ستبدي من العجاب، فلما انسرت أهبة الخفر، رأيت محيا أبي زيد قد سفر، فهممت بأن أهجم عليه، لأعنفه على ما أجرى إليه، فاستلقى استلقاء المتمردين، ثم رفع عقيرة المغردين، واندفع ينشد:
يا ليت شعري أدهري
…
أحاط علمًا بقدري
وهل درى كنه غوري
…
في الخدع أم ليس يدري
كم قد قمرت بنيه
…
بحيلتي وبمكري
وكم برزت بعرف
…
عليهم وبنكر
أصطاد قومًا بوعظ
…
وآخرين بشعر
واستفز بخل
…
عقلًا وعقلًا بخمر
وتارة أنا صخر
…
وتارة أخت صخر3
ولو سلكت سبيلًا
…
مألوفة طول عمري
لخاب قدحي وقدحي
…
ودام عسري وخسري
فقل لمن لام هذا
…
عذري فدونك عذري
"قال الحرث بن همام": فلما ظهرت على جلية أمره. وبديعة أمره، وما زخرف في
1 المذقة: الشربة. الجازر: اللبن. المخيض: اللبن الذي سُحب منه الدسم بواسطة المخض.
2 تعنوا: تخضع. النواصي: جمع مفرده ناصية وهي مقدم الشعر من الرأس وكنى بها عن الرأس.
3 صخر: هو ابن عمرو الشريد أخو الخنساء الشاعرة واسمها تماضر بنت عمرو الشريد.
شعره من عذره، علمت أن شيطانه المريد لا يسمع التفنيد1، ولا يفعل إلا ما يريد، فثنيت إلى أصحابي عناني، وأبثثتهم ما أثبته عياني، فوجموا لضيعة الجوائز، وتعاهدوا على محرمة العجائز.
"قلت": قد علمت أيها المتأمل أن هذا المقامة البديعة بنيت على ترهات هذه العجوز، وما زخرفته من الباطل، في نظمها ونثرها، الذي خلب كل منهما القلوب وسلب عقول السامعين إلى أن بالغوا في إكرامها. فلما كشف لهم الغطاء عن جميع ما نمقته، وتحققوا أنه بني على الباطل، كانت الخاتمة، فوجموا لضيعة الجوائز، وتعاهدوا على محرمة العجائز.
والألفاظ المحتاجة إلى الحل، في هذه المقامة، هي قوله: ندوت أي حضرت النادي، والجوازل: فراخ الحمام، واحدها جوزل. وعرتنا قصدتنا: يقال عراه واعتراه. والمعارف: الوجوه. المعارف الثانية: من المعرفة. وثمال القوم: من يقول بأمرهم. وسروات القبائل: السرو: وهو السخاء والمروأة. واحد السروات سراة، لا يجوز أن يكون سراة بالضم، وسريات: جمع سرية، وهي العقيلة السخية. والقلب: هنا قلب العسكر ويمطون الظهر: أي يحملون المنقطع. ويولون اليد: أي النعمة، وأردى: أهلك. والأعضاد: جمع عضد، وهو ما يمسك الشيء ويقويه. والجوارح: هنا الأعضاء التي تجرح. وقوله: وانقلب ظهرًا لبطن: المراد به عكس الحال. ونبا: ارتفع. والحاجب: صاحب الأمير. وصلد الزند: أي لم يور. ووهت: أي ضعفت. واليمين: القوة. والثنية: الناقة التي لها ستة أعوام. والناب: المسنة. واغبرّ العيش: أي تكدر. وازورّ: مال والمحبوب الأصفر: هو الدينار. وفودي: صدغي. والموت الأحمر كناية عن الفقر. والعدو الأزرق الشديد العداوة، والأصل فيه: العطش، وبه فسر قوله تعالى:{وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا} 2 أي عطاشًا. وتلوى تابعي عينه فراره: أي عيانه يغنيك عن اختباره، وفي المثل: إن الجواد عينه فرارة. أي عيانه. وقصارى أمره: أي آخر أمره. وآليت: أي حلفت. وأبذل الحر: أي الوجه. والقرونة: النفس. والحوباء: النفس أيضًا. ونضر: بمعنى حسن. ويقذيها: يلقي فيها القذى. والجمود: الإمساك. ويقذيها الجود: يخرج عنها القذى. والحامك: بمعنى نظمك الشعر. والشعار: الثوب الذي يلي الجسد. والدثار: ما فوقه. والردن: الكم ودردبيس: من أسماء الداهية. والسنة الشهباء:
1 التفنيد: الاحتجاج والمناقشة.
2 طه: 20/ 102.
المجدبة. وتشب: توقد، وغريض: طري. وساغب: جائع. والجريض: العصص والأساة: الأطباء. والمطايا: الإبل. والمطا: الظهر. واليفاع: التل المشرف. والحضيض: القرار من الأرض. تأتلي: تترك. والنعاب: فرخ الغراب. والمهيض: الذي كسر بعد جبر. وأتح: وفق. ورحيض: مغسول. وبمذقة: أي بجرعة. وأعشار القلوب: أي قطع القلوب. وحتى ماحها من دينه الامتياح: أي أعطاها من عادته يعطي. وافعوعم: امتلأ، وفاغر: مفتوح. فاشرأبت: تطلعت. وسبرها: اختبارها. واستنباط: استخراج. والمرموز: المبهم. والغمار: الزحام. والأغمار: البله. وعاجت: عطفت. وأماطت الجلباب: باعدته، وهو الرداء. ونضت: جردت. وخصاص: جمع خصاصة، وهو الثقب في الباب، وكذلك الصبر. وفي الحديث: من نظر إلى قوم من صير باب فقئت عينه. وانسرت: انكشفت. والخفر: الحياء. وسفر: انكشف. وأسفر: أضاء. وأجرى: قصد. واستلقى: رقد على ظهره ورفع رجلًا على رجل. والمغردين: المطربين. والعقيرة: الصوت. وكنه غوري: حقيقة أمري. والخل والخمر: هنا كنايتان عن الخير والشر. وقدحي: سهمي. وقدحي: استخراجي أمره العجيب. والمريد: العاتي. والمرادة: العتو. وجموا: أي سكتوا. ا. هـ. تفسير الألفاظ المحتاجة إلى البيان من هذه المقامة.
"ومن صناعات القاضي الفاضل، في حسن الخواتم، قوله": في حسن خاتمة رسالة كتب بها إلى الديوان العزيز الخليفي، وهو: لا برحت راياته السود سويدات1 قلوب العساكر، وأجنحة الدعاء المحلق إلى السماء من أفق المنابر.
ومثله قوله: لا برحت الأقدار له جنودًا، والجديدان2 يسوقان إليه في أيامهما ولياليهما إماء3 وعبيدًا؟
ومثله قوله: والله تعالى يرده رد السحب الهاطلة إلى الأمكنة الجدوب4، والمغفرة الشاملة إلى مواقع الذنوب، والمسرة إلى مستقرها من مطالع القلوب.
"ومن ذلك" قوله، في ختام جواب كتاب ناصري: ولا زال كالئًا5 للإسلام بسيفه الذي جفنه كجفنه ساهر، ولا أخلى الله منه الدين بقوة منه ولا ناصر.
1 سويدات: جمع مفرده سويداء وهي مركز العواطف من القلب.
2 الجديدان: الليل والنهار سميا بذلك لتجددهما الدائم.
3 الإماء: الخدم من النساء، جمع أَمَة.
4 الجدوب: المقفرة.
5 كالئ: حافظ، حامي.
"ومنه قوله": والله تعالى يغني عن المكاتبات بلقائه، كما أغنى عن بقية الخلق ببقائه.
"ومن ذلك قول العلامة الشهاب محمود في ختام رسالة": والله تعالى يجعل الآمال منوطة به وقد فعل، ويجعله كهفًا للأولياء وقد جعل.
"وصرع" ابن الصاحب أمين الدين مرزمًا، وهو من أصناف الطير الجليل، ومن طيور الواجب، وسأل الشيخ جمال الدين في إنشاء مطالعة إلى الحضرة الشريفة المقدسة الخليفية، يسأل فيها القبول فيما صرعه من الواجب، فأنشأ الشيخ جمال الدين بن نباتة رسالة بديعة، في هذا المعنى، وحسن ختامها أبدع "وهو": والله المسئول سبحانة أن يمتع المملوك في ولاء المواقف المقدسة باتباع طرقه، وأن ينفعه بالانتماء إذا ألزمته الدنيا طائره في يديه، وألزمته الآخرة طائره في عنقه.
"ومن ذلك"، حسن ختام العهد الذي أنشأه القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر، عن السلطان الملك المنصور سيف الدين قلاوون، لولده الملك الأشرف صلاح الدين خليل، "وهو": والله تعالى يجعل استخلافه هذا للمتقين إمامًا، وللمعتدين انفصامًا1، ويطفئ بماء سيوفه نار كل حطب حتى تصبح كما أصبحت نار سميِّه بردًا وسلامًا.
"ومن ذلك"، حسن ختام رسالتي، التي تقدم ذكرها في باب الاقتباس، والمشتملة على الكائنة التي قدرها الله تعالى على دمشق المحروسة، من الحريق وغيره، "وهو": فوصل المملوك إلى البلاد وقد ودّ يومه لو تبدل بالأمس، ولم يسلم له في وقعة الحرب غير الفرس والنفس! فأعاذ الله مولانا وبلاده من هذه القيامة القائمة، وبدأه في الدنيا ببراعة الأمن وفي الآخرة بحسن الخاتمة.
"ومن أبدع الأمثلة، التي ليس لها مثال في حسن الختام، قولي في تقليد بالإشارة الشريفة": والوصايا كثيرة ولكن لا يهدى تمر إلى هجر، فإننا إلى مشورته أحوج من المبتدأ إلى الخبر. والله تعالى يديمه ركنًا لهذا البيت الشريف، الذي تطوف الناس حوله ويُسعى إليه، ولا برح كلامه في المشورة، لفظًا ومعنى، تتم الفائدة به ويحسن السكوت عليه.
"وقلت في خاتمة تقليد بنظر الكسوة": فليباشر ذلك علماؤنا أنه من تقرب إلى الله بخدمة بيوته فقد فاز، ولا بد أن يصير لديباجة هذا البيت بحسن توشيحه دار الطراز، فقد
1 الانفصام: التفريق.
أسعده الله وظهر له في توشيح هذا البيت نظم مفيد، ولا ينكر حسن هذا التوشيح للقاضي السعيد، والله تعالى يكرم مثواه في الآخرة بتشييد هذا البيت وقيام شعاره، ولا زالت أنامل بره تتختم بخواتيم الخبر وتنقل أحاديث المحاسن بفصها في أخباره.
"ومثله قولي": في تقريظ كتبته لأقضى القضاة، ولي الدين القرشي، على كتابه المسمى:"بعمدة المناسك""وهو": والله تعالى يزيد صناعة هذا النسك بهجة على كل ناظم، ويجعله لأعماله الصالحة المقبولة من أحسن الخواتم.
"وتقدم لي بالديار المصرية" بشارة بوضع المقر الأشرف، سيدي موسى ولد المقام الشريف المؤيدي -سقى الله من غيث الرحمة ثراه- من رأس القلم بالحضرة الشريفة جاءت نسيج وحدها، وواسطة عقدها. "منها": حملت به أمه وأبرزته كشمس الحمل1 بهجة ونورًا، وأصبح فؤاد أم موسى فارغًا ولكن ملأ الدنيا سرورًا.
"وتوجهت"، بعد ذلك التاريخ، إلى المقر ثغر الإسكندرية المحروسة في مهم شريف، فورد على نائب الثغر المحروس بشارة شريفة، بمولد سيدي المقر الأشرف الناصري، محمد ولد المقام الشريف المؤيدي -نوّر الله ضريحه- فركب نائب السلطنة الشريفة بالثغر منها، "وهو": أكرم بها صحيفة محمدية أمسى بها كل قلب مأنوسًا، وتلت مسرتها من تقدم قبلها من الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى. فالحمد لله على تواتر هذه التهاني التي أتهم بها كل حادٍ وأنجد، وعمت بركتها بإبراهيم وموسى ومحمد، والله تعالى يوصل أحاديث التهاني المؤيدية ليتسلسل كل حديث بمسنده، ولا برحت الخواطر الشريفة مسرورة بمحمد وحديثه ومولده.
"ومن ذلك"، قولي في ختام تقليد قاضي القضاة ولي الدين العوافي بقضاء قضاة الشافعية، بالديار المصرية والممالك الإسلامية، "وهو": والله تعالى يطلق له أعنة الإقبال، وينيله من نعمه ما لا يخطر قبل وقوعه ببال، ويحلي به جيد الدهر وقد تحلى بعدما ذهب رونقه وزال، كما أحسن له في البداية، أن يحسن إليه في النهاية، حتى يقول الحمد لله على كل حال.
"ومثله" في الحسن، ختام تقليد قاضي القضاة أبي البقاء علم الدين صالح البلقيني، "وهو": والله يرفع علم علمه على كل غاد ورائح، ويجعل كلًّا من عمله وحكمه واسمه الكريم صالِحًا في صالح في صالح.
1 الحمل: منزلة من منازل الشمس أحسن ما تكون فيها نورًا.
"وقد عنَّ لي" أن أختم ما تقدم لي من الأمثلة في حسن الخواتم، بختام كتاب المسك من أقل عبيده، ويود منثور الدر أن ينتظم في سلك عقوده، وذلك أني كتبت للمقر المرحومي الفتحي، فتح الله صاحب دواوين الإنشاء الشريف بالممالك الإسلامية، كان على لسان قاضي القضاة شرف الدين مسعود الشافعي وأعيان طرابلس المحروسة، وقد وصلوا إلى الديار المصرية في البحر قسرًا، مما عاينوه من أهوال تلك المحنة المشهورة، التي قدرها الله تعالى على طرابلس المحروسة. وحسن الختام في القصة المذكورة قولي: والقوم يا نظام الملك قد دهمهم من لم يفرق بين التحليل والتحريم، إلى أن صرحوا بالطلاق، ووقعوا في التغابن، وشمت المنافقون، ومنعوا في الجمعة الصف، ومست فرقتهم الممتحنة في الحشر، ولم يسمع لهم مجادلة، لما فزعوا بالحديد في هذه الواقعة، ولكن منّ الرحمن، وطلع قمر الأمن، ولاحظهم نجم السعد وصعدوا طور النجاة، وكفكفوا ذاريات الدموع، وطردت عنهم العداة إلى قاف، لما دخلوا حجرات مصر، وحظوا من مولانا السلطان بعد سد المذاهب بالفتح1.
"قلت": هذا الختام جعلته خاتمة للأمثلة المنثورة في هذا الباب. وأما الأمثلة الشعرية، فمن المجيدين فيها أبو نواس، حيث قال في خاتمة قصيدة مدح بها الخصيب:
وإني جدير إذ بلغتك بالمنى
…
وأنت بما أملت منك جدير
فإن تولني منك الجميل فأهله
…
وإلا فإني عاذر وشكور
ومنه قول أبي تمام معتذرًا في آخر قصيدة:
فإن يك ذنب عنَّ أو تكُ هفوة
…
على خطإٍ مني فعذري على عمد1
ومنه قول أبي الطيب، في ختام قصيدة:
فلا حطت لك الهيجاء سَرْجًا
…
ولا ذاقت لك الدنيا فراقا2
وقال أبو العلاء، من ختام قصيدة:
ولا تزال بك الدنيا ممتعة
…
بالآل والحال والعلياء والعمر3
1 عنَّ: ظهر وبان.
2 السرج: البردعة توضع على ظهر الحصان ليركب.
3 الآل: الأهل.
وقول الأرجاني في ختام قصيدة:
بقيت ولا أبقى لك الدهر كاشحًا
…
فإنك في هذا الزمان فريد1
عُلاك سوار والممالك معصم
…
وجودك طوق والبرية جيد2
وقول ابن نبيه، في ختام قصيدة أشرفية:
دمتم بني أيوب في نعمة
…
تجوز في التخليد حد الزمان
والله لا زلتم ملوك الورى
…
شرقًا وغربًا وعلى الضمان
وقال شيخ شيوخ حماة، في ختام مديح مظفري:
فلا زلت ذا ملك جديد مؤيد
…
تدين لك الدنيا وتصفو لك الأخرى
ولا زال للأيام طول على الورى
…
وما الطول إلا أن يطيل لك العمرا
وقال ابن سنا الملك، في ختام مديح عادلي:
بقيت حتى يقول الناس قاطبة
…
هذا أبو إلياس أو هذا أبو الخضر3
وقال الشيخ جمال الدين بن نباته رحمه الله في ختام مديح مؤيدي:
فابق عالي المقام داني العطايا
…
قاهر الباس ظاهر الأنباء
يتمنى عدوّك العيش حتى
…
أتمنى له امتداد البقاء
وقال الشيخ برهان الدين القيراطي -رحمه الله تعالى- في ختام مديح نبوي:
يا إمام الهدى عليك الصلاة
…
وسلام في الصبح ثم العشاء
ما صبا في أصائل قلب صب
…
ذكر الملتقى على الصفراء
ومثله قول الشيخ زين الدين عمر بن الوردي، في ختام قصيد نبوي:
صلى عليك الله يا خير الورى
…
ما نار نور من ضريحك في الدجى
ومثلهما قولي، في ختام مديح نبوي، لكن مسك هذا الختام أضوع من ختامهما في المديح النبوي، وهو:
1 الكاشح: المبغض.
2 السوار: ما تتحلى به المرأة في معصمها. والجود: الكرم. والطوق: القلادة تطوق العنق. والجيد: العنق وما يليه من النحر.
3 إلياس والخضر: من أنبياء الله سلامه عليهم.
عسى وقفة أو قعدة لابن حِجة
…
على بابكم يسعى بها وهو مُحرِم
فقد جاء يشكو من ذنوب تعاظمت
…
وقدرك في يوم الشفاعة أعظم
وقد ناله في عنفوان شبابه
…
هموم وسيف الهم للظهر يقصم
وعارضه قد شاب في زمن الصبا
…
عسى بك من ذا العارض الصعب يسلم
فيا وردنا الصافي طيور قلوبنا
…
عليك إذا ما نابها الضيم حُوَّم
وقلت بعده في حسن الختام:
عليك سلام نشره كلما بدا
…
به يتغالى الطيب والمسك يختم
وبيت الشيخ صفي الدين في حسن الختام "هو":
فإن سعدت فمدحي فيك موجبه
…
وإن شقيت فذنبي موجب النقم
وبيت العميان فيه "هو":
لكن وإن طال مدحي لا أفي أبدًا
…
فاجعل العذر والإقرار مختتمي
وبيت الشيخ عز الدين الموصلي قوله:
فجعل له مخلصًا من قبح زلته
…
في حسن مفتتح منه ومختتم
وبيت العميان في حسن الختام أبدع من بيت الشيخ صفي الدين الحلي في حسن ختامه، وموجب ذلك التورية بتسمية النوع، وتمكين القافية في آخر البيت. وبيت الشيخ عز الدين وأبدع من بيت العميان، إذ فيه الترشيح بذكر التخلص والافتتاح والمختتم، ولكن فاته الترتيب، فإنه قدم ذكر التخلص على الافتتاح.
وبيت بديعيتي:
حسن ابتدائي به أرجو التخلص من
…
نار الجحيم وهذا حسن مختتمي
هذا البيت العامر بمدح النبي صلى الله عليه وسلم ختامه مسك، لكونه جاء خاتمة لما وصلت إليه القدرة من الأوصاف النبوية، واجتمع فيه: حسن الابتداء مورى به، مع حسن التخلص، وحسن الختام على الترتيب. ولو قال الشيخ عز الدين في بيته: بحسن مبتدأ، ساعدته التورية بتسمية النوع الذي هو حسن الابتداء.
1 العارض: الأولى: بمعنى الشعر الذي على قفى الرأس بين الأذنين. والثانية: بمعنى ما يعرض له من مرض وأحداث.
قال المؤلف، رحمه الله تعالى: هذا المصنف المبارك، أعني البديعية وشرحها، وإذا ملكه متأدب شرفت نفسه عن النظر في غيره من تذاكر الآداب، فإني ما تركت نوعًا من أنواع البديع إلا أطلقت عنان القلم في ميادين الطروس، مستطردًا إلى استيعاب ما وقع من جيده ورديئه، ونصبت فيه البحث بين المقصرين والمجيدين. بيد أني أقول وبالله المستعان: إن العميان اختصروا جانبًا كبيرًا من البديع، وما أجادوا النظم فيما وقع اختيارهم عليه. والشيخ صفي الدين الحلي أجاد في الغالب، لخلاصه من التورية في تسمية النوع، ولكنه قصَّر في مواضع نبهت عليها في مظانها. والشيخ عز الدين رحمه الله قصّر في غالب بديعيته، لالتزامه بتسمية النوع البديعي ومراعاة التورية. والبحث مقرر مع كل منهم في إجادته وتقصيره، عند إيراد بيته على ذلك النوع الوارد.
وقد تقدم الإطناب في تقرير حسن الابتداء وبراعة الاستهلال، وفي الفرق بينهما، وأوردت في حسن التخلص ما وقع من غريبه وبديعه، وما تقرر من البحث مع المقصر في نظمه، وما يتفرق به شمل مجاميع الأدب وينسى تذاكره، وقد انتهت الغاية بحمد الله إلى حسن الختام. وأوردت فيه ما لا خفيت محاسنه على المتأمل، ولا ضمه صدر كتاب، وأنا أسأل الله سبحانه وتعالى حسن الخاتمة، وببركة الممدوح عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. وقد فرغت من تأليف الكتاب في شهر ذي الحجة الحرام سنة ست وعشرين وثمانمائة، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوَّة إلا بالله العلي العظيم، وسبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وعلى آله وصحبه وسلم.