الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ الرّحال:
(فَلَا بَارك الرَّحْمَن فِي عود أَهلهَا
…
عَشِيَّة زفوها وَلَا فِيك من بكر)
(وَلَا الزَّعْفَرَان حِين مسحنها بِهِ
…
وَلَا الْحلِيّ مِنْهَا حِين نيط إِلَى النَّحْر)
(وَلَا فرش ظوهرن من كل جَانب
…
كَأَنِّي أطوى فوقهن من الْجَمْر)
(فيل لَيْت أَن الذِّئْب خلل درعها
…
وَأَن كَانَ ذَا نَاب حَدِيد وَذَا ظفر)
(وجاؤوا بهَا قبل المحاق بليلة
…
وَكَانَ محاقاً كُله ذَلِك الشَّهْر)
(لقد أصبح الرّحال عَنْهُن صادفاً
…
إِلَى يَوْم يلقى الله فِي آخر الْعُمر)
وَقَوله: وَكَانَ محاقاً كُله ذَلِك الشَّهْر فِيهِ إقواء.
وروى: وَكَانَ محاقاً كُله آخر الشَّهْر
(الشَّاهِد الْخَامِس بعد الثَّمَانمِائَة)
(رسم دَار وقفت فِي طلله
…
كدت أَقْْضِي الْحَيَاة من جلله)
على أَن رسماً مجرور بِرَبّ المحذوفة وَهُوَ شَاذ فِي الشّعْر كَمَا بَينه الشَّارِح الْمُحَقق.
وَهُوَ مطلع قصيدة لجميل بن معمر العذري. وَبعده:
(موحشاً مَا ترى بِهِ أحدا
…
تنسج الرّيح ترب معتدله)
إِلَى أَن قَالَ:
(يَا خليلي إِن أم جسير
…
حِين يدنو الضجيع من غلله)
(رَوْضَة ذَات حنوة وخزامى
…
جاد فِيهَا الرّبيع من سبله)
(بَيْنَمَا نَحن بالأراك مَعًا
…
إِذْ بدا رَاكب على جمله)
(فتأطرت ثمَّ قلت لَهَا
…
أكرميه حييت فِي نزله)
(فظللنا بِنِعْمَة واتكأنا
…
وشربنا الْحَلَال من قلله)
(قد أصون الحَدِيث دون أَخ
…
لَا أَخَاف الأذاة من قبله)
(وخليل صافيت مرتضياً
…
وخليلاً فَارَقت من ملله)
وَقَوله: رسم دَار
…
إِلَخ الرَّسْم: مَا كَانَ لاصقاً بِالْأَرْضِ من آثَار الدَّار كالرماد وَنَحْوه.
والطلل: مَا شخص من آثارها كالوتد والأثافي وإضافته إِلَى ضمير الرَّسْم بِتَقْدِير مُضَاف أَي: طلل دَاره.
وَقيل: يَنْبَغِي أَن يُرَاد بالرسم هُنَا الْأَثر أَو بَقِيَّته لإضافة الطلل إِلَى ضَمِيره إِن لم تجْعَل الْإِضَافَة لأدنى مُلَابسَة.
وَجُمْلَة: وقفت فِي مَحل الصّفة لرسم. وكدت: جَوَاب رب. وَكَاد من أَفعَال المقاربة. وأقضي الْحَيَاة: خبر كَاد من قضيت الشَّيْء إِذا أديته.
وَرُوِيَ: كدت أَقْْضِي الْغَدَاة من قضى فلَان إِذا مَاتَ. والغداة: ظرف بِمَعْنى الضحوة.
وَقَالَ الدماميني: الْغَدَاة مَا بَين صَلَاة الْفجْر وطلوع الشَّمْس.
وَقَوله: من جلله بِفَتْح الْجِيم فِيهِ تفسيران قَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ: قَرَأت على أبي
بكر بن دُرَيْد كتاب الْأَبْوَاب للأصمعي فعلت ذَلِك من جلل كَذَا أَي: من عظمه فِي صَدْرِي. وَقَالَ أَبُو نصر: فعلت ذَلِك لجللك وجلالك أَي: لعظمتك فِي صَدْرِي.)
وَأنْشد الْأَصْمَعِي لجميل: رسم دَار وقفت فِي طلله الْبَيْت وَرويت من غير هَذَا الْوَجْه تَفْسِير من جلله: من أَجله وَيُقَال: فعلت ذَلِك من أَجلك وجلك وجلالك.
-
وَأنْشد الْأَصْمَعِي فِي جلالك:
(وغيد نشاوى من كرىً فَوق شزب
…
من اللَّيْل قد نبهتهم من جلالك)
أَي: من أَجلك. انْتهى.
وَقَالَ ابْن السّكيت فِي كتاب الأضداد: يُقَال: فعلته من أَجلك أَي: من أجل عظمتك عِنْدِي.
قَالَ جميل: كدت أَقْْضِي الْغَدَاة من جلله أَي: من عَظمته فِي صَدْرِي.
وَبِهَذَا الْمَعْنيين ذكره ابْن هِشَام: فِي جلل من الْمُغنِي.
وَبِمَا نقلنا يضمحل كَلَام الدماميني لَيْسَ بِمَعْنى الْعظم حَتَّى يُفَسر بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِمَعْنى الْعَظِيم. فَلَو قيل: أَرَادَ من عظم أمره فِي عَيْني لَكَانَ مناسباً. انْتهى.
وَأي فرق بَين من عظمه وَمن عظم أمره وَهل هما إِلَّا سَوَاء.
وأعجب من هَذَا قَول ابْن الملا: وَقع فِي الصِّحَاح تَفْسِير الجلل فِي الْبَيْت بالعظم لَكِن لَا على أَنه اسْم جامد
وَلَا يخفى أَن كليهمَا جامد والمادة متحدة ومعناهما مُتَقَارب والجلل يَأْتِي بِمَعْنى الْجَلِيل والعظيم كَمَا قَالَ الشَّاعِر فِي قتل قومه أَخَاهُ:
(فلئن عَفَوْت لأعفون جللاً
…
وَلَئِن سطوت لأوهنن عظمي)
وَيَأْتِي بِمَعْنى الحقير كَقَوْل امْرِئ الْقَيْس فِي قتل أَبِيه:
أَلا كل شَيْء سواهُ جلل قَالَ القالي فِي أَمَالِيهِ هُنَاكَ: الجلل: الْيَسِير. وَقَالَ أَبُو نصر: والجلل: الْعَظِيم أَيْضا.
وَكَانَ الْأَصْمَعِي قَول: الجلل: الصَّغِير الْيَسِير وَلَا يَقُول الجلل للعظيم. والجلى: الْأَمر الْعَظِيم.
وَجل كل شَيْء: الْعَظِيم مِنْهُ. انْتهى. وَأَرَادَ باليسير الحقير فَإِنَّهُ الْغَالِب. وَقَوله: موحشاً: حَال وَجُمْلَة: مَا ترى بِهِ أحدا صفة كاشفة لَهُ. وَقَوله: تنسج الرّيح إِلَخ نسج الرّيح: هبوبها من جِهَات)
شَتَّى فتثير التُّرَاب فتغطي المعالم فَلَا تعرف. والترب بِالضَّمِّ: لُغَة فِي التُّرَاب وَفِيه حذف مُضَاف أَي: ترب مَكَانَهُ المعتدل. وروى: تمسح الرّيح يُقَال: مسحته الرّيح إِذا غيرته. وَأم جسير بِضَم الْجِيم. والغلل بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَاللَّام: دَاء. وَقَالَ الْعَيْنِيّ: هُوَ المَاء بَين الْأَشْجَار.
وروضة خبر لإن. والحنوة بِفَتْح الْمُهْملَة
وَسُكُون النُّون: نبت طيب الرّيح.
والخزامى بِضَم الْمُعْجَمَة وَالْقصر هُوَ خيري الْبر. والسبل بِفتْحَتَيْنِ: الْمَطَر. وَقَوله: بَيْنَمَا نَحن بالأراك قَالَ أَبُو عبيد الْبكْرِيّ فِي مُعْجم مَا استعجم: هُوَ مَوضِع بِعَرَفَة. روى مَالك بن عَلْقَمَة عَن أمه أَن عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ كَانَت تنزل بِعَرَفَة بنمرة ثمَّ تحولت إِلَى الْأَرَاك فالأراك من مَوَاقِف عَرَفَة من نَاحيَة الشَّام ونمرة من مَوَاقِف عَرَفَة من نَاحيَة الْيمن انْتهى. وَزعم الْعَيْنِيّ وَتَبعهُ السُّيُوطِيّ أَن الْأَرَاك هُنَا هُوَ الشّجر الْمَعْرُوف.
وَهَذَا الْبَيْت أوردهُ ابْن هِشَام فِي بحث مَا الكافة من الْمُغنِي. وَقَوله: فتأطرت أَي: ملت نَحوه من تأطر الرمْح إِذا تثنى. والنزل بِضَمَّتَيْنِ: طَعَام النزيل الَّذِي يهيأ لَهُ.
وَقَوله: فظللنا بِنِعْمَة
…
إِلَخ واتكأنا مَهْمُوز قَالَ ابْن قُتَيْبَة: مَعْنَاهُ طعمنا وأكلنا من قَوْله تَعَالَى: وأعتدت لَهُنَّ متكأً أَي: طَعَاما.
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ: وَقيل: متكأً طَعَاما أَو مجْلِس طَعَام فَإِنَّهُم كَانُوا يتكئون للطعام وَالشرَاب تترفاً وَلذَلِك نهي عَنهُ. قَالَ جميل: فظللنا بِنِعْمَة واتكأنا الْبَيْت وَقيل: المتكأ: طَعَام يحز حزاً. كَانَ الْقَاطِع يتكئ عَلَيْهِ بالسكين. انْتهى. والحلال على لفظ ضد الْحَرَام. قَالَ الْعَلامَة الشِّيرَازِيّ: هُوَ النَّبِيذ وَسَماهُ حَلَالا على وَجه الخلاعة.
وَلَا يخفى أَن حمله على ظَاهره أنسب لِأَن قَائِله مُؤمن وَكَانَ فِي عَرَفَة فِي موسم الْحَج. وَيبعد أَن يكون على مَا قَالَه الشِّيرَازِيّ.
وَأغْرب من هَذَا مَا قَالَه الْخضر الْموصِلِي: وَيجوز أَن يكون تَسْمِيَته بالحلال على رَأْي من يرَاهُ حَلَالا كالحنفية مثلا. هَذَا كَلَامه وَلَا يخفى قبحه. والقلل: جمع قلَّة وَهُوَ إِنَاء للْعَرَب كالجرة. وَقَوله: غير أَنِّي أشحت من وجله أشاح بالشين الْمُعْجَمَة والحاء الْمُهْملَة بِمَعْنى حذر وَخَافَ.
وترجمة جميل العذري تقدّمت فِي الشَّاهِد الثَّانِي وَالسِّتِّينَ من أَوَائِل الْكتاب.
وَأنْشد بعده:)
وقاتم الأعماق خاوي المخترق على أَن رب المحذوفة بعد الْوَاو تجر فِي الشّعْر وقاتم: مجرور بهَا.
قَالَ الْأَصْمَعِي: القتمة: الغبرة. وأسود قاتم. أَي: رب بلد مغبر. والأعماق: جمع عمق بِفَتْح الْعين وَضمّهَا وَهُوَ مَا بعد من أَطْرَاف المفاوز. والخاوي: الْخَالِي.
-
والمخترق بِفَتْح الرَّاء: مَكَان الاختراق من الْخرق وَهُوَ الشق اسْتعْمل فِي قطع الْمَفَازَة. تَقول: خرقت الأَرْض إِذا قطعتها. ومخترق الرِّيَاح وَنَحْوهَا: ممرها.
وَهَذَا الْبَيْت من أرجوزة لرؤبة تقدم شَرحه مفصلا فِي الشَّاهِد الْخَامِس من أول الْكتاب.
وَأنْشد بعده
(فَإِن أهلك فذي حنق لظاه
…
عَليّ تكَاد تلتهب التهابا)
على أَن رب المحذوفة بعد الْفَاء تعْمل الْجَرّ فِي الشّعْر. وَذي حنق مجرور بهَا.
قَالَ ابْن جني فِي إِعْرَاب الحماسة: ذِي مجرورة بِرَبّ أَي: فَرب ذِي حنق. وحذفها للْعلم بموضعها كَقَوْل الآخر: ورسم دَار وقفت فِي طلله كدت أَقْْضِي الْغَدَاة من جلله أَي: وَرب رسم دَار. وَهَذَا يدْفع قَول أبي الْعَبَّاس إِن الْوَاو فِي نَحْو قَوْله:
وبلد تحسبه مكسوحاً هِيَ الَّتِي جرت بَلَدا لما خلفت رب فَكَانَت عوضا.
أَلا ترى أَنه قَالَ: فذي حنق أَي: فَرب ذِي حنق. وَلَا يَقُول أحد إِن الْفَاء عوض من رب.
وَقَول الآخر:
بل بلد ملْء الفجاج قتمه وَلَا يَدعِي أحد أَن بل عوض من رب. فَإِذا صَحَّ هَذَا وَثَبت فِي الْفَاء وبل كَانَت الْوَاو مَحْمُولَة على حكمه. انْتهى.
وَرِوَايَة بَيت جميل بالخزم وَهُوَ زِيَادَة الْوَاو فِي أَوله هُنَا رِوَايَة غير مَشْهُورَة وَبهَا يخرج الْبَيْت ولظاه: مُبْتَدأ وَالْهَاء ضمير ذِي حنق. وَجُمْلَة: تكَاد تلتهب خَبره وكل مِنْهُمَا مُسْند إِلَى ضمير مؤنث يعود إِلَى اللظى فهما بِالْمُثَنَّاةِ الْفَوْقِيَّة. وَجوز الشمني بِالْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّة مسندين إِلَى ضمير مُذَكّر يعود إِلَى اللظى لاكتسابه التَّذْكِير من الضَّمِير الْمُضَاف إِلَيْهِ.)
وَعلي مُتَعَلق بتلتهب وَقيل: مُتَعَلق بلظاه لما فِيهِ من معنى الاشتداد والتوقد. وَفِيه نظر لِأَن الْمَعْنى لَيْسَ عَلَيْهِ. واللظى: النَّار استعيرت للحنق بِفَتْح الْمُهْملَة وَالنُّون وَهُوَ الغيظ وَقيل: شدته. وَهلك جَاءَ من بَابي ضرب وَعلم.
وَذُو بِمَعْنى صَاحب وَالْفَاء مَعهَا للربط للجواب بِالشّرطِ فَإِنَّهَا تجب مَعَ كل جَوَاب لَا يَصح وُقُوعه شرطا وَالْجَوَاب هُنَا فِي الْحَقِيقَة هُوَ جَوَاب رب وَهُوَ
مخضت أول الْبَيْت الْآتِي. وَإِنَّمَا قدمت رب عَلَيْهِ لِأَن لَهَا الصَّدْر وَرب تحذف بعد الْفَاء مُطلقًا سَوَاء كَانَت فَاء الْجَواب كَمَا هُنَا أَو عاطفة كَمَا فِي قَول امْرِئ الْقَيْس:
(فمثلك حُبْلَى قد طرقت ومرضع
…
فألهيتها عَن ذِي تمائم محول)
قَالَ ابْن هِشَام فِي بحث الْفَاء من الْمُغنِي: السَّادِسَة أَي: من الْمسَائِل الَّتِي تكون فِيهَا الْفَاء رابطة للجواب حَيْثُ لَا يَصح أَن يَقع شرطا: أَن يقْتَرن بِحرف لَهُ الصَّدْر كَقَوْلِه:
فَإِن أهلك فذي حنق الْبَيْت وَقَوله: لَهَا الصَّدْر جَوَاب سُؤال مُقَدّر وَهُوَ أَن جَوَاب الشَّرْط فِي مثل هَذَا إِنَّمَا هُوَ جَوَاب رب وَهُوَ فعل مَاض يجب مَعَه ترك الْفَاء فَكيف وَجَبت الْفَاء أجَاب بِأَن رب لما وَجب تَقْدِيمهَا على جوابها لصدارتها كَانَت فِي الظَّاهِر هِيَ الْوَاقِعَة جَوَاب الشَّرْط وَهِي لَا تصح أَن تقع شرطا فَوَجَبَ أَن تقترن بِالْفَاءِ وَفَاء بِمُقْتَضى الضَّابِط.
وَلم أر أحدا من شرَّاح الْمُغنِي بَين معنى قَوْله: وَأَنَّهَا لَهَا الصَّدْر.
وَقَالَ الإِمَام المرزوقي فِي شرح الحماسة وَتَبعهُ جَمِيع شراحها: فَإِن قيل: إِن الْفَاء فِي جَوَاب الْجَزَاء إِنَّمَا تَجِيء إِذا خَالف الْجُمْلَة الَّتِي تكون جَزَاء الْجُمْلَة الَّتِي
تكون شرطا بِأَن تكون مُبْتَدأ وخبراً فَكيف يكون تقديرهما بعد الْفَاء هَا هُنَا قلت: يكون التَّقْدِير: إِن أهلك فَالْأَمْر والشأن: رب ذِي حنق بِهَذِهِ الصّفة فعلت بِهِ كَذَا. فَقَوله: رب ذِي حنق خبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي أظهرناه. انْتهى.
وَفِيه نظر من وَجْهَيْن: الأول: لَا ينْحَصر وجوب اقتران الْفَاء بِالْجُمْلَةِ الاسمية الْوَاقِعَة جَوَابا لشرط بل الْحصْر فِي سِتّ صور كَمَا بَينهَا صَاحب الْمُغنِي.
الثَّانِي: أَن رب لَهَا الصَّدْر لَا تقع خبر مُبْتَدأ أبدا إِذْ الْعَامِل فِي الْخَبَر هُوَ الْمُبْتَدَأ وَلم يسمع)
تقدم عَامل لَهَا عَلَيْهَا. على أَن قَوْله هَذَا لَا يَصح مَعَ قَوْله: إِن مخضت فِي الْبَيْت الْآتِي جَوَاب رب. فَتَأمل.
وَالْعجب من السُّيُوطِيّ حَيْثُ تبعه فِي شرح أَبْيَات الْمُغنِي فَقَالَ: قَوْله: فذي حنق
…
إِلَخ جَوَاب الْجَزَاء وَالتَّقْدِير: إِن أهلك فَالْأَمْر والشأن رب ذِي حنق.
وَهَذَا الْبَيْت من أَبْيَات ثَمَانِيَة لِرَبِيعَة بن مقروم الضَّبِّيّ أوردهَا أَبُو تَمام فِي الحماسة وَهِي:
(أَخُوك أَخُوك من يدنو وترجو
…
مودته وَإِن دعِي استجابا)
(إِذا حَارَبت حَرْب من تعادي
…
وَزَاد سلاحه مِنْك اقترابا)
(وَكنت إِذا قريني جاذبته
…
حبالي مَاتَ أَو تبع الجذابا)
فَإِن أهلك فذي حنق
…
...
…
. الْبَيْت
(مخضت بدلوه حَتَّى تحسى
…
ذنُوب الشَّرّ ملأى أَو قرابا)
(بمثلي فاشهد النَّجْوَى وعالن
…
بِي الْأَعْدَاء وَالْقَوْم الغضابا)
(فَإِن الموعدي يرَوْنَ دوني
…
أسود خُفْيَة الغلب الرقابا)
(كَأَن على سواعدهن ورساً
…
علا لون الأشاجع أَو خضابا)
قَوْله: أَخُوك أَخُوك من تَدْنُو
…
إِلَخ قَالَ المرزوقي: أَخُوك مُبْتَدأ وَكرر تَأْكِيدًا وَمن يدنو وَالْمعْنَى: مخالصك فِي الْأُخوة والود من يقرب مَكَانَهُ مِنْك وتحسن شفقته مِنْك وَإِن استغثت بِهِ لملمة أغاثك. وَيجوز أَن يكون من يدنو أَرَادَ بِهِ قرب النصح والشفقة لَا تقَارب الدَّار.
وَقَالَ ابْن جني: لَك فِي أَخُوك الثَّانِي أَن تَجْعَلهُ بَدَلا وَأَن تَجْعَلهُ خبر الأول إِنَّمَا يسْتَحق أَن تَدْعُو الرجل أَخَاك إِذا كَانَ أَخَاك فِي الْحَقِيقَة كَقَوْلِك: فعلته إِذْ النَّاس نَاس ثمَّ أبدل مِنْهُ من يدنو.
انْتهى.
وَقَالَ التبريزي: وَيجوز أَن يَجْعَل أَخُوك الثَّانِي خَبرا للْأولِ كَقَوْلِه:
(فَقلت لَهُ تجنب كل شَيْء
…
يعاب عَلَيْك إِن الْحر حر)
وَأما قَول الآخر:
(سَلام هِيَ الدُّنْيَا قروض وَإِنَّمَا
…
أَخُوك أَخُوك المرتجى فِي الشدائد)
فَهُوَ مثل الأول.
وَإِن شِئْت جعلت قَوْله: أَخُوك الثَّانِي توكيداً وَجعلت المرتجى خَبرا. وَإِن شِئْت جعلت قَوْله:)
أَخُوك خَبرا والمرتجى نعتاً لَهُ وَيكون قَوْله: من يدنو
من الْبَيَان الدَّاخِل فِي صفته بَدَلا من قَوْله: أَخُوك الثَّانِي. فَهَذَا الْمَعْنى يحْتَمل أَن يكون حثاً على إكرام الْغَرِيب إِذا نصح وأخلص كَمَا قَالَ الْأَعْشَى: وَيجوز أَن يكون وصاة بالأخ الْمُنَاسب وإخباراً أَن المؤاخي بِغَيْر النّسَب لَا ينْتَفع بإخائه. هَذَا كَلَامه.
وَقَوله: إِذا حَارَبت
…
إِلَخ قَالَ المرزوقي: يجوز أَن يكون هَذَا مُتَّصِلا بِمَا قبله وَالضَّمِير فِي حَارب لأخوك وَمن تعادي مفعول حَارَبت.
وَالْمعْنَى إِذا حَارَبت من تعادي حَارب هَذَا المؤاخي لَك مَعَك وَزَاد نصرته وعدته مِنْك قرباً مَا دمت مُحَاربًا.
وَيجوز أَن يكون مُنْقَطِعًا مِمَّا قبله وَيكون مثلا مَضْرُوبا فَيَقُول: إِذا كاشفت عَدوك بَعثه ذَلِك على مكاشفتك وازداد عدته من الكيد وَغَيره مِنْك دنواً. وَإِذا جاملته وداجيته بَقِي على مَا ينطوي عَلَيْهِ مساتراً لَا مجاهراً.
وَزَاد التبريزي: أَرَادَ أَنَّك إِذا حَارَبت قرب مِنْك وَمَعَهُ سلاحه ليعينك. فَذكر قرب السِّلَاح ليدل على أَنه أَرَادَ إعانته على عدوه. وَلَو ذكر أَنه يقرب نَفسه مِنْهُ لم يدل على ذَلِك لِأَنَّهُ يجوز أَن يقرب مِنْهُ وَلَا يُعينهُ.
وَقَوله: وَكنت إِذا قريني
…
إِلَخ يَقُول: إِذا جاذبني قرين لي حبلاً بيني وَبَينه فإمَّا أَن يَنْقَطِع دون شأوي إِلَى الجذاب فَيهْلك وَإِمَّا أَن يتبع صاغراً فينقاد.
-
وَقَوله: فَإِن أهلك
…
إِلَخ هَذَا الْكَلَام تسل عَن الْعَيْش بعد قَضَاء حَاجته وَإِدْرَاك ثَأْره وَلَوْلَا مَا تسهل لَهُ من ذَلِك لَكَانَ لَا يسهل عَلَيْهِ انْقِطَاع الْعُمر وَلَو مَاتَ لمات بغصة.
فَيَقُول: إِن أمت فَرب رجل ذِي غيظ وَغَضب تكَاد نَار عداوته تتوقد توقداً أَنا فعلت بِهِ كَذَا.
وَقَوله: مخضت بدلوه
…
إِلَه هَذَا جَوَاب رب يَقُول: رب إِنْسَان هَكَذَا أَنا حركت بدلوه الَّتِي أدلاها فِي الْأَمر الَّذِي خضنا فِيهِ حَتَّى ملأتها. وَجعل الدَّلْو كِنَايَة عَن السَّبَب الَّذِي جاذبه فِيهِ والطمع الَّذِي جرأه عَلَيْهِ.
قَالَ: فتحسى دلو الشَّرّ مَمْلُوءَة أَو قريبَة من الامتلاء. وقراب الملء: أَن يُقَارب الامتلاء. وَيُقَال:)
قرَاب بِكَسْر الْقَاف وَضمّهَا.
وَالْمعْنَى: جعلت شربه من الشَّرّ شرباً مروياً. فَكَأَن المُرَاد أَن هَذَا المعادي الممتلئ غيظاً لما ألْقى دلوه يَسْتَقِي بهَا المَاء من بئري ملأتها شرا وَجَعَلته سقياه.
والمخض بِالْخَاءِ وَالضَّاد المعجمتين: تَحْرِيك الدَّلْو فِي الْبِئْر ليمتلئ. والذنُوب: الدَّلْو الَّتِي يكون لَهَا ذَنْب وَهِي هُنَا مثل: يَقُول: جنيت عَلَيْهِ الشَّرّ حَتَّى مله.
وَقَوله: بمثلي
…
هَذَا الْبَيْت وَمَا بعده لم يَقع فِي أصل المرزوقي حَتَّى
يشرحه أَي: جاهر بمثلي