الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر المواردة:
نما الهام أحداق مسهدة
…
ونومها واردته في سيفوهم1
هذا النوع، أعني المواردة: هو أن يتوارد الشاعران على بيت، أو بعض بيت، بلفظه ومعناه: فإن كان أحدهما أقدم من الآخر وأعلى رتبة في النظم حكم له بالسبق، وإلا فلكل منهما ما نظمه كما جرى لامرئ القيس وطرفة بن العبد في معلقتيهما، وهو قول امرئ القيس:
وقوفًا بها صحبي عليَّ مطيهم
…
يقولون لا تهلك أسى وتجمل
قال طرفة: أسى وتجلد. فلما تنافسا في ذلك وأحضر طرفة بن العبد خطوط أهل بلده في أي يوم نظم هذا البيت، كان اليوم الذي نظما فيه واحدًا. وقد يقع مثل ذلك أو دونه في بيت يخالف وزن البيت الأصلي.
وبيت الشيخ صفي الدين على الواردة قوله:
تهوى الرقاب مواضيهم فتحسبها
…
حديدها كان أغلالًا من القدم
وبيت الشيخ صفي الدين ذكر في شرحه أنه نظم بيتًا من جملة أبيات، وهو:
تهوى مواضيك الرقاب كأنما
…
من قبل كان حديدها أغلالا
ثم ذكر أنه سمع بعد ذلك بيتًا لا يعلم قائله وهو:
تهوى الرقاب مواضيه فتحسبها
…
تود لو أصبحت أغلال من أسرا
فأسقط البيت الذي له، فلما تعددت عليه الأنواع في نظم البديعية، ووصل إلى
1 الأحداق: جمع حدقه وهي استدارة العين. والهام: الجباه.
المواردة، ألجأته الضرورة إلى نظمها، ليكون البيت المنظوم منتظمًا في سلك شواهد بديعيته، بحيث لا تخلو من هذا النوع.
وبيت الشيخ عز الدين في بديعيته قوله:
بيت المدائح تستوفي علاه ولو
…
تواردت في مديح غير منصرم
الشطر الأول من هذا البيت، ذكر الشيخ عز الدين، في شرحه، أنه توارد هو وأبو الطيب المتنبي عليه.
والعميان لم ينظموا هذا النوع في بديعيتهم. ومعنى المواردة في بيت بديعيتي أني كنت مدحت تمر بغاء الأفضلي الشهير بمنطاش، ورياحين الشبيبة غضة، ونشوة الابتداء تحث على دور كاسات الأدب، وكان المشار إليه إذ ذاك كافل المملكة الحموية، بقصيدة رائية سارت ببديع محاسنها الركبان، واحتوت على معان لم أسبق إليها، وتمثلت في غصون نظمها بين يدي شيخي، وهو مولانا قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن على القضامي الحنفي رحمه الله وقد علق بخاطري منها أبيات، فأنشدته في ذلك الوقت ما علق بخاطري، وهو قولي منها:
له مطالعة في الحرب حين يرى
…
دم العدا فوق طرس الأرض قد سطرا
إن راسل القوم أنشا في رسائله
…
سجعات ضرب بها الهامات قد نثرا
كتابه السيف والخطي له قلم
…
والرسل أسهم حتف توضح الخبرا1
إن كان قد نظم الأعدا مكيدتهم
…
فقل لهم إنه من قبلهم شعرا
لأنه ببديع الحسن لف لنا
…
شملًا ولكن لأرقاب العدا نشرا
وخط من فوق ألواح الصدور لهم
…
بابًا من الخوف في أحشائهم وقرا
وصار يكتب بالهندي ويعجم بالـ
…
ـخطي فعل شجاعٍ قد قرا ودرى2
تراه بالرمح بدرًا حاملًا غصنًا
…
وبالتريسة غصنًا حاملًا قمرا3
إن جس عودًا لضرب مال سامعه
…
والخيل يرقصها إن حرك الوترا
وصار4 كلما أنشدته بيتًا من هذه الأبيات يترنم كثيرًا، ويرسم لي بإعادته حتى انتهيت إلى قولي:
1 الخطي: الرمح.
2 الهندي: السيفن ويكتب بالهندي: يفرض بالسيف. يعجم: يزيل الإبهام، ويختبر. قرا: قرأ.
3 التريسة: الترس وهو ما يتقى به السيف.
4 في الأصل: صرت.
كأنما الهام أحداق أضرّ بها
…
سهد وأسيافه في الحرب طيب كرى
فلما سمع هذا البيت لم يترنم كما ترنم للأبيات التي قبله، وقال: أبو الطيب هو أبو عذرة هذا المعنى ولكن أحسنت الاتباع، بقولك: أضر بها سهد، وبقولك في الشطر الثاني: طيب كرى، فإن فيهما زيادتين حسنتين، فالتزمت له بيمين أنني ما ملكت ديوان المتنبي يومًا من الأيام، ولا طالعته عند غيره، وما كنت في ذلك الوقت أطالع غير ديوان الشيخ جمال الدين بن نباتة، وديوان الشيخ صفي الدين الحلي، فتعجب مولانا قاضي القضاة من ذلك وبالغ في الجبر والثناء، ولكني أسقطت البيت من القصيدة، خوفًا من قدح حاسد، فلما وصلت بديعيتي إلى نوع المواردة ألجأت الضرورة إلى نظمه في سلك أنواعها.
وبيت المتنبي الذي حصلت المواردة به قوله:
كأنّ الهام في الهيجا عيون
…
وقد طبعت سيوفك من رقاد1
وبيت بديعيتي:
كأنما الهام أحداق مسهدة
…
ونومها واردته في سيوفهم
والترشيح أيضًا هنا ظاهر في قولي: مسهدة، والترشيح، في تورية المواردة، بتسمية النوع وزيادة المعنى، غير خاف على أهل الأدب.
1 الهام: جمع هامة وهي الجبهة من الإنسان.