الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الإيضاح:
هذا تزداد إيضاحًا مخافتهم
…
في كل معترك من بطش ربهم
هذا النوع، أعني الإيضاح: هو أن يذكر المتكلم كلامًا في ظاهره لبس، فلا يفهم من أول وهلة، حتى يوضحه في بقية كلامه، كقول الشاعر:
يذكرنيك الخير والشر كله
…
وقيل الخنى والحلم والعلم والجهل1
فألقاك عن مكروهها متنزهًا
…
وألقاك في محبوبها ولك الفضل
معنى البيت الأول ملتبس، وما ذاك إلا أنه يقتضي المدح والذم ولكنه أوضحه بقوله:
فألقاك عن مكروهها متنزهًا
…
وألقاك في محبوبها ولك الفضل
وقد يكون الإيضاح في الوصف الذي لا يتعلق به مدح ولا هجاء، وذلك أن يخبر المتكلم بخبر واحد عن شيء واحد يحصل فيه الإشكال، فيوضح ذلك الإشكال بما يفهم منه كشف اللبس عن الحد الأول، كقول ابن حيوس:
ومقرطق يغني النديم بوجهه
…
عن كأسه الملأى وعن إبريقه2
فعل المدام ولونها ومذاقها
…
في مقلتيه ووجنتيه وريقه
فإنه لو اقتصر على البيت الأول أشكل الأمر من جهة الوجه، فإنه وإن كان حسنًا لا يغني النديم عن الخمر، فأزال اللبس في البيت الثاني وأوضحه، وقد تقدم وتقرر الفرق بين الإيضاح والتفسير.
1 الخنى: القول الفاحش.
2 المقرطق: لابس القرطق وهو ثوب فارسي مزركش.
وبيت الشيخ صفي الدين قوله:
قادوا الشواذب كالأجبال حاملة
…
أمثالها ثبتة في كل مصطدم1
العميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم. وبيت الشيخ عز الدين الموصلي في بديعيته قوله:
للخير والشر إيضاحًا به فبذا
…
أمر وعن ذاك نهيٌ حب نصحهم
والذي أقوله: إن الشيخ عز الدين -غفر الله له- لم يتضح في بيته غير الإشكال.
وبيت بديعيتي تقدم قولي قبله في وصف الصحابة رضي الله عنهم أجمعين- بحسن الاتباع والصبر والإقدام، إلى أن قلت في المواردة:
كأنما الهام أحداق مسهدة
…
ونومها واردته في سيوفهم
ثم إني قلت بعده في الإيضاح:
هذا وتزداد إيضاحًا مخافتهم
…
في كل معترك من بطش ربهم
الإطناب والمبالغة، في وصف الصحابة رضي الله عنهم قد تقدم بالشجاعة التي هي فوق الوصف، فلما قلت في هذا البيت: إن مخافتهم تزداد إيضاحًا في كل معترك، ظهر اللبس فأوضحته بقولي: من بطش ربهم. والتورية بتسمية النوع، الذي هو المطلوب هنا، محاسنها لم تفتقر إلى الإيضاح، والله الموفق.
1 الشواذب: جمع مفرده الشاذب وهو المتنحي عن وطنه. ثبتة: شجاعة. المصطدم: مكان الاصطدام أو ساحة المعركة.