الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إِلَى أَن قَالَ:
(أَظُنهُ آخر الْأَيَّام من عمري
…
وأوشك الْيَوْم أَن يبكي لَهُ الباكي)
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الثَّانِي وَالْأَرْبَعُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)
(كَأَن أُذُنَيْهِ إِذا تشوفا
…
قادمةً أَو قَلما محرفا)
على أَن أَصْحَاب الْفراء جوزوا نصب الجزأين بالخمسة الْبَاقِيَة أَيْضا وَمِنْهَا كَأَن وَقد نصب الشَّاعِر بهَا الجزأين: الأول أُذُنَيْهِ وَالثَّانِي قادمة.
-
فَإِن قلت: كَيفَ أخبر عَن الِاثْنَيْنِ بِالْوَاحِدِ قلت: إِن العضوين المشتركين فِي فعل وَاحِد مَعَ اتِّفَاقهمَا فِي التَّسْمِيَة يجوز إِفْرَاد خبرهما لِأَن حكمهمَا وَاحِد.
وَقد ذَكرْنَاهُ مفصلا فِي بَاب الْمثنى. وَقد أُجِيب عَن نصب الْخَبَر بأجوبة: أَحدهَا: مَا قَالَه الشَّارِح الْمُحَقق أَنه لحن وَقد خطئَ قَائِله وَقت إنشاده وَأصْلح لَهُ بِمَا ذكر.
قَالَ الْمبرد فِي الْكَامِل: حدثت أَن الْعمانِي الراجز أنْشد الرشيد فِي صفة فرس:
(كَأَن أُذُنَيْهِ إِذا تشوفا
…
قادمةً أَو قَلما محرفا)
فَعلم الْقَوْم كلهم أَنه قد لحن وَلم يهتد أحد مِنْهُم لإِصْلَاح الْبَيْت إِلَّا الرشيد فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ: قل: تخال أُذُنَيْهِ إِذا تشوفا والراجز وَإِن كَانَ قد لحن فقد أحسن التَّشْبِيه. انْتهى.
وَكَذَا نقل ابْن عبد ربه فِي العقد الفريد وَكَذَا روى الصولي فِي كتاب الأوراق عَن الطّيب بن مُحَمَّد الْبَاهِلِيّ عَن مُوسَى بن سعيد بن مُسلم أَنه قَالَ:
كَانَ أبي يَقُول: كَانَ فهم الرشيد فهم الْعلمَاء أنْشدهُ الْعمانِي فِي صفة فرس: كَأَن أُذُنَيْهِ الْبَيْت فَقَالَ لَهُ: دع كَأَن وَقل: تخال أُذُنَيْهِ حَتَّى يَسْتَوِي الشّعْر.
وَقَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: وَقيل أَخطَأ قَائِله وَقد أنْشدهُ بِحَضْرَة الرشيد فلحنه أَبُو عَمْرو والأصمعي. وَهَذَا وهم فَإِن أَبَا عَمْرو توفّي قبل الرشيد. وَتعقبه شراحه بِأَن هَذَا لَا يصلح تعليلاً للوهم فَإِن سبق وَفَاة أبي عَمْرو الرشيد لَا يُنَافِي حُضُور مَجْلِسه وَلَو غير خَليفَة إِلَّا أَن يُرَاد وَهُوَ خَليفَة لِأَن أَبَا عَمْرو توفّي سنة أَربع وَخمسين وَمِائَة والرشيد إِنَّمَا ولي الْخلَافَة سنة سبعين وَمِائَة.
وَاعْترض ابْن السَّيِّد البطليوسي فِي حَاشِيَة الْكَامِل على الْمبرد بِأَن هَذَا لَا يعد لحناً لِأَنَّهُ قد حُكيَ أَن من الْعَرَب من ينصب خبر كَأَن ويشبهها بظننت. وعَلى هَذَا أنْشد قَول ذِي الرمة:)
(كَأَن جلودهن مموهات
…
على أبشارها ذَهَبا زلالا)
وَعَلِيهِ قَول النَّابِغَة الذبياني:
(كَأَن التَّاج معصوباً عَلَيْهِ
…
لأذواد أصبن بِذِي أبان)
فِي أحد التَّأْويلَيْنِ. انْتهى.
وَيمْنَع الأول بِجعْل مموهات حَالا من جلودهن لِأَنَّهُ مفعول فِي الْمَعْنى وَالْخَبَر هُوَ قَوْله: على أبشارها. وَالرِّوَايَة مموهات على الخبرية. يصف النِّسَاء. والمموهات: المطليات.
والأبشار: جمع بشرة وَهِي ظَاهر الْجلد. وذهباً: الْمَفْعُول الثَّانِي
لمموهات. يُقَال: موهه ذَهَبا.
وَيمْنَع الثَّانِي أَيْضا بِجعْل عَلَيْهِ هُوَ الْخَبَر ومعصوباً حَالا من التَّاج. وَذُو أبان: مَوضِع. يُرِيد أَنه أغار على قوم فَأخذ مِنْهُم أذواد إبل فيظن نَفسه ملكا. يهزأ بِهِ.
وَالْجَوَاب الثَّانِي أَن خبر كَأَن مَحْذُوف وقادمة مَفْعُوله وَالتَّقْدِير: يحكيان قادمة.
وَالثَّالِث: أَن الرِّوَايَة: قادمتا أَو قَلما محرفا بألفات من غير تَنْوِين على أَن الأَصْل قادمتان وقلمان محرفان فحذفت النُّون لضَرُورَة الشّعْر.
وَعَلِيهِ اقْتصر ابْن عُصْفُور فِي كتاب الضرائر وَقَالَ: هَكَذَا أنْشدهُ الْكُوفِيُّونَ ونظروا بِهِ قَول أبي حناء: قد سَالم الْحَيَّات مِنْهُ القدما بِنصب الْحَيَّات وَحذف النُّون من القدمان.
وَالرَّابِع: أَن الرِّوَايَة:
تخال أُذُنَيْهِ لَا: كَأَن أُذُنَيْهِ.
حكى هَذِه الْأَجْوِبَة ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي. وَالْعَامِل فِي إِذا مَا فِي كَأَن من معنى التَّشْبِيه.
وتشوف: تطلع. وَالْمرَاد
نصب الْأذن للاستماع. وَيجوز أَن تكون ضمير الْأُذُنَيْنِ وَأَن تكون للإطلاق.
والقادمة: إِحْدَى قوادم الطير وَهِي مقاديم ريشه فِي كل جنَاح عشرَة. والقلم: آلَة الْكِتَابَة.
والمحرف: المقطوط لَا على جِهَة الاسْتوَاء بل يكون الشق الوحشي أطول من الشق الْإِنْسِي.
وَهَذَا الْمَعْنى أَصله لعدي بن زيد الْعَبَّادِيّ وَهُوَ:
(يخْرجن من مستطير النَّقْع داميةً
…
كَأَن آذانها أَطْرَاف أَقْلَام)
والعماني من مخضرمي الدولتين عَاشَ مائَة وَثَلَاثِينَ سنة. قَالَ ابْن قُتَيْبَة
فِي كتاب الشُّعَرَاء:)
الْعمانِي الْفُقيْمِي: هُوَ مُحَمَّد بن ذُؤَيْب وَلم يكن من أهل عمان وَلَكِن نظر إِلَيْهِ دُكَيْن الراجز فَقَالَ: من هَذَا الْعمانِي. وَذَلِكَ أَنه كَانَ مصفراً مطحولاً وَكَذَلِكَ أهل عمان. وَقَالَ الشَّاعِر:
(وَمن يسكن الْبَحْرين يعظم طحاله
…
ويغبط بِمَا فِي بَطْنه وَهُوَ جَائِع)
وَدخل على الرشيد لينشده وَعَلِيهِ قلنسوة وخف ساذج فَقَالَ: إياك وَأَن تدخل إِلَيّ إِلَّا وَعَلَيْك خفان دمالقان وعمامة عَظِيمَة الكور.
فَدخل عَلَيْهِ وَقد تزيا بزِي الْأَعْرَاب فأنشده وَقبل يَده وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد وَالله أنشدت مَرْوَان وَرَأَيْت وَجهه وَقبلت يَده وَأخذت جائزته. ثمَّ يزِيد بن الْوَلِيد وَإِبْرَاهِيم بن الْوَلِيد ثمَّ السفاح ثمَّ الْمَنْصُور ثمَّ الْمهْدي كل هَؤُلَاءِ رَأَيْت وجههم وَقبلت أَيْديهم وَأخذت جوائزهم لَا وَالله مَا رَأَيْت فيهم يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ أندى كفا وَلَا أبهى منْظرًا وَلَا أحسن وَجها مِنْك. فأجزل لَهُ الرشيد الْجَائِزَة وأضعفها لَهُ على كَلَامه وَأَقْبل عَلَيْهِ فبسطه حَتَّى تمنى جَمِيع من حضر أَنه قَامَ ذَلِك الْمقَام. انْتهى.
وَزعم ابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي أَن الْعمانِي كنيته أَبُو نخيلة. وَهُوَ خلاف الْوَاقِع بل هما راجزان.