الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر التوليد:
ليد نصرتهم يبدو بطلعته
…
ما السبعة الشهب ما توليد رملهم
قلت: هذا النوع أعني، التوليد: ليس تحته كبير أمر، وهو على ضربين من الألفاظ والمعاني، فالذي من الألفاظ تركه أولى من استعماله؛ لأنه سرقة ظاهرة، وما ذاك إلا أن الناظم يستعذب لفظة من شعر غيره، فيقتضبها ويضمنها غير معناها الأول في شعره، كقول امرئ القيس في وصف الفرس:
وقد أغتدي والطير في وكناتها
…
بمنجرد قيد الأوابد هيكل1
فاستعذب أبو تمام قيد الأوابد فنقلها إلى الغزل فقال:
لها منظر قيد الأوابد لم يزل
…
يروح ويغدو في خفارته الحب2
والتوليد من المعاني، هو الأجمل والأستر3، وهو الغرض ههنا، وذلك أن الشاعر ينظر إلى معنى من معاني من تقدمه، ويكون محتاجًا إلى استعماله، في بيت من قصيدة له، فيورده ويولد منه معنى آخر، كقول القطامي:
قد يدرك المتأني بعض حاجته
…
وقد يكون مع المستعجل الزلل4
وقال من بعده، ونقص الألفاظ، وزاد تمثيلًا وتوكيدًا وتذييلًا:
1 الوكنات: جمع وكنة وهي العش والمخبأ. المنجرد: الذي يسهل قيادة قيد الأوابد: يعني أنه لسرعته لا تفلت منه الوحوش. الهيكل: الضخم
2 الخفارة: الحراسة.
3 "الأستر": هكذا وردت ونعتقد أنها: "الأَسْيَر" أي الأكثر وجودًا في النظم.
4 المتأني: المتمهل. الزلل: الخطأ.
فمعنى صدر هذا البيت معنى بين القطامي بكماله، ومعنى عجزه نوع التذييل، وما تقدم ذكره، وهو مولد.
قال ابن أبي الأصبع في "تحرير التحبير": أغرب ما سمعت في التوليد قول بعض العجم:
كأن عذاره في الخد لام
…
ومبسمه الشهي العذب صاد
وطرة شعره ليل بهيم
…
فلا عجب إذا سرق الرقاد1
فإن هذا الشاعر ولد من تشبيه العذار باللام، وتشبيه الفم بالصاد لصًّا، وولد من معناه ومعنى تشبيه الطرة بالليل ذكر سرقة النوم، فحصل في البيت توليد وإغراب وإدماج. وبيت الشيخ صفي الدين الحلي في بديعيته على هذا النوع.
من سبّق لا يرى سوط لها سملا
…
ولا جديد من الأرسان واللجم2
بيت صفي الدين هنا غير صالح للتجريد، وقد تكرر عليه هذا النقد في كثير من الأبيات، فإن بيته لم يظهر له معنى إن لم ينشد البيت الذي قبله، وهذا العيب سماه علماء هذا الفن التضمين، ويأتي الكلام عليه في موضعه، ولكن هو أقبح ما يكون في البديعيات؛ لأن المراد من بيت البديعيات أن يكون بمجرده شاهدًا على النوع المذكور، ليس له تعلق بما قبله ولا بما بعده.
وبيت صفي الدين مولد من قول أبي عبد الله بن الحجاج:
خرقت صفوفهم بأقب نهد
…
مراح السوط متعوب العنان3
والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم. وبيت الشيخ عز الدين:
ما لي بتوليد مدحي في سواه هدى
…
لمعشر شبهوا الهندي بالجلم4
وبيت عز الدين هنا صالح للتجريد، فإن ضميره عائد إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأما قوله:
1 بهيم: شديد السواد.
2 السبق: الخيل السابقة. السوط: الكرباج. سمل: البالي من كثرة استعماله أي هي خيول تسبق دون أن تضرب. اللجم جمع لجام وهو حديدة توضع في فم الخيل ليسهل قيادها والسيطرة عليها.
3 الأقب: من الخيل الضامر. النهد: السريع القفز. مراح السوط: مدهونه وذلك ليصير أشد لسعًا. متعوب العنان: عنانه تعب لسرعته.
4 الهندي: السيف. الجلم: المقص.
لمعشر شبهوا الهندي بالجلم، فإن ذكر في شرحه أنه ولده من قول أبي الطيب المتنبي:
فالعيس أعقل من قوم رأيتهم
…
عما أراه من الإحسان عميانا1
ثم قال في الشرح: ما شبه السيف بالمقص إلا أعمى. قلت: ومن أين لنا أن تشبيه السيف بالجلم مولد من بيت المتنبي، وألفاظها ومعانيها ظاهرة للمتأمل.
وبيت بديعيتي أقول فيه عن النبي، صلى الله عليه وسلم:
توليد نصرتهم يبدو بطلعته
…
ما السبعة الشهب ما توليد رملهم
معنى هذا البيت ولدته من قول أبي تمام:
والنصر من شهب الأرماح لامعة
…
بين الخميس علا في السبعة الشهب2
ولكن ذكر التوليد هنا، وهو اسم النوع البديعي، مع النصرة لا تخفى محاسنه على حذاق الأدب، فإنه التوليد في التوليد، وذكر الرمل هنا توليد آخر، وقد جمعت في صدر هذا البيت وعجزه بين التوليد الذي هو المراد من التورية في تسمية النوع، وبين التذييل بقولي، بعد تتمة الفائدة: ما توليد رملهم، وبين مراعاة النظير، بذكر التوليد والرمل والسبعة الشهب والنصرة، وجمعت بين قسمي التوليد في اللفظ والمعنى، والذي بينهما من توليد المحاسن الظاهرة الزائدة على بيت أبي تمام غير خاف على المتأمل المنصف، والله أعلم.
1 العيس: الإبل جمع أعيس.
2 الخميس: الجيش.