الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر الإدماج
قد عز إدماج شوقي والدموع لها
…
على بهار خدودي صبغة العنم1
هذا النوع، أعني الإدماج: هو أن يدمج المتكلم غرضًا له في ضمن معنى قد نحاه من جملة المعاني، ليوهم السامع أنه لم يقصده، وإنما عرض في كلامه لتتمة معناه الذي قصده، كقول عبد الله بن عبيد الله لعبد الله بن سليمان بن وهب، حين وَزِر للمعتمد، وكان ابن عبيد الله قد اختلّت حاله فكتب لابن سليمان:
أبي دهرنا إسعافنا في نفوسنا
…
وأسعفنا في من نحب ونكرم
فقلت له نعماك فيهم أتمها
…
ودع أمرنا إن المهم المقدم
فأدمج شكوى الزمان، وشرح ما هو عليه من الاختلال في ضمن التهنئة، وتلطف في التلويح، ورقق التخيّل لبلوغ الغرض، مع صيانة نفسه عن التصريح بالسؤال. لا جرم أن ابن سليمان فطن لذلك ووصله واستعمله.
ومن لطيف الإدماج قول ابن نباته السعدي:
ولا بد لي من جهلة في وصاله
…
فهل من حليم أودع الحلم عنده
ابن نباتة أدمج الفخر في الغزل فإنه جعل حلمه لا يفارقه البتة، ولا يرغب عنه بنفسه جملة، وإنما عزم على أن يودعه، إذ كان لا بد له من وصل هذا المحبوب لأن الودائع تستعاد، ثم استفهم عن الخل الصالح الذي يصلح لهذه الوداعة استفهامًا إنكاريًّا،
1 العنم: شجر ذو ثمار حمراء، واحدته عنمة. والبَهار: الجَمَال أو تكون فارسية معربة بمعنى: "الربيع".
فيكون مفهوم الخطاب: بقيا حلمه لعدم من يصلح للوداعة، ثم أدمج في ضمن الفخر الذي أدمجه في الغزل شكوى الزمان لقلة الإخوان، بحيث إنه لم يبق منهم من يصلح لهذا الشأن، ومنه قول ابن المعتز في وصف الخيري:
قد نقض العاشقون ما صنع الـ
…
ـدهر بألوانهم على ورقه
قصد وصف الخيري بالصفرة، وأدمج فيه وصف ألوان العشاق.
وبيت الحلي في الإدماج قوله:
لصدق قولك لو حب امرؤ حجرًا
…
لكان في الحشر عن مثواه لم يرم
هذا البيت فيه إدماج سؤاله حسن المحشر في زمرة النبي صلى الله عليه وسلم في طي تصديقه الحديث المأثور عنه.
وبيت العميان:
لهم أحاديث مجد كالرياض إذا
…
أهدت نواسم أحيت دارس السلم
قال الشيخ أبو جعفر الشارح: إن الناظم جعل لهم أولًا أحاديث مجد طيبة. وأدمج في ذلك وصف الرياض.
وبيت الشيخ عز الدين الموصلي:
أدمجت شكواي من ذنبي بمدحته
…
عساك تشفع لي يا شافع الأمم
الشيخ عز الدين ذكر أنه أدمج الشكوى من ذنبه، لكن نوع الإدماج البديعي لا أعلم أين أدمجه. والله أعلم.
وبيت بديعيتي:
قد عز إدماج شوقي والدموع لها
…
على بهار خدودي صبغة العنم
هذا البيت أبدع من بيت ابن المعتز، وفيه زيادة وإدماج آخر. فإن ابن المعتز غاية قصده وصف الخيري1 بالصفرة، وأدمج فيه ألوان العشاق. وأنا قصدت شرح الحال في غرة إدماج الشوق بواسطة جريان الدمع، وأدمجت في ذلك صفرة اللون وحمرة الدموع. هذا محاسن التورية بتسمية النوع غير خافية على أهل الإنصاف من حذاق الأدب. والله أعلم.
1 الخيريّ: نوع من الحمام.