الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الترصيع:
نعم ترصع شعري واعتلت هممي
…
وكم ترفع قدري وانجلت غممي
هذا النوع، أعني الترصيع: هو عبارة عن مقابلة كل لفظة من صدر البيت، أو فقرة النثر، بلفظة على وزنها ورويها، وهو مأخوذ من مقابلة ترصيع العقد، ومن أمثلته الشريفة في الكتاب العزيز قوله تعالى:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ} 1 ومثله قوله تعالى: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} 2 ومنه قول الحريري في المقامات: يطبع الأسجاع بجواهر لفظه، ويقرع الأسماع بزواجر وعظه.
وإن كان مع الترصيع زيادة بديع، كطباق أو مقابلة أو جناس، كان ذلك زيادة حسنة. ومن أمثلته الشعرية قول أبي فراس:
وأفعالنا للراغبين كرامة
…
وأموالنا للطالبين نهاب
ومنه قول الشاعر:
فيا يومها كم من مناف منافق
…
ويا ليلها كم من مواف موافق
والمبرز في هذا النوع هو الذي يخلي نظم بيته من الحشو، والحشو فيه عبارة عن تكرار الألفاظ التي ليست من الترصيع، بحيث لا يأتي في صدر بيته بلفظة إلا ولها أخت تقابلها في العجز حتى في العروض والضرب، كقول ابن النبيه:
فحريق جمرة سيفه للمعتدي
…
ورحيق خمرة سيبه للمعتفي3
فهذا البيت وقع الترصيع في جميع ألفاظه فإن المقابلة فيه حاصلة بين حريق
1 الانفطار: 82/ 13، 14.
2الغاشية: 88/ 25، 26.
3 السيب: الكرم والعطاء، المعتفي: طالب المعروف.
ورحيق، وبين جمرة وخمرة، وبين سيفه وسيبه، وبين المعتدي والمعتفي، وأبو فراس بيته خال من ترصيع العروض والضرب. والشاهد الثاني كرر فيه ناظمه حرف النداء، فدخل عليه الحشو.
وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في الترصيع قوله:
من حاسر بغرار العضب ملتحف
…
وسافر بغبار الحرب ملتثم1
صفي الدين فاته في هذا البيت ترصيع العروض والضرب وقد تسامحوا فيهما ولكن الغاية ما قررته في نظم هذا النوع، وأيضًا فإن الشيخ صفي الدين غير عاجز عن ذلك. فإن أتى في بيته بالحشو مع عدم ترصيع العروض والضرب، وناهيك أن العميان تبصروا له ونظموه في بديعيتهم، وهو:
فهجر ربعي لذاك الربع مغتنمي
…
ونثر جمعي لذاك الجمع معتصمي
هذا البيت استشهد به العميان على الترصيع الواقع في جميع ألفاظ البيت، ولكن ذاك في مقابلة ذاك اعتذر عنهما الشيخ شهاب الدين أبو جعفر الشارح، وقال: إن معناهما مختلف، فإن الإشارة الأولى للربع، والثانية للجمع، وعلى كل تقدير فالنظر فيهما مجال.
وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته قوله:
كم رصعوا كلمًا من در لفظهم
…
كم أبدعوا حكمًا في سر علمهم
الشيخ عز الدين رصع، حتى في العروض والضرب، ولكن كرر في بيته لفظة كم. ودخل عليه الحشو وهو من وفى، والكمال لله.
وبيت بديعيتي أقول فيه بعد قولي في بيت التعريض:
نعم ترصع شعري واعتلت هممي
…
وكم ترفع قدري وانجلت غممي
التنبيه على محاسن هذا البيت، كالتنبيه على محاسن بيت ابن النبيه، وفي حقوق هذا النوع في نظمه، وأما الجماعة المذكورون معه، فما منهم إلا من بخسه بعض حقه، لما أدخله في بيته. وقد تميز بيتي على بيت ابن النبيه أيضًا في ترصيع نظمه بزيادة جوهرتين، فإني قابلت فيه خمسة بخمسة، وابن النبيه وبقية القوم قابلوا أربعة بأربعة، والزيادة على ابن النبيه أيضًا في تسمية النوع الذي هو الترصيع، ولعمري إنها تورية ما رصع في العقود نظيرها، وهذا البيت مشتمل على الترصيع، والتورية، والجناس اللاحق، واللزوم، والتمكين، والموازنة، ومراعاة النظير، والسهولة والانسجام، والله أعلم.
1 الحاسر: كاشف الرأس. غرار العضب: حد السيف القاطع. السافر: كاشف الوجه.