الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المَاء الَّذِي قد خاضه النَّاس. شبه سَاقهَا ببردي قد نبت تَحت نخل فالنخل يظله من الشَّمْس وَذَلِكَ أحسن مَا يكون مِنْهُ.
قَالَ الزوزني: وتبدي عَن كشح ضامر يَحْكِي فِي دقته زماماً من الْأدم وَعَن سَاق يَحْكِي صفاء لون أنابيب بردي بَين نخل قد ذللت بِكَثْرَة الْحمل.
-
شبه ضمر بَطنهَا بالزمام وَشبه صفاء لون سَاقهَا ببردي بَين نخيل يظله أَغْصَانهَا ليَكُون أصفى لوناً وأنقى رونقاً. وَمِنْهُم من يَجْعَل السَّقْي نعتاً للبردي أَيْضا وَالْمعْنَى كأنبوب البردي المسقي الْمُذَلل بالإرواء.
وترجمة امْرِئ الْقَيْس تقدّمت فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالْأَرْبَعِينَ من أَوَائِل الْكتاب.
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الْخَامِس وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)
إِذا رضيت عَليّ بَنو قُشَيْر على أَنه إِنَّمَا تعدى رَضِي ب على مَعَ أَنه يتَعَدَّى ب عَن لحمله على ضِدّه وَهُوَ سخط
فَإِنَّهُ وَهَذَا التَّوْجِيه للكسائي. قَالَ ابْن جني فِي الخصائص: وَمِمَّا جَاءَ من الْحُرُوف فِي مَوضِع غَيره على نَحْو مِمَّا ذكرنَا قَوْله:
(إِذا رضيت عَليّ بَنو قُشَيْر
…
لعمر الله أعجبني رِضَاهَا)
أَرَادَ: عني وَجه ذَلِك أَنَّهَا إِذا رضيت عَنهُ: أحبته وَأَقْبَلت عَلَيْهِ وَلذَلِك
اسْتعْمل على بِمَعْنى عَن.
وَكَانَ أَبُو عَليّ يستحسن قَول الْكسَائي فِي هَذَا لِأَنَّهُ لما كَانَ رضيت ضد سخطت عدى رضيت ب على حملا للشَّيْء على نقيضه كَمَا يحمل على نَظِيره.
وَقد سلك سِيبَوَيْهٍ هَذِه الطَّرِيق فِي المصادر كثيرا فَقَالَ: قَالُوا كَذَا كَمَا قَالُوا كَذَا وَأَحَدهمَا ضد الآخر. وَنَحْو مِنْهُ قَول الآخر:
(إِذا مَا امْرُؤ ولى عَليّ بوده
…
وَأدبر لم يصدر بإدباره ودي)
أَي: ولى عني وَوَجهه انه إِذا ولى عَنهُ بوده فقد ضن عَلَيْهِ بِهِ وبخل فَأجرى التولي بالود مجْرى الضنانة وَالْبخل أَو مجْرى السخط لِأَنَّهُ توليه عَنهُ بوده لَا يكون إِلَّا عَن سخط عَلَيْهِ.
وَأما قَول الآخر:
(شدوا الْمطِي على دَلِيل دائب
…
من أهل كاظمة بِسيف الأبحر)
فَقَالُوا مَعْنَاهُ: بِدَلِيل. وَهُوَ عِنْدِي أَنا على حذف الْمُضَاف أَي: شدوا الْمطِي على دلَالَة دَلِيل فَحذف الْمُضَاف وَقَوي حذفه هُنَا شَيْئا لِأَن لفظ الدَّلِيل يدل على الدّلَالَة وَهُوَ كَقَوْلِك: سر على اسْم الله.
-
وعَلى هَذِه عِنْدِي حَال
من الضَّمِير فِي سر وشدوا وَلَيْسَت بِوَاصِلَةٍ لهذين الْفِعْلَيْنِ وَلكنهَا معلقَة بِمَحْذُوف حَتَّى كَأَنَّهُ قَالَ: سر مُعْتَمدًا على اسْم الله. فَفِي الظّرْف إِذن ضمير لتَعَلُّقه بالمحذوف. انْتهى.
وَقد نقل ابْن الْأَنْبَارِي أَيْضا فِي مسَائِل الْخلاف هَذَا التَّوْجِيه عَن الْكسَائي. وَكَذَا ابْن هِشَام نَقله عَنهُ فِي الْمُغنِي وَقَالَ: وَيحْتَمل أَن يكون ضمن رَضِي معنى عطف.)
وَقد عد هَذَا ابْن عُصْفُور من الضرائر الشعرية فَقَالَ: وَمِنْه إنابة حرف مَكَان حرف. أورد هَذَا الْبَيْت وَغَيره. وَلم أره لغيره. كَيفَ وَقد ورد فِي الْقُرْآن والْحَدِيث وَغَيرهمَا. وَغَايَة مَا قيل انه لَا يطرد فِي كل مَوضِع.
وَقد أفرد لَهُ ابْن جني بَابا فِي الخصائص فَلَا بَأْس بإيراد شَيْء مِنْهُ. قَالَ فِي بَاب اسْتِعْمَال الْحُرُوف بَعْضهَا مَكَان بعض: هَذَا بَاب يتلقاه النَّاس مغسولاً وَمَا أبعد الصَّوَاب عَنهُ وَذَلِكَ أَنهم يَقُولُونَ: إِن إِلَى تكون بِمَعْنى مَعَ ويحتجون بقوله تَعَالَى: من أَنْصَارِي إِلَى الله.
-
ولسنا ندفع أَن يكون ذَلِك كَمَا قَالُوا لَكنا نقُول: إِنَّه يكون بِمَعْنَاهُ فِي مَوضِع دون مَوضِع على حسب الْحَال الداعية إِلَيْهِ. فَأَما فِي كل مَوضِع فَلَا.
أَلا ترى أَنَّك إِذا أخذت بِظَاهِر هَذَا القَوْل لزمك أَن تَقول عَلَيْهِ: سرت إِلَى زيد وَأَنت تُرِيدُ مَعَه وَأَن تَقول: زيد فِي الْفرس وَأَنت تُرِيدُ عَلَيْهِ وَزيد فِي عَمْرو وَأَنت تُرِيدُ عَلَيْهِ الْعَدَاوَة وَأَن تَقول: رويت الحَدِيث بزيد وَأَنت تُرِيدُ عَنهُ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يطول ويتفاحش وَلَكِن نضع فِي ذَلِك رسماً يعْمل عَلَيْهِ.
اعْلَم أَن الْفِعْل إِذا كَانَ بِمَعْنى فعل آخر وَكَانَ أَحدهمَا يتَعَدَّى بِحرف وَالْآخر بآخر فَإِن الْعَرَب قد تتسع فتوقع أحد الحرفين موقع صَاحبه إِيذَانًا بِأَن هَذَا الْفِعْل فِي معنى ذَلِك الآخر فَلذَلِك جِيءَ مَعَه بالحرف الْمُعْتَاد مَعَ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَذَلِكَ كَقَوْلِه تَعَالَى: أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم.
وَأَنت لَا تَقول: رفثت إِلَى الْمَرْأَة وَإِنَّمَا تَقول: رفثت بهَا أَو مَعهَا لكنه لما كَانَ الرَّفَث هُنَا فِي معنى الْإِفْضَاء وَكنت تعدِي أفضيت بإلى جِئْت بإلى مَعَ الرَّفَث إِيذَانًا بِأَنَّهُ بِمَعْنَاهُ كَمَا صححوا عور وحول لما كَانَ فِي معنى اعور واحول وكما جاؤوا بِالْمَصْدَرِ فأجروه على غير فعله لما كَانَ فِي مَعْنَاهُ نَحْو قَوْله:
لما كَانَ التعاود أَن يعاود بَعضهم بَعْضًا.
وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: من أَنْصَارِي إِلَى الله أَي: مَعَ الله. وَأَنت لَا تَقول: سرت إِلَى زيد أَي: مَعَه لكنه إِنَّمَا جَاءَ لما كَانَ مَعْنَاهُ: من ينضاف فِي نصرتي إِلَى الله إِلَى أَن قَالَ: وَوجدت فِي اللُّغَة من هَذَا الْفَنّ شَيْئا كثيراُ لَا يكَاد يحاط بِهِ وَلَعَلَّه لَو جمع أَكْثَره لجاء كتابا ضخماً. وَقد عرفت طَرِيقه فَإِذا مر بك شَيْء مِنْهُ فتقبله وَأنس بِهِ فَإِنَّهُ فصل من الْعَرَبيَّة لطيف حسن يَدْعُو إِلَى الْأنس بهَا والفقاهة فِيهَا.)
وَفِيه أَيْضا مَوضِع يشْهد على من أنكر أَن يكون فِي اللُّغَة لفظان بِمَعْنى وَاحِد حَتَّى تكلّف لذَلِك أَن يُوجد فرقا بَين قعد وَجلسَ وذراع وساعد.
أَلا ترى أَنه لما كَانَ رفث بِالْمَرْأَةِ بِمَعْنى أفْضى إِلَيْهَا جَازَ أَن يتبع الرَّفَث الْحَرْف الَّذِي بَابه الْإِفْضَاء وَهُوَ إِلَى. وَكَذَلِكَ لما كَانَ: هَل لَك فِي كَذَا. بِمَعْنى أَدْعُوك إِلَيْهِ جَازَ أَن يُقَال: هَل لَك إِلَى أَن تزكّى كَمَا يُقَال: أَدْعُوك إِلَى أَن تزكّى. انْتهى كَلَامه.
وَقَالَ ابْن السَّيِّد البطليوسي فِي شرح أدب الْكَاتِب عِنْد بَاب دُخُول بعض الصِّفَات مَكَان بعض: هَذَا الْبَاب أجَازه أَكثر الْكُوفِيّين وَمنع مِنْهُ أَكثر الْبَصرِيين. وَفِي الْقَوْلَيْنِ جَمِيعًا نظر لِأَن من أجَازه دون شَرط لزمَه أَن يُجِيز: سرت إِلَى زيد وَهُوَ يُرِيد: مَعَ زيد.
ثمَّ مثل بِنَحْوِ مَا مثل بِهِ ابْن جني وَقَالَ: وَهَذِه الْمسَائِل لَا يجيزها من يُجِيز إِبْدَال الْحُرُوف. وَمن منع من ذَلِك على الْإِطْلَاق لزمَه أَن يتعسف فِي التَّأْوِيل لكثير مِمَّا ورد فِي هَذَا الْبَاب لِأَن فِي هَذَا الْبَاب أَشْيَاء كَثِيرَة يتَعَذَّر تَأْوِيلهَا على غير وَجه الْبَدَل وَلَا يُمكن المنكرين لهَذَا أَن يَقُولُوا:
إِن هَذَا من ضَرُورَة الشّعْر. لِأَن هَذَا النَّوْع قد كثر وشاع وَلم يخص الشّعْر دون الْكَلَام. فَإِذا لم يَصح إنكارهم لَهُ وَكَانَ المجيزون لَهُ لَا يجيزونه فِي كل مَوضِع ثَبت بِهَذَا أَنه مَوْقُوف على السماع غير جَائِز الْقيَاس عَلَيْهِ وَوَجَب أَن يطْلب لَهُ وَجه من التَّأْوِيل يزِيل الشناعة عَنهُ وَيعرف كَيفَ المأخذ فِيمَا يرد مِنْهُ.
وَلم أر فِيهِ للبصريين تَأْوِيلا أحسن من قَول ذكره ابْن جني فِي كتاب الخصائص وَأَنا أوردهُ فِي هَذَا الْموضع وأعضده بِمَا يشاكله من الِاحْتِجَاج.
ثمَّ نقل كَلَام ابْن جني وَزَاد عَلَيْهِ أَمْثِلَة وَشَرحهَا وَأطَال الْكَلَام وأطاب.
وَكَانَ يَنْبَغِي لنا أَن نذْكر هَذَا الْفَصْل عِنْد أول شَاهد من حُرُوف الْجَرّ لكننا مَا تذكرناه إِلَّا هُنَا.
وَالْبَيْت من قصيدة للقحيف الْعقيلِيّ يمدح بهَا حَكِيم بن الْمسيب الْقشيرِي. وَبعده:
(وَلَا تنبو سيوف بني قُشَيْر
…
وَلَا تمْضِي الأسنة فِي صفاها)
وَاقْتصر عَلَيْهِمَا أَبُو زيد فِي نوادره. وَمِنْهَا:
(تنضيت القلاص إِلَى حَكِيم
…
خوارج من تبَالَة أَو مناها)
وأوردهما ابْن الْأَعرَابِي فِي نوادره.
وَقَوله: إِذا رضيت
…
إِلَخ إِذا شَرْطِيَّة وجوابها: أعجبني رِضَاهَا
وَاللَّام فِي: لعمر الله لَام)
الِابْتِدَاء وَعمر الله: مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف أَي: قسمي وَجَوَاب الْقسم مَحْذُوف مَدْلُول عَلَيْهِ بِجَوَاب إِذا كَمَا تقدم فِي الشَّرْط من الضَّابِط فِي اجْتِمَاع الشَّرْط وَالْقسم.
وقشير بِالتَّصْغِيرِ هُوَ قُشَيْر بن كَعْب بن ربيعَة بتن عَامر بن صعصعة. يَقُول: إِذا رضيت عني بَنو قُشَيْر سرني رِضَاهَا. وَضمير رِضَاهَا عَائِد إِلَى بَنو قُشَيْر وأنثه بِاعْتِبَار الْقَبِيلَة.
وَقَوله: وَلَا تنبو سيوف
…
إِلَخ نبا السَّيْف عَن الضريبة إِذا كل وَلم يقطع. وَلَا تمْضِي: لَا تنفذ. والأسنة: جمع سِنَان وَهُوَ حَدِيدَة الرمْح الَّتِي يطعن عَلَيْهَا.
والصفا: واحده صفاة وَهِي الصَّخْرَة الملساء الصماء لَا يُؤثر فِيهَا الْحَدِيد. يُرِيد أَن سيوفهم تُؤثر فِي غَيرهم وأسنة غَيرهم لَا تُؤثر فِيهِ فَإِنَّهُم كالصخرة الملساء.
وَقَوله: تنضيت القلاص
…
إِلَخ أَي: جَعلتهَا أنضاءً: جمع نضوة بِالْكَسْرِ أَي: المهزولة من شدَّة الْأَسْفَار. يُقَال: أنضيت الْبَعِير وتنضيته أَي: أهزلته. والقلاص بِالْكَسْرِ: جمع قلُوص بِالْفَتْح وَهِي النَّاقة الشَّابَّة. وَحَكِيم هُوَ ابْن الْمسيب.
وخوارج: جمع خَارِجَة. وتبالة بِفَتْح الْمُثَنَّاة الْفَوْقِيَّة بعْدهَا مُوَحدَة: بَلْدَة صَغِيرَة من الْيمن.
وَمنى: بِكَسْر الْمِيم قَالَ الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم:
وَمنى مَوضِع آخر من بِلَاد بني عَامر لَيْسَ منى مَكَّة وَهُوَ محدد فِي رسم ضرية قرب الْمَدِينَة المنورة.
وَقَوله: فَمَا رجعت بخائبة
…
إِلَخ أوردهُ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي على أَن الْبَاء تزاد فِي الْحَال الْمَنْفِيّ عاملها. أَي: فَمَا رجعت خائبة.
وخرجه أَبُو حَيَّان على أَن
التَّقْدِير: فَمَا رجعت بحاجة خائبة فالجار وَالْمَجْرُور هُوَ الْحَال وركاب فَاعل رجعت وَهِي الْإِبِل الَّتِي يسَار عَلَيْهَا الْوَاحِدَة رَاحِلَة وَلَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا.
والخيبة: حرمَان الْمَطْلُوب.
يَعْنِي: أَن الْإِبِل الَّتِي انْتهى سَيرهَا إِلَى هَذَا الممدوح لم ترجع خائبة بل رجعت بنيل الْمَطْلُوب.
وَحَكِيم: مُبْتَدأ ومنتهاها: خَبره أَي: مُنْتَهى سَيرهَا وَالْجُمْلَة صفة ركاب.
قَالَ السُّيُوطِيّ فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي: وَالْمُسَيب هَذَا بِالْفَتْح لَا غير وَكَذَا كل مسيب إِلَّا وَالِد سعيد بن الْمسيب فَإِنَّهُ فِيهِ وَجْهَيْن: الْفَتْح وَالْكَسْر.
وَهَذَا الْبَيْت لم يعزه أحد من شرَّاح الْمُغنِي إِلَى أحد مَعَ أَن الْبَيْت الشَّاهِد نسبه السُّيُوطِيّ إِلَى القحيف وَلم يقف على أَن هَذَا الْبَيْت من تِلْكَ القصيدة.)
والقحيف الْعقيلِيّ شَاعِر إسلامي ذكره الجُمَحِي فِي الطَّبَقَة الْعَاشِرَة من شعراء الْإِسْلَام. وَهُوَ وَهَذَا نسبه: القحيف بن خمير ين سليم الندى بن عبد الله بن عَوْف بن حزن بن مُعَاوِيَة بن خفاجة بن عَمْرو بن عقيل بن كَعْب بن ربيعَة بن عَامر بن صعصعة. كَذَا فِي الجمهرة والعباب للصاغاني.
والقحيف بِضَم الْقَاف وَفتح الْمُهْملَة. وخمير بِضَم الْمُعْجَمَة وَفتح الْمِيم. وسليم
بِضَم السِّين وَفتح اللَّام. وأضيف إِلَى الندى لاشتهاره بِالْكَرمِ. وَقَالَ الصَّاغَانِي: رَأَيْت بِخَط مُحَمَّد بن حبيب فِي أول ديوَان شعر القحيف الْبَدِيِّ بِالْبَاء الْمُوَحدَة وَتَشْديد الْيَاء.
وَعقيل: بِالتَّصْغِيرِ: هُوَ أَخُو قُشَيْر الْمَنْسُوب إِلَيْهِ حَكِيم بن الْمسيب.
وَأنْشد بعده وَهُوَ السَّادِس وَالْعشْرُونَ بعد الثَّمَانمِائَة: رعته أشهراً وخلا عَلَيْهَا تَمَامه: فطار الني فِيهَا واستغارا على أَن على فِيهِ لَيست بِمَعْنى اللَّام كَمَا قَالَه الْكُوفِيُّونَ وَابْن قُتَيْبَة فِي أدب الْكَاتِب لِأَنَّهُ يُقَال: خلا لَهُ الشَّيْء بِمَعْنى تفرغ لَهُ.
قَالَ ابْن السَّيِّد: كَانَ الْوَجْه أَن يُقَال: وخلا لَهَا وَلَكِن قَوْله: وخلا عَلَيْهَا يُفِيد مَا يفِيدهُ قَوْله: إِنَّه وقف عَلَيْهَا. ف خلا ضمن معنى وقف وَحبس عَلَيْهَا.
وَقَول الشَّارِح فِي الْجَواب عَنهُ: أَي على مذاقها كَأَنَّهُ ملك مذاقها وتسلط عَلَيْهِ فَإِنَّهُ تَحْرِيف مِنْهُ لكلمة خلا الْمُعْجَمَة الْخَاء بحلا الْمُهْملَة يَجعله من الْحَلَاوَة فَأجَاب بِتَقْدِير مُضَاف بعد على وتضمين الْفِعْل. وَلَيْسَت الرِّوَايَة كَمَا توهمه.
-
وَالْبَيْت من قصيدة لِلرَّاعِي مدح بهَا سعيد بن عبد الرَّحْمَن بن عتاب بن أسيد عدتهَا سَبْعَة وَخَمْسُونَ بَيْتا. وَقَبله:
(وَذَات أثارة أكلت عَلَيْهَا
…
نباتاً فِي أكمته قفارا)
(جمادياً تحن المزن فِيهِ
…
كَمَا فجرت فِي الْحَرْث الدبارا)
رعته أشهراً وخلا عَلَيْهَا
…
...
…
... الْبَيْت
قَوْله: وَذَات أثارة
…
إِلَخ قَالَ الجواليقي فِي شرح أدب الْكَاتِب الْوَاو وَاو رب أَي: رب نَاقَة ذَات سمن.)
والأثارة بِفَتْح الْهمزَة والمثلثة: شَحم مُتَّصِل بشحم آخر وَيُقَال: هِيَ بَقِيَّة من الشَّحْم الْعَتِيق.
يُقَال: سمنت النَّاقة على أثارة أَي: على بَقِيَّة شَحم.
وَقَوله: أكلت عَلَيْهَا نباتاً أَي: على هَذِه الأثارة. وَفِي أكمته أَي: فِي غلفه جمع كمام وَهُوَ جمع كم بِكَسْر الْكَاف وَتَشْديد الْمِيم. والكم: غطاء النُّور وغلافه فأكمة جمع الْجمع.
وَقَوله: قفاراً أَي: خَالِيا من النَّاس فرعته وَحدهَا. وقفار وصف نَبَات. قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: القفر: الْخَلَاء والمفازة. وَيَقُولُونَ: أَرض قفار على توهم جمع الْمَوَاضِع لسعتها. وَدَار قفر وقفار كَذَلِك. وَالْمعْنَى خَالِيَة من النَّاس.
-
وَقَوله: جمادياً وصف آخر لنبات مَنْسُوب إِلَى جُمَادَى بعد حذف أَلفه الْخَامِسَة أَي: نبت فِي جُمَادَى. وَجُمْلَة تحن. . إِلَخ: صفة لجمادي أَي: تعطف عَلَيْهِ. والمزن: جمع مزنة وَهِي السحابة.
وَقَوله: كَمَا فجرت فِي مَوضِع الْمَفْعُول الْمُطلق أَي: وفجرت المزن الأَرْض تفجيراً كَمَا فجرت.
والتفجير: التشقيق يُقَال: فجر المَاء بِالتَّخْفِيفِ أَي: شقّ الأَرْض فَفتح لَهُ طَرِيقا. وَالتَّشْدِيد للْمُبَالَغَة.
والحرث: مصدر حرث الأَرْض إِذا أثارها للزِّرَاعَة بالمحراث. والدبار بِكَسْر الدَّال قَالَ صَاحب الْمِصْبَاح: الدبرة بِالْفَتْح والدبارة بِالْكَسْرِ: المشارة فِي المزرعة وَالْجمع دبر ودبار.
وَقَوله: رعته أَي: رعت النَّاقة ذَلِك النَّبَات أشهراً. وتخلت بِهِ: لم يرعه
غَيرهَا. وطار الني أَي: ارْتَفع الشَّحْم. واستغار أَي: هَبَط فِيهَا.
والني: مصدر نَوَيْت النَّاقة أَي: سمنت تنوى نواية ونياً فَهِيَ ناوية وجمل ناو وجمال نواء مثل جَائِع وجياع.
وَقَالَ ابْن السَّيِّد فِي شَرحه: وصف نَاقَة فَقَالَ: رعت هَذَا الْموضع أشهر الرّبيع وخلا لَهَا فَلم يكن لَهَا فِيهِ مُنَازع فَسَمنت. والني: الشَّحْم. وَمعنى طَار: أسْرع ظُهُوره.
وَقَالَ ابْن قُتَيْبَة فِي كتاب الْمعَانِي: استغار وغار وَاحِد كَأَنَّهُ قَالَ: ظهر
الني واستتر. وَرَوَاهُ الْبَاهِلِيّ: فَسَار وَقَالَ: معنى سَار: ارْتَفع. واستغار: انهبط من قَوْلك: غَار يغور. وَقَالَ الْحَرْبِيّ: يُقَال استغار الْجرْح إِذا تورم. وَأنْشد: فطار الني فِيهَا واستغارا وَذكر أَنه يرْوى اسْتعَار بِالْعينِ غير مُعْجمَة أَي: ذهب يَمِينا وَشمَالًا من قَوْلهم: عَار الْفرس إِذا)
أفلت. وترجمة الرَّاعِي تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّالِث والثمانين بعد الْمِائَة.