الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر سلامة الاختراع:
وقده باختراع سالم ألف
…
يبدو بترويسه من رأس كل كمي1
هذا النوع، أعني سلامة الاختراع: هو أن يخترع الشاعر معنى لم يسبق إليه، كقول عنترة في وصف الذباب:
وخلا الذباب بها فليس بنازحٍ
…
غردًا كفعل الشارب المترنم
هزجًا يحك ذراعه بذراعه
…
قدْحَ المكب على الزناد الأجذم
هذا المعنى إذا تأمله المتأدب، وتخيله في فكره يجده غريبًا في بابه، فإنه قال: إن هذا الذباب لَمّا خلا بهذه الروضة التي أعاد الضمير إليها في قوله: بها، صار هزجًا مترنّمًا يحك ذراعه بذراعه من الطرب الذي اعتراه، فشبهه عنترة برجل أجذم قاعد يقدح زنادًا بذراعيه، والأجذم المقطوع اليد، والتقدير في البيت قدح الأجذم المكب على الزناد. انتهى.
ومنه قول ابن الرقاع، في تشبيه قرن الخشف:
يزجي أغن كأن إبرة روقه
…
قلم أصاب من الدواة مدادها2
وعدّوا قول ابن الرومي من المخترعات التي لم يسبق إليها، فإنه قال في تشبيه الرقاقة حين يبسطها الخباز:
1 الترويس: الرأس المحدد. والألف: الرمح، وترويسه: سهمه. الكمي: البطل الشجاع.
2 يزجي: يرسل ويحث. الأغن: الذي في صوته غنه. الروق: القرن.
لم أنس بالأمس خبازًا مررت به
…
يدحو الرقاقة وشك اللمح بالبصر1
ما بين رؤيتها في كفه كرة
…
وبين رؤيتها قوراء كالقمر2
إلا بمقدار ما تنداح دائرة
…
في صفحة الماء يرمى فيه بالحجر3
وأجمعوا على أن قول أبي الطيب من الاختراعات التي لم يسبق إليها، وهو قوله:
حلفت وفيًّا إن رُدِدْت إلى الصبا
…
لفارقت شيبي موجع القلب باكيا
قلت: أما أبو الطيب فإنه شن الغارات على معاني المتقدمين كثيرًا، وما خفي ما أورده عليه الحاتمي في الحاتمية، وكان قد عنَّ لي أن أورد، في هذا الشرح المبارك -له ولمن تقدمه ولمن تأخر عنه- جملة مستكثرة مما وقع لهم من معانيهم، من سلامة الاختراع بالنسبة إلى اطلاعي، وخفت أن يقع اختياري على معنى أعده لصاحبه من سلامة الاختراع، فيأتي من تبحر في اطلاعه على معنى له لغيره ممن تقدمه، فأضربت عن ذلك وجنحت إلى ذكر ما وقع لي في نظمي، من سلامة الاختراع التي لم أسبق إليها، ولا حام طائر فكر غيري عليها، فمن ذلك قولي من قصيدة رائية:
وحمرة الخد أبدت خيط عارضه
…
فخلت كأس مدام وهو مشعور4
ومذ بدت نسمات الثغر باردة
…
بدا بإغضاء ذاك الجفن تكسير
وقلت منها في وصف القلم:
له يراع سعيد في تقلبه
…
إن خط خطًّا أطاعته المقادير
ومنها:
وأشقر يده البيضاء غرته
…
له إلى الرزق فوق الطرس تيسير5
بل أسمر عينه السوداء يلحظها
…
وهدب أجفانها تلك المشاعير6
1 يدحو: يدوّر. الرقاقة: الرغيف ويروى: ما أنسى لا أنسى خبازًا مررت به.
2 قوراء: لم تستكمل دورتها بعد.
3 انداح: استدار.
4 مشعور: مكسور دون انفصال أجزائه وتبعثرها.
5 الطرس: ما يكتب عليه.
6 المشاعير: الخطوط الدقيقة.
ومثله قولي من القصيدة:
كذا محابره سود العيون فإن
…
دنت أياديه فهي الأعين الحور
ومنه قولي من قصيدة ميمية:
حين قابلت خده بدموعي
…
أثرت خلت ثوب خز منمنم1
ومنه قولي في وصف حماة من قصيدة طائية:
ينظم بالشطين دور ثمارها
…
عقودًا لها العاصي رأيناه كالسمط2
وقد مد ذاك النهر ساقًا مدملجًا
…
وراح بنقش النبت يمشي على بسط3
لوينا خلاخيل النواعير فالتوت
…
وأبدت لنا دورًا على ساقة الشط
وقلت من قصيدة أخرى:
وعاص رحيب الصدر قد خر طائعًا
…
ودولابه كالقلب يخفق في الصدر
وقلت من قصيدة أخرى:
وهززت فيه كل عود أراكةٍ
…
أضحى بهاتيك الثغور مطيبا
والمعنى المخترع قولي بعده:
ودخلت كل خباء زهر قد غدا
…
بدموع أجفان الغمام مطنبا4
ومن اختراعاتي التي لم أسبق إليها، وسارت الركبان بها قولي في المدائح المؤيدية:
فرج على الملجون نظم عسكرا
…
وأطاعه في النظم بحر وافر5
فانبت منه زحافه في وقعة
…
يا من بأحوال الوقائع شاعر6
وجميع هاتيك البغاة بأسرهم
…
دارت عليهم من سطاك دوائر
والمعنى المخترع فيها قولي:
وعلى ظهور الخيل ماتوا خيفة
…
فكأن هاتيك السروج مقابر
1 الخز: الحرير. المنمنم: المزركش.
2 العاصي: نهر العاصي وهو نهر ينبع من لبنان ويصب في سوريا. السمط: العقد.
3 المدملج: الذي يلبس الدملج وهو من الأساور والحلى.
4 مطنبًا: مرفوعًا أو مشدودًا بالطنب وهي حبال وأعمدة الخيمة.
5 الملجون: الورق اللزج.
6 انبت: انقطع. الزحاف: في المصطلح العروضي تغيير يلحق ثاني السبب من التفعيلة.
ومنها في سلامة الاختراع قولي:
وإذا مددت يراع رمحك ماله
…
إلا قلوب الدارعين محابر1
ونعال خيلك كالعيون ومالها
…
إلا جماجم من قتلت محاجر
ومنه قولي متغزلًا في مليح مشطوب:
بالصدع أبدى شطبة
…
من شكله محوّط2
سألته عن أمرها
…
فقال زاد اللغط3
قلتم بدا لي عارض
…
مشكل منقط
جئت شطبت فوقه
…
وقلت هذا غلط
ولي من قصيدة بديعة مشتملة على وصف متنزهات حماة المحروسة:
والنبت يضبطها بشكل معرب
…
لما يزيد الطير في التلحين4
والمعنى المخترع قولي بعده:
والغصن يحكي النون في ميلانه
…
وخياله في الماء كالتنوين
وقلت في مطلع قصيدة:
ألف القد مدها لي بعزه
…
وعليها من عطفة الصدغ همزه
وقلت من قصيدة فائية:
وعارضه في الوضع لامٌ وصِدغه
…
إذا مدها من فوقه تتكوف5
ولعمري، إن الشرح قد طال، ولولا خشية الإطالة لذكرت من هذا الباب قدرًا وافيًا، بالنسبة إلى ما أدى إليه اجتهادي، وقلت: إني مخترعه، وبشهادة الله إني ما تطفلت بالنسبة إلى علمي على معنى لغيري، اللهم إلا أن تكون أحكام المواردة قد حكمت عليّ فالحكم لله العلي الكبير.
1 الدارعين: لابسي الدروع. المحابر: جمع محبرة وهي الدواة.
2 الشطبة: أثر الجرح. محوّط: مرقيّ بالرقي لإبعاد الضرر عنه.
3 اللغط: القيل والقال.
4 التلحين: من الألحان بمعنى الزقزقة والتغريد ومن اللحن وهو الخطأ اللغوي وكذلك: معرب: مبين واضح وحسب قواعد الإعراب.
5 تتكوّف: تتجمع وتستدير.
وبيت الشيخ صفي الدين في بديعيته على سلامة الاخترع قوله:
كادت حوافرها تدمي جحافلها
…
حتى تشابهت الأحجال بالرثم1
جحفلة الفرس شفته العليا، والرثم بياض شفتيه، وكأنه يقول: إن هذه الفرس لسرعة جريانها اتصلت أحجالها إلى شفتها فتشابها في البياض.
والعميان ما نظموا هذا النوع في بديعيتهم. وبيت الشيخ عز الدين الموصلي، رحمه الله في بديعيته قوله:
سلامة لاختراعي في علا هممي
…
اسمي وفعلي كحرف عند رسمهم
وقال في الشرح: اسمي علا، وفعلي علا، والحرف المشبه بهما على هذا المعنى على الذي هو معدود من حروف الجر، قلت: لو ألحق الشيخ عز الدين ما قاله هنا بالألغاز لكان أقرب وأليق، فإن سلامة الاختراع وغرابة المعنى عنه بمعزل.
وبيت بديعيتي تقدمه قولي في الألغاز بالرمح بقولي:
وكلما ألغزوه حله لسن
…
مذ طال تعقيده أزرى بفهمهم
ولم أخرج عن الرمح بل قلت مخترعًا فيه اختراعًا بعد من المرقص والمطرب، بعد بيت الألغاز، وهو:
وقده باختراع سالم ألف
…
يبدو بترويسه من رأس كل كمي2
تقدم قولي: أنه كان عنّ لي أن أورد هنا، من سلامة الاختراع للمتقدمين والمتأخرين، جمل مستكثرة ولم يصدني عن ذلك إلا الخيفة ممن تبحر علي في المطالعة، فيورد ما أثبت من المعنى المخترع لزيد، أنه مسبوق إليه من عمرو، فأردت أن أخلص من هذا الاعتراض، وأورد هنا نبذة من مخترعات ابن حجاج، فإنه منوال ما نسج عليه غيره، وقد تقدم قول الشيخ جمال الدين بن نباتة في ديباجة كتابه المسمى:"بتلطيف المزاج من شعر ابن الحجاج"، وأما أشعار أبي عبد الله الحسيني بن حجاج، فإنه أمة غريبة تبعث وحدها، وذرية تبلغ بإتقان اللهو رشدها، فمن ذلك قوله:
يا ديمة الصفع صبي
…
على قفا المتنبي
1 الجحفلة: شفة الحيوان ذي الحافر. الأحجال: مفردها حجل وهو بياض يكون في قوائم الخيل. الرثم: بياض الشفة عند الخيل.
2 الألف: الرمح. الترويس: السهم. الكمي: البطل الشجاع.
وأنت يا ريح بطني
…
على عذاريه هبي
ويا قفاه تقدم واقعد
…
قليلًا بجنبي
وإن صفعتك ألفا
…
فلا تقولن حسبي
وقد تعشقت معنى
…
طرطورك المتعبي1
يا لحية هي عن أهـ
…
ـل شيخنا النذل تنبي
قومي ادخلي جوف بطني
…
فقد وقعت بقلبي
وأنت عندي مكان
…
السواد من عين صلبي
ومنه قوله:
كأنما باب سور مبعرها
…
عنقود كرم مزبب العنب2
كأنما الأير فوق عصعصها
…
راكب حمارة على قتب
ومنه قوله:
جارية قد سمطت فيشتي
…
بوهج حمى سرمها الصالب3
أخذت في الليل مجس استها الـ
…
ـحامي وقد نامت إلى جانبي
أوجب إخراج دم فاسد
…
من عين قيفال استها الضارب4
لبظرها الأسود دنية
…
تصلح للقاضي أبي السائب
خطبت بالأمس عليها استها
…
فأنعمت للخاطب الراغب
وبات أيري رافضي الخصى
…
يعطي قفا مبعرها الناصب
وقال أيضًا:
قوموا افتحوا باب سرمها ولجوا
…
فكل عضو من استها شرج
قوموا فعين استها لرؤيتكم
…
بالليل فوق الفراش تختلج
إن لم يسعكم ممر عصعصها
…
فثم بالطول تحته أزج
وفي استها خاتم للولبه
…
طوق محلى وفصه سبج5
إذا الخصي صافح استها خريت
…
تحتي وبالبيض تعمل العجج
وقال أيضًا:
بأبي من تمكنت من فؤادي
…
فأنا الدهر كله في اجتهاد
قدها في القياس من قوم يأجو
…
ج ولكن بظرها قوم عاد
1 الطرطور: من حلى النساء: قلنسوة دقيقة طويلة ويقال: طنطور بالنون.
2 المبعر: مكان خروج البعر والبعر هو فضلات الحيوانات أو روثها.
3 الفيشة: الحشفة من الأير. السرم: طرف المعي الغليظ أو مكان خروج البراز. الصالب: الحمى الشديدة الحرارة.
4 القيفال: وريد في الجانب الوحشي من العضد.
5 السبج: خرز أسود.
وقفت لي فبستها من قعود
…
بوسة بردت غليل فؤادي1
ولها شعرة ولا زبد البحـ
…
ـر بياضًا وعصعص كالمداد
وحر أشمط العذارين الحي
…
فيه سمت النساك والعباد
بظرها فوقه كدنية الحا
…
كم يوم انحداره في السواد
ما توهمته وحقك إلا
…
بعض أصحابنا بني حماد
يوم حاملتها فلما أحست
…
في خراها بمثل شرط الفصاد2
جذبت لحيتي وقالت أيا شيخ
…
ترى أنت كافر بالمعاد
أنت ممن يبغي خلافًا على الله
…
ويسعى في أرضه بالفساد
قلت كفي إنا وجدنا على هـ
…
ـذا أيور الآباء والأجداد
عرفيني وخبريني متى كا
…
نت سيوف الخصي بلا أغماد
ومن غاياته في هذا الباب قوله:
مولاي يدعوك شيخ لا وقار له
…
حتى القيامة سكران ومخمور
ما فيه للشيب إكرام فيزجره
…
عن الخمور ولا للسن توقير
يقول بالأمرد المصقول عارضه
…
مقسمًا فيه تأنيث وتذكير
وبالفتاة التي تنور مدخلها
…
بعد العشا لشوى الخصيان مسجور3
وبالعجوز التي في أصل عنبلها
…
غداة بعث المخاصي ينفخ الصور
زبال زرع استها يسقى بدالية
…
وبظرها واقف في الزرع ناطور4
لها حر أشمط قد شاب مفرقه
…
عليه بظر طويل فيه تدوير
كأنه شاعر قد جاء من حلب
…
شيخ على رأسه المحلوق طرطور5
هذا الاستطراد في البيت الأخير استطرد فيه إلى أبي الطيب، وهو في غاية اللطف والظرف، وقد تقدمت إشارته إلى طرطوره في الأبيات المتقدمة البائية، ومن اختراعاته في هذا الباب قوله:
أحب من الكس تقبيله
…
إذا كان في شفتيه لعس6
1 البوسة: القبلة:
2 الشرط: البضع والجرح. الفصاد: عملية إخراج الدم الفاسد من العروق.
3 مسجور: محميّ.
4 الزبال: ما تحمله النملة. الدالية: الناعورة. البظر: نتوء في فرج المرأة.
5 الطرطور: القلنسوة.
6 الكس: فرج المرأة. اللعس: سواد مستحسن في باطن الشفة.
ويعجبني منه أني إذا
…
نقرت أنفه بقمدي عطس1
وواسعة السرم تشكو استها
…
إذا مسها النيك ضيق النفس
فتاة لدرب إستها حارس
…
يعلق من خصيتيه جرس
ويعجبني قوله من قصيدة:
في إستها سدرة إذا نفضوها
…
جمعوا لي من تحتها كف نبق2
وهو نبق بلا نوى أسود اللو
…
ن إذا لكته تحمض شدقي3
1 القمد: الطويل الضخم العنق.
2 النبق: ثمرة شجر الدر أو دقيق يخرج من لب جذع النخلة.
3 لاك: مضغ.