الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ بعد الثَّمَانمِائَة)
وَلَا ترى الضَّب بهَا ينجحر على أَن قَوْله تَعَالَى: لَيْسَ كمثله شَيْء النَّفْي فِيهِ منصب على مثل مثله وعَلى مثله جَمِيعًا فَلَيْسَ لله سبحانه وتعالى مثل حَتَّى يكون لمثله شَيْء يماثله. فالمنفي الْمثل وَمثل الْمثل جَمِيعًا وَهَذَا كَقَوْل عَمْرو بن أَحْمَر فِي وصف فلاة: لم يرد أَن بهَا أرانب لَا تفزعها أهوالها وَلَا ضباباً غير منحجرة وَلكنه نفى أَن يكون بهَا حَيَوَان.
وَقد أوردهُ صَاحب الْكَشَّاف عِنْد قَوْله تَعَالَى: سنلقي فِي قُلُوب الَّذين كفرُوا الرعب بِمَا أشركوا بِاللَّه مَا لم ينزل بِهِ سُلْطَانا الْآيَة. على أَن المُرَاد نفي السُّلْطَان يَعْنِي الْحجَّة وَالنُّزُول جَمِيعًا لَا نفي التَّنْزِيل فَقَط بِأَن يكون ثمَّة سُلْطَان لكنه لم ينزل.
كَمَا أَن الْمَنْفِيّ فِي الْبَيْت الضَّب والانجحار جَمِيعًا لَا الانجحار فَقَط إِذْ المُرَاد وصف هَذِه الْمَفَازَة بِكَثْرَة الْأَهْوَال بِحَيْثُ لَا يُمكن أَن يسكنهَا حَيَوَان.
والإفزاع: الإخافة. والأرنب: مفعول مقدم وأهوالها: فَاعل يفزع وَالضَّمِير للمفازة والفلاة وَهِي جمع هول وَهِي الشدائد الَّتِي تفزع. والهول: مصدر هاله الشَّيْء أَي: أفزعه.
-
والضب: حَيَوَان مَعْرُوف. والانجحار بِتَقْدِيم الْجِيم على الْحَاء الْمُهْملَة: الدُّخُول فِي الْجُحر بِضَم الْجِيم وَهُوَ مَا حفره الْهَوَام السبَاع لأنفسها.
وَفِي أساس البلاغة: جحرت الضباب
فانجحرت أَي: دخلت فِي جحرتها. يَقُول: لَا تفزع أهوال تِلْكَ الْمَفَازَة الأرنب لِأَنَّهُ لَا أرنب حَتَّى تفزع من أهوالها لِأَنَّهُ لَا يُمكنهَا السّكُون فِيهَا لشدَّة أهوالها وَلَا تشاهد الضَّب فِيهَا منجحراً لِأَنَّهُ لَا ضَب فِيهَا فينجحر.
وَهَذَا الْبَيْت نسبه ابْن الْأَنْبَارِي فِي شرح المفضليات لعَمْرو بن أَحْمَر الْبَاهِلِيّ وَهُوَ شَاعِر إسلامي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد السِّتين بعد الأربعمائة.
وَالْمَشْهُور والمستعمل فِي هَذَا الْمَعْنى قَول امْرِئ الْقَيْس:
(على لاحب لَا يهتدى بمناره
…
إِذا سلفه الْعود الديافي جرجرا)
فَإِنَّهُ لم يرد أَن فِيهِ مناراً لَا يهتدى بِهِ وَلكنه نفى أَن يكون بِهِ منار. وَالْمعْنَى: لَا منار فِيهِ فيهتدى بِهِ. واللاحب بِالْحَاء الْمُهْملَة: الطَّرِيق الْوَاضِح.)
والمنار: جمع مَنَارَة وَأَصلهَا منورة مفعلة من النُّور وَسمي بذلك لِأَنَّهَا فِي الأَصْل كل مُرْتَفع عَلَيْهِ نَار وَلذَلِك قَالُوا فِي جمعهَا: مناور. وسافه: شمه ومصدره السوف. وَالْعود: بِفَتْح الْمُهْملَة: الْبَعِير الْهَرم. الديافي مَنْسُوب إِلَى دياف: قَرْيَة بِالشَّام وَقيل: بالجزيرة. وَقيل: بل دياف أَنْبَاط بِالشَّام. وَفتح بَعضهم أَوله. والجرجرة: صَوت يردده الْبَعِير فِي حنجرته. وَإِنَّمَا يجرجر فِي الطَّرِيق إِذا
شمه لما يعرف من شدته وصعوبة مسلكه.