الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَأنْشد بعده
(الشَّاهِد الْعَاشِر بعد الثَّمَانمِائَة)
بِدينِك هَل ضممت إِلَيْك ليلى على أَن جَوَاب قسم السُّؤَال يكون استفهاماً. فَإِن قَوْله: هَل ضممت
…
إِلَخ جَوَاب الْقسم الَّذِي هُوَ قَوْله: بِدينِك وَهُوَ قسم سُؤال وَيُقَال لَهُ: الْقسم الاستعطافي يستعطف بِهِ الْمُخَاطب.
وَفِي جعله هَذَا قسما تَابع لِابْنِ مَالك. قَالَ أَبُو حَيَّان: لَا نعلم أحدا ذهب إِلَى تَسْمِيَة هَذَا قسما إِلَّا ابْن مَالك. وَفِي يعَض شُرُوح الْكتاب وَقد ذكر عمرتك
وعمرك وقعدك وقعيدك مَا نَصه: وَزعم بعض النَّحْوِيين أَن هَذِه أَقسَام. فَابْن مَالك وَافق من قَالَ بذلك. وَأما أَصْحَابنَا فالجملة القسمية لَا تكون إِلَّا خبرية عِنْدهم. انْتهى.
وَيُؤَيِّدهُ أَن ابْن جني قَالَ: الْقسم جملَة إنشائية يُؤَكد بهَا جملَة أُخْرَى. فَإِن كَانَت خبرية فَهُوَ الْقسم لغير الاستعطاف وَإِن كَانَت طلبية فَهُوَ الاستعطاف. انْتهى.
وَأغْرب ابْن عُصْفُور فِي قَوْله فِي شرح الْجمل الصَّغِير: وَالْقسم كل جملَة أكد بهَا جملَة أُخْرَى كلتاهما خبرية.
وَالصَّوَاب أَن جملَة الْقسم إنشائية لَا خبرية كَمَا قَالَ ابْن جني وَغَيره. وَاعْتذر عَنهُ بِأَن مُرَاده أَن الجملتين إِذا اجْتمعَا كَانَ مِنْهُمَا كَلَام مُحْتَمل للصدق وَالْكذب.
ثمَّ قَالَ ابْن عُصْفُور بعد تَعْرِيفه: فَإِذا جَاءَ مَا صورته كصورة الْقسم وَهُوَ غير مُحْتَمل للصدق وَالْكذب حمل على أَنه لَيْسَ بقسم نَحْو قَول الشَّاعِر:
(بِاللَّه رَبك إِن دخلت فَقل لَهُ
…
هَذَا ابْن هرمة وَاقِفًا بِالْبَابِ)
وَقَول الآخر:
(بِدينِك هَل ضممت إِلَيْك ليلى
…
وَهل قبلت قبل الصُّبْح فاها)
قَالَ: فَلَا يكون مثل هَذَا قسما لِأَن الْقسم لَا يتَصَوَّر إِلَّا حَيْثُ يتَصَوَّر الصدْق والحنث.
وَقَالَ فِي شرح الْإِيضَاح: وَأما هَذَانِ البيتان فليسا بقسمين لِأَن الجملتين غير محتملتين للصدق وَالْكذب وَإِنَّمَا المُرَاد بهما استعطاف الْمُخَاطب وَالتَّقْدِير: أَسأَلك بِدينِك وَأَسْأَلك بِاللَّه.
-
إِلَّا أَنهم أضمروا الْفِعْل لدلَالَة الْمَعْنى عَلَيْهِ. وَقد يحذفون الْبَاء وينصبون فِي الضَّرُورَة نَحْو قَوْله:
(أَقُول لبواب على بَاب دارها
…
أميرك بلغَهَا السَّلَام وأبشر)
قَالَ: ويدلك على أَن قَوْلك: بِاللَّه هَل قَامَ زيد وَبِاللَّهِ إِن قَامَ زيد فَأكْرمه وأشباهه لَيْسَ بقسم)
ثَلَاثَة أَشْيَاء: أَحدهَا: أَنه لم يَجِيء فِي كَلَام الْعَرَب وُقُوع الْحَرْف الْخَاص بالقسم نَحْو التَّاء وَالْوَاو موقع الْبَاء فَلم يَقُولُوا: تالله هَل قَامَ وَلَا: وَالله إِن قَامَ زيد فَأكْرمه.
ثَانِيهَا: إِنَّهُم إِذا أظهرُوا الْفِعْل الَّذِي يتَعَلَّق بِهِ الْبَاء لم يكن من أَفعَال الْقسم لَا يُقَال: أقسم بِاللَّه هَل قَامَ زيد.
ثَالِثهَا: أَن الْقسم لَا يَخْلُو من حنث أَو بر وَلَا يَصح ذَلِك إِلَّا فِيمَا يَصح اتصافه بِالصّدقِ وَالْكذب. انْتهى.
وَقَوله: إِن مثل هَذَا استعطاف وَلَيْسَ بقسم هُوَ الظَّاهِر وَلَا شكّ أَن كَونه قسما غير مذوق لَكِن كَلَام ابْن هِشَام ظَاهره يُعْطي أَنه سَمَّاهُ قسما استعطافياً وَذَلِكَ أَنه لما ذكر قَول أبي عَليّ الْقسم جملَة يُؤَكد بهَا الْخَبَر قَالَ: لَيْسَ كل قسم يُؤَكد الْخَبَر وَقد تقدم أَن الْبَاء يقسم بهَا على جِهَة الاستعطاف نَحْو: بِاللَّه أحسن إِلَيّ.
قَالَ: وَمِنْه أَقْسَمت عَلَيْك لتفعلن كَذَا وَأَقْسَمت عَلَيْك إِلَّا فعلت وَأَقْسَمت عَلَيْك لما فعلت.
قَالَ سِيبَوَيْهٍ: وَسَأَلت الْخَلِيل عَن قَوْلهم: أَقْسَمت عَلَيْك لما فعلت وَإِلَّا فعلت لم جَازَ هَذَا فِي هَذَا الْموضع وَإِنَّمَا أَقْسَمت هُنَا كَقَوْلِك وَالله فَقَالَ: وَجه الْكَلَام لتفعلن وَلَكنهُمْ أَجَازُوا هَذَا لأَنهم شبههوه بنشدتك الله إِذْ كَانَ فِيهِ معنى يُرِيد أَن الْعَرَب تَقول: نشدتك الله إِلَّا فعلت وَمَعْنَاهُ سَأَلتك بِاللَّه وَقَالُوا: إِلَّا فعلت بِمَعْنى إِلَّا أَن تفعل وَتَحْقِيق الْمَعْنى: لَا أطلب مِنْك إِلَّا أَن تفعل فَدَخلَهَا
معنى النَّفْي فصلحت إِلَّا لذَلِك.
وَتقول فِي الِاسْتِفْهَام: آللَّهُ لتقومن. قَالَ: فَكل هَذَا لَيْسَ بتأكيد وَلذَلِك تستفهم بعد الْيَمين فَتَقول: بِاللَّه أَقَامَ زيد لِأَن الْمَعْنى هُنَا أَخْبرنِي.
قَالَ: وَقد منع من هَذَا أَبُو عَليّ فَقَالَ: لَا يجوز فِي الْقسم الَّذِي هُوَ استعطاف فِي الْحَقِيقَة: تالله هَل قُمْت لِأَنَّهُ لَيْسَ بمقسم. انْتهى كَلَامه.
وَمُقْتَضَاهُ إِن الْقسم قِسْمَانِ قسم يقْصد بِهِ توكيد وَقسم يقْصد بِهِ الاستعطاف وَالسُّؤَال. وَفِي تَسْمِيَة مَا يقْصد بِهِ الاستعطاف قسما نظر وَكَيف يتَصَوَّر قسم دون جَوَاب لَا ملفوظ بِهِ وَلَا مُقَدّر.
وَلِهَذَا سَأَلَ سِيبَوَيْهٍ بِأَن أَقْسَمت يَقْتَضِي جَوَابا وَلما فعلت لَيْسَ بِجَوَاب فَكيف جَازَ وأجابه)
الْخَلِيل بِأَنَّهُم شبهوه بنشدتك الله إِذْ كَانَ فِيهِ معنى الطّلب. فَأفَاد أَن الْقسم لَيْسَ بِمُرَاد فِي الْمُشبه كَمَا أَن ذَلِك غير مُرَاد فِي الْمُشبه بِهِ.
فَمَا ذكره ابْن عُصْفُور أقرب وَهُوَ كَلَام أبي عَليّ كَمَا ظهر من نقل ابْن هِشَام.
وَاعْلَم أَنه يُقَال: نشدتك بِاللَّه ونشدتك الله على نزع الْخَافِض وَالنّصب وَمَعْنَاهُ سَأَلتك بِاللَّه وَقَالَ ابْن مَالك فِي شرح التسهيل: معنى قَول الْقَائِل نشدتك الله: سَأَلتك مذكراً الله. وَمعنى عمرتك الله: سَأَلت الله تعميرك ثمَّ ضمنا معنى الْقسم الطلبي.
قَالَ أَبُو حَيَّان فِي شَرحه: إِن عَنى المُصَنّف أَنه تَفْسِير معنى لَا إِعْرَاب فممكن وَإِن عَنى أَنه تَفْسِير إِعْرَاب فَلَيْسَ كَذَلِك بل نشدتك الله انتصاب الْجَلالَة فِيهِ على إِسْقَاط الْخَافِض فنصبه لَيْسَ بمذكر.
وَأما عمرتك الله فَلفظ الْجَلالَة فِيهِ مَنْصُوب بِإِسْقَاط الْخَافِض أَيْضا وَالتَّقْدِير:
عمرتك بِاللَّه أَي: ذكرتك تذكيراً يعمر الْقلب وَلَا يَخْلُو مِنْهُ. انْتهى.
وَلَا يخفى أَنه أَرَادَ تفسيرهما لُغَة قبل أَن يضمنا مَا ذكره. وَقَوله: ثمَّ ضمنا يدْفع أَن يكون أَرَادَ تَفْسِير الْإِعْرَاب.
وعمرتك الله بتَشْديد الْمِيم. واستعملوا عمرك الله بَدَلا من اللَّفْظ بعمرتك الله. قَالَ الشَّاعِر:
(عمرك الله يَا سعاد عديني
…
بعض مَا أَبْتَغِي وَلَا تؤيسيني)
وَقَالَ آخر:
(يَا عمرك الله أَلا قلت صَادِقَة
…
أصادقاً وصف الْمَجْنُون أم كذبا)
وَقَالَ الْأَخْفَش فِي كِتَابه الْأَوْسَط: أَصله أَسأَلك بتعميرك الله وَحذف زَوَائِد الْمصدر وَالْفِعْل وَالْبَاء فانتصب مَا كَانَ مجروراً بهَا. قَالُوا: وَيدل على صِحَة قَول الْأَخْفَش إِدْخَال بَاء الْجَرّ عَلَيْهِ.
قَالَ ابْن أبي ربيعَة:
(بعمرك هَل رَأَيْت لَهَا سمياً
…
فشاقك أم لقِيت لَهَا خدينا)
قَالَ نَاظر الْجَيْش: وَيدل لَهُ أَيْضا قَوْلهم: لعمرك إِن زيدا قَائِم وَقَالَ تَعَالَى: لعمرك إِنَّهُم لفي سكرتهم يعمهون التَّقْدِير: لعمرك قسمي فَكَانَ الْعُمر نَفسه هُوَ الْمقسم بِهِ فَلْيَكُن هُوَ الْمقسم بِهِ فِي نَحْو عمرك الله وَيكون الأَصْل: بتعميرك الله.)
وَيُمكن أَن يُقَال إِن من نصب عمرك الله على الْمصدر وَقَالَ: عمرك الله تعميراً لم يَجعله قسما وَإِنَّمَا يكون قسما على قَول الْأَخْفَش وَهُوَ قسم طلبي على
رَأْي من لَا يُثبتهُ ومسؤول بِهِ على رَأْي من لَا يُثبتهُ.
وَأَجَازَ الْمبرد والسيرافي أَن ينْتَصب على تَقْدِير الْقسم كَأَنَّهُ قيل: أقسم عَلَيْك بعمرك الله وَالْأَصْل بتعميرك الله أَي: بإقرارك لَهُ بالدوام والبقاء وَيكون مَحْذُوف الْجَواب فَتكون الْكَاف فِي مَوضِع رفع. وَالظَّاهِر من كَلَام سِيبَوَيْهٍ أَنه مصدر مَوْضُوع مَوضِع الْفِعْل على أَنه مفعول بِهِ.
قَالَ أَبُو حَيَّان: وَالِاسْم الْمُعظم فِي عمرك الله ينصب وَيرْفَع. أما النصب فقد قَالَ صَاحب
أَحدهمَا: أَن التَّقْدِير: أَسأَلك تعميرك الله أَي: باعتقادك بَقَاء الله فتعميرك مفعول ثَان وَاسم الله مَنْصُوب بِالْمَصْدَرِ.
وَالثَّانِي: أَن يَكُونَا مفعولين أَي: أسأَل الله تعميرك.
وَأما الرّفْع فقد ذكر ابْن مَالك عَن أبي عَليّ أَن المُرَاد عمرك الله تعميراً فأضيف الْمصدر إِلَى الْمَفْعُول وَرفع بِهِ الْفَاعِل.
وَكَذَا تقدم عَن الْأَخْفَش فقد اتّفق قولاهما على أَن اسْم الله تَعَالَى مَرْفُوع بِالْمَصْدَرِ على الفاعلية وَلَكِن أَبُو عَليّ يرى أَن نصب عمرك على الْمصدر والأخفش يرى أَنه مَنْصُوب على نزع الْخَافِض وَلِهَذَا كَانَ الْفِعْل الَّذِي يقدره أَبُو عَليّ: عمرتك وَالْفِعْل الَّذِي يقدره الْأَخْفَش: أَسأَلك.
وَأما قعدك الله بِكَسْر الْقَاف وَفتحهَا وَيُقَال: قعيدك الله أَيْضا فهما منصوبان بِتَقْدِير: أقسم بعد إِسْقَاط الْبَاء وهما مصدران بِمَعْنى المراقبة كالحس والحسيس وَقيل وصفان كخل وخليل بِمَعْنى الرَّقِيب الحفيظ فالمعني بهما هُوَ الله تَعَالَى وَالله بدل مِنْهُمَا وعَلى الأول مَنْصُوب بهما.
وَهُوَ الْجيد إِذْ لم يسمع أَنَّهُمَا من أَسمَاء الله تَعَالَى.
وَبَقِي على الشَّارِح الْمُحَقق ذكر عزمت وَأَقْسَمت فَإِنَّهُمَا يستعملان فِي قسم الطّلب. وَأما وَقَوله: بِدينِك هَل ضممت إِلَيْك ليلى.
-
هَذِه الْبَاء عِنْد من لم يثبت قسم السُّؤَال اسْمهَا بَاء الطّلب وَيجوز ذكر متعلقها كنشدتك بِاللَّه وَأَسْأَلك بِاللَّه. وحذفه أَكثر وَمِنْه هَذَا الْبَيْت.
قَالَ ابْن مَالك فِي التسهيل: ويضمر الْفِعْل فِي الطّلب كثيرا اسْتغْنَاء بالمقسم بِهِ مجروراً بِالْيَاءِ)
وَيخْتَص الطّلب بهَا. انْتهى.
وَلَو كَانَت للقسم لجَاز أَن يُقَال: أَحْلف بِاللَّه قُم وَنَحْوه. وَقد تحذف الْبَاء مَعَ الْمُتَعَلّق فِي الشّعْر كَمَا تقدم. وضممت إِلَيْك أَي: عانقتها وحضنتها. وَقَوله: قبيل الصُّبْح أوقبلت فاها رُوِيَ بدله: وَهل قبلت بعد النّوم فاها.
يُرِيد: هَل قبلته وشممت طيب رَائِحَته فِي وَقت تغير الأفواه. وَخص مَا بعد النّوم لِأَن الأفواه تَتَغَيَّر حِينَئِذٍ. وَالْمرَاد تَحْقِيق طيب نكهتها.
وَبعده:
(وَهل مَالَتْ عَلَيْك ذؤابتاها
…
كَمثل الأقحوان على نداها)
وَرُوِيَ بدله: رفت بِفَتْح الرَّاء الْمُهْملَة من رف لَونه يرف بِالْكَسْرِ رَفِيقًا ورفاً إِذا برق وتلألأ. أَرَادَ شدَّة سَواد شعرهَا. والرفيف يُوصف بِهِ خضرَة النَّبَات وَالْأَشْجَار.
-
قَالَ الشَّاعِر: فِي ظلّ أحوى الظل رفاف الْوَرق وصحفه ابْن الملا فِي شرح الْمُغنِي يَجْعَل الْمُهْملَة مُعْجمَة فَقَالَ: الزفيف إهداء الْعَرُوس إِلَى بَعْلهَا.
وغفل عَن قَوْله: رفيف الأقحوانة وَهِي البابونج. وقيدها بِكَوْنِهَا فِي نداها لِأَنَّهَا لَا أعطر مِنْهَا فِي تِلْكَ الْحَالة. والقرون: الذوائب جمع قرن بِفَتْح الْقَاف وَسُكُون الرَّاء.
والبيتان أوردهما الْأَصْفَهَانِي فِي الأغاني ونسبهما إِلَى الْمَجْنُون بن الملوح من بني عَامر وَقَالَ: مر الْمَجْنُون ذَات يَوْم بِزَوْج ليلى وَهُوَ جَالس يصطلي فِي يَوْم شات وَقد أَتَى ابْن عَم لَهُ فِي حَيّ الْمَجْنُون لحَاجَة فَوقف عَلَيْهِ ثمَّ أنشأ يَقُول:
(بِرَبِّك هَل ضممت إِلَيْك ليلى
…
قبيل الصُّبْح أَو قبلت فاها)
(وَهل رفت عَلَيْك قُرُون ليلى
…
رفيف الأقحوانة فِي نداها)
فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِذْ حلفتني فَنعم. قَالَ: فَقبض الْمَجْنُون بكلتا يَدَيْهِ من الْجَمْر قبضتين فَمَا فارقهما حَتَّى سقط مغشياً عَلَيْهِ وَسقط الْجَمْر مَعَ لحم راحتيه فَقَامَ زوج ليلى مغموماً بِفِعْلِهِ مُتَعَجِّبا وَزَاد ابْن جني فِي شرح تصريف الْمَازِني بَيْتا بعدهمَا وَهُوَ:)
(كَأَن قرنفلاً وسحيق مسك
…
وَصوب الغاديات شملن فاها)
وَتَقَدَّمت تَرْجَمَة مَجْنُون بني عَامر فِي الشَّاهِد التسعين بعد الْمِائَتَيْنِ.
وَأنْشد بعده: قعيدك أَن لَا تسمعيني ملامةً
هُوَ صدر وعجزه: ولاتنكئي قرح الْفُؤَاد فييجعا على أَن أَن فِيهِ زَائِدَة وَالْجَوَاب إِنَّمَا هُوَ النَّهْي. وَهَذَا جَوَاب سُؤال مُقَدّر وَتَقْدِيره: أَنَّك ذكرت أَن جَوَاب قسم السُّؤَال أَن يكون أمرا أَو نهيا أَو استفهاماً أَو مصدرا بإلا أَو لما وَهَذَا لَيْسَ أحد تِلْكَ الْخَمْسَة.
فَأجَاب بِأَن أَن زَائِدَة وَالْجَوَاب هُوَ النَّهْي. وَهَذَا وَإِن أمكن هُنَا فَلَا يَتَأَتَّى فِي نَحْو: نشدتك بِاللَّه أَن تقوم.
وَقد اعْتَبرهُ غَيره قَالَ أَبُو حَيَّان فِي شرح التسهيل: إِن الْجَواب يكون بِأحد سِتَّة أَشْيَاء وَهِي الِاسْتِفْهَام وَالْأَمر وَالنَّهْي وَإِلَّا وَلما وَأَن. وَمثل لَهُ بِمَا ذكرنَا. وَلم يذكرَا تصدر الْجَواب بإن الشّرطِيَّة نَحْو: بِاللَّه رَبك إِن دخلت فَقل لَهُ الْبَيْت
وَالظَّاهِر أَن إِن إِذا حلت هَذَا الْمحل يجب أَن يكون جوابها فعلا طلبياً كَمَا فِي الْبَيْت لِأَن الطّلب هُوَ الْمَقْصُود من هَذَا الْكَلَام وَجُمْلَة الشَّرْط لَيْسَ فِيهَا طلب فَتعين أَن يشْتَمل جملَة الْجَزَاء عَلَيْهِ.
وَلَيْسَ المُرَاد بِالطَّلَبِ هُنَا أَن يكون بصيغته بل المُرَاد بِهِ أَن يكون الْجَواب مَطْلُوبا للمتكلم سَوَاء كَانَ الطّلب بالصيغة أم بغَيْرهَا مِمَّا يفِيدهُ سِيَاق الْكَلَام وَلذَلِك جعلُوا من صور الْمَسْأَلَة نشدتك إِلَّا فعلت أَو لما فعلت وَقَالُوا: الْمَعْنى فِيهِ: مَا أَسأَلك إِلَّا أَن تفعل أَو مَا أطلب مِنْك إِلَّا أَن تفعل.
وَزَاد الشَّارِح الْمُحَقق على أبي حَيَّان وُقُوع اللَّام فِي الْجَواب نَحْو: بِاللَّه لتفعلن. وَقد أوردهُ الشَّارِح هُنَا مكرراً مرَّتَيْنِ مَعَ قرب مَا بَينهمَا.
وَالْبَيْت من قصيدة متمم بن نُوَيْرَة الصَّحَابِيّ رثى بهَا أَخَاهُ مَالك بن نُوَيْرَة. وَقد تقدم الْكَلَام عَلَيْهِ وعَلى عمرتك وعمرك وقعدك وأمثالها فِي الْمَفْعُول الْمُطلق فِي الشَّاهِد الْخَامِس والثمانين وَمَا بعده.)
وَأنْشد بعده
(لأورث بعدِي سنة يقْتَدى بهَا
…
وأجلو عمى ذِي شُبْهَة إِن توهما)
على أَن اللَّام فِيهِ لَام الِابْتِدَاء دخلت على الْمُضَارع للتوكيد وَلَيْسَت فِي جَوَاب قسم.
قَالَ ابْن هِشَام فِي الْمُغنِي: اخْتلف فِي هَذِه اللَّام الدَّاخِلَة على الْمُضَارع فَأَجَازَهُ ابْن مَالك والمالقي وَغَيرهمَا. زَاد المالقي الْمَاضِي الجامد نَحْو: لبئس مَا كَانُوا يعْملُونَ.
وَبَعْضهمْ الْمُتَصَرف المقرون بقد نَحْو: وَلَقَد كَانُوا عَاهَدُوا الله من قبل لقد كَانَ فِي يُوسُف وَإِخْوَته آيَات وَالْمَشْهُور أَن هَذِه لَام الْقسم.
وَقَالَ أَبُو حَيَّان فِي: وَلَقَد علمْتُم: هِيَ لَام الِابْتِدَاء مفيدة لِمَعْنى التَّأْكِيد وَيجوز أَن يكون قبلهَا قسم مُقَدّر وَأَن لَا يكون. انْتهى.
وَنَصّ جمَاعَة على منع ذَلِك كُله. قَالَ ابْن الخباز فِي شرح الْإِيضَاح: لَا تدخل لَام الِابْتِدَاء على الْجمل الفعلية إِلَّا فِي بَاب إِن. انْتهى.
وَهُوَ مُقْتَضى كَلَام ابْن الْحَاجِب وَهُوَ أَيْضا قَول الزَّمَخْشَرِيّ قَالَ فِي تَفْسِير: ولسوف يعطيك رَبك: لَام الِابْتِدَاء لَا تدخل إِلَّا على الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر.
وَقَالَ فِي لأقسم: هِيَ لَام الِابْتِدَاء دخلت على مُبْتَدأ مَحْذُوف وَلم يقدرها لَام الْقسم لِأَنَّهَا عِنْده مُلَازمَة للنون. وَكَذَا زعم فِي: ولسوف يعطيك رَبك.
وَقَالَ ابْن الْحَاجِب: اللَّام فِي ذَلِك لَام التوكيد وَأما قَول بَعضهم إِنَّهَا لَام الِابْتِدَاء وَإِن الْمُبْتَدَأ مُقَدّر بعْدهَا ففاسد من جِهَات: إِحْدَاهَا: أَن اللَّام مَعَ الِابْتِدَاء كقد مَعَ الْفِعْل وَإِن مَعَ الِاسْم فَكَمَا لَا يحذف الْفِعْل وَالِاسْم ويبقيان بعد حذفهما كَذَلِك اللَّام بعد حذف الِاسْم.
-
وَالثَّانيَِة: أَنه قدر الْمُبْتَدَأ فِي نَحْو: لسوف يقوم زيد يصير التَّقْدِير: لزيد سَوف يقوم. وَلَا يخفى مَا فِيهِ من الضعْف.
وَالثَّالِثَة: أَنه يلْزم إِضْمَار لَا يحْتَاج إِلَيْهِ الْكَلَام. انْتهى.
وَقَول الشَّاعِر: لأورث مضارع مَبْنِيّ للْفَاعِل وَهُوَ ضمير الْمُتَكَلّم متعهد إِلَى مفعولين تَقول: ورث زيد المَال فتعديه بِالْهَمْزَةِ إِلَى اثْنَيْنِ وَتقول أورثته المَال أَي: أكسبته إِيَّاه وَالْمَفْعُول الأول هُنَا مَحْذُوف وَالتَّقْدِير: لأورث النَّاس وَسنة الْمَفْعُول الثَّانِي.)
وَالسّنة: السِّيرَة حميدةً كَانَت أَو ذميمة وَهِي
الطَّرِيقَة. وَجُمْلَة: يقْتَدى بهَا بِالْبِنَاءِ للْمَفْعُول صفة لسنة.
وأجلو مَعْطُوف على أورث من جلوت السَّيْف وَنَحْوه إِذا كشفت صدأه جلاء بالكسلا وَالْمدّ.
والعمى هُنَا: عمى الْقلب مستعار للضلالة والعلاقة عدم الاهتداء. والشبهة: الظَّن المشتبه بِالْعلمِ ذكره أَبُو الْبَقَاء.
وَقَالَ بَعضهم: الشُّبْهَة: مشابهة الْحق للباطل وَالْبَاطِل للحق من وَجه إِذا حقق النّظر فِيهِ ذهب.
وَأَن توهم الْألف للإطلاق وَيجوز فِي أَن الْكسر وَالْفَتْح وفاعل توهم ضمير ذِي شُبْهَة ومفعوله مَحْذُوف للتعميم. والتوهم: الْخَطَأ فِي دَرك الشَّيْء. وَيُقَال: توهمت أَي: ظَنَنْت.
وَهَذَا الْبَيْت للمتلمس وَهُوَ شاهر جاهلي تقدّمت تَرْجَمته فِي الشَّاهِد التَّاسِع وَالسِّتِّينَ بعد الأربعمائة.
وَالْبَيْت من قصيدة عدتهَا تِسْعَة عشر بَيْتا أَولهَا:
(يعيرني أُمِّي رجال وَلَا أرى
…
أَخا كرم إِلَّا بِأَن يتكرما)
(وَمن كَانَ ذَا عرض كريم فَلم يصن
…
لَهُ حسباً كَانَ اللَّئِيم المذمما)
(أحارث لَو أَنا تساط دماؤنا
…
تزيلن حَتَّى مَا يمس دم دَمًا)
(أمنتفلاً من آل بهثة خلتني
…
أَلا إِنَّنِي مِنْهُم وَإِن كنت أَيْنَمَا)
(أَلا إِنَّنِي مِنْهُم وعرضي عرضهمْ
…
كذي الْأنف يحمي أَنفه أَن يهشما)
…
(وَهل لي أم غَيرهَا إِن تركتهَا
…
أَبى الله إِلَّا أَن أكون لَهَا ابنما)
(وَمَا كنت إِلَّا مثل قَاطع كَفه
…
بكف لَهُ أُخْرَى فَأصْبح أجذما)
(فَلَمَّا استقاد الْكَفّ بالكف لم يجد
…
لَهُ دركاً فِي أَن تَبينا فأحجما)
(يَدَاهُ أَصَابَت هَذِه حتف هَذِه
…
فَلم تَجِد الْأُخْرَى عَلَيْهِ مقدما)
(فَأَطْرَقَ إطراق الشجاع وَلَو يرى
…
مساغاً لنابيه الشجاع لصمما)
(وَقد كنت ترجو أَن أكون لعقبكم
…
زنيماً فَمَا أجررت أَن أتكلما)
لأورث بعدِي سنة
…
...
…
...
…
...
…
الْبَيْت)
قَالَ جَامع ديوانه أَبُو الْحسن الْأَثْرَم: قَالَ أَبُو عُبَيْدَة: كَانَ سَبَب هَذِه القصيدة أَن المتلمس كَانَ فِي أَخْوَاله بني يشْكر يُقَال: إِنَّه ولد فَمَكثَ فيهم حَتَّى كَادُوا يغلبُونَ على نسبه فَسَأَلَ عَمْرو بن هِنْد ملك الْحيرَة يَوْمًا الْحَارِث بن التوأم
الْيَشْكُرِي عَن نسب المتلمس فَقَالَ: يزْعم أَنه من بني ضبيعة أضجم. فَقَالَ عَمْرو: مَا هُوَ إِلَّا كالساقط بَين الفراشين. فَبلغ ذَلِك المتلمس فَقَالَ هَذِه القصيدة.
والمتلمس اسْمه جرير بن عبد الْمَسِيح أَخُو بني ضبيعة بن ربيعَة بن نزار.
وَقَوله: أحارث منادى. وتساط: تخلط. وتزيلن: افترقن. والمنتفل